أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - معضلة فلاديمير بوتين الفكرية.















المزيد.....

معضلة فلاديمير بوتين الفكرية.


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7266 - 2022 / 6 / 1 - 17:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حرب روسيا في أوكرانيا تعويض لضعف بنيوي داخلي
بول بيرمان، مؤلف كتاب "السلطة والمثاليون"، من بين كتب أخرى.
**
رد نيكولاس الأول باجتياح المجر، مصورًا هاتين الحربين - ضد بولندا والمجر- كحربين دفاعيتين لكن بشكل هجومي. كانتا مجرد "عملية عسكرية خاصة" تهدف للوقاية من انتشار عدوى الأفكار التخريبية إلى روسيا عبر سحق جيران ثوريين، مع الأمل المضاف لاستئصال النزعة الثورية من المنطقة بأسرها كذلك.

نجحت كلتا الحربين ومنيت ثورة 1848 بالهزيمة على صعيد القارة الأوروبية، ليجني نيكولاس الأول مكاسب جمة ويتحول إلى "شرطي أوروبا." وبفضل انتصاراته عاشت الدولة القيصرية لجيلين أو ثلاثة أجيال قادمة، حتى تحقق أخيرًا كل ما كان يخشاه وتغلغلت بذرة الديمقراطيين الاشتراكيين الألمان وغيرهم من التيارات الليبرالية والثورية الأخرى الآتية من جهة الغرب في التربة الروسية. حدث ذلك في عام 1917 حين كان حفيده، نيكولاس الثاني، هو القيصر.

انهارت الدولة الروسية الهشة، لكي تبعث من جديد في صورة ديكتاتورية شيوعية. لكن بقيت الديناميكية الأساسية هي نفسها. كانت نظرة ستالين للتيارات الليبرالية أو التحررية الآتية من الغرب مماثلة لنظرة نيكولاس الأول، حتى لو استعمل ستالين مفردات غير التي استعملها القيصر للتعبير عن استيائه وقلقه. مضى ستالين لسحق التطلعات الليبرالية أو التحررية عبر الاتحاد السوفيتي، وأجهز عليها كذلك في ألمانيا التي كانت هدفًا مبكرًا لسياسته الألمانية المتمحورة حول تدمير الديمقراطيين الاشتراكيين قبل النازيين؛ وفي إسبانيا خلال حربها الأهلية، كانت سياسته تتمحور حول تدمير غير الشيوعيين من اليسار الإسباني بنفس القدر أو أكثر مثل الفاشيين. وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، سارع ستالين إلى سحق نفس تلك التطلعات في كل شبر من أوروبا وقع تحت سيطرته. حقًا، كان جبّارًا.

لكن تبين أيضًا أن خروتشوف، الذي لم يكن جبّارًا، لا يختلف في شيء عن نيكولاس الأول. إذ حين قررت المجر الشيوعية في 1956 أن تستطلع بعض الاحتمالات الليبرالية المتواضعة للغاية، اشتم خروتشوف من ذلك خطرًا عظيمًا على الدولة الروسية، وفعل نفس ما فعله سلفه نيكولاس الأول- اجتاح المجر. ثم وصل بريجنيف إلى السلطة، ليبرهن أنه من نفس الطينة. بريجنيف أيضًا اجتاح تشيكوسلوفاكيا على خلفية انتشار عواطف تحررية وسط القادة الشيوعيين هناك. وهي أيضًا نفس السوابق لحرب بوتين الصغيرة النطاق ضد جورجيا الحديثة العهد بالليبرالية والثورية ولاحتلاله شبه جزيرة القرم من أوكرانيا الثورية في 2014. كل واحدة من تلك الحروب خلال القرن التاسع عشر والعشرين والواحد والعشرين شُنت بقصد الحفاظ على الدولة الروسية عبر منع العبير الفلسفي الشذي للأفكار الليبرالية والتجارب الاشتراكية من التطاير وعبور الحدود إلى روسيا. ونفس هذا المنطق هو ما قد أفضى إلى الحرب الأشرس من الجميع، هذه الدائرة الآن في أوكرانيا.

وحده بوتين الذي وقع في إشكالية لغوية وخطابية لم يعهدها أي من أسلافه. نيكولاس الأول في ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر كان يعرف بالضبط كيف يصف حروبه ضد الأفكار والحركات الليبرالية في وسط أوروبا. كان ذلك عبر استدعاء مبادئ الملكية الروحانية والأرثوذكسية. كان يعرف ما يدافع عنه وما يحارب ضده. كان نصيرًا للمسيحية الحقة والتقاليد المقدسة، وكان عدوًا للإلحاد الشيطاني، والضلال، والفوضى الثورية.

كانت مبادئه تبعث على النفور والامتعاض وسط أصدقاء الثورتين الفرنسية والأمريكية، لكنها استدعت الاحترام والإعجاب وسط أصدقاء الملكية والنظام الذين كانت لهم، بمساعدة منه نفسه، اليد الطولي عبر أوروبا. كانت مبادئه نبيلة وموقرة وجليلة وعميقة، مبادئ كونية ذات مقام رفيع، وهو ما جعلها جديرة بالعظمة التي وقفت لها روسيا- مبادئ لكل البشرية، مع العاهل الروسي والكنيسة الأرثوذكسية يحملان المشعل. كانت مبادئ حية، ضاربة بجذورها في أعماق واقع الحياة خلال تلك الحقبة، حتى لو كانت محتجبة وراء الأدخنة والأبخرة، وبوأت القيصر ومستشاريه وضعًا يتيح لهم التفكير بشكل واضح واستراتيجي.

بالمثل كان ستالين وخروتشوف وبريجنيف يعرفون كيف يصفون حروبهم ضد الليبراليين والمخربين. كان ذلك عبر استدعاء مبادئ الشيوعية التي كانت، هي أيضًا، جليلة وكونية. كانت مبادئ للتقدم البشري، مع روسيا لا تزال في صدارة الركب- مبادئ للعالم أجمع. هذه المبادئ أثارت التأييد والإعجاب في كل بلد كانت فيه الأحزاب الشيوعية قوية، وأحيانًا حتى وسط غير الشيوعيين الذين قبلوا بحجة أن الحروب السوفيتية كانت معادية للفاشية. وهكذا كانت المبادئ الشيوعية مؤصلة بالمثل في واقع الحياة خلال تلك الحقبة، وهو ما بوأ القادة الشيوعيين وضعًا مكنهم من صنع حساباتهم الاستراتيجية الخاصة بروح من الوضوح والثقة بالنفس.

لكن أي نوع من العقيدة الفلسفية يستطيع بوتين أن يدعيه لنفسه؟ لا شك أن المنظرين الموالين قد حاولوا اختلاق واحدة له، من نوع فاخر، قادرة على توليد لغة مفيدة للتفكير حول موقف روسيا في لحظتنا الحالية وفي المعضلة الأزلية للدولة الروسية. لكن خذله هؤلاء المنظرون، الذين ربما كان حري به أن يأمر بقتلهم. ربما الإخفاق ليس فعلًا ذنبهم، وهذا أيضًا ليس سببًا وجيهًا لعدم قتلهم. العقيدة الفلسفية لا تصنع بالأمر، بالطريقة التي يكتب بها مستشارو الرؤساء خطاباتهم. العقيدة الصادقة إما أن تكون موجودة، أو غير موجودة. وهكذا وجد بوتين نفسه مضطرًا لتلقف كل ما يطفو حوله، فكرة من هنا وأخرى من هناك والربط بينها بعقدة ما.

لم يستعر بوتين شيء تقريبًا من الشيوعية، باستثناء رواسب الكراهية للنازية المتبقية من الحرب العالمية الثانية. وأفرط في التشديد على معاداته للنازية، وهو ما ساهم بقسط وافر من التأييد الذي نجح في إذكاءه وسط مواطنيه الروس. لكن معاداة النازية، من نواحي أخرى، لا تشكل عنصر قوة في عقيدته. لا شك أن دور النازيين الجدد في أوكرانيا خلال السنوات الأخيرة كان ملحوظًا، ولو في صورة الجداريات وتظاهرات الشوارع من حين لآخر. لكنه لم يكن دورًا كبيرًا، ولا حتى صغيرًا. كان مجرد دورًا هامشيًا، وهو ما يعني أن تشديد بوتين على النازيين الجدد الأوكرانيين، المفيد لشعبيته داخل روسيا، يقحم أيضًا انحرافًا كبيرًا في تفكيره.

من هنا مصدر قناعته المضللة أن أعدادًا غفيرة من الأوكرانيين، المرعوبين من النازيين الجدد، سيقابلون بالورود الدبابات الروسية بمجرد أن تجتاز الحدود. لا شيء آخر من الشيوعية يتبقى في تفكيره. بل على العكس، تحدث بوتين بحسرة عن أن العقيدة الشيوعية الرسمية في الماضي كانت تشجع الاستقلال الذاتي لأوكرانيا بدلاً من تشجيع إخضاع الأوكرانيين للأمة الروسية الأكبر. وهكذا لا يمكن المساواة بين موقف لينين بشأن ما اعتاد على تسميتها "القضية الوطنية" وبين موقف بوتين منها.

غير أن بوتين قد استعار في المقابل الكثير من ملكية القياصرة الروحانية. استعار حس عادات السلف الصالح، الذي يقوده إلى استدعاء دور كييف في تأسيس الأمة الروسية خلال القرن التاسع عشر، والحروب الدينية من القرن السابع عشر بين الكنيسة الأرثوذكسية (الفرقة الناجية) والكنيسة الكاثوليكية الرومانية (الفرقة الهالكة). الملكية ليست مرادف الوطنية، لكن بوتين يضفي على قراءته الخاصة للماضي الملكي والديني تفسيرًا وطنيًا، مثل إبراز النضال الأرثوذكسي ضد الكاثوليكية كنضال وطني للروس الذين بحسب تفسيره يشملون الأوكرانيين، ضد البولنديين. وهو يستدعي تمرد القوزاق البطولي خلال القرن السابع عشر تحت قيادة هيتمان بوهدان خملنيتسكي، رغم إغفاله عن عمد أي ذكر لدور خملنيتسكي الإضافي كقائد لبعض من أبشع المذابح في التاريخ.

في الحقيقة، لا يوجد شيء عظيم أو نبيل في قراءة بوتين الوطنية للماضي. فاستدعاءه لتاريخ الكنيسة يوحي بعظمة الروحانيات الأرثوذكسية لكنه لا يجسدها على ما يبدو، تمامًا كما لو كانت الأرثوذكسية، بالنسبة له، مجرد فكرة عارضة أو حلية. ويمكن القول إن الوطنية التي يتشدق بها بوتين تتشابه سطحيًا فقط مع الوطنيات الرومانتيكية المتعددة السائدة عبر أوروبا خلال القرن التاسع عشر والسنوات الموصلة إلى الحرب العالمية الأولى. كانت تلك الوطنيات، المستعارة من الماضي، مجرد نسخ من الكونية التي ادعت فيها كل وطنية منفصلة، في تمرد ضد كونية الديكتاتوريين اليعقوبيين أو الإمبراطوريات المتعددة الإثنية، برسالة خاصة للبشرية جمعاء.

لكن وطنية بوتين لا تدعي رسالة خاصة من هذا النوع. وهي وطنية صغرى وليست من النوعية العظمى. هي وطنية بلد صغير- وطنية ذات صوت متناه الصغر والضعف، أشبه بصوت الوطنية الصربية خلال التسعينيات يتشدق بأحداث وقعت خلال القرن الرابع عشر. هي، بالتأكيد، صوت غاضب، لكن ليس على طريقة الشيوعيين العميقة والمدوية. مجرد زعيق صاخب ضد المنتصرين في الحرب الباردة. صوت رجل قد جرحت كرامته. التمدد المطرد من الناتو الظافر يغضبه. وهو يغلي.
....يتبع
____________________________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://foreignpolicy.com/2022/03/13/putin-russia-war-ukraine-rhetoric-history/



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معضلة فلاديمير بوتين الفكرية
- كيسنجر مقابل سوروس بشأن روسيا وأوكرانيا
- الغرب منقسم حيال مآل الحرب في أوكرانيا
- بوتين يحكم روسيا كمصحة نفسية
- لعبة الشياطين والملائكة
- يهوه-إله بني إسرائيل
- ثورة ذوات المحركات
- تفجير الثقافة العربية الإسلامية من الداخل
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا-2
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا-1
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا
- ولاد الحرام
- التحول من الفلسفة إلى الدين: مقتل هيباتيا
- كائنات جبارة من صنع البشر
- الكائن المفكر الأوحد
- مع إبليس- الوجود الإدراكي التطوري
- لقاء مع إبليس- المساواة في الوجود
- لقاء مع إبليس
- كيف أصبحت الكلاب من أعز أصدقائنا: رحلة ممتدة منذ القدم حتى ا ...
- الاحتكار وابن عمه الشرير


المزيد.....




- مشهد صادم.. رجل يتجول أمام منزل ويوجه المسدس نحو كاميرا البا ...
- داخلية الكويت تعلن ضبط سوداني متهم بالقتل العمد خلال أقل من ...
- مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت
- صابرين جودة.. إنقاذ الرضيعة الغزية من رحم أمها التي قتلت بال ...
- هل اقتصر تعطيل إسرائيل لنظام تحديد المواقع على -تحييد التهدي ...
- بعد تقارير عن عزم الدوحة ترحيلهم.. الخارجية القطرية: -لا يوج ...
- دوروف يعلّق على حذف -تليغرام- من متجر App Store في الصين
- أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته أربك حسابات إسرائيل
- الرئاسة الأوكرانية تتحدث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة وتحدد أط ...
- حدث مذهل والثالث من نوعه في تاريخ البشرية.. اندماج كائنين في ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - معضلة فلاديمير بوتين الفكرية.