أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاتح الخطيب - الصراع الوجودي بين المجلس العسكري الحاكم والمستعمر الفرنسي في مالي















المزيد.....

الصراع الوجودي بين المجلس العسكري الحاكم والمستعمر الفرنسي في مالي


فاتح الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 7413 - 2022 / 10 / 26 - 18:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نبذة تاريخية
قامت مملكة مالي على الزراعة والصناعة والرعي وصيد السمك. وعلى الرغم من أنها اشتهرت في العالم بغناها بالذهب، إلّا أنّ اقتصادها كان يعتمد في المقام الأول على الزراعة وتربية الماشية. وكان القطن من بين أهم محاصيلها وكذلك الأرز الذي انتشرت زراعته في أودية الأنهار. كما كانت شعوب المملكة، ولا سيما شعب (الفولاني) تقوم بتربية الماشية. ويذكر التاريخ بأن ملك مالي (مانسا موسى)، وهو المصنف كأحد أغنى أغنياء البشرية على مر العصور, كان متديناً مكرساً وقته للصلاة والتلاوة ومحباً للخير وللصدقات. وحين حج إلى مكة عام 1324م، مرّ بالقاهرة، استقبله المماليك بحفاوة بالغة. ويروى أن سعر الذهب بالعالم انخفض إثر رحلة الحج تلك لكثرة ما وزع من ذهب خلالها. وفي تلك السنة كانت العاصمة (تمبكتو) في جنوب غرب نهر النيجر، مركز تجارة الذهب وتعليم الإسلام.
وحسب سرديات الماليون، فقد بقيت دولتهم تعيش برخاء حتى جثم الاستعمار الفرنسي على صدورهم سنة 1893، فتحولوا منذ ذلك الحين إلى عبيد في أرضهم, وأصبحوا أفقر الشعوب في المنطقة، بل في العالم كله.
ثروات مالي الطبيعية
مالي من أغنى الدول الأفريقية بالثروات المعدنية والزراعية والحيوانية. ومنذ أن وضع المستعمر يده عليها, لم ينعم أهل هذا البلد الذي يصل عدد سكانه 19 مليون نسمة بخيراته. وبعد 60 عاما من استقلالها بقي التناقض سمة الوضعين الاقتصادي والاجتماعي بين احتياطات هائلة من الثروات المعدنية والزراعية الممتدة على مساحة تزيد على المليون كيلومتر مربع, وبين الوضع الاقتصادي المزري للشعب.
تحتل دولة مالي المرتبة الثالثة أفريقياً من حيث إنتاج الذهب بـ61.63 طناً سنويا، وفق المعهد المالي للإحصاء. وتقدر بعض الدراسات توفر اليورانيوم في شمال البلاد بنحو 100 مليون طن. وبلغ إنتاج مالي من الفوسفات 150 ألف طن سنويا وقدرت الاحتياطات المعدنية في مالي بنحو 20 مليون طن للفوسفات, و600 ألف من فوسفات الكالسيوم و200 ألف طن من الحجر الجيري و50 ألف من خام الزركونيوم، بالإضافة إلى الملح باحتياطي يقدر ب 53 مليون طن, والحديد وغيرها من المعادن باحتياطيات هائلة.
أما عن ثرواتها الزراعية والحيوانية، فتنتج مالي سنويا نحو مليون و800 ألف طن من القطن، متربعة بذلك على عرش القارة السمراء بهذا المنتج. ويقدر الإنتاج السنوي لمالي من الأرز بنحو 2 مليون و800 ألف طن, ومن الذرة مليون و 700 ألف طن. وتقدر ثروتها الحيوانية من الأغنام والماعز بنحو 34 مليون رأس في إحصائية لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية.
أكذوبة الاستقلال
نالت مالي استقلالا صوريا سنة 1960، حيث استبدلت فرنسا الحكام والجنود الفرنسيين, بجيش من العملاء ليقوموا بدورهم بعباءة "وطنية"، فاستمر النهب الفرنسي، والفقر والبؤس في البلاد.
وتعتبر فترة حكم الرئيس (موسى ترواوري) الأطول، ودامت 23 سنة، لم تتقدم البلاد خلالها خطوة واحدة إلى الأمام, بل زادت غرقا في الفقر والمرض والتخلف أكثر وأكثر. حتى جاء الجنرال (أمادو توماني توري) على رأس انقلاب عسكري سنة 1991 ليخلص البلاد من الديكتاتور كما كان يعرف في الشارع المالي، ثم ليجري بعد سنة انتخابات رئاسية مدنية، فاز بها (الفا عمر كوناري). حاول كوناري خلال دورتين رئاسيتين أن يبدأ مشروعه النهضوي في البلاد، بما تتركه فرنسا من فتات. لكن القوانين الصارمة والاتفاقات والمعاهدات المبرمة مع فرنسا كانت أقوى منه، فبقيت البلاد غارقة بوضعها المزري، ليعود (أمادو توماني توري) مرة أخرى إلى الحكم برغبة من الشعب. فكان الرجل القوي صاحب النهضة الحقيقية. وتمكن من تأسيس الكثير من المشاريع التنموية والبنى التحتية, بفضل دعم الشعب والجيش له، حيث مكنه ذلك من التصرف ببعض عوائد الثروات الطبيعية للدولة. فبنى المدارس والمستشفيات وحسّن البنى التحتية للبلاد وربط مدنها بشوارع معبدة، إلى جانب الكثير من المشاريع التنموية التي فرح بها الماليون. لكن فرنسا لم تفرح به, لأن حجم المشاريع وتكاليفها أكبر بكثير مما تسمح به, لذلك وفي ذروة ربيع الثورات, قامت فرنسا بالتخلص من الرجل القوي في مالي سنة 2012. فنفي (أمادو توماني توري) من البلاد حتى مات سنة 2020.
ولم تجد فرنسا بنفوذها القوي وتاريخها الاستعماري الطويل صعوبة وبانتخابات شكلية، بترجيح الكفة لصالح (ابراهيم بوبكار كيتا)، الحاكم الضعيف الموالي لها، لتعود البلاد الى المعاناة والعوز وانخفض دخل مواطن المالي إلى أقل من دولارين لليوم الواحد.
المجلس العسكري الحاكم بقيادة ( أسيمي غويتا)
في ظروف تشبه ما كانت عليه البلاد عندما انقلب الرجل القوي على الدكتاتور, قام مجموعة من الضباط بانقلاب يوم 18 اب لسنة 2020, على الرئيس (ابراهيم بوبكار كيتا) فعزلوه وسيطروا على الحكم, ولم يواجهوا أية مقاومة تذكر ولا حتى من الحرس الرئاسي. ولأن البلاد كانت في حالة يرثى لها بسبب ممارسات الرئيس الغير مسؤولة, فقد فرح الشعب بهذا الانقلاب وأيدوه لقناعتهم بأن أي حكم يأتي عدا الحالي سوف يكون أفضل.
كانت أول ردة فعل لفرنسا بأنها دعت مجلس الأمن الدولي إلى اجتماع طارئ, وصرح وزير خارجيتها (جان ايف لودريان), أن بلاده تتابع بقلق الأحداث التي جرت في مالي. وعبر عن إدانته بشدة لهذه "الحادثة الخطيرة". وبالفعل فقد عقد مجلس الأمن جلسته يوم 12 تشرين أول 2020 وجاء بمشروع قرار جاء فيه: "وإذ يؤكد مجلس الأمن من خلال القرار الجديد التزامه القوي بسيادة مالي ووحدتها وسلامتها الإقليمية، يكرر الإعراب عن القلق البالغ إزاء انعدام الأمن والتدهور السريع للحالة الإنسانية في منطقة الساحل، التي يزيدها تعقيدا تواجد وأنشطة جماعات مسلحة، بالإضافة إلى انتشار الأسلحة من داخل المنطقة". لكن هذا القرار لم يكن كافيا لإرضاء فرنسا فحاولت بشتى الطرق إفشال الانقلاب.
في البداية فرضت فرنسا حصارا بريا صارما على مالي من خلال (ايكواس) وهي مجموعة الدول المحيطة بمالي والخاضعة للإرادة الفرنسية. ولأن مالي لا تملك منفذا بحريا, فإن الإغلاق التام للحدود كاد أن يُسقط المجلس العسكري الحاكم. لكن إصرار الماليون على التخلص من عملاء الاستعمار الفرنسي ممثلين بالرئيس وحكومته، وتضامن شعوب البلدان المجاورة التي كانت تشعر بوحدة الحال وبالظلم الواقع عليها, أفشل المحاولة وفتحت ثغرات في الحدود لإدامة الحركة التجارية مع مالي بحد أدنى كان كافيا لإبقائها على قيد الحياة.
لم تكتف فرنسا بذلك، فحركت مجموعاتها الإرهابية من كل حدب وصوب لتعيث فسادا وإرهابا بين سكان قرى مالي الآمنة, فقتلت الرجال والنساء والأطفال باسم الدين. وقاموا (ولا يزالون حتى اليوم) بتفجير الحافلات ليذهب ضحيتها أناس مسالمون، وهو ما يذكرنا بما فعلته داعش في العراق وسوريا، وكأن المؤسس لها واحد. وكان الهدف تأليب الرأي العام في مالي ضد المجلس العسكري باعتباره عاجز عن حماية السكان. لكن ذلك لم يحصل, فالشعب وصل إلى حالة من الفقر دفعته إلى الإصرار على التخلص من الوجود الفرنسي وبأي ثمن. وللأسف فقد تزامن هذا الانقلاب مع جائحة كورونا. فكان حصارا فرنسيا من جهة, وصعوبات الجائحة من جهة أخرى مما ضاعف العبء على الشعب. لكن المبشر أنه وفي ظل هذه الظروف القاسية، تحمل الشعب الصعوبات ولا زال صامدا, وداعما للمجلس الحاكم.
المجلس العسكري وروسيا
قبل أسبوع من الانقلاب, عاد ضباط المجلس العسكري من دورة تدريبية استمرت شهرين في روسيا. ويذكر أن العقيدين (مالك دياو وساديو كامارا) مهندسا الانقلاب, كانا قد قضيا عاما كاملا في الكلية العسكرية العليا في موسكو, ولعل هذا يفسر التعاون الحالي بين روسيا والمجلس العسكري، والذي لم يكن الجيش المالي سيتمكن بدونه من كشف مواقع الإرهابيين والقضاء على الكثير منهم, والذي منح الجيش القوة والثقة اللازمة لإجبار الجيش الفرنسي في آب 2022 على مغادرة البلاد.
وكما أن مالي بأمس الحاجة للدعم الروسي بكل أشكاله, العسكري والأمني واللوجستي والاقتصادي والتكنولوجي, فإن لروسيا أيضا مصالح وأهداف في مالي لفتح علاقات جديدة مع القارة السمراء, وتأكيد دورها بترسيخ نظام عالمي متعدد الأقطاب.
خاتمة
تقف مالي اليوم على مفترق طرق. فمعركتها مع فرنسا، معركة وجودية, إما حياة أو موت. أما بالنسبة لفرنسا فإن مالي ليست حديقتها الخلفية فحسب, بل إنها الدجاجة التي تبيض لها ذهبا. فمن الصعب جدا أن تتنازل فرنسا عن كل تلك الثروات التي سيطرت عليها ونهبتها لعشرات السنين، وتعتمد عليها صناعتها مثل القطن الذي يتبجحون بماركاتهم العالمية والأرز الذي يُطيّب موائدهم.
سنتان مرتا على المجلس العسكري ولا زال متماسكا وقويا، ويراه الماليون الفرصة الذهبية لكي يتحرروا ويحرروا بلدهم من الاستعمار. فإن نجحوا بالصمود والخلاص من القبضة الفرنسية, فسوف يتغير وجه مالي كليا, ويتحول من بلد بائس وفقير, إلى دولة غنية قادرة على اللحاق بالمدنية وقادرة على بث الأمل، وهي مرشحة لتكون مثالا حيا تقتدي به كل دول أفريقيا وباقي دول العالم المقهور, لتنقلب على قوى الشر التي تخنق مستقبلها.



#فاتح_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فايروس كورونا والفرصة في تغيير النظام الرأسمالي
- وصية
- الإعلام وتجنيد الغافلين مجانا
- مروان برغوثي قبل أن يموت
- جبرييل غارسيا مركيز....مرة أخرى
- إعادة ضبط البوصلة
- موسى
- قراءة سريعة في المؤتمر السابع لحركة فتح
- ما هو السر وراء عودة محمد دحلان للمشهد السياسي الفلسطيني؟؟
- وفد الذل والهوان
- باسم من ينطق الناطق باسم الحكومة التونسية خالد شوكات ؟
- فيروسات فكرية
- عفوا سيادة الرئيس
- مخابرات الارهاب
- لا تنسق.....أنت من يقاوم
- دمى آدمية
- أمي
- إنتحار جندي إسرائيلي
- هذا حديث لا يليق بنا
- -S-


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاتح الخطيب - الصراع الوجودي بين المجلس العسكري الحاكم والمستعمر الفرنسي في مالي