أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد حسين يونس - حفرية مثقف من بداية القرن العشرين















المزيد.....

حفرية مثقف من بداية القرن العشرين


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 7434 - 2022 / 11 / 16 - 06:32
المحور: سيرة ذاتية
    


حصلت سنة 1962 علي بكالوريوس العمارة .. بدرجة جيد جدا و إمتياز لمشروع البكالوريوس .. يعني كنت من المتفوقين ..ونواة لمهندس متميز .. ولكنني منذ تخرجي من الجامعة حتي اليوم زاولت العمل في أنشطة بعيدة عن ما تعلمته في قسم العمارة ..(تنفيذ بعض المنشئات في سيناء.. و ضابط مهندس أرص الغام و أبني تحصينات .. و أحفر بالمفرقعات و أنشيء سدود ترابية في اليمن .. ثم مهندسا في المكتب الفني لشركة مقاولات .. ثم مديرا لمشروع مد شبكات كهرباء بالعراق .. و أخر للتليفونات في مصر.. فخطوط وشبكات مجارى و مياة و صرف مغطي.. فالإشراف علي إنشاء محطة معالجة مياة صرف صحي ).. ستين سنة لم أتوقف يوم عن العمل غير التخصصي .. منها أربعين سنة في وظائف قيادية مع شركات و مكاتب هندسية أجنبية .
الأن بعد 19 سنة دراسة ( من سن 3 إلي سن22 ) .. و ستة عقود عمل (كمهندس) لو أنني إمتحنت في علوم إعدادى هندسة .. فبالتأكيد سوف أرسب ..فلم أعد أتذكر الوصفية.. أو الميكانيكا ( الديناميكا و الإستاتيكا ) ..و ضاع من ذاكرتي كل ما يتصل بالتفاضل و التكامل .. أومعادلات الكيمياء ..وقوانين الفيزياء .
بل الأسوأ .. لو إمتحنت الثانوية العامة.. فلن أحصل عليها .. لقد تبخرت العلوم التي كنت متفوقا فيها .. و أصبح من الصعب حل تمرين .. هندسة فراغية ..أو رسم قلب ضفدعة .
هل معني ذلك لو إمتحنت الإعدادية سأكون الأول علي الدفعة .. و لا الإعدادية ..كل ما يتصل بالجبر و هندسة إقليدس أصبحت طلسمات خصوصا قوانين مساحة الدائرة و شبه المنحرف و الأشكال متعددة الأضلاع..أو قواعد اللغة العربية والإنجليزية .. أو التربية الوطنية .. حاجة تكسف .
لقد وصلت إلي مستوى طالب في الإبتدائية ..و نسيت تماما .. ما بعدها .. و أعتقد أن العديد من مهندسي المواقع و الحكومة و الجيش ..بالطبع ..خصوصا السادة اللواءات .. يعانون من نفس المشكلة لا يستطيعون قراءة لوحة رسم هندسي أو يحلوا معادلة من الدرجة الثانية .
الدراسة لدينا .. ذات نفع محدود ..الحصول علي مؤهل من أجل الزواج و الوظيفة و المركز الإجتماعي ..ثم تتلاشي المعلومات بعد أن يجرى العمل بصورة بدائية ..ويتحول المهندس إلي ريس عمال أو بكتيرة ملاحظ .. يتفوق في الفهلوة و إتلاف عمل الغير وعدم التطور و وضع العقبات.
ما أتذكره بشكل أفضل من الدراسة .. هو ما حصلته من التعلم غير المدرسي .. كنصيحة أستاذى سلامة موسي .. الخاصة بالتثقيف الذاتي ..
قواعد الفلسفة .. الأنثروبولجي .. الأديان المقارنة ..التاريخ خصوصا المصرى القديم .. الفلك و نشأة الكون و كواكب المجموعة الشمسية .. و تطورالحياة علي الأرض .
الجغرافيا .. السياسة.. الإقتصاد .. الأدب و الشعر .. الفنون المختلفة الرسم ..و النحت .. و العمارة .. و تخطيط المدن و أشهر فنانينها ..
بعض المعلومات عن الأمراض و التغذية ..و العلاقات الإجتماعية و السياسية .. و علم النفس وتربية الأطفال و يمكن تضيف تحكيم مباريات كرة القدم ..
علوم و دراسات تبعد كثيرا .. عن ما تعلمته في المدرسة و الجامعة ..بحيث عندما ترجمت عن الإنجليزية .. إخترت كتاب عن المصريين القدماء و أخر في السياسة المعاصرة .. و ليس في العمارة أو الهندسة علي الرغم من وجود كتب و مراجع تستحق الترجمة .
مكتبتي تشي بذلك .. كل ما الفته و ما تحتوية من كتب ستجدها (غير مهنية ) .. و حتي الكتب الهندسية فيها متصله أساسا بطرق إدارة الإنشاء .

سلامة موسي في كتابه (( فن الحب و الحياة )) الذى قرأته عام 1957 (أى بعد عشر سنوات من صدوره) وكان دليلي الذى سرت على نهجه لمدة نصف قرن ..حرضني علي أن أقرأ في مجالات عديدة ..وأزور المتاحف ، وأقتنى الكتب واللوحات والتماثيل والتسجيلات الموسيقية ، وأذهب الى الأوبرا وأكتب واناقش واحضر الندوات واتعلم.. ولقد فعلت هذا بإقتناع و إخلاص
حتى أقتربت أخيرا من هذا الرجل الذى وصفه ..فوجدتني كمن يلبس بدلة صوف إنجليزى " هيلد " وحذاء " كلارك " كلاسيكى ويقود عربة " أوستين " موديل 47 .. يتحرك بها بين قوم يرتدون ملابس كاجوال وصنادل ويقودون عربات اسبور أو موتوسيكلات رالى ذات أصوات عالية .
لقد تغير العالم حولي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية .. و مع الحرص علي رفع درجة المعرفة أكتشف ..من فيض المعلومات التي تصلني ..أن كل ما تعلمته لا يزيد عن أن يكون قطرات من ماء نهرجار مستحيل حصر تياراته المختلفة .. و فيضة ..و حركته التي لا تتوقف . وأنني كلما زدت علما .. كلما زدت جهلا وكان المسكوت عنه أوسع .

رؤوس الموضوعات ألتي أوصي بها سلامة موسي .. ليصبح الشخص منا مثقفا.. كانت تتضمن الأتي :-
أولا : ((أن يعرف التركيب الطبيعى للعالم الذى نعيش فيه .. اى يدرس الطبيعيات والفلكيات ويعرف المواد والعناصر التى تتألف منها الأرض والشمس وسائر النجوم فنحن والشمس والنجوم سواء فى المواد والعناصر..))
هذا العلم اليوم ..بعد إكتشافات الفضاء و رحلات الرواد و الأقمار الصناعية .. و المسبارات الإلكترونة .. أصبح بحر لا نهاية له فامريكا و روسيا و الصين و الهند .و دول أوروبا .. لكل منها دراسات و مخرجات و علوم بلغات مختلفة .. تدير الرأس .. حتي أنه كان من الممكن تصوير ميلاد الكون منذ 14 مليار سنة .
الشرط الثانى : ((أن تعرف أى حيوان أنت من بين الاف الملايين من الحيوانات المنقرضة و المتواجدة .. والى اى أسرة فيها تنتمى ، بكلمة اخرى دراسة تطور الأحياء خلال الف مليون سنة الماضية.))
هذا العلم أيضا إبتعد كثيرا عن طرح دارون .. و توسع بواسطة تحليل (الدى إن إيه ).. و اساليب البحث الحديثة التي لا تخطر علي بال سلامة موسي سنة 1947 ..و أصبح له تخصصات دقيقة تؤدى إلي نتائج مذهلة عن تطور كل جزء من أجزاء الجسد عبر ملايين السنين .. و تطور السلوك .. و الفن و العمل .
الشرط الثالث : ((دراسة الحركات الكبرى فى التاريخ البشرى ، مثل اكتشاف المصريين للزراعة – إيجاد الدين والحكومة – والتقويم - واختراع المطبعة والآلات - واكتشاف مكونات الذرة - وكل ما وجه تاريخ البشروجهة اخرى او زاد سرعته او فتح ميادين جديدة للفهم.))
علم التاريخ اليوم إختلف عن سرد الحواديت بعد تقدم أدوات التوضيح فأصبح عدة علوم متخصصة تبحث في الحضارات القديمة لأهل أستراليا و الأمريكتين القدامي بالإضافة إلي الهند و الصين و مصر و بابل .. تجد دراسات واسعة في اللغات القديمة و تفاعل الأجناس بالسلم أو الحرب .. و الهجرات الكبرى و الثورات في الشرق و أوروبا .. بكل اللغات .. في توسع لا حدود له .
الشرط الرابع : ((أن يعرف النظم التى يعيش فيها ، أى نظام المجتمع ونظم الحكم وكيف يتزوج الناس وكيف يتصرفون بالثروة وكيف يوزعونها على الأفراد ، وما هى الطرق التى تتبع فى الارتزاق والتعلم وصيانة الصحة ؟.. ثم كيف يحكم الناس ، وكيف تحل المحاكم مشاكلهم ثم كيف تغيرت المجتمعات البشرية ،وما هى الأسباب الأصلية التى تجعل احدى الأمم راكدة آسنة ، فى حين أن الأخرى ناهضة متقدمة ))
و الأستاذ لم يكن يريد أن يقول النظم الرأسمالية و الإشتراكية و الشيوعية .. وعلاقة الطبقات الحاكمة بالشعب .. و لكننا اليوم نعرف الكثير بحيث أصبح(( العالم قريتي )) .. أعرف تفاصيل ما يحدث في أصغر نجع من بلاد الواق الواق ..وسائط الإتصال و النشر المتقدمة .. قامت بدور واضح في ربط شعوب العالم معا في عقد إنساني .
الشرط الخامس : ((أن يعرف أسس القيم البشرية وهذا يجب أن يحمله على درس الأديان والفلسفات قديمها وحديثها ، شرقها وغربها أى يجب أن يعرف ديانة المصريين القدماء وكيف تصوروا النعيم والجحيم ، ومبلغ ما فهموه من معنى العدل ، وكذلك ديانات الصين والهند واليونان ، الى ظهور الأديان التوحيدية الكبرى .. وقريب من الأديان فى الاتجاه هو الفلسفات التى حاولت بالتعقل ، ما حاولته الأديان بالوحى . هذه الفلسفات يجب أن نناقشها بعقل مفتوح من سقراط وأرسطو الى جيمس ديوى وسارتر))
هذه العلوم كما قدمها علماء أجلاء منهم فراس سواح السورى ..لازالت محل جدل شديد .. و لم تنهي تعصب أتباع الأديان المختلفة .. و إن بسطت من الغلو .
الشرط السادس والأخير : ((هو أن يدرس الرجل المثقف البلاغة البشرية أى الأدب والموسيقى والفنون الجميلة، لأن الحياة البليغة تقتضى الاحساس العميق والتصور الجميل ، بحيث نستلهم من الأدباء والفنانين أسلوبا يرقى بنا الى أن نحيا الحياة الفنية.((

و لقد تبعت المنهج الموصوف بدقة و لكن بعد كل هذا العناء أكتشفت .. أنني لم أوفق .. و أنه بالإضافة للوقت الذى أضعته في المدرسة و الجامعة .. فعندما بدأت دراسات محببة. لي. تم هذا بصورة غير ممنهجة .. فلم أصبح متبحرا في أى فرع من العلوم أو فروعها أو تخصصاتها الدقيقة التي أصبحت سمة العصر
بكلمات أخرى لم أعد شخص متخصص علميا يضيف إلي رصيد البشر و يستحق نوبل ..ولا أصبحت مثقفا معاصرا لقد تهت بعد أن تحولت إلي حفرية مثقف طبعة سلامة موسي من بداية القرن العشرين فاقد القدرة علي التواصل مع كل من التطور العالمي الواسع ..أو الضيق المجتمعي الذى تسببت فيه السلفية و الفاشيستية و حكم العسكر
بعد 83 سنة حياة .. كلها عمل و جهد أصبحت مهندسا ميعرفش الهندسة التي تعلمها أو زاولها .. و أديب أو دارس فلسفة غير مكتمل المعرفة .. وشخص مجهول بعيد عن مجتمعه المعاصر.. منفصل عنه.. مخالف لناسه .. زعلان قوى من نفسي يا خسارة تعبي في التعليم و الثقافة و محاربة طواحين الهواء .



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما أصبحت غير معاصر
- كل حلفائك خانوك يا ريتشارد
- عندما خسرنا معركة الدولار
- مصر المديونة ترحب بكم في شرم الشيخ
- الخروج للشوارع بصدر مكشوف
- وثيقة أولية لمطالب المصريين .
- السقوط في خية البنك الدولي(2)
- السقوط في خية البنك الدولي
- لا نحارب و لا نثوركيف سنتغير
- ضباب ..ما بعد سن الثمانين
- عندما ذاق العسكريون رحيق التمييز
- صدمات التفكير المنطقي
- أخر المناضلات المحترمات
- كوابيس الشيخوخة والوطن
- شيلو الرف أبو ذمة كاوتش
- مدن الطغيان الشرقي
- السيطرة علي عقول الأغلبية
- محطة كهرباء نووية في مصر
- الحصاد المر لإنقلاب 23 يوليو
- لم يعد للكلام المكتوب معني


المزيد.....




- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...
- -عار عليكم-.. بايدن يحضر عشاء مراسلي البيت الأبيض وسط احتجاج ...
- حماس تبحث مع فصائل فلسطينية مستجدات الحرب على غزة
- بيع ساعة جيب أغنى رجل في سفينة تايتانيك بمبلغ قياسي (صورة)
- ظاهرة غير مألوفة بعد المنخفض الجوي المطير تصدم مواطنا عمانيا ...
- بالصور.. رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -الم ...
- -إصابة بشكل مباشر-.. -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مقر قي ...
- واشنطن تعرب عن قلقها من إقرار قانون مكافحة البغاء والشذوذ ال ...
- إسرائيل تؤكد استمرار بناء الميناء العائم بغزة وتنشر صورا له ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد حسين يونس - حفرية مثقف من بداية القرن العشرين