أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - سَلَامٌ لِلشَّبِيبَةِ وَآلتَّصَابِي،مقاربة لِ:داليةٍ للشاعر المغربي محمد غريط















المزيد.....



سَلَامٌ لِلشَّبِيبَةِ وَآلتَّصَابِي،مقاربة لِ:داليةٍ للشاعر المغربي محمد غريط


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7413 - 2022 / 10 / 26 - 18:22
المحور: الادب والفن
    


_القصيدة:
سَقى عهدَ آلصِّبا صَوْبُ آلمهادِ
فما زال آذكارُه في فؤادِي
وإنْ كنتُ ما أصَبْتُ به رشادا
ولا أوريتُ في علمٍ زنادي
ولكنْ كنتُ فيه أخَا آرتياحٍ
خلِيًّا مِنْ مكافحةِ آلعَوَادي
يَلذُّ لِيَ آلتّجَاول في لَذَّاتٍ
أشخصهم معمعة آلجلادِ

فكل مقلد سيفا محلى
بلا غمد له أبهى نجادِ
ورمح لا يجور على مول
إذا جد التنازل والتعادي
على خيل تسير بلا ركاب
وتأنف من مسابقة الجيادِ
فيا عجبا لحرب كل يوم
تؤجج ثم ترجع لاتحادِ
كأن قتامها ثوب عتيق
تخرق بين راحات شدادِ
ولا يلفى بموقفها قتيل
ولا بخطوطها عان يفادي
ولم نك نرتجي فقد الشخوص
سوى شخص نراه من آلأعادي

فقيه إن تنحنح في سكون
ترى منا الفرائص في آرتعادِ
كأنه في منصته أمير
يخوف بطشُه أهلَ آلعنادِ
وما تجني الهدية منه رفقا
ولا تثنيه عن شتم المُعادي
أحق بحرفة التأديب مَرْءٌ
بطبعه حِدة الصمّ الصّلاد
إذا حلم المعلم عن غلام
فلَا نَجَحٌ لَدُنْهُ بِمُسْتَفَادِ
وإن أغضى آلمعالجُ عن سقيمٍ
فقد أخطأ به نهجَ آلسدادِ

ولم أفتن بقرب من حبيب
ولم أحزن لبين من سعاد
ولم أك للتقدم في أوام
أهيم بذكره في كل واد
ولم أعلق بآمال صعاب
أنازعها بألسنة حداد
ولم أحتج إلى مال فأخشى
عليه من الضياع ومن نفاد
وأعمل بالإشارة من نبيه
يحض على الحساب والاقتصاد

قليلُ المال تصلحه فيبقى
ولا يبقي الكثير مع الفساد
فلو أعطيت كنزا من نُضار
لباريت في السخا ابن أبي دؤاد
وما أنضيتُ فكري في عويص
ولا أحقدت غيري بانتقاد
وما أسهرت عيني في احتفاظ
بنادرة أقررها بنادي

وما بالشعر كنتُ أخَا شعورٍ
أؤلفه كإشراك آصطياد
فأظفر تارة وأخيب أخرى
ولا أستاء من طول اجتهاد
فجاء بُعَيْد ذاك العهد عهد
تطرق بين نفسي والمراد
وصار القول والأفعال مني
تقيد في الكتاب بلا مداد
فلا حالي كحالي في آبتداء
ولا مشكاة زهوي في آتقادِ
أرى ما كنتُ أعهده كرؤيا
نعمتُ بحسنها حين آلرقادِ
وأغبط كل ذي مرح وبسط
خلي في مهاد الأمن هاد
وليد قد كفاه أب شفيق
وحفّه بالمبرّة والوداد
مُبَوّأ ظِلَّ والدةٍ تراه
أعز من الطراف ومن تلاد
مدل بالحنان له شفيع
مكين القول عز عن آرتداد
يراوح وجه عيشته بهيجا
على طبق المراد كما يغادي

فأما والشباب مضى دجاه
ووجه الشيب مثل الصبح باد
فلا منجي لقلبي من عناء
لأغراض وحذر من معادي
وسعي لليسار بكد يمنى
تجلل أبيضا ثوب السواد
فيا ليت الشبيبة زودتني
بكف تستخف عصير عاد
فأغفل بانتشاء عن شؤون
نبذت لها على رغم قيادي
أمثلها فتكسبني انبساطا
فيرجعني الزمان إلى اعتيادي
وكان نبات ناصيتي غرابا
فأصبح مثل أجنحة الجَرَادِ
وحال إلى الفتور شديد عزمي
كمثل الجمر آل إلى رماد
كأن الشيب ضيف ليس يرضى
بشيء غير شغلي بالمعاد
ولولا مضاضة الأيام حثّتْ
ركائبه فزار على اعتماد
لقُلْتُ له ولم أكْثِرْ ملاما
عجلتَ فكنتَ أظلم من زياد
ولو أن الدنا خلقت للهو
أبيح بها التهتك للعباد
سلام للشبيبة والتصابي
تجول به الصبا كل البلاد

●الشاعر:
محمد بن المفضل غريط(1880 /1949م)فقيه أديب شاعر مغربي ولد في فاس. حفظ القرآن الكريم،والعديد من الأشعار،على عادة متعلمي المغرب في ذلك الوقت،ثم اختلف إلى مجالس القرويين بمدينة فاس،مدعما إياها بقراءات ذاتية،وتثقيفه شخصي.عمل مستشارًا للخليفة السلطان عرفة بفاس، ثم وزيرًا،ثم كاتبًا لخليفة السلطان بفاس، وظل على مهنته هذه حتى وفاته.

● الإنتاج الشعري:له ديوان:
«الرخيص والثمين واليسار واليمين»
وديوان «الغث والسمين في ذيل الرخيص والثمين»
ومنظومة:«نزهة المجتلي في أبناء الحسن بن علي»و:«وسيلة المجتدي في مدح الجناب الأحمدي» ..
ومن أعماله الأخرى كذلك:
«فواصل الجمان في أنباء وزراء وكتاب الزمان»،و:«محاضرة النديم بالموجز النظيم»و:«أدب المجالس».
يدور جلّ شعره حول المديح ورثاء العلماء والأمراء والإخوان.يمزج مدحه بالغزل، وله شعر في تذكر الصبا وأيام الشباب، يضمنه فخرًا بالذات، كما نظم الأناشيد المدرسية، يميل إلى التأمل واستخلاص العبر، لغته طيعة واضحة. سلك النهج القديم المحافظ في بناء قصائده.

●تأطير لا بد منه :
يبدو أن شاعرنا لم يَشذ عن نظرائه من شعراء المغرب نهاية القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين، إذ يمكن قراءة شعره ضمن التيار التقليدي لعيون الشعر العربي القديم، تقليد طال أمده في المغرب منذ عصور المرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين والعلويين حتى إن بعض النقاد ومن بينهم(أحمد الطريسي أعراب)في دراسته الموسومة ب(الرؤية والفن في الشعر العربي الحديث بالمغرب)أدرج هذا التقليد المتأخر ضمن ما أسماه(الصورة الوثيقة)_١_بحيث آكتفى هؤلاء الشعراء بآستدعاء طريقة النظم العربية القديمة كما هي دون تصرف أو تحيين أو آجتهاد أو محاولة في تغيير أي شيء فيها، فظلت القصيدة هي هي ثابتة قارة نمطية متصنعة متكلفة سطحية خالية من الشعور والصدق العاطفي، الغاية الأولى منها إبراز القدرة على النظم العربي الفصيح لا غير من لدن ثلة من الفقهاء وعلماء الشريعة راموا إظهار ما كانوا يخالونه مَلَكَةً شعرية بآتباع آجترار نمط رصف الكلمات مع بعضها البعض وتوخي قوانين العَروض وآستدعاء القوافي من محفوظاتهم السابقة ومن معاجم اللغة عوض تمثل شروط التجربة الشعرية في حد ذاتها؛ إلا أن في هذا النزوع الشعري القاصر نوعا من التأثر بالثقافة العامة في هذه الفترة من تاريخ المغرب، فرياح التغيير القادمة من أوروبا لم تجد لها صدًى عند المغاربة بجميع فئاتهم؛ لأنهم آعتبروا كعادتهم هذه الرياح ريحا لا يؤمن جانبها لما عانوه طيلة حقبا زمنية خلتْ من تبعات وخيمة نتيجة تكالب الأطماع الأجنبية الإفرنجية والإسبانية والبرتغالية على بلادهم..إن ريح هؤلاء ريح كافرة فاسدة يجب عدم الوثوق بها، بل ومواجهتها ومحاربتها كي لا يتوغل تأثيرها السلبي الجارف بقية البلاد(٢)..
إن مؤاخذة آقتفاء هؤلاء الشعراء هذا النهج، لا يتأسس على نظرة موضوعية لواقع الأمر في ذاك العهد، فكيف نطلب من نخبة مثقفة أن تتمثل تجليات التجديد القادمة من الشمال، وهي تدرك تمام الإدراك خطورة ريح هذا الشمال، فالمعارك الحامية الوطيس والباردة الملتبسة لم تهدأ ولو مرة في تاريخ البلد، فهي سجال بين المغرب وبلاد أوروبا بجميع أصنافها، تجمعها راية الصليب والانتقام من الماضي القريب البعيد الذي آعتبره الأوروبيون إهانة لهم من طرف المغاربة الذين آستولوا على أراضيهم وآستعمروا ربوعهم آعتبروها ولايات تابعة للمركز في مراكش وفاس والرباط مُددا من السنين لم تكُ قصيرة..لذا، والحال هذه لا يمكن أن ننتظر من أدباء المرحلة معانقة التجديد كيفما كان نوعه ومصدره، وبه ما به من توجس والتباس وغبش وغموض..إن التزام القديم عند(محمد غريط)ومن لف لفه يتجاوز النظرة المبتسرة لهذا التقليد إلى كونه غاية أسمى يمكن مقاربتها والإحساس بها كآلية دفاع وطريقة من طرق المقاومة والمواجهة والنضال والتحصن ضد خصوم العقيدة والتاريخ والجغرافية والحضارة..إن التقليد الشعري في فترة الحماية الفرنسية والاستعمار الإسباني كان ضرورة فرضتها الشروط التاريخية للمرحلة ميكانيزم دو ديفونس..(mécanisme de défense et de résistance) (٣) لا مجرد تقوقع قاصر على الذات ورفض للتغيير والانفتاح..من ثَمَّ، فبمجرد زوال أو تراجع هذا الإحساس بالخطر الأجنبي، فإن الشعراء سرعان ما عادوا الى سمتهم وطبيعتهم التي تتميز بفطرتها بالانفتاح على جميع الثقافات ما لم تُحدث ضررا أو خطرا محتملا على هويتهم ووجودهم وكينونتهم الحضارية المستقلة..من هنا، نفهم تعالق المثقفين المغاربة بعد ذلك بالثقافة الأجنبية الاسبانية والفرنسية، حيث سيأتي بعد رعيل المقلدين جيل آخر من الشعراء أعطوا لأنفسهم الفرصة لتوسيع ثقافة التقليد بجعلها موازية لنظيرتها في المشرق العربي مع البعثيين الإحيائيين بريادة البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم والرصافي والزهاوي والبقية..فجعلوا يَقْفُونَ طريقتهم في المحاكاة والمعارضة بالموازاة مع الانفتاح على روح العصر بتمثل شروط الحياة المستجدة ما بين بداية الثلاثينيات الى الخمسينيات من القرن الخالي، فظهر الشعر الوطني مؤطرا ضمن توجيهات الحركة الوطنية لمواجهة تغلغل الخطر الفرنسي والإسباني في إطار عام يستحضر تعاليم العقيدة وسنن القيم الانسانية الساعية للحرية والانعتاق، فراح الشعراء الشباب آنئذ يُقاومون بالكلمة يؤيدون ويُشٍيدون بملاحم نضال أحمد الهيبة بن ماء العينين في الصحراء جنوبا وموحا أوحمو الزياني وسط الأطلس المتوسط وعبدالكريم الخطابي شمالا..ونشرت جرائد تلك الفترة قصائد أدرجت ضمن الوطنيات والعَرْشيات لأسماء من قبيل (محمد المختار السوسي، علال الفاسي، محمد بن إبراهيم المراكشي، أبو بكر بناني، محمد القرى، محمد المكي الناصري، عبدالله كنون، إبراهيم الإلغي ومحمد الحلوي...)...(٤)وبعد زوال غمة التهديد عن البلاد والعباد، وبمجرد إحساس المغاربة بتراجع الخطر الأجنبي ولو بشكل نسبي، فإن الشعراء بادروا من تلقاء أنفسهم الى إعطاء ذواتهم شيئا من الحرية وفرصة للانفتاح الإيجابي على ثقافة الأغيار القادمة مع ريح الشمال؛ وهذا ما تمت معاينته آبتداء من أواسط الأربعينيات، إلى درجة يمكن الحديث معها عن ظهور تيار ذاتي صِرْف عُرِفَ بوجدانيته العاطفية على غرار الجماعات الرومانسية المشرقية...

●تيمات القصيدة:

من نافلة القول إن أغراض الشعر القديمة ستظل حاضرة في شعر(محمد غريط) وغيره من شعراء عصره بحكم ظاهرة التقليد التي تحدثنا عنها؛ لكن الشيء الذي يمكن آعتباره خصوصية هنا هو تواتر مضامين الحث على الجهاد العقائدي الحربي التي ورثها الشعراء المغاربة عن أسلافهم الأدارسة والمرابطين والموحدين والمرينين والسعديين، إلى درجة أنهم وَسَّعوا مجالات الخوض في الجهاد لتشمل تلكمُ الأغراض الموروثة من مدح وهجاء وفخر ورثاء بل وحتى الغزل أضحى مطية لأغراض الحماسة والفروسية ووصف المعارك والمديح النبوي، ولعل خواطر الشاعر في هذه الدالية تبين بعضا مما آمتاز به شعر هذه الفترة من بناء متعدد الأغراض ينتهي أحيانا من حيث آبتدأ ذاتيا يتغنى بما خلا من صبا وفتوة وشباب متوجسا مما سيأتي من مواعيد بعد أن أرسل القدر علاماته المنذرة بقرب الرحيل، وبين البداية والنهاية، تحاول الذات ضبط توازن لحظتها الراهنة بعيشها كما تَرِدُ بهمومها ومشاغلها وسلمها وعراكها، لكي لا تستسلم للواعج الهواجس التي لن تجدي نفعا؛ من هنا نلفي شاعرنا ينتقل من غرض لآخر، بضمير متكلم مفرد(أنا)لا ينكفئ علة ذاته، بل يتعالق والواقع المعيش تعالقا جعله :

_يمدح الخلفاء المتزعمين حملات الجهاد وكل منِ آقتفى سُننهم:

فقيه إن تنحنح في سكون
ترى منا الفرائص في آرتعادِ
كأنه في منصته أمير
يخوف بطشُه أهلَ آلعنادِ

_يهجو قادة الأعداء وجنودهم وأتباعهم، وذم الهوى وهوان النفوس وآرتباطها بملذات حياة عابرة لا قيمة لها:

• ولم أحتج إلى مال فأخشى
عليه من الضياع ومن نفاد
• فلا منجي لقلبي من عناء
لأغراض وحذر من معادي
•فيا ليت الشبيبة زودتني
بكف تستخف عصير عاد
فأغفل بانتشاء عن شؤون
نبذت لها على رغم قيادي

_يفخر بالقيم الدينية التي تُخاض الحروب بآسمها ومن أجلها...

_يرثي ضحايا الالتحامات من المغاربة:

•ولم نك نرتجي فقد الشخوص
سوى شخص نراه من آلأعادي

_ يتغزل بطريقة ملائمة عفيفة يُعجب فيها بإناث يشاركن الرجال بتحميسهم وتحفيزهم، من أجل حياة تستحق أن تعاش في ظل الإباء والكرامة والذود عن الحياض، وترك ما لا يناسب هذه الغاية ولا يخدمها:

• ولم أفتن بقرب من حبيب
ولم أحزن لبين من سعاد

_يصف الفروسية:

•فكل مقلد سيفا محلى
بلا غمد له أبهى نجادِ
ورمح لا يجور على مول
إذا جد التنازل والتعادي
على خيل تسير بلا ركاب
وتأنف من مسابقة الجيادِ

_يثني على الملاحم والمعارك ضد الأعداء:

•فيا عجبا لحرب كل يوم
تؤجج ثم ترجع لاتحادِ
كأن قتامها ثوب عتيق
تخرق بين راحات شدادِ
ولا يلفى بموقفها قتيل
ولا بخطوطها عان يفادي

_يؤنب النفس لسهوها وشرودها بتذكر ما مضى من الفتوة والشباب عن لحظات الجد التي تستوجب حضورا ذهنيا ورصانة عاطفية وصرامة عقلية:

•سَقَى عهدَ الصبا صوبُ المهادِ
فما زال آذكاره في فؤادي
وإن كنت ما أصبتُ به رشادا
ولا أوريت في علمٍ زنادي
ولكن كنت فيه أخا آرتياح
خليًّا منْ مكافحة آلعوادي
يلذ ليَ آلتجاول في لذات
أشخصهم معمعة آلجلاد

_يزهد في دنيا متقلبة لا دوام لجأشها:

•ولم أعلق بآمال صعاب
أنازعها بألسنة حداد
ولم أحتج إلى مال فأخشى
عليه من الضياع ومن نفاد
•ولو أن الدنا خلقت للهو
أبيح بها التهتك للعباد

_يتحسر على ما مضى من آلأزمنة آلخوالي:

•فأما والشباب مضى دجاه
ووجه الشيب مثل الصبح باد
فلا منجي لقلبي من عناء
لأغراض وحذر من معادي
وسعي لليسار بكد يمنى
تجلل أبيضا ثوب السواد
فيا ليت الشبيبة زودتني
بكف تستخف عصير عاد
فأغفل بانتشاء عن شؤون
نبذت لها على رغم قيادي
أمثلها فتكسبني انبساطا
فيرجعني الزمان إلى اعتيادي
وكان نبات ناصيتي غرابا
فأصبح مثل أجنحة الجراد
وحال إلى الفتور شديد عزمي
كمثل الجمر آل إلى رماد
كأن الشيب ضيف ليس يرضى
بشيء غير شغلي بالمعاد
ولولا مضاضة الأيام حثّتْ
ركائبه فزار على اعتماد
لقُلْتُ له ولم أكْثِرْ ملاما
عجلتَ فكنتَ أظلم من زياد
سلام للشبيبة والتصابي
تجول به الصَّبا كل البلاد

_يصيغ تجارب الحياة التي تُعلم آلإنسان ما لم يعلم:

•إذا حلم المعلم عن غلام
فلَا نَجَحٌ لَدُنْهُ بِمُسْتَفَادِ
وإن أغضى آلمعالجُ عن سقيمٍ
فقد أخطأ به نهجَ آلسدادِ
•قليل المال تصلحه فيبقى
ولا يبقي الكثير مع الفساد
فلو أعطيت كنزا من نُضار
لباريت في السخا ابن أبي دؤاد
•ولو أن الدنا خلقت للهو
أبيح بها التهتك للعباد

_يتغنى بممارسة نظم الشعر بآعتباره شعورا وإحساسا:

• وما بالشعر كنت أخا شعور
أؤلفه كإشراك اصطياد
فأظفر تارة وأخيب أخرى
ولا أستاء من طول اجتهاد
فجاء بُعَيْد ذاك العهد عهد
تطرق بين نفسي والمراد
وصار القول والأفعال مني
تقيد في الكتاب بلا مداد

_ثم يتغنى بالبلاد في البدء والختام:

• سقى عهدَ الصِبا صوبُ المهادِ
فما زال آذكاره في فؤادي
• سلام للشبيبة والتصابي
تجول به آلصَّبَا كل البلادِ

هي موضوعات في إجمالها مما عهدناه في الشعر العربي القديم، لا جديد فيها،
ويمكن بقليل من الروية والملاحظة آكتشاف ظلال الشعراء الفرسان في "الجاهلية" المنتمين للقبيلة والمتمردين على نظمها من"الصعاليك"، ومعاينة خواطر آل عذرة من العاشقين، وآلمتحسرين على آنصرام شبابهم وآل الحكمة من المخضرمين سواء الأصيلين منهم أو ممن آقتفى آثارهم من الإحيائيين في المشرق العربي...
ويبدو أن غريطا في داليته كان منشغلا بتعداد مواضيعه المتناثرة مراكما أغراضا شتى في قريض واحد معتقدا ربما أن محورية ضمير المفرد المتكلم(أنا) ستجعل من نظمه قولا موحدا ينجيه من التفكك والتجزيء؛ لكن(أناه)للأسف ظلت متشظية طيلة النص بشكل نمطي خارجي تتعالق والأشياء والكينونات بطريقة أفقية تستدعي ما تستدعي من تداعيات دون الغوص في أغوارها..هي ذات حاضرة..نعم..لكن على السطح ومن الخارج فقط..فالصِبا والفتوة والشباب والماضي هي نفسها تيمات صاغها قبله الأصِيلون والمقلدون، الذين طالما كشفت عورةَ هرمهم إناثٌ يطلبن المزيد من المشاكسة والعناد والمناورة والحب والإعجاب والفحولة، يافعات لا يهرمن ظللن أبدا كتماثيل آلهة أساطير بابل روما وأثينا لا تشوبهن شائبة ما جرت به أقدار سُنن التجاعيد..يبدو أن المأساة إنسانية بآمتياز..يقول(سلامة بن جندل):

• يا حر أمسى سواد الرأس خالطه
شيب القذال اختلاط الصفو بالكدر

يقول(عروة بن الورد):
•فما شاب رأسي من سنين تتابعت
طوال ولكن شيبته الوقائع

يقول(محمد الصنهاجي البوصيري):
•مَحَّضَتْنِي النُّصْحَ لكِنْ لَسْتُ أَسْمَعُهُ
إنَّ المُحِبَّ عَن العُذَّالِ في صَمَمِ
إني اتهمتُ نصيحَ الشيبِ في عذلٍ
والشَّيْبُ أَبْعَدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَم
فإنَّ أمَّارَتي بالسوءِ ما اتعظتْ
من جهلها بنذيرِ الشيبِ والهرمِ
ولا أَعَدَّتْ مِنَ الفِعْلِ الجَمِيلِ قِرَى
ضيفٍ ألمَّ برأسي غير محتشمِ
الخ.....

والشيب في نهاية المطاف،شين لمن يشيب على حد تعبير(عبيد بن الأبرص).لذلك، تلجأ الذات المكلومة من أجل آستعادة توازنها العاطفي إلى آستدعاء رصانة العقل، فتتخلص من الاستهلال الباكي الى عرض بقية المواضيع متسلسلة تباعا بدءا من وصف المعارك مرورا بمدح العلم والعلماء وبوح يصر على ترك صبابة لا تشفي غليلا إلى صياغة حِكم ومواعظ يخطها قليب خبر ما خبر من لواعج الحياة لتوقع القصيدة ختمتَها من حيث بدأت سلام للشبيبة والتصابي تجول به الصَّبا كل البلاد...(٥)
ولعل قصيدة الفقهاء المغاربة كان عليها أن تنتظر آنصرام مرحلة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لتؤسس لمرحلة أخرى بوعي نظري نقدي (٦)وممارسات شعرية ستكون أكثر نضجا ومواكبة لما حدث من تراكمات نوعية في المشرق العربي، مما يجعلنا نقول إن البعث والإحياء في نسخته المغربية سيشذب ما علق من اغصان زائدة بدوخة القصيدة مستفيدا من تجربة المشرقيين في هذا الصدد معيدا إنتاج صوت القول الشعري المشرقي مضمونا وشكلا وصياغة...

●مقاربة عروضية:
بطبيعة الحال، لا يشكل العَروض سوى تجليا من تجليات الإيقاع في القصيدة؛ ولأن القصيدة مرهونة بشروط وظروف إنتاجها، ارتأيت أن لا أحملها ما لا تطيق من مقاربات بمفاهيم وزوايا رؤية عصور أخرى غير عصرها.أكيد أن الشاعر يدرك تمام الإدراك أن القريض العربي التراثي سواء كان نظما أو نتيجة قريحة صادقة هو بداية المطاف ونهايته شعر غنائي يحتفي بالأصوات صوامتها وصوائتها، جهرها وهمسها، جرسها وتنغيمها، ترخيمها وتفخيمها، تخفيفها ونبرها و... تماشيا مع الطابع الشفهي للشعر العربي، فهو منطوق يلقى من لسان وحَنجرة وفاه لأذن تصغي وتعيد القاء ما سمعت من مقول عن طريق الرواية الشفهية والإنشاد مما آستوجب منذ الوهلة الاولى لظهور هذا القريض إيلاء الجوانب الصوتية ما يليق بها من آهتمام..يقول حسان بن ثابت..

•تَغَنَّ بالشعر إما كنتَ قائله
إن الغناء لهذا الشعر مضمارُ

فلا يمكن، والحال هذه، مقاربة النظم القديم الشفهي السمعي مقاربة لما هو مكتوب، فالخلق الشعري العربي القديم رهين الأصوات التي تنتجه وتخلق ذيباجته وفسيفساء ترانيمه.انه ظاهرة صوتية لا بصرية تشكيلية كما هو الشأن مع مكتوبات الشعر الحديثة التي جعلت الكتابة الشعرية طقسا يُرَى يُقْرَأُ على انفراد في صمت يَهمس به قائله أو متلقيه بعدما كان يُصدح به جهارا في أسواق المربد وعكاظ ومجنة..
ولا يخفى، ما للموروث العروضي الخليلي، من دور في هذا الباب وإن ظل رهينا بمدى جودة آستعمال متغيراته من لدن الشعراء، أصاغوا توليفاته وتشكلاته صياغة تعبيرية وظيفية تتوازى تتعالق مع الشحنات النفسية والعاطفية الوجدانية أم ظل مجرد خارطة طريق باردة عامرة بقواعد جافة لا رواء فيها.. هذا أمر يعود لقريحة الشعراء ومدى عمق مواهبهم وصدق تجاربهم الشعرية وإن حاولت تجارب الصنعة أن تستدرك أمر هشاشة القريحة إلا أنها سرعان ما يعن لمن خبر أمر الشعر والشعراء تهافتها وبرودها وقصورها...

تبدو القصيدة منذ بيتها الأول من بحر الوافر الصافي:

سقى عهد الصبا صوب المهاد
سقى عهْدَصْ/صِبَاصوْبَلْ/مهادي
مفاعيلن / مفاعيلن / فعولن
زحاف العصب/ز.العصب/علة القطف
_عروضة تامة مقطوفة

فما زال اذكاره في فؤادي
فما زالذْ/ذِكارُهُفي/فؤادي
مفاعيلن/مفاعلتن/فعولن
ز.العصب/صحيحة/علة القطف
_ضرب تام مقطوف

_المطلع، إذن، من بحر الوافر التام المقطوف عروضة وضربا،مع حضور التقفية في المطلع كعادة قديمة سارت على نهجها القصيدة العربية التقليدية التي تعمد إما الى تصريع مطالعها أو تقفيتها...

_القافية في هذا البيت هي:(ؤادي)دالية مطلقة مردوفة متواترة رويها الدال بمجرى الكسر موصولة بمد مجردة من الردف والتأسيس،موحدة لا تتغير أجزاؤها الصوتية طيلة القصيدة،وهذه سمة من سمات التقليد في قصيدة البعث والإحياء العربية سواء في نسختها المشرقية أو المغربية...

•البيت الأخير:
سلام للشبيبة والتصابي
سَلامنْ لِشْ/شَبيةِ وَتْ/ تَصابي
مفاعيلن / مفاعلتن /فعولن
ز.العصب/صحيحة/عروضة تامة مقطوفة

تجول به الصبا كل البلاد
تجولُ بِهِصْ/صباكلْلَلْ/بلادي
مفاعلتن / مفاعيلن / فعولن
صحيحة /صحيحة/ضرب تام مقطوف

_القصيدة من بحر الوافر التام المقطوف عروضة وضربا، مع تغييرات في الحشو حيث تنزاح تفعيلة(مفاعلتن)الى تسكين صوتها الخامس المتحرك عن طريق زحاف العصب مما يجعل الوافر في القصيدة يتراوح بين الانسيابة الهادئة في أبيات الحِكم والوعظ والارشاد، والمشاعر المتحفزة السريعة الايقاع في غير ذلك(ذكريات الصبا والفتوة والشباب وتغير الأحوال بين الماضي والحاضر)

_القافية في البيت الأخير هي قوله: "لادي"، وعلى شاكلتها بنى قوافي القصيدة كلها ...

ورغم أن الوافر أحادي التفعيلة سلس منساب متدفق خطابي حماسي تتواتر فيه الحركات بشكل جلي ورغم كونه من أكثر الأوزان آستخداما قديما وحديثا الا انه فيما يبدو لم يفرض وجوده فرضا واضحا في شعر المعلقات كما فعل بحر الطويل مثلا(ماعدا نونية عمرو بن كلثوم الصاخبة)هذه المعلقات التي يعتبرها (محمد غريط) والتقليديون ذروة عيون وأصول الشعر العربي الفصيح التي يجب الاحتذاء بها لكل ذي موهبة مبتدئ يروم مناورة رياض القريض(٧)

حاول الشاعر دعم هذا الوزن المتواتر بتنويعات صوتية آعتمد فيها تكرارات وتوازيات، نقرأ منها:

•ولم أفتن بقرب من حبيب
ولم أحزن لبين من سعاد

●مختلفات:

فيما يتعلق بباقي عناصر القصيدة، يمكن القول لا جديد فيها، فالمعجم آسترسل يستهلك ثرثرات الوجد المصطنع، وتحسرات الخوالي من الأزمنة، وتوجسات ما سيقبل من أقدار حتمية تهزم اللذات تفرق الجماعات.مشكلة الألفاظ هنا عدم تعبيرها عن صدق تجربة معيش وجودي عاناه الشاعر بقدر ما تعيد انتاج ما أعيد إنتاجه سلفا؛لذا، نلفيه يحاول آقتناص ألفاظه من المعاجم المنجزة ومن ما تسعفه محفوظاته من متون دينية ومنظومات وأشعارا، ويظهر ذلك جليا في بحثه الحثيث عن كلمات يفترض فيها شغل مجالات القوافي، مما ساهم في صناعة نوع من الهشاشة اللفظية ضرب في مقتل إحدى خصائص عمود الشعر العربي القديم:

_جزالة اللفظ وآستقامته
_الإصابة في الوصف
_مشاكلة اللفظ للمعني

ولم يقف الامر عند هذا الحد من العي والعجز، بل آستشرى ليشمل ما كان مفترضا اعتباره صورا شعرية لو أنها راعت خصيصتي:

_المقاربة في التشبيه
_ومناسبة المستعار للمستعار له

وما علينا الا معاينة إلا بعض الأمثلة من باب الاعتباط لا الانتقاء او الاستقصاء ليتضح ما نذهب اليه:

_ وأعمل بالإشارة من نبيه
يحض على الحساب والاقتصاد
_فقيه إن تنحنح في سكون
ترى منا الفرائص في آرتعادِ
_وكان نبات ناصيتي غرابا
فأصبح مثل أجنحة الجَرَادِ
_تؤجج ثم ترجع لاتحادِ

إن ما يمكن وَسْمَه ب"الصورالشعرية" تظل قليلة آجترارية عادية من كثرة آستعمالها غدَتْ بلا رواء، بل ميتة جامدة جزئية مشتتة غير حيوية؛ الغرض منها ومن غيرها من المكونات ليس التعبير عن تجربة شعرية وجودية بقدر ما هي محاولة مُلِحة لإبراز القدرة على التعبير الفصيح والإتيان بما أتت به الأوائل أو تجاوز ذاك المنجز الشعري بفلتات نظم رغم شساعة المسافة الزمانية والمكانية بينه وبين الذي خلا فما شطت عنه جزالة اللسان، فهو مايزال يروض به ما لا يروض من معاني معارضا مقلدا محاكيا حتى يستقيم مسار مشيه المستقل..غير أن هذا المسار آعترته كثير من آلعثرات وآلعيوب والعي قد تبلغ أحيانا درجة العجز؛ فكيف يستساغ مثلا في وصف الشيب الجمع بين بياض شعر اللمة ولون أجنحة الجراد، مازاد الشاعر هنا أن ذكرنا بمَا فعله قبله آمرؤ القيس رغم بَوْن المسافة الزمنية بينهما التي كان على شاعر القرن العشرين الاستفادة من إيجابيات تطوراتها التاريخية والحضارية والثقافية من أجل أن ينظم قريض أكثر مصداقية ونضجا وفعالية، الشيء الذي لم يفلح فيه كما هو واضح، فإذا كان عشاق الاستماع الى الشعر وروايته في(الجاهلية)قد آخذوا على صاحب قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل قوله في وصف الخيل، وهو ما هو في هذا الاختصاص:

_وأركب في الروع خيفانة
كسا وجهها سعفٌ منتشر

مجانبا الصواب في وصفين متتالين لفرسه، فمن ناحية جعل سرعتها كسرعة ما هو أدنا منها وأحقر شأنا(الخيفانة: الجرادة)، ومن ناحية أخرى جعل شعر ناصيتها ينسدل على ناصيتها قاصدا جمالها، لكنه أخطأ المقصد والغاية لأنه بهذا التوصيف قد جعل فرسه تعيش مشقة في رؤية طريقها أمامها في أوج خببها وسرعتها مما سيعرضها للعثرات، بل والترنح والسقوط أرضا الشيء الذي يعد انتهاكا صارخا لنبالة الفرس العربي ونعتا معيبا في حقه؛ اذا كان الامر كذلك مع رائد متقدم من رواد القصيدة العربية منذ بداياتها الاولى، فما عسانا نزعم أو نفترض أو نقول مع مَن تأخر به الزمن ولم يستفد من تاريخ عريض مديد مرت به قصيدة العرب أنجزت فيه ما أنجزت من تحولات عابرة وعميقة مؤثرة دون أن يدرك فيما يبدو نصيب منها صاحبَ سلام للشبيبة والتصابي تجول به الصبا كل البلاد، فأين ما ذهبت اليه من قول ما كنت تحفظه من الآي الكريمات(وآشتعل الرأس شيبا)؛فشتان بين شيبك في بيتك النظمي وبين صورة مَنْ تزدرد ألسنة النيران شعر رأسه كما رسمه متن محفوظك القرآني الذي لم تستطع فيما يبدو تمثله وأجرأته بحيوية صادقة في محاولتك هذه..
ليس الأمر هنا متعلقا بآلتماس ضرورة تمثل قواعد مستمدة من تداول عرفي قديم، لغويا كان أو نحويا أو عروضيا أو...بقدر ما هي معاتبة ودية لمحاولة إصرار شاعر مغربي من بيئة محلية ذات خصوصية مغايرة لبيئة المشرق، متباعدة في الزمن والمكان، مختلفة في ظروف العيش و العادات والأعراف وأساليب سلوكات الحياة، مؤاخذته على إلحاحه على آقتفاء آثار منجز شعري سالف أنتجه مشرق قصي، لا لشيء إلا لأنه مشرقي أولا وسابق في الزمن ثانيا، وثالثا وهذا هو الأهم يتصف بالقداسة العقائدية لارتباطه بلسان نزل به القرآن النص الرسمي لعقيدة الشاعر والمغاربة المتشبتين به أيما تشبت؛ وما مراودة الشعر بهذا اللسان بقواعده المعيارية المتوارثة إلا إعلان محبة لجانب روحي لدى الشاعر كفرد خاص وكتمثل للجماعة التي يعيش ضمنها، هو إشهار عبادة وآلتزام صارم رسمي باتباع سنن الأولين وآشتياق لاستعادة زمن ذاك السلف الصالح"المطلق"في روائه وصفائه ومناعته من كل ما يمكن أن يهدد كيانه وكينونته الوجودية..إن شاعرنا على غرار نظرائه في عصره يتمادى في اللجوء والارتماء في حِضن المشرق توجسا و هروبا من شمال أوروبي متربص تدق جحافله الصليبية الغازية المنتقمة ثغور المغرب من كل جانب أليس كذلك يا غريط ....

_إشارات:
١_ ينظر في هذا الصدد الى الباب الأول من الكتاب الممتد من صفحة ٧٧ الى صفحة ١٦٢

٢_ في هذه الفترة كانت مناطق الشمال والجنوب تحت أطماع أنظار الصلبيين الإسبان، ومناطق الشرق والغرب تحت تخطيطات وتربصات الفرنسيس ، وهؤلاء وغيرهم من الاستعماريين كان المغاربة يتعاملون معهم بصيغة الحذر الذي يجب أن يُعامل به الكفار خصوصا اذا كانوا من هذه الطغمة من الصليبيين الغزاة، فتاريخ المغرب قديمه وحديثه كله حرب سجال معهم ، ويمكن القول إن المغاربة خاضوا حربا بالوكالة عن باقي الدول الاسلامية وقفوا فيها حصنا منيع ضد التوغل الخارجي طيلة تاريخهم الحضاري؛ مما جعل أدبهم ومشاريعهم الحياتية تتوقف تنحصر تختص بالجانب العقائدي الجهادي لا غير بآعتباره صمام أمان ضد هذا العدو القادم من الشمال، ولازالت تبعات هذه المعارك ومخلفاتها السلبية يعاني منها البلد وأهليه الى أيامنا هذه...

٣_في القرن التاسع عشر نجد شاعرا مغربيا بالاسم نفسه محمد غريط توفي عام 1863 ميلادية في المنحى الدفاعي نفسه يقول بعد أن آستولت فرنسا على مدينة تلمسان مذكرا بمحنة الأندلس التي لم يبرأ جرحها بعد:

• مالي أرى جفن أهل الغرب وَسْنانا
من بعدما أخذ الرومي تلمسانا
كأنهم ما دَرَوْا، ماذا يريد بهـــم
عَدُوُّ دينهم، لا نال إمكانـــا
ولا على فعله في دفتر وقفـــوا
بأهل أندلس يا بيسَ ما كانــا

٤_ يقول محمد علال الفاسي في هذا الصدد وهو مفكر أديب شاعر وأحد زعماء الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي بالمغرب إبان فترة الحماية وبعدها:(أما معارفنا فلا تزال سائرة في الاتجاه الذي سارت فيه منذ أربعة قرون أو خمسة، تثبت ما ثبت في ذلك الوقت وتنفي ما انتفى، ومع ذلك لا يستطيع حملتها اليوم أن يسايروا معارف السالفين من أهل ذلك العصر الا قليلا، وكذلك الأساليب التي نستعملها للوصول الى هذه المعرفة ما تزال هي نفس الأساليب القديمة لم يعقبها تطور لا أصابها تغيير الا ما كان الى جهة التأخر والانحطاط. فحاجتنا عظيمة وقوية لتجديد معرفتنا والاتجاه بها الى الناحية التي فيها الفهم وفيها الادراك، وحاجتنا كذلك شديدة وقوية لتجديد أساليب الدراسة والبحث حتى نستطيع استدراك ما فاتتنا به الأمم في هذه العصور كلها والمساهمة من جديد بحظنا في الثقافة والمعرفة العالميتين...
وأدبنا الفصيح والعامي الذي طالما أينعت دوحاته وأخضلت جنباته، فأزهر وأثمر، وغذى العقول والفكر، قد أخنى عليه الزمان فجف عوده، وذبلت وروده، وأصبحت رياضه قاحلة جرداء لا نسمع فيها الا رجع الصدى، ولا نرى فيها الا أشواكا متطاولة، وقليلا من خضراوات الدمن، فنحن محتاجون الى تجديد هذا الأدب والعناية بحدائقه حتى تصبح رياضا عصرية غناء، وحتى يعود متعة للنفس وبهجة للعين وطمأنينة للروح.)

_ محمد علال الفاسي/مقالة:حاجتنا الى التجديد/دورية:المغرب الجديد/العدد: ١١و١٢/ عام ١٩٣٦/

٥_يقول محمود سامي البارودي في منفاه بسرنديب في هذا المعنى:
أَيْنَ أَيَّامُ لَذَّتِي وَشَبَابِي
أَتُراهَا تَعُودُ بَعْدَ الذَّهابِ
ذَاكَ عَهْدٌ مَضَى وَأَبْعَدُ شَيْءٍ
أَنْ يَرُدَّ الزَّمانُ عَهْدَ التَّصَابِي
فَأَدِيرَا عَلَيَّ ذِكْراهُ إِنِّي
مُنْذُ فارَقْتُهُ شَدِيدُ المُصَابِ
كُلُّ شَيءٍ يَسْلُوهُ ذُو اللُّبِّ إِلَّا
ماضِيَ اللَّهْوِ فِي زَمانِ الشَّبابِ
ذَاكَ مَرْعَى أُنْسِي وَمَلْعَبُ لَهْوِي
وَجَنَى صَبْوَتِي وَمَغْنَى صِحابِي
لَسْتُ أَنْسَاهُ ما حَيِيتُ وَحاشَا
أَنْ تَرانِي لِعَهْدِهِ غَيْرَ صَابِي
لَيْسَ يَرْعَى حَقَّ الْودادِ وَلا يَذْ
كُرُ عَهْداً إِلَّا كَريمُ النِّصَابِ
فَلَئِنْ زالَ فَاشْتِيَاقِي إِلَيْهِ
مِثْلُ قَوْلِي باقٍ عَلَى الأَحْقَابِ
كَيْفَ لا أَنْدُبُ الشَّبابَ وَقَدْ أَصْ
بَحْتُ كَهْلاً في مِحْنَةٍ وَاغْتِرابِ
أَخْلَقَ الشَّيْبُ جِدَّتِي وَكَسَانِي
خِلْعَةً مِنْهُ رَثَّةَ الْجِلْبَابِ
وَلَوَى شَعْرَ حاجِبَيَّ عَلَى عَيْ
نَيَّ حَتَّى أَطَلَّ كَالْهُدَّابِ
لا أَرَى الشَيءَ حِينَ يَسْنَحُ إِلَّا
كَخَيالٍ كَأَنَّنِي في ضَبابِ
وَإِذَا مَا دُعِيتُ حِرْتُ كَأَنِّي
أَسْمَعُ الصَّوْتَ مِنْ وَرَاءِ حِجابِ
كُلَّمَا رُمْتُ نَهْضَةً أَقْعَدَتْنِي
وَنْيَةٌ لا تُقِلُّها أَعْصابِي
لَم تَدَعْ صَوْلَةُ الحَوَادِثِ مِنِّي
غَيْرَ أَشْلاءِ هِمَّةٍ فِي ثِيَابِ
فَجَعَتْنِي بِوالِدَيَّ وَأَهْلِي
ثُمَّ أَنْحَتْ تَكُرُّ فِي أَتْرَابِي
كُلَّ يَوْمٍ يَزُولُ عَنِّي حَبِيبٌ
يا لِقَلْبِي مِنْ فُرْقَةِ الأَحْبَابِ

٦_ظهرت كتابات نقدية مغربية واعيةفي بداية القرن العشرين تدعو الى التجديد وتجنيس القصيدة المغربية، من بينها كتاب(محمد القباج):الأدب العربي في المغرب الأقصى...

٧_بحور المعلقات:
•معلقة آمرئ القيس:الطويل
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ

•معلقة طرفة بن العبد:الطويل
لِخَولة أطْلالٌ بِبُرقَة ثَهمدِ

•معلقة زهير بن أبي سلمى:الطويل
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ

•معلقة عنترة بن شداد:الكامل
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَرَدَّمِ

•معلقة لبيد بن ربيعة:الكامل
عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا

•معلقة الحارث بن حلزة:الخفيف
آذَنَتنَا بِبَينها أَسمَاءُ

•معلقة النابغة الذبياني:البسيط
يا دارَ مَيَّةَ بالعَليْاءِ فالسَّنَدِ

•معلقة الأعشى الكبير:البسيط
ودع هريرة إن الركب مرتحِلُ

•معلقة عبيد بن الأبرص:مخلع البسيط
أقفر من أهله ملحوبُ

•ثم معلقة عمرو بن كلثوم الوافرية:
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَا



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بُويَبْلَانْ
- ضِرْسُ آلفرزدقِ
- الصعاليكُ الثلاثة
- أُورْفيُوس نَايْتْ وَرَايَنْ
- الطِّفْلُ آلْأَهْوَكُ
- حَائِطُ سَارتر
- اِنْدِثار
- مِثْلُ آلصَّخْرِ
- رِسَالَةٌ إِلَى آبْنَتِي
- سَأُسَافِرُ أَمْسِ
- أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا بُوجَنْدَار(مقاربة لهائية الشاعر المغر ...
- لَا أُرِيدُ
- حب الملوك
- لَا، لَمْ يَكُنْ حُلْمًا
- زُكَامُ آلْحُرُوفِ
- شَفيرُ آلْمَنَابعِ
- هَارَاكِيرِي
- وَتِلْكَ حِكَايَةٌ أُخْرَى(مقاربة عروضية لميمية الشاعر المغر ...
- الدّيناصور وآلطّيطار
- آآآيَمَّااااا


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - سَلَامٌ لِلشَّبِيبَةِ وَآلتَّصَابِي،مقاربة لِ:داليةٍ للشاعر المغربي محمد غريط