أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - خالد قطعني يمّا/قصة ليست قصيرة














المزيد.....

خالد قطعني يمّا/قصة ليست قصيرة


ريتا عودة

الحوار المتمدن-العدد: 7438 - 2022 / 11 / 20 - 20:36
المحور: الادب والفن
    


تجمدتُ مكاني كسَمكة في ثلاجة لا أنبض، ولا يتحرك الدم في عروقي، وهي تنشج كغزالة شاردة:
- (خالد) قطَعْنِي يمَّا.
لم أصدّق ما سَمِعَتْهُ أذناي. لم أستوعب ما رأيته من دموع في عينيها، ومن تجاعيد أكلت نضارة وجهها، وأنين امرأة تحمل ضفيرة شائبة تحت منديلها ذي الغرز الفلسطينيّة الكالحة. لم أصدّق! تسمرتُ مكاني. حدقتُ بالسروال الأبيض المسجَّى بعناية فوق ذراعيّ، وفاضتْ صورٌ من الذاكرة.
* * *
قهقه (خالد) وهو يفتح خزانة ثيابه على مصراعيها كأنه يفتح مغارة (علي بابا). تناول السروال الأبيض وتمتم:
- تلبسه يوم عرسك، ثمّ تعيده لي. إنّه أمانة في عنقك.
ضمني إلى دفء صدره، فشعرت كأنّ السماء أطبقت على الأرض، وهمس في أُذني:
- مبروك زواجك حبيبي (باسم).
هرعتُ أحملُ حلمي على ذراعي لأُتـَمِّمَ مراسيم زواجي. رافقني صوته الحنون:
- السروال الأبيض أمانة في عنقك يا (باسم).
* * *
سقطتْ على صدري. بللتني دموعُها التي اختلطتْ بوابل دموعي. تُرَى هل أطبقتِ السماءُ على الأرض؟!
عادت تنشج بحرقة، ومفرداتها تتبعثرُ بين غصّة وأخرى:
- (خالد) قطعني يمّا يا (باسم). حبيبك قطعني.
فجأة انفلتت الآه من صدري. دوّت كخرير المياه في أرجاء المخيم، فأيقظتْ كلَّ العصافير الصغيرة عن أشجار الصبر:
- آ.....خ يمّا!
- (خالد) قطعني يا ناس.
حدقتُ في المرأة بمرارة، فقد تذكرتُ أنّي رأيت حلمًا هذا الصباح بعدما قررت ليلاً أن أعيد لـ(خالد) سرواله الأبيض. رأيتُني ألتقط عصفورًا عن الأرض. ضممته إلى صدري، فإذا به ميت. تحشرج صوتي:
- آآآخ يمّا!
ارتفع نشيجها بحدّة:
- أمس، كنّا في حالة منع تجوال، وكان (خالد) لدى أصدقائه، وفجأة أصابه وجعٌ حاد في صدره، فنزل الشباب به إلى الشارع يتوسلون العسكر أن يسمحوا لهم بنقله إلى المستشفى، لكنّ العسكر أصرّوا على منع التجوال.
على الحاجز، وفي انتظار الرحمة على الأرض، هبطت رحمة من السماء، وقضى (خالد).
* * *
دبّ الدَّمُ في عروقي وأنا أستعيدُ وصيةَ (خالد): "السروال الأبيض أمانة. أمانة. أمانة".
ارْتدَتْ الكلماتُ هالاتِها.
فجأةً، أدركتُ كُنه وصيةِ رجلٍ يدركُ حدسًا أنّ ساعته قد أزفَتْ. تصلبتْ يداي فوقَ كتفَيَّ هذي المرأة الشامخة كنخلة؛ هذي الأم الفلسطينيّة التي كانت وستبقى في ذاكرة كلّ أبناء المخيم حضنًا لكلّ موجوع، ومنديلاً لكلّ دمعة، وطلقةً لكلّ يد تتحدى القهر.
* * *
هتفتُ بإصرار:
- عودي يمّا.
تعلقتْ نظراتها بعينيّ كتائهٍ عثرَ لتوِّهِ على قطرة ماء.
- وكوني قريرة العين.
استكانتْ أمواجُها وهي تبللُ شواطئَ أحلامي.
جفَّ ينبوعُ أوجاعِها.
فجأةً، ابتسمتْ بصمتٍ وأنا أرددُ الجملةَ الأخيرةَ القاطعة:
- هنالك من سيرتدي السروال الأبيض من بعد (خالد).


(2005)
من المجموعة القصصيّة أنا جنونك، 2016



#ريتا_عودة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا فارس الفرسان
- الرّوحُ إليكَ تُسَيَّرُني
- عصفورٌ فلسطينيٌّ
- طائرٌ مهاجرٌ / ومضات
- ما أدراكَ ما ريتا..!
- أشباهُ رجال
- أُنثى الحلم
- عشق نورانيّ
- ما العشق..؟!
- ريتايَ تَبَغْدَدِي
- ((في موتِهِ حياة))
- ((الرَجُل/ الوطن)) ومضات
- ((مزاميرُ العشقِ))...ومضات
- -الثانية عشر ليلا-..قصة قصيرة
- ((الصَّخْرَة))...قصة قصيرة
- الضوء الأحمر/ لمحة نقديّة
- ((لا تَسْأَل))
- تأويل ضفدع باشو
- نارٌ مقدّسة//ومضات عشقية
- الشعراء يتبعهم الغاوون


المزيد.....




- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...
- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...
- بالتزامن مع تصوير فيلم -مازيراتي: الإخوة-.. البابا لاوُن الر ...
- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...
- المرحلة الانتقالية بسوريا.. مجلس شعب جديد وسط جدل التمثيل وا ...
- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - خالد قطعني يمّا/قصة ليست قصيرة