|
سوريا، أَنْتِ هُنَا؟
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 7434 - 2022 / 11 / 16 - 20:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد حرب، وُضِعت تحت الاحتلال. هاجت وماجت إلى أن نالت استقلالها وسيادتها وغادرتها القوات الأمريكية. ثم اجتاحتها داعش حتى مشارف بغداد، وأعلنت كردستان الاستقلال. لكنها نجت، وبقيت هنا، بصحبة الأمم. قبل أيام اقتحم بعض الأنصار المنطقة الخضراء في قلب العاصمة واحتلوا البرلمان، أكلوا وشربوا وتغوطوا وناموا، ثم خرجوا يتقاتلون من حوله. كل مرة قد يخيل للشامت أو المتربص أنها الأخيرة أخيراً، بعد آلاف السنين منذ حمورابي. لكنها في كل مرة سرعان ما تلملم أطرافها وتنهض صارخة في وجه الجميع: أنا هُنَا.
لما داهمت جبهة تيغراي أبواب عاصمته أديس أبابا، لم يمنع وشاح نوبل أبي أحمد من ارتداء بزته العسكرية والخروج لقتالهم بنفسه. وقتل ونكل وشرد وأجرم بأبشع مما فعلوا، ودحرهم. وحين دُعي إلى الجلوس معهم على طاولة واحدة، جلس وتحدث، بل واتفق معهم بصفته الممثل الشرعي والوحيد للأمة. في الحرب والسلام، برهن أحمد للجميع أن إثيوبيا هُنَا.
في لبنان دولة مُعَطلة ومُفْلسة، أو بالأحرى عدة دويلات أو ضواحي متنافرة دائمة الخلاف والشد والجذب الذي يصل حد الاقتتال فيما بينها من حين لآخر. لكنهم جميعهم موجودون على الأرض، يتصارعون فيما بينهم أحياناً ويختلفون كثيراً ويتفقون نادراً. كلهم يجمعهم وطن واحد، ويجلسون بين الشد والجذب على مقاعد متصلة بعضها بعضاً داخل القاعة نفسها. حتى لو ظلوا مختلفين أمد الدهر، طالما جمعهم الوطن نفسه، والقاعة نفسها، ستبقى لبنان دائماً هُنَا، منارة الوطن العربي وملتقى العالم.
في ليبيا واليمن لا توجد سلطة مركزية منذ أكثر من عقد من الزمن. والسودانيون يرفضون القبول بحكم العسكريين ويتظاهرون اعتراضاً ضدهم في الشوارع منذ عدة أعوام. لكن في هذه البلدان الثلاثة كل الأطراف والفرق داخل أرض الملعب، وأي منهم لم يستطيع أن يحسم المباراة لصالحه بعد. هذه هي المسألة الحقيقية: أن يبقى اللاعبون في أرض الملعب ويلعبون معاً، مهما كان أسلوب اللعب خشناً وعنيفاً ومنتهكاً للقواعد والقوانين. مهما طال أمد المباراة حتماً سيجلسون معاً حين ينال منهم التعب والإعياء، وسيبحثون مجبرين عن مخرج من النفق المظلم، وإلا هلكوا جميعاً.
كان داعمه الرئيس قد سقط مغشياً عليه للتو، وعدوه اللدود يزأر مغتراً بقوته في فناء منزله. ظن الجميع أنها نهايته لا محالة، لكن الأسد لم يخف، بل خرج وشارك في عملية إخراج صدام حسين من الكويت ونجا بنفسه. لم يكن حافظ الأسد أقل شراسة ووحشية من نجله بشار، لكنه بالتأكيد كان أكثر حنكة ودهاء. وقد أخفق الابن في كل ما برع فيه الأب. في النهاية، نحن في الشرق الأوسط، قلب العالم النامي، حيث الفقر والمرض والديكتاتورية والوحشية وانتهاك حقوق الإنسان وكل الرذائل في أبشع صورها. كل ذلك معتادين ومتكيفين عليه منذ آلاف السنين، لدرجة أنه أصبح جزء أصيل من ثقافتنا وصفاتنا وجيناتنا الوراثية. وهو في كل الأحوال لم ولا يمنعنا من أن نحيا ونستمتع ونلهو بحياتنا، ونقيم الولائم والأعياد والمناسبات السعيدة والأفراح والليالي الملاح ونأكل ونشرب ونسرف ونتبرج ونتبهرج ونتزوج وننجب ونتكاثر بمعدلات تفوق مثيلاتها في أي بقعة من العالم. الشرق الأوسط غابة، قواعد العيش فيها بدائية وقاسية والبقاء فيها دائماً للأقوى؛ لكنه يظل غابة مفعمة ونابضة بالحياة والحركة، والفوضى والقلاقل والاضطرابات والمجازر والأحداث الجلل التي قد يشيب لها ولدان العالم الهادئ والمستقر والمتحضر.
بشار حرق الغابة، ليبقي وحده مكشوفاً من دون شجرة يحتمي أو يستظل بها وقت الحاجة، من دون عشب أخضر يركض عليه ويمتص صدمة تعثره، ومن دون أحد يشاطره اللعب. وبينما كان والده حاذقاً في الإمساك بخيوط اللعبة وتحريكها بما يخدم مصالح بلاده، تسببت سياسات بشار الخاطئة في أن يتحول هو نفسه إلى مجرد دمية بلهاء تمسك بخيوطها أياد أجنبية وتحركها لخدمة مصالحها الخاصة. لقد دمر بشار بلده، وشرد شعبه، وشتت معارضيه في كل بقاع الأرض وبقي وحده هناك يطل علينا بين الفينة والأخرى ليذكرنا بحال غراب البين الذي ينعق فوق خراب موطنه.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهيمنة الأوروبية قديماً وحديثاً
-
أساطير الأولين2
-
هل تُفْلِس مصر؟
-
حرب الجمهوريات
-
أساطير الأولين
-
تحيا جمهورية مصر العربية
-
رعايا في مملكة الملك
-
حرب بوتين في أوكرانيا قد تضيع منه روسيا
-
التمثيل النسبي للإرادة العامة
-
ديكتاتورية العامة- الجمهورية
-
ديكتاتورية القلة/الكادر واغتصاب الإرادة العامة
-
الديكتاتورية الأفلاطونية
-
توحيد وقومية
-
الفيل في المنديل- شيطنة الفضول
-
إلهٌ بحجم الجيب
-
الكتالوج الرباني
-
مسلمون بحالة المصنع
-
ماذا تعني ’التعبئة الجزئية‘ الروسية؟ 2
-
ماذا تعني ’التعبئة الجزئية‘ الروسية؟
-
آلهة وبشر في علاقة تبادلية
المزيد.....
-
سلطان الجابر: 123 دولة توقع على إعلان بشأن الصحة وتغير المنا
...
-
-ربنا يوقف الجنون ده-.. تعليق ساويرس على منشور حول عدم تحرك
...
-
إسرائيل تكثف هجماتها على غزة.. والمستشفيات المكتظة تواجه طوف
...
-
تصريح غير متوقع لرئيس سابق للمخابرات المركزية الأمريكية عن ا
...
-
عقيلة صالح يرجح تشكيل حكومة ليبية جديدة قبل نهاية ديسمبر تشر
...
-
مراسلنا: مقتل وفقدان 100 شخص إثر تدمير القوات الإسرائيلية من
...
-
اقتراب البرد: نصائح تساعدك على تجنب الإصابة بالعدوى
-
رئيس الوزراء العراقي يحذر واشنطن من أي -اعتداء- قد تشنه قوات
...
-
دارفور: قصص الرعب
-
الاحتلال يصادر 5 دونمات في بلدة حوارة لأغراض عسكرية
المزيد.....
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو جبريل
-
كتاب مصر بين الأصولية والعلمانية
/ عبدالجواد سيد
-
العدد 55 من «كراسات ملف»: « المسألة اليهودية ونشوء الصهيونية
...
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
الموسيقى والسياسة: لغة الموسيقى - بين التعبير الموضوعي والوا
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
العدد السادس من مجلة التحالف
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
السودان .. أبعاد الأزمة الراهنة وجذورها العميقة
/ فيصل علوش
-
القومية العربية من التكوين إلى الثورة
/ حسن خليل غريب
-
سيمون دو بوفوار - ديبرا بيرجوفن وميجان بيرك
/ ليزا سعيد أبوزيد
-
: رؤية مستقبلية :: حول واقع وأفاق تطور المجتمع والاقتصاد الو
...
/ نجم الدليمي
-
یومیات وأحداث 31 آب 1996 في اربيل
/ دلشاد خدر
المزيد.....
|