أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - مدينة لكن بعقل قرية














المزيد.....

مدينة لكن بعقل قرية


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7057 - 2021 / 10 / 25 - 23:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قلت إن الحكم المدني هو ذلك الذي ينشأ في "المدينة" ويمارسه قلة من أهلها أو أكثريتهم في أشكال متعددة ما بين الديكتاتورية والديمقراطية، لكنها تبقى جميعاً "مدنية"، لأن الحاكمين في النهاية هم أنفسهم من "أهل المدينة" أيضاً. وحين تحتكر حكم المدينة فئة أو طائفة محددة، دينية أو مهنية أو عرقية أو غير ذلك، إلى حد استبعاد شركائها في المدينة من المشاركة الفعالة في الحكم يكتسب الأخير مسمى تلك الأقلية المحتكرة. لذا تظهر أشكال الحكم- الديكتاتورية بالضرورة- العسكرية نسبة إلى المؤسسة الأمنية كفئة مهنية واحدة وسط فئات المدينة المتعددة، أو الطائفية نسبة إلى طائفة دينية معينة من بين طوائف المدينة المختلفة، أو العرقية نسبة إلى عرق بالذات من بين الأعراق المستوطنة للمدينة...الخ.

كما قلت إن الديمقراطية- مشاركة أهل المدينة بدرجة مرضية في حكم مدينتهم- هي امتداد صحي وطبيعي للحكم المدني، ذلك الذي ينشأ في المدينة دون غيرها، ولا يمكن أبداً أن ينشأ في القرية، مثلاً. معنى ذلك أن الحكم الديمقراطي هو حكم مدني بطبيعته، ولا يمكن أن يكون غير ذلك. لكن ليس كل حكم مدني هو حكم ديمقراطي بالضرورة. هناك الديكتاتوريات المدنية أيضاً. وهنا يجب شد الخط الفاصل ما بين القرية والمدينة.
ما هو الفارق الحاسم ما بين القرية والمدينة، ذلك الذي يجزم بكون تجمع بشري ما قرية أو مدينة؟

إن كل تجمع بشري مهما كان ينتظم حول نسق من الروابط والعلاقات فيما بين أفراده ومكوناته. في القرية، البيولوجيا الأولية هي المحدد المحوري للروابط والعلاقات فيما بين أفراد الجماعة البشرية الصغيرة، حيث تلعب الأسرة والعائلة وعلاقات النسب والمصاهرة أدوراً مهمة في تسيير شؤون الجماعة ومصالحها. معرفة الأفراد لبعضهم البعض بالاسم والعائلة والعشيرة والقبيلة وما إلى ذلك هي حجز الزاوية لتنظيم حياتهم كلها في حدود القرية. وتُسن القواعد والأعراف المنظمة لحياة الجماعة القروية على أساس هذه المعرفة الشخصية، ومن ثم هي قواعد "مشخصنة"- أي مفصلة تفصيلاً حسب مقاسات أشخاص بذواتهم، كل منهم بحسب مقاسه المناسب. في مثل هذه البيئة، يستحيل أن تتشكل قوانين موضوعية ومحايدة، وهي شرط أساسي لقيام الدولة المدنية- سواء ديكتاتورية أو ديمقراطية.

حين تنضج الجماعة القروية الصغيرة وتتطور إلى مدينة، تضيع الروابط البيولوجية وسط الزحام وتصبح المعرفة الشخصية والعائلية الكافية بينهم مستحيلة، ومن ثم تتهيأ التربة لظهور رابط جديد- التصنيف الفئوي والمهني والطائفي والعرقي والديني وغير ذلك. تصبح فئة المرء أو مهنته أو طائفته أو عرقه أو دينيه بمثابة عائلته وعشيرته وقبيلته السابقة أثناء حياته في القرية. وهنا تفسح "الشخصنة" المجال أمام "المأسسة"، حيث القواعد والأعراف المفصلة تفصيلاً ليس على مقاس أشخاص بذواتهم لكن على مقاس مؤسسات بذواتها. وسط هذه البيئة، في ظل تواري الأشخاص لصالح المؤسسات، تصبح الظروف مواتية لوضع القوانين الموضوعية المحايدة ونشأة الدولة المدنية. فإذا توفرت درجة مرضية من التوازن بين المؤسسات في المشاركة في الحكم، كانت الديمقراطية لكن إذا غلبت مؤسسة ما على الأخريات بطريقة أو بأخرى اكتسب الحكم مسمى المؤسسة الغالبة وخصائصها.

في القرية توجد عائلات أساسها بيولوجي أولي متمثل في روابط الدم والقربى والمصاهرة والنسب، لكن في المدينة توجد مؤسسات أساسها فئوي متمثل في قواعد وقوانين وأعراف موضوعية محايدة تسعى كل فئة إلى تجييرها لمصلحتها الفئوية الخاصة بصرف النظر عن مصالح أشخاص بذواتهم. في قول آخر، طبيعة العلاقات فيما بين مكونات المجموعة البشرية هي المحدد الأساسي لمدى تطورهم ما بين القرية والمدينة.

ما هي، إذن، طبيعة العلاقات السائدة داخل المدن العربية المختلفة؟ هل استطاعت مدينة كبرى من أعرق وأضخم مدن العالم، مثل القاهرة ودمشق وبغداد، أن تنمي وتطور من المؤسسات "المدنية" ما هي جديرة به؟ وهل أفلحت مدناً مزدهرة تعتبر اليوم من أحدث وأجمل وأغنى مدن العالم، مثل دبي والرياض والدوحة، في تجاوز بدائية الروابط العائلية والانطلاق إلى ما تستحقه بنيتها التحتية فائقة التقدم من قواعد وقوانين حديثة وموضوعية؟ أم أن مدننا العربية العريقة والفاخرة على السواء لا تزال تعيش بعقول القرى الأولى؟

ماذا يمنع المدينة العربية من إنجاب وتنشئة مؤسسات "مدنية"، أو "مجتمع مدني" كما نسميه؟



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرويون على أرصفة المدن
- إنصافاً للتجربة الديمقراطية في العراق
- نحن البشر لن ننعم أبداً بالحياة على كوكب المريخ، أو أي مكان ...
- لا غنى عن حقوق الإنسان حتى في أوقات المحن
- شرعية حقوق الإنسان
- إلى أين أنت ذاهب يا سعيد؟
- إسلام الطالبان
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- الصين
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- المملكة المتحدة
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- الهند
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- إسرائيل
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها
- مصادر الثروة بجزيرة العرب
- هل الفتور الجنسي خطر على سلامة العلاقة الزوجية؟
- كوفيد 19 يفرق بين دول الشرق الأوسط
- بايدن يريد تقليد معجزة البنية التحتية الصينية لكنه لن يستطيع ...
- الإجهاد المائي: مشكلة عالمية تزداد سوءاً
- كورونا يغير العالم بحلول 2030
- هل الإنسان مهم حقاً؟
- حتى لا يجف النهر


المزيد.....




- اكتشاف حشرة عملاقة تشبه العصا في غابات أستراليا.. شاهد شكلها ...
- ولادة نادرة لصغير وحيد قرن أبيض في كاليفورنيا.. واسمه يكرّم ...
- يضم 3 مصريين ولبنانيا.. داخلية الكويت تعلن الإطاحة بتشكيل عص ...
- -استراتيجية إلهاء الناس-.. علاء مبارك يرد على تدوينة تتعلق ب ...
- -كل يوم أخشى أن أفقد طفلي-
- جهود الإنقاذ في كييف بعد مقتل ستة أشخاص إثر ضربات صاروخية رو ...
- فلسطينيون في غزة يخاطرون بحياتهم من أجل لقمة وحشد إسرائيلي ع ...
- دعوى على شركات طيران منخفضة التكلفة بسبب رسوم أمتعة يدوية
- روسيا تعلن مقتل ثلاثة أشخاص في هجمات أوكرانية بالطائرات المس ...
- بالصور.. لماذا سميت كنيسة الجثمانية بالقدس بكنيسة كل الأمم؟ ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - مدينة لكن بعقل قرية