أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - قرويون على أرصفة المدن














المزيد.....

قرويون على أرصفة المدن


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7056 - 2021 / 10 / 24 - 15:05
المحور: المجتمع المدني
    


"مدني" مشتق من "مدينة"، يعني ساكن المدينة، سواء الفرد بذاته أو الجماعة كلها ساكنة المدينة وأهلها. والكلمة "مدني" لا تمتد لتشمل القرية أو العشيرة أو القبيلة أو سوى ذلك مما هو دون "المدينة"، لسبب واضح هو أن تلك التجمعات البشرية تقوم وتنتظم حياتها على علاقات وروابط شديدة الاختلاف عن نظيراتها القائمة في "المدينة". وحين يكون المدني هو "ساكن المدينة"، هذا يعني بالتأكيد أن الوصف "مدني" يشمل كافة أفراد المدينة بوظائفهم وطوائفهم وتصنيفاتهم وأجناسهم وأديانهم وأعراقهم المختلفة، أو في قول آخر يشمل كل ما يتصل بهؤلاء المدنيين وما ينتج عنهم.

هكذا، لا يقال أن من يمتهن، مثلاً، العسكرية أو الأمن أو الدين أو السياسة أو الطب أو المحاماة أو أي مهنة أخرى ليس "مدنياً"، طالما كان من بين "سكان المدينة" وأبنائها. الصفة الحاكمة في التصنيف ليست المهنة أو الديانة أو لون البشرة أو المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية أو أي شيء آخر مما يفرق بين سكان المدينة ويمايز بينهم. بل هي في المكان، في "المدينة" حيث يستوطنون. وطالما أنهم جميعاً يستوطنون نفس "المدينة"، إذن هم جميعاً بلا استثناء "مدنيون"، متساوون بالمطلق في سكناهم واستيطانهم لذات "المدينة"، وفي حقوقهم وواجباتهم تجاهها.

الحكم فيما دون المدينة، في القرية أو العشيرة أو القبيلة أو غير ذلك، له خصائص شديدة الاختلاف عنه في المدينة، وليس هنا محل التفصيل فيها. باختصار، طبيعة الحكم دون المدنية بدائية وتقوم على روابط القرابة والدم والعصبية، وهي جميعاً لا يمكن أن تفضي إلى ما يعرف "حكم مدني"، الذي بدوره قد يتطور إلى "حكم ديمقراطي". لنترك أشكال الحكم ما دون المدنية جانباً الآن ونركز على المدينة.

ليس معنى أن شخص ما ذو مهنة عسكرية أو دينية، مثلاً، يترأس الحكم في المدينة، أن الحكم ليس "مدنياً" وأصبح عسكرياً أو دينياً. هذا غير دقيق. الحكم المدني معناه أن "يشارك سكان المدينة، أهلها، بدرجة أو بأخرى في حكم أنفسهم وتنظيم شؤون حياتهم بطريقتهم ووسائلهم الخاصة. وأهل المدينة هؤلاء منهم بالطبع العسكري ورجل الدين وغير ذلك. إذن، الشرط الحاكم لطبيعة الحكم "المدنية" في المدينة هو "مشاركة أهل المدينة"- سواء من خلال عدد صغير ومحدود أو عبر الأغلبية أو النسبة المرضية منهم، في حكم المدينة وتسيير شؤونها ومنافعها.

في الواقع، هذه المشاركة لا يمكن أبداً أن تكون شاملة، أو منصفة بالكامل. بل تكون عبر نسب ووسائل مختلفة. لكن تبقى دائماً غاية "إشراك كل أهل المدينة أو أكبر عدد ممكن منهم" بطريقة أو بأخرى، والتوسعة المستمرة لهذه المشاركة وعدم التضييق عليها وخنقها، تبقى شرطاً جوهرياً لأي حكم مدني حقيقي. فإذا ما بلغت نسبة مشاركة "أهل المدينة" في حكم أنفسهم مستويات مرضية ومستقرة، حينئذ يمكن وصف نظام الحكم المتبع "ديمقراطياً" أو "مدنياً ديمقراطياً"، حتى لو كان رجل عسكري أو ديني هو من يتربع على سدة الحكم. في المقابل، حين تتراجع هذه النسبة إلى حدود غير مرضية، حينئذ تصبح طبيعة الحكم أي شيء آخر عدا "مدنية" أو ديمقراطية". وتتحدد "مرضية" أو "غير مرضية" هذه من وجهة نظر سكان المدينة أنفسهم.

مرة أخرى، "مدنية" تعني أن أهل المدينة هم من يحكمون مدينتهم. السؤال هو: كم هي النسبة من كل أهل المدينة وطوائفها يشاركون في هذا الحكم عبر الوسائل المختلفة. إذا بلغت النسبة الصحية، كان النظام ديمقراطياً، ودونها غير ذلك.

حين تحتكر الحكم طبقة ما، فئة ما، أقلية ما، طائفة ما، أو مهنة ما من طبقات أو فئات أو مجموع أو طوائف المدينة إلى حد حرمان شركاؤها في "المدينة" أو التضييق عليهم ومحاصرتهم بدرجة أو بأخرى، تتحول طبيعة الحكم إلى القهر والاستبداد والديكتاتورية بدرجات متفاوتة ويكتسب صفة هذه الطبقة أو الفئة أو الأقلية أو الطائفة أو المهنة، ليصبح برجوازي، أو بروليتاري (حكم العمال)، أو عسكري أو ديني أو غير ذلك. قد يحتكر الحكم، أو نصيب الأسد منه، الأغنياء أو العسكريون أو الأمراء أو الفقهاء أو رجاء المال والأعمال والنفوذ، أو الشركات الكبرى ومتعددة الجنسيات، أو حتى تجار المخدرات والمجرمون والعصابات ممن يملكون من الوسائل ما يكفي لفرض سيطرتهم وقانونهم وحكمهم بالقوة- وبالإقناع وسحر الكلمة أحياناً- على بقية شركائهم في المدينة.

في الختام، الحكم المدني هو حكم أبناء المدينة ولا يوجد سوى في المدينة فقط. والحكم الديمقراطي هو امتداد طبيعي وصحي للحكم المدني فقط. بمعنى، القرية أو القبيلة لا يمكن أن توصل إلى "مدنية" أو "ديمقراطية" على الإطلاق. المدنية والديمقراطية في المدينة. لابد أن تنمو القرية وتتطور إلى مدينة أولاً، وتطور بالتزامن روابط وقواعد وقوانين وأعراف وعلاقات المدينة، أو البنية التحتية الثقافية المدنية.

هل نشأت وتطورت المدينة حقاً في العالم العربي؟ وهل نحن فعلاً سكان مدنيون نحيا في كنف أنظمة حكم مدنية، استبدادية أو ديمقراطية؟ هل تحكمنا نظم وقواعد وقوانين "المدينة" أم أن روابط ودماء وعصبية القرى والعائلات والقبائل لا تزال تجري في عروقنا من تحت جلودنا، وهي الحاكمة لأفكارنا وأفعالنا في الحقيقة؟



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنصافاً للتجربة الديمقراطية في العراق
- نحن البشر لن ننعم أبداً بالحياة على كوكب المريخ، أو أي مكان ...
- لا غنى عن حقوق الإنسان حتى في أوقات المحن
- شرعية حقوق الإنسان
- إلى أين أنت ذاهب يا سعيد؟
- إسلام الطالبان
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- الصين
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- المملكة المتحدة
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- الهند
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- إسرائيل
- دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها
- مصادر الثروة بجزيرة العرب
- هل الفتور الجنسي خطر على سلامة العلاقة الزوجية؟
- كوفيد 19 يفرق بين دول الشرق الأوسط
- بايدن يريد تقليد معجزة البنية التحتية الصينية لكنه لن يستطيع ...
- الإجهاد المائي: مشكلة عالمية تزداد سوءاً
- كورونا يغير العالم بحلول 2030
- هل الإنسان مهم حقاً؟
- حتى لا يجف النهر
- رآيت مناماً


المزيد.....




- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - قرويون على أرصفة المدن