أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - لَمَّا آنقطعَ بُويَبْلانُ عن بُويَبْلانَاتِهِ















المزيد.....

لَمَّا آنقطعَ بُويَبْلانُ عن بُويَبْلانَاتِهِ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7437 - 2022 / 11 / 19 - 16:02
المحور: الادب والفن
    


عادة، الأمور تستمر غامضة حتى يُكشف سرها ويُحل لغزها وتُعرف أسباب الوقائع التي وقعتْ بالشكل الذي وقعت به، غير أن أحوال الوادي ظلتْ مغلقة في أوجه الرائين مُكدر ظاهرها متشعب باطنها غارق في حناديس الظلام جوفها المدلهم غير مجلو للعيان غير واضح لبصيرة الأذهان ماعدا ما كان تتناقله الألسن والآذان من مرويات تحكي حكايات الذين وُلدوا والذين مروا مَرقوا والذين تُخُرِّمُوا والذين خَرَمُوا...سمعتهم مرارا يتحدثون في مجالسهم ولماتهم، يروي الأكبرون لِمَن يصغرهم سنا عن أيام ما قبل غزو إرُوميينْ البلدة(٢)، يصفون الأحوال، يسردون الوقائع بأريحية العارفين الذين خبروا رواياتهم عايشوها، أو بجزم الواثقين مما سمعوا من سابقيهم، فهم يرفعونه عن سلف عن سلف آخر دون آنقطاع إلى خَلَف عليه أن يحفظ وراثة الروايات يصون لب أمانتها وأديم فحواها من الزوال ومن تلف النسيان، يُوصلها إلى مَنْ سيلحق من الأجيال لكي لا يضيع تاريخ الوهدة بقمتها وقيعانها وشعابها التي تضمر ما تضمر أكثر مما تبوح به أو تفصح...
كانوا يتكلمون دائما في الليل في النهار لا يصمتون في الحل في الترحال في أيام العمل وأوقات الراحة والدعة في المحافل والملمات والاستثناءات يتواصلون بينهم وبين أفراد الجماعة الواحدة ومع غيرها من جماعات الجوار وغير الجوار بأصوات الجهر والهمس بالحروف المعقوفة بالكلمات الممدودة بالنبرات الحانقة بالجمل الطوال بالفقرات الشفهية المتسلسلة، يتحاكون تَداولات قيل قال يَنَّايي فلان ينَّاسْ فلان اُوعلان..(٣)الفايْدَا والحاصول..(٤)ذاك ديدنهم في حفظ محفوظات سجل تواريخ حيواتهم التي عاشوها أو عاشها سابقوهم في غياب تجربة عادة التدوين لديهم، التي آقتصرت في الأغلب الأعم على مقروءات فواصل القرآن يخطونها خطوطا على ألواح سرعان ما يمحونها وقت تأكدوا من رسوخها في قلوبهم، لم يسلكوا تجربة الكتابة عن معيشهم إلا عند الضرورة المُلِحة التي تستلزم صيانة دم الوراثة من الخلط من الضياع بربط سلسلة الأموات بأصلابها..هذا قبر المرحوم برحمة الله الشريف عبدالله بن محمد بن عبدالله بن حمو بن محمد..قرأتُ مرارا على تربة والد والدي بخط مغروس على شاهدة لحده المستوي بالتراب..أو حفظ علائق الأحياء من شُبَه النزاعات الفردية والجماعية المحتملة..كأن يوثق كاغيط نكاح أو مطوية ملكية عقار تُدَوَّنُ بحرص أريب وتُحفظ بعناية داخل تجاويف القصب يحتفظ بها أصحابها ضمن خزائن كنوزهم كجزء من ميراث أو تراث أو تاريخ أو حقوق و...
أما الحياة كما تُعاش في مجملها أو تفاصيلها، فلم يولوها عَنَتُ التدوين شيئا ذا بال إذِ آقتصر أهالي الوادي على عوائد الكلام تحكي كيف كانت تخترقهم الفيافي وهُم على صياصي خيولهم في"حَرْكات"(٥)يباغت فيها الشباب والكهول سهول الجوار يشنونها حملات خاطفة ليلا نهارا لا يأبهون بآحتياط أو بزَطَّاط(٦)أو مناوشة أو مناورة، يغيرون يسلبون ما يسلبون لا يطيلون المكوث، وإن صادفتهم ممانعة ما، كان عليهم أن يتصرفوا بسرعة وحزم وإلا تفاقمت الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، ولم يكونوا في كل ما يفعلون يتصرفون بأمزجتهم أو بردود أفعال طارئة متسرعة، بل كانت تحكمهم أعراف جماعات آلجبال بموجبها لا يهتكون عرضا لا يضرون قاصرا أو مريضا أو عاجزا أو عتيا من آلأعمار...ما كانت دوافعهم في مجمل مداهماتهم غير التخفيف من حِدة وقع شدائد المسغبة وضيق العيش على مَنْ يَعُولون من عوائل كانت تتواتر عليهم آنئذ أيام ضنك لا يعلم هولها إلا من عايش بلاءها وجدبها وقحطها.تحمل المتشبتون بغريزة البقاء فيها وقر العوز والحاجة والفاقة في سنين يشهد بذلك مَن نجا أنها مرت ثقيلة قاسية قاصمة لهامات الأعمار قبل حلول آجالها..كان الناس يموتون جملة جماعات بالمجاعة بالوباء بالوبال بالعيش المحال..ما باليد حيلة..إذا لم يتحركوا قضوا، إذا لم يبادروا بُودِروا، إذا لم يشنوها غزو غارات كر وفر سينفقون كالهوام السائبة قطعانا ينقرضون في موت قاصل بلا معنى؛ كان عليهم أن يسلبوا الأغيار من قاطني مشارف المدن والضواحي بعد لم يبق لديهم غير البلوط المُر يعجنونه في أفرانهم، غير تيبِّي(٧)وجذور الدوم يعلفونها في مأكلهم الأساس، غير أمواه الأودية الشحيحة يكرعونها بيرقات إيمردَّداتها(٨)وشوائبها صونا لحياتهم من الزوال.."حَرْكَة"هنا وأخرى هنالك، ويتم جمع محصول الغنائم يُفَرَّقُ بما شرعته أعرافهم بين عوائل المشاركين والمساهمين والحاضنين؛لم تكن عملياتهم تسلك مجرى العادة الراسخة في معاشهم، بل كان اللجوء إليها ضرورة فرضتها الحاجة لَما توالت سنوات القحط وضَنَّتِ الأرض بجودها وحبست السماء ماءها، وآنقطع بويبلان عن بويبلاناته المأثورة؛ وكانوا كلما تحسنت الأحوال وعادت الأمور إلى طبيعتها، عادوا طواعية إلى سكينتهم يأخذهم الحبور إلى حقولهم ومحاريثهم ومناجلهم وبيادرهم ومراعيهم المنتظرة...كانوا يتكلمون لا يسكتون عن الكلام، يبتدرون ظروف دخول همج الفرنسيس البلدة ومحاصرتهم ودواوير الجوار عبر قمم القشلة، الكُونور، تازرين، تيغرضين و...(٩) كي يقطعوا سُبل مَدَّ عصاة الأسُود، ذوي العزم والبأس الشديدين اللاجئين إلى في مفازات الجبال، بمؤن الغذاء والسلاح، عزلوهم في شعاب وأحراج أدرار تنكرارمت تيسروين وكهوف موسى أوصالح(١٠)يهيلون عليهم قنابل مجنحات الفولاذ والنحاس الحارقة.. يشهد على ذلك فلان وفلان من شيب الأحياء يروون دون ملل حكايا القتل والغصب والفتك الجماعي بعشوائية أهْدِرَتْ حياة بُرءاء آيتْ وَرَاينْ.. حتى آنتهى الوضع على مكتوب قد قَدَّر عيشَه مَنْ بيديه ملكوت التصرف في مصائر الأنام...كل ذلك وغيره كثير، كان يُروى يُلقى به في الهواء تلقط بعض حيثياته الأسماع ويضيع الباقي في الخواء...وتوافدت جموع الغزاة المحلقين والزاحفين على غير ما عهد في حياة الناس التي لم تألف من دهارس الدهر ودواهي الأزمان جحيم جلجلة السماوات وحمأة مُهْل صهارة آلأرضين بمثل تلك الجحافل من أسياخ زبانية الحديد الهادرة بالبومب والخرطوش والڭرناد وبوڭليب لكحل الكفار وخناشيش سانڭال(١١)وآستتب الأمر على قدَر كُتب للفحصيين(١٢)عيشه في حفرتهم كغيرهم من الأوادم إما صابرين مهادنين أو مناورين مشاكسين عازييين متمردين أو ناهجين نهج الحيلة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.لقد طوقتهم القوات من كل الجهات عالجتهم في جُبِّهم المقعر غارقين كانوا في حياة المياومة ما بين طلوع وهبوط يحملون أقدارهم على ظهورهم لا يبالون بالصعاب ووعورة المشاق.ظلوا مُراقَبين لا تتحرك لهم أنملة إلا آلتقطتها أعين العسس الراصدة من على القمم المجاورة، لا طير يطير لا وحش يسير إلا بأمر من المخزن الجديد.. إنه الأمن يا سادة الله يعز لحكام.. يقول القادة الذين نُصِّبوا على رأس كل خيمة كبيرة وفخذة عظيمة يدبرون سبل عيش"البدائيين ليزانديجين"(١٣)الذين لا يحكمون إلا بالسياط والكرباج زمن السيبا ولى، عهد آنسداد الشعاب بقطاعها وقطاف الناس للناس وتفشي القلاقل وزراعة الروع في أحشاء الآمنين آنحسر على غير رجعة، وعلى كل واحد أن يتمثل للأوامر وإلا..آهيا ليشاشرا..(١٤) يقول المتحذلقون..مَن تمشيخ تمشيخ (١٥)مَن صار مقدما فهو مقدم(١٥)من لانتْ وجادت له الأقدار رمته بقضاء لَحْكَامْ الكوماندان(١٦)وأضحى لحُسن الحظوظ زعيما بين عشي وإصباح فقد أمن نجا وفاز، فلم يبق غير مساخيط العازيين الشاذين الهاربين إلى الشعاب الوعرة السحيقة، والمسالمين من سقط الغوغاء وسفلة الأسواق..إييه..النجاة النجاة.. عليكم بالسربيس(١٧)المنشور في الدواوير والمداشر والدساكر والعشائر اهرعوا إلى الكاميونات(١٨) اركبوا قبل أن يُحْمَلَ عليكم ويركبوكم وتصبحون بدزينتكم دريئة لنحاسه الأصفر الباتر فأحْسَنُ وسيلة للهروب من همج هاجوج وماجوج الذوبان فيه ما عندنا لاينْ من جد بوه المخزن ...(١٩)

_إشارات:

*الوقائع المرصودة مما رواه رواة البلدة من وقائعها بداية القرن العشرين زمن دخول الفرنسيس

١_لَمَّا آنقطعَ بُويَبْلانُ عن بُويَبْلانَاتِهِ:لما كفت الثلوج آنقطعت عن قمة بويبلان وهي من القمم العالية في الأطلس المتوسط يفوق آرتفاعها ٣٠٠٠ متر

٢_إرُوميينْ:الروميون المقصود هم الاستعماريون

٣_يَنَّايي فلان ينَّاسْ فلان اُوعلان..:قال لي فلان قال له علان .. هي طريقة من طرق نقل الروايات الشفهية

٤_الفايْدَا والحاصول..: لازمة يرددها الرواة تعني خلاصة القول...

٥_حَرْكَات:حملات غزوات غارات

٦_الزَطَّاط:حامي القوافل وعابري السبيل من قطاع الطرق.ظهرت هذه الحرفة بالمغرب في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إثر آنتشار ما يعرف بالسيبا في البوادي والأحواز

٧_تيبّي:باقلة من البواقل البرية

٨_ايمرْدَادا:حشرات مائية

٩_القشلة، الكُونور، تازرين، تيغرضين...: مرتفعات بنى فيها الجيش الفرنسي قلاعا عسكرية لمراقبة أعالي بويبلان والوهاد والبطاح المجاورة

١٠_أدرار تنكرارمت تيسروين وكهوف موسى أوصالح:مناطق جبلية مرتفعة وعرة صعبة عاش فيها سكان قبائل آيت وراين هروبا من القلاقل والاشتباكات التي تشهدها السفوح سواء نتيجة فوضى السيبا أو غزو الفرنسيين للمنطقة

١١_سانكال:إشارة الى المجندين السينغاليين والأفارقة الذين سخرتهم فرنسا في حملتها على الجبال المغربية

١٢_الفحصيين:نسبة الى بلدة الفحص التي تقع فيها الأحداث

١٣_ليزانديجين البدائيين :مصطلح كان يتشدق به الغزاة الفرنسيون يطلقونه على السكان الأصليين

١٤_ليشاشرا:كلمة بلسان الدارج المغربي تعني الشباب الأشاوس

١٥_المقدم والشيخ والقايد:رتب في سلم إداري اشتغلت به السلطة الفرنسية في سياستها العسكرية الداخلية للتحكم في أوضاع البلاد وأهلها

١٦_الكومندان:رتبة عسكرية فرنسية

١٧_السربيس: sevice تحريف لساني مغربي لمفهوم الخدمة في التشدق الفرنسي

١٨_الكاميونات:الشاحنات باللسان الفرنسي

١٩_ما عندنا لاينْ من جد بوه المخزن:لا مهرب من السلطة الحاكمة الفرنسية



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فُصُول
- تَااااهُوووهُ
- كَانَ يُحِبُّ آلْفَرَاشَاتِ
- جَحيمٌ مُرْتَقَب
- خَريف جَديد
- الكلبُ الأندلسي
- تَصَوَّرْ
- اَلْحَرْطَانِي
- عْمَارَةْ لَبْلَادْ
- اَلْقَمَرُ آلدَّامِي
- طَيْفُهَا
- مُجَرَّدُ غَفْوَةٍ لَا غَيْر
- رَبيعُ آلْهَفَوَاتِ
- غُولِيك
- صَوْلَجَان
- مَصَائر
- اَلْمَكَانُ الْمُعَيَّنُ
- سَتَجْأَرُ آلذئابُ ذاتَ نهار
- كَطَائر-طَابَ-
- صَدَى أَزِيزِ آلْجَنَادِبِ طُوفَان


المزيد.....




- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - لَمَّا آنقطعَ بُويَبْلانُ عن بُويَبْلانَاتِهِ