أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الهيمنة الأوروبية قديماً وحديثاً














المزيد.....

الهيمنة الأوروبية قديماً وحديثاً


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7432 - 2022 / 11 / 14 - 17:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كانت، في منتصف الألفية السابقة على الميلاد، مجرد حفنة من المدن الدول المستقلة متناهية الصغر دائمة التناحر والاقتتال فيما بينها. على حدودها الشرقية، كانت إمبراطورية فارسية عتية عمرها آلاف السنين تملك من الجغرافيا والثروات الطبيعية والبشرية، ومن العراقة والتاريخ والكبرياء، آلاف أمثال ما ادعته مثل تلك المدن الدول المستحدثة، عديمة الأصل، والمشرذمة. رغم ذلك، وقف الكبرياء الفارسي عاجزاً عن إخضاع أهالي تلك المدن لسيطرته، وظلت الحروب والمناوشات متبادلة بين الطرفين حتى حصل ما لم يكن في حسبان أحد على الإطلاق: هذا الذباب اليوناني نال من الفيل الفارسي حتى أرداه أسيراً في حظيرته. كان ذلك بعدما تمكن الإسكندر الأكبر المقدوني من توحيد المدن اليونانية تحت سيطرته وخرج بهم في جيش امتلك من أسباب القوة ما يكفي ليس لقهر الإمبراطورية الفارسية فحسب، بل لاجتياح العالم بأسره.

كان العالم قبل ذلك عامراً منذ آلاف السنين بكثير من الإمبراطوريات التقليدية القوية، في مصر والصين والهند والهلال الخصيب وبلاد فارس وأماكن أخرى. لكن أي منها لم تحقق، وحتى لم تحلم أن تحقق، ما حققه الجيش اليوناني تحت قيادة الإسكندر. كأن المدن الدول اليونانية احتوت شيئاً ما لم يكن له وجود من قبل، سراً ما تفردت به عن كل من سواها وأعطاها من مقومات القوة ما مكنها من أن ترسم خطاً قاطعاً لتاريخ البشرية ميز ما أتى بعده عن كل ما قد سبقه. منذ ذلك التاريخ انقسمت المعمورة فعلياً إلى شطرين متعارضين ومتنافرين- تقليدي قديم مثلما ظل قائماً قبل آلاف السنين من ظهور المدن اليونانية والإسكندر، وآخر نهض فوق أسس ومبادئ جديدة وضعت بذرته المدن اليونانية وثبت أركانه جيش الإسكندر، ثم جاء الرومان ليزيدوا البناء رسوخاً وقوة وعلواً؛ منذ ذلك التاريخ انتقل بلا رجعة مركز الثقل والهيمنة في شؤون البشر والعالم من الحضارات القديمة في مصر والصين والهند وفارس- ولاحقاً روسيا- ليحط في أوروبا. لأول مرة في التاريخ أصبح للعالم ’غرب‘ بعدما ظل آلاف سنين طويلة كله ’شرق‘ فقط، وانتقلت إلى هذا ’الغرب‘ راية قيادة البشرية.

لنحو ألف سنة استمرت الهيمنة على العالم أوروبية المنبع والمضمون، حتى ظهور الإسلام ودخول أوروبا إلى حقبة العصور الوسطى أو ما يسميها البعض عصور الظلام. يدعي بعض المؤرخين أن الظلام الذي خيم على أوروبا لنحو نصف ألف عام كان يعزى في المقام الأول لتقليد ثقافي شرقي أصيل- الدين. لأن أوروبا كانت تحتل الشرق، كان لابد أن تأخذ منه ربما أكثر مما قد تعطيه. ومن ضمن ما أخذت، اعتنقت المسيحية، وهي دين شرقي يجسد بامتياز المبادئ والمفاهيم السائدة في الثقافة الشرقية، ثقافة العالم القديم. وترتب على ذلك حقبة طويلة من هيمنة الكنيسة وتسلطها على الحياة الأوروبية بشتى تفاصيلها، الأمر الذي أورثها ضعفاً بعد قوة. في هذه الأثناء ظهر في الشرق أيضاً دين جديد آخر- الإسلام. يقول المؤرخون أن هذا الدين الجديد نجح في بداياته في أن يقتبس بعض من نفس عناصر القوة التي مكنت اليونانيين والرومانيين من الهيمنة على العالم. استوعب الإسلام عبر علمائه الكثير من علوم ومفاهيم التراث اليوناني-الروماني القديم وعرف كيف يوظفها لخدمة أغراضه. مستفيداً من التراث الأوروبي، تفجر الإسلام في قوة جبارة حاصرت أوروبا ذاتها من كل الجهات؛ وبعدما تملكت منها روح المسيحية الشرقية، انسحبت أوروبا من العالم وانحبست على نفسها في وضع دفاعي بعدما جردها العرب المسلمون من كل إمبراطورتيها بالخارج وابتلعوا حتى قضمات ضخمة من القارة ذاتها شرقاً وغرباً وجنوباً، حتى كادوا يضربون العمق الأوروبي في مقتل.

لكن، مثل الفرس زمن المدن الدول اليونانية الصغيرة، عجز العرب المسلمون عن إخضاع قلب أوروبا لسيطرتهم. بل استفاد الأوروبيون أنفسهم من تراث العلماء المسلمين، المستمد بدرجة كبيرة من الإرث اليوناني- الروماني، ليعيدوا اكتشاف تراثهم القديم، الذي شيدوا منه ما عرف باسم ’عصر النهضة‘. خلال ذلك العصر، تحررت أوروبا من جمود الكنيسة وسلطة رجال الدين المستمدة من المسيحية كوعاء للثقافة الشرقية جلبوه معهم من مستعمراتهم، وأعادت بناء مجتمعاتها وفق المبادئ والقيم التي جسدتها أثينا وروما القديمتين. وكما كان مصير الإمبراطورية الفارسية من قبل، خرجت أوروبا من عصر النهضة لا لكي تخضع كامل الإمبراطورية الإسلامية لسيطرتها فحسب، بل لكي تجتاح العالم بأسره. أحيا الغرب تراثه الفكري وتحرر من قبضة الدين، وانطلق في التأسيس لنوع من الهيمنة لم يعرفه العالم من قبل.

بعدما خلعت عباءة الدين واستردت مبادئ حرية الفرد والعقل التي وضع بذرتها اليونانيون القدماء في مدنهم الدول المتناهية الصغر، وبفضلها أخضعوا الإمبراطورية الفارسية والعالم القديم لسيطرتهم في الماضي، خرجت أوروبا من عصر الظلام ولديها نهم لا يشبعه حتى ذلك العالم المعلوم حينها. بل أخذت تبحث وتستكشف وتؤسس لعالم جديد كليتاً ضمن لها التفوق والهيمنة حتى يومنا هذا. خلقت أوروبا لنفسها كياناً جديداً أقامته على نفس الأسس اليونانية-الرومانية التي قدرت مبادئ الحرية والعقل فوق الطاعة والتقليد، لتصل بحدود الجغرافيا الأوروبية المتناهية الصغر مقارنة بالحضارات القديمة إلى حدود غير مسبوقة من قبل على الإطلاق. انطلق الأوروبيون بقارتهم الضئيلة الحجم ذاتها نحو جغرافيا شاسعة ومترامية ومفتوحة في مستعمرات اكتشفوها مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وغيرها.

لم تتحقق هيمنة أوروبا على العالم قديماً وحديثاً بفضل ضخامة مساحتها وثرواتها الطبيعية والبشرية أو حضارتها الممتدة لآلاف السنين. كل ذلك كانت قاصرة فيه بشدة مقارنة بجيران آخرين إلى الشرق منها. لكنها تفردت على الجميع بملكة لا يزال كل من هم إلى الشرق منها يمنعهم كبريائهم الحضاري من الإقرار بها: حرية الفرد والعقل.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أساطير الأولين2
- هل تُفْلِس مصر؟
- حرب الجمهوريات
- أساطير الأولين
- تحيا جمهورية مصر العربية
- رعايا في مملكة الملك
- حرب بوتين في أوكرانيا قد تضيع منه روسيا
- التمثيل النسبي للإرادة العامة
- ديكتاتورية العامة- الجمهورية
- ديكتاتورية القلة/الكادر واغتصاب الإرادة العامة
- الديكتاتورية الأفلاطونية
- توحيد وقومية
- الفيل في المنديل- شيطنة الفضول
- إلهٌ بحجم الجيب
- الكتالوج الرباني
- مسلمون بحالة المصنع
- ماذا تعني ’التعبئة الجزئية‘ الروسية؟ 2
- ماذا تعني ’التعبئة الجزئية‘ الروسية؟
- آلهة وبشر في علاقة تبادلية
- ثلاث سيناريوهات لنهاية حرب بوتين 2


المزيد.....




- الرصيف الأميركي العائم يستأنف إيصال المساعدات إلى غزة
- إصابة سفينة شحن بقصف صاروخي قبالة اليمن
- هل تنجح جهود الولايات المتحدة للدفع بخارطة الطريق؟
- أنباء عن تعرض سفينة بضائع لقصف بصاروخ جنوب شرقي عدن
- السعودية تبعد 300 ألف شخص من مكة
- هيئة التجارة البحرية البريطانية تعلن عن هجوم استهدف سفينة في ...
- القيادة المركزية الأمريكية: لم يتم استخدام الرصيف البحري في ...
- هيئة التجارة البحرية البريطانية: إخماد حريق في سفينة إثر تعر ...
- ما هي خصائص صواريخ -فلق 2- التي استهدف بها -حزب الله- مقر قي ...
- واشنطن تنفي استخدام الرصيف البحري في العملية الإسرائيلية بال ...


المزيد.....

- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الهيمنة الأوروبية قديماً وحديثاً