أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - رعايا في مملكة الملك














المزيد.....

رعايا في مملكة الملك


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7414 - 2022 / 10 / 27 - 11:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الرعية لا هو رجل حر، ولا هو عبد. يعرف أفلاطون الرجل الحر بمن يملك إرادته، بينما إرادة العبد ملك لسيده الذي اشتراه بماله الخاص بموجب صك ملكية رسمي كان يجيزه العرف الاجتماعي والنظام السياسي السائدان آنذاك. وليس ثمة أحد يدعي أن الرعية يباع أو يشترى كما العبيد في أسواق النخاسة، أو أن ثمة سيد قائم عليه ويتولى أمره بموجب صك رسمي. بل هو حر، ليس لأحد سند ملكية على جسده، لكن إرادته مسلوبة. أو أن الرعية، في قول آخر، هو رجل حر لكن من دون إرادة حرة؛ فلا هو حر كامل الحرية ولا عبد كامل العبودية. لكنه في منزلة بين هذا وذاك، أو ما يمكن تسميته بالحر المستعبد. ومن ذا الذي قد سلبه حريته واستعبده؟

يتأسس النظام الملكي حول رجل حر متنفذ يجمع من وسائل القوة والنفوذ ما يمكنه من أن يفرض بحد السيف إرادته الفردية فوق مساحة محددة من الأرض بما فيها ومن عليها. حين ينتصر جيش هذا الرجل القوي ويقضي على من كان قبله وعلى أي مزاحم أو خصم آخر لحكمه، يسود وتصبح الأرض كلها بعدما اكتسحها جيشه، والناس جميعهم بعدما استسلموا لقوته، ملكاً خاصاً يحق له التصرف فيه كيفما شاء وأن يورثه لأبنائه من بعده. مملكة الملك هي ملك خالص دون منازع للملك المؤسس أو الفاتح. وعلى كل من تسول له نفسه لأن ينازع الملك القائم في ملكه أن يلاقيه قوة ضد قوة، قتال ضد قتال، أو جيش ضد جيش؛ فإما هازم أو مهزوم. شرعية الملك تتأسس على القوة، ولا تنتزع بغيرها.

ربما كان الناس الذين يعيشون على هذه الأرض أحراراً قبل أن يأتيهم هذا الرجل القوي بجيشه. لكنهم بعد هزيمتهم في المعركة أصبحوا رهناً لأمره: إما أن يقتلهم أو يبقي على حياتهم. فمن اختار منهم الاستسلام والإذعان لإرادته وحكمه، ورأي هو فيهم منفعة لملكه، منحهم الأمان ليعيشوا في سلام داخل مملكته؛ ومن اختار غير ذلك، أو رأى هو فيهم تهديداً لملكه، أمر بقتلهم أو التخلص منهم بطريقة ما. هكذا لا يبقى في مملكة الملك سوى الملك من جهة، والناس المهزومين المستسلمين والمذعنين لإرادته من الجهة الأخرى. هؤلاء المهزومون المستسلمون والمذعنون لإرادة الملك هم الرعايا- الذين ربما كانوا أحراراً من قبل لكنهم بهزيمتهم واستسلامهم وإذعانهم فقدوا حريتهم الفطرية من أجل علاقة جديدة مع ملكهم الجديد.

هذه العلاقة الجديدة الناشئة بحد السيف يربطها ميثاق غليظ بين الملك المنتصر وهؤلاء المهزومين: الأمان مقابل الطاعة، أو أبقي على حياتكم في مقابل الإذعان الكامل لأوامري. بموجب هذا الميثاق يسلم هؤلاء الناس الأحرار قبل هزيمتهم إراداتهم لملكهم الجديد، ليتحولوا إلى مسلوبين الإرادة أو متنازلين عنها كرهاً تحت حد السيف، ولا يتبقى في المملكة كلها سوى إرادة واحدة مطلقة - إرادة الملك- وكل ما عداها رعية، أو شخص مسلوب الإرادة ملتزم بميثاق الطاعة للملك. فإذا ما نقض أحد الرعية وعد الطاعة للملك، أصبح من حق الملك أن يحل دمه؛ وفي المقابل إذا ما نقض الملك وعد الأمان، استرد الرعية حريته التي سلبها منه الملك بحد السيف إما ليذود عن نفسه بنفسه أو ليودعها رجل حر قوي آخر قادر على أن يضمن له الأمان، ومن ثم يصبح ملكه الجديد. لا يوجد في مملكة الملك سوى رجل حر واحد فقط هو الملك، وإرادة حرة واحدة فقط- إرادة الملك. كما لا وجود لإرادة عامة من أي نوع، وكلمة الملك هي والقانون سواء.

كان هذا النظام الملكي سائداً منذ القدم ومعاصراً لأفلاطون في بلاد فارس (إيران). وعلى الرغم من كراهية أفلاطون الشديدة لمثل هذا النوع من الحكم الاستبدادي المطلق، غير أنه كان يجد فيه منفعة كبرى لضمان بقاء الجماعة البشرية حتى لو كان الثمن سلبها حريتها بحد السيف. فحتى لو كان مثل هذا الحكم يسلب الجماعة البشرية حريتها لكنه، من وجهة نظر أفلاطون، كان لا يزال قادر على أن يحفظ لها وجودها وكيانها، مقارنة بحالة اللاحكم أو الفوضى التي تفقد فيها الجماعة البشرية كل شيء، حتى وجودها ذاته. فلا عدو للجماعة وحياتها أبشع من الفوضى.

الناس في مملكة الملك لا هم رجال أحرار يملكون إرادتهم، ولا هم عبيد مملوكين عرفاً أو قانوناً لآخرين، ولا هم مواطنون شركاء في الوطن، بل هم رعايا في مملكته وحده لهم عليه حق الأمن والرعاية - طالما بقيوا له خاضعين ومطيعين.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب بوتين في أوكرانيا قد تضيع منه روسيا
- التمثيل النسبي للإرادة العامة
- ديكتاتورية العامة- الجمهورية
- ديكتاتورية القلة/الكادر واغتصاب الإرادة العامة
- الديكتاتورية الأفلاطونية
- توحيد وقومية
- الفيل في المنديل- شيطنة الفضول
- إلهٌ بحجم الجيب
- الكتالوج الرباني
- مسلمون بحالة المصنع
- ماذا تعني ’التعبئة الجزئية‘ الروسية؟ 2
- ماذا تعني ’التعبئة الجزئية‘ الروسية؟
- آلهة وبشر في علاقة تبادلية
- ثلاث سيناريوهات لنهاية حرب بوتين 2
- ثلاث سيناريوهات لنهاية حرب بوتين
- البيض الأمارة - نظرة ثقافية
- الدين في العالم القديم 4
- الدين في العالم القديم 3
- الدين في العالم القديم 2
- الدين في العالم القديم


المزيد.....




- -آمل أن أعيش لأكثر من 130 عامًا-.. احتفالات بعيد ميلاد الدال ...
- مصر.. أحمد الرافعي يثير قلق زوجته وأشرف زكي يوضح ملابسات -اخ ...
- وفدان مصري وإسرائيلي يتوجهان إلى الدوحة لإجراء محادثات بشأن ...
- شاهد.. خندق إسرائيلي يقطع شريان حياة قرية فلسطينية بالخليل
- دكتور سترينجلوف وتخفي الجنون في ثوب -الإستراتيجية-
- بالصور.. حرائق وفيضانات في العالم تخلف عشرات القتلى
- تخيفها الألعاب النارية.. شاهد ما يفعله خبراء مع الحيوانات لت ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن والحوثيون ...
- -ثأر الله من بني أمية-.. مقتدى الصدر يثير تفاعلا بتدوينة في ...
- منصة رقمية لدعم المصممين في تحقيق الاستدامة


المزيد.....

- نقد الحركات الهوياتية / رحمان النوضة
- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - رعايا في مملكة الملك