أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - طَيْفُهَا















المزيد.....

طَيْفُهَا


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7426 - 2022 / 11 / 8 - 14:54
المحور: الادب والفن
    


كانت تقبل بثبات رصين من عين البلدة.تصعد بتؤدة وهدةً عامرة بآلحصباء بآلحصوات (تَتْشُّورْ سُومزاز دْوَامَانْ)"١".تحمل يداها سطليْن من الصفيح أبيضيْن مترعين بأمواه من بنات الجبال.تقف هنيهة ترتاح فيها لَمّا تصل إلى ذلك المنعطف أين تمتد الطريق صعودا شبه حاد في آنعطاف معقوف يميل يسارا جهة علية تيزي حيث تيحُونَا تيقديمين (الحوانيت القديمة)، ويمينا جهة مدخل المُصَلَّى العتيق حيث الأرضية المظللة بأفنان (آزَمُّورْ دَزَّشْتُونْ)"٢"المفروشة بحصائر أسيطوط نْ وَاري مخصصة لجلوس طلبة مُريدي المسيد(إيمحطرن نتمزكيدا)"٣".لم تكن تطيل وقفتها. لحظة خاطفة تسترد فيها الأنفاس وتكمل الطريق..غيمة من بهاء الصيف.. ديمة هطلاء ترفل في سخاء..هكذا علقت في ذهنه هكذا رآها..يخضب رواؤها صَلَفَ أوار فحيح لهب الصيف المنبعث من الأرض والسماء في أصيل يوم لافح بسعير لا يُحتمل.قامتها السمهرية المديدة تسمو تعلو تتهادى كطير من خرافة كرياش أحلام قزح تحدس معالمَه أطيافُ الرؤى ولا تدرك كنهَه الرائق الصافي، جوهرَه الملغزَ...

وكان الطفل هناك، تحت الشجرة.جالس على جزء من جذورها الناتئة المتصلبة العملاقة(خوڭاير)"٤" التي عرّتها عوامل التعرية وآنجراف الترب من القمم إلى منحدرات الأودية، فبدَتْ وهي تنتشر في أسفل الأنحاء كأوردة رمادية ودَوال كَدْمَاء داكنة ملتهبة منتفخة متورمة خشنة في ملمسها، تكسوها هالة من أتربة غبراء ومخلفات الأشجار وغبار الطريق...رأسه منتكسة تتأمل هذا العمر الطبيعي المديد يُشَقّقُ يُحَفَّرُ يُعَـرّى من الداخل حتى إنّ جُل أشجار البلدة تتوسط أحشاءها فراغات (تافڭا)تشبه تجاويفُها المفتوحة آبارا مُيبَّسَة مهجورة تصفر فيها رياح وظلال، ويَقيلُ بها هوام وخشاش، أو هي كأفواه آلهة الأساطير الأولى فارغة الأفواه مستثارة لما يقع حولها من أهوال وتغيرات دون تستطيعَ فعل شيء من أجل مقاومتها أو صدها، فتظل مشدوهة مصدومة مكلومة مفجوعة في لحظة من أزل خاطفة تجتث أعمار اليخضور من سحنها آلقفار.وعبثا تحاول أقدارُها نفظ آثار السنين الخاليات لتُجابهَ بأرواحها العارية جحود بعض أبنائها الأفذاذ الذين يقصلون دماها ببرودة دم؛ وتظل هي رغم كل شيء كأم رَؤوم تتكيف أكبادها والعقوقَ تُداري تناور تهادن عنفَ تَعَاقُبِ الصلف بهدوء وصبر ودَعة وسكون شبيه بكل هذا الصمت الذي يخيم على القرية أويقات الحصاد ضحى وأصائــلَ ...

سمع وقع خطواتها وفرِحَ، ليس يدري لماذا آنشرحَ، لكنه أحس هبوبا نسائمَ هادئةٍ منعِشةٍ تقبل كحُلْم قشيب من أسفل المنحدر.التفتَ في خلسة يسترق حياؤه ما أمكن من النظر.قلبه يخفق مستعيدا لحظة البدايات حيث ينبثق الميلاد بِذْرَةً من بذور السناء..وقفتْ قبالته.لم يبالِ في البداية.لم يعر الأمر آهتماما أو هكذا أراد للأمور، أموره أن تكون بادية في مُقَلِ الآخرين.لكن الطيف رنَا إليه آبتسمَ.ترك ثقل السطلين الأبيضين في قارعة الشِعب المترب وتقدمَ.خطا خطوات كالسِحْرِ كآلسَّحَرِ كالخيال كخرير أمواه جدوال طافحات بالعطاء.وطفق القلب يَجِبُ يخفق يضطربُ، وكاد في لحظة من لحظات الدهشة والجَبروت أن يتوقف لما أمسكتْ رأسَه راحتاها الحادبتان وأطبقتْ على الجبين العابس المتوجس قُبلةً آختصرتْ كل الطفولة،كُل الأعمار، كل الحياة،كل تجارب الخلود والمَوَاتِ في رشفة واحدة،إطباقة خاطفة مبتسرة مخضبة بتوابل شذى أعشاب آلبراري، محمومة بلهيب رائق الحرقة يشق سبيله في سلام وحبور بين الجوانح والحنايا...وغرق الطفل هناك مستعذبا المقام في اللحظات الحِسان لولا كَرَم شفيف رحيم عذب عالق رائق من نبراتها الريانة آنتشله من جنته الفيحاء إلى جنة أخرى أكثر رحابة ورُواء...

_آلاَلي آلاَلي آلالـي سُــومَـا "٥"

جعل الطيف يردد بحات عميقة آمتدت فيها أصوات مرخمة هامسة حادبة لم ولن تبلى أبدا.وسمع آسمَه يُنبسُ ببصمة خاصة لم يسمعها من قبل، فأحس إثرها آنبجاس نبرات حليمة جديدة متجددة يشق همسُها مسام الأرضين يسمو إلى نسمات السماوات يشرق يسطع ويستقر وقعه في قليبه الصغير مباشرة قبسا من أنوار رياض فائحات بشذا عبير خلود لا ينتهي..بلسمٌ صوتُها..مطرٌ من رذاذ أَذَارَ تباريحُها..حُرةٌ من حَبَاب سحاب يسح على مهل تخب تباشيرُ أعطافها،تتهدهد والملائكُ في معارجها، تبسمُ العَرَصَاتُ،تَضُوعُ مسالكُهَا عطرا من ذُرا القممِ..وعلى مهل تسألُ تستفسره ..

_مَامَشْ تْيَا يَمّاشْ مَالاباسْ غَارَسْ؟"٦"

ويظل الصمت يطوقه، بينما تستغرق أناملها تتخللان خُصَيْلاتٍ متمردات آنهمرن في عبث على الجبين على القذال المنتكسيْن.وآستشعر اللحظات كهروب مستقطع مسروق من أزمنة مطوِقة هاصرة راصدة حانقة.لم يكن يشأ أن ينصرم الزمن.لم يكن يشأ أن تذهبَ.ودّ لو تجمد كل شيء في مكانه في لحظته الراهنة القائمة ويظل الحال هو الحال دائما أبدا خالدا لا يفنى.ودّ لو يموت هكذا..وساختِ الروح في حدائق لا حدود لحدبها وحنانها.غَفَا البدنُ الوهِنُ وحلا الكلامُ ...

_ياكْ اُوتجي تقنطْ وحدش دي تمورت بلا يَمّاشْ؟؟"٧"

_ ............صمت.................

_ ما تليت تقارت دي تمزكيدا آكد لواشون؟؟؟"٨"

_ ............صمت...............

_ ما تَحْفَظْتْ شَا؟؟ "٩"

_ ............صمت...............

_ ما تنجحت آسكوسا؟؟ "١٠"

_ ...........صمت..............

_ إيييييهْ ..

هَمَسَ برأسه يُحركه....

_ مزيااان..تبارك الله...الله يرضي عليك...

_ ...........صمت..............

_ ياك اُوتجِي يتشاتيش الطالب؟؟ "١١"

_ ............صمت.............

_ خاصْ آتْغَرْتْ مْليحْ آوْمَا..آوي تامْغِيرْتْ تْغُودَا..تْعَاوَانْ بنادم حُومَا أديفغْ سَالَمْ زي العيشت نقايمْ..."١٢"

_ ...............صمت.................

_قَلْ غَارْنَغْ نتشني أوجي نَغْري..مَايَنْ خَافْنَغْ يَتّكْ سَشْقَا دالعذاب دكواشاون "١٣"

_ ...............صمت..................

ولم ينبس الفتى لَم يُعَقب.وحده الحَدْبُ يحدو.وحدها الكلماتُ تَشدُو.ظل صامتا واجما في حياء ترنو إلى ملامحها أذناه بآنتشاء روحي بَهي القسمات.كان جامدا ولم تجمد هنيهاتُه المارقات.كان متصلبا متخشبا مثل تلك العروق الكدماء التي يقعي على منعرجاتها.لم يَخَفْ.لمْ ينفرْ.لم يتوجس لم يُـوَلِّ آلأدبارَ هاربا..فقط كان يحس يحس ويحس..يَذوبُ في العَبَـرَات المتأهبة للخروج، في حَدَقَات البحّات الحالمة الصادحة الحاديَة،في هالة من جُسَيْمات دقيقة تدور تدور تلفُّ تَحُومُ تتداعى تتناثر تتهادى تتراقص في فضاءات لا تُحَدُُّ لا تُحْصَى.يغوص في مهامهها يَعدو ينطُّ يطير في أغوارها يعلو يسمو يُحلق كطير(طااابْ)يشدو في ليل آب في النهار ولا يلتفت...

كان الطيف وكان الطفل،ولاشيء آخر يستحق التفكير أو الحدس أو التخمين.. هكذا نبست نفسُه لنفسِه هائمة..مبتسما استرسل يصغي يستمع..وذاع ذاب ذرات وخلايا.. لا شيء يهم بعد ذلك لا شيء.. لقد كانت هناك بجانبه والسلام ....

_إشارات:
١_تَتْشُّورْ سُومزاز دْوَامَانْ:مترعة بالمياه والحصوات الصغيرة

٢_أزمور:لفظ أمازيغي يطلق على شجرة الزيتون البري...

٣_أسيطوط نْ وَاري :حصائر الحلفاء
_إيمحطرن نتمزكيدا:طلبة المصلى ممن ينهمك في حفظ القرآن

٤_خُوڭايَرْ:فجوة طبيعية في جذع الشجرة

٥_آلاَلي آلاَلي آلالـي سُومَـا:عبارة ترحيب وحبور وفرح تُكَرَّر على مسمع من التقيناهم بعد فراق طويل، يمكن موازاتها بعبارة(يا فرحي يا سعدي برؤيتك)أو ما يشابه

٦_مَامَشْ تْيَا يَمّاشْ مَالاباسْ غَارَسْ:
كيف حال أمك هل تُراها بخير...

٧_ياكْ اُوتجي تقنطْ وحدش دي تمورت بلا يَمّاشْ:أكيد لم تقنط لوجودك وحدك بالبلدة دون أمك

٨_ما تليت تقارت دي تمزكيدا آكد لواشون؟:هل تتابع دراستك في الجامع مع الأقران

٩_ما تحفظت شا:هل حفظت شيئا من القرآن

١٠_ما تنجحت آسكوسا؟؟:هل نجحت هذا العام في دراستك

١١_ياك اُوتجِي يتشاتيش الطالب؟؟:أكيد لا يعاقبك الفقيه المعلم فأنت مجد...

١٢_خاصْ آتْغَرْتْ مْليحْ آوْمَا..آوي تامْغِيرْتْ تْغُودَا..تْعَاوَانْ بنادم حُومَا أديفغْ سَالَمْ زي العيشت نقايمْ:يجب عليك بذل جهدك في الدراسة فهي تساعد الإنسان ليرتق عيشه الصعب في الزمن الصعب

١٣_قَلْ غَارْنَغْ نتشني أوجي نَغْري..مَايَنْ خَافْنَغْ يَتّكْ سَشْقَا دالعذاب دكواشاون : انظر لحالنا نحن لم ندرس كيف نعيش الضنك والشقاء في هذه الجبال الوعرة



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُجَرَّدُ غَفْوَةٍ لَا غَيْر
- رَبيعُ آلْهَفَوَاتِ
- غُولِيك
- صَوْلَجَان
- مَصَائر
- اَلْمَكَانُ الْمُعَيَّنُ
- سَتَجْأَرُ آلذئابُ ذاتَ نهار
- كَطَائر-طَابَ-
- صَدَى أَزِيزِ آلْجَنَادِبِ طُوفَان
- رُحْمَاكَ
- في عُمْقِ آلشَّهْقَةِ بَابٌ
- جَنَازَةُ آلْأَحْدَاقِ
- سَلَامٌ لِلشَّبِيبَةِ وَآلتَّصَابِي،مقاربة لِ:داليةٍ للشاعر ...
- بُويَبْلَانْ
- ضِرْسُ آلفرزدقِ
- الصعاليكُ الثلاثة
- أُورْفيُوس نَايْتْ وَرَايَنْ
- الطِّفْلُ آلْأَهْوَكُ
- حَائِطُ سَارتر
- اِنْدِثار


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - طَيْفُهَا