محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 7373 - 2022 / 9 / 16 - 09:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة : محمد ناجي
معظم المؤشرات تشير إلى أن إيطاليا ستحصل على حكومة يمينية متطرفة بعد انتخابات 25 سبتمبر . ويبدو أن جيورجيا ميلوني ، زعيمة حزب ما بعد الفاشية والقومي المحافظ ، على وشك أن تصبح أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في البلاد . هذا بعد انهيار الحكومة بقيادة المصرفي والمفضل لدى الاتحاد الأوروبي ماريو "سوبر ماريو" دراغي خلال الصيف . ووفقا لما كتبت كريستين ساندبرغ ، أستاذة العلوم السياسية والصحفية المقيمة في إيطاليا ، يمكن لاتصالات التحالف اليميني مع روسيا وفلاديمير بوتين ، بالإضافة إلى موقفه المنتقد للاتحاد الأوروبي ، أن تعقّد علاقة البلاد مع العالم الخارجي .
يبدو أن الرياح مواتية لجيورجيا ميلوني . ولأول مرة ، أصبح حزبها "إخوة إيطاليا" أكبر من حزبي الائتلاف الآخرين ، "ليغا" الذي يتزعمه ماتيو سالفيني وهو معادي للأجانب ، وحزب "فورزا إيطاليا" الليبرالي المحافظ بزعامة سيلفيو برلسكوني . على الجانب الآخر اليساري فأكبر قوة ، وهي "الحزب الديمقراطي" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إنريكو ليتّا وحلفاؤه ، متأخرون كثيراً في استطلاعات الرأي .
توصف ميلوني بأنها معجبة كبيرة بـ ترامب ، ولكل من سالفيني وبرلسكوني علاقات مع روسيا والرئيس فلاديمير بوتين . الكشف عن أن سالفيني و"ليغا" قد تلقيا مبالغ كبيرة من المال من روسيا ، جعلهم يبذلون قصارى جهدهم لنفي التهمة . وتعود الصداقة بين برلسكوني وبوتين إلى عقدين من الزمن ، لكنها تعقدت بسبب الحرب في أوكرانيا . قد تؤثر هذه جزئياً على نتيجة الانتخابات - هناك تقارير تفيد بأن روسيا تحاول التلاعب بها لصالح اليمين - وقد تؤدي جزئياً إلى تعقيد علاقات إيطاليا مع العالم الخارجي ، سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو فيما يتعلق بالولايات المتحدة وروسيا .
زعيم "الحزب الديمقراطي " إنريكو ليتّا يحذر من أن فوز أحزاب اليمين المتطرف سيعني "مخاطرة كبيرة" لإيطاليا والاتحاد الأوروبي بأكمله .
2500 مليار
لم يمض أكثر من 18 شهراً منذ استدعاء "سوبر ماريو" دراغي ، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ، لقيادة إيطاليا خلال الأزمة وإدارة ما يعادل 2500 مليار كرونة سويدية من المساعدات المخصصة لمواجهة وباء الكورونا ، التي كانت في طريقها من الاتحاد الأوروبي . حينها وقف الجميع مع دراغي في وحدة وطنية .
لكن المشهد السياسي الإيطالي المشتت أصبح صعباً للغاية بالنسبة له ، وأُجبر دراغي في النهاية على الاستقالة عندما فشل في توحيد موقف حكومته الائتلافية ، من بين أمور أخرى ، أنها لم تدعم اقتراحه حول كيفية استخدام أموال الاتحاد الأوروبي . التحالف اليميني أعلن إنه يريد مراجعة الخطط الخاصة بالجهات التي سيخصص لها الدعم من الاتحاد الأوروبي .
يتسم الوضع الذي يتركه دراغي وراءه بصعوبات مالية كبيرة للغاية . الصناعة على وشك الانهيار بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز . الكثير من الناس يجد صعوبة في تغطية نفقاتهم . في الوقت نفسه ، تهيمن على الجدل الاجتماعي تيارات قومية قوية يمكن تلخيصها بـ "الإيطاليين أولاً" . كان الوضع صعباً حتى قبل موجة الوباء ، ولكن مع الحرب في أوكرانيا ومعدل التضخم المرتفع ، عانى المزيد والمزيد من الإيطاليين من هذا الوباء واشتد المناخ الاجتماعي صعوبة .
السياسيون الإيطاليون يدركون هذا جيداً . وربما يكون هذا أيضاً أحد الأسباب التي تجعل مرشحاً قومياً ويمينياً متطرفاً ، والذي يمتلك حزبه جذوراً في الفاشية ، يتطلع حالياً إلى أن يصبح رئيس الوزراء القادم .
"الضربات العشر المصرية"
سيتعين على البديل السياسي اليساري بناء تحالف قوي لمواجهة رياح اليمين التي تهب . ومع ذلك ، فشلت المحاولات تماما . حاول الحزب الديمقراطي (PD) تشكيل تحالف مع حزب Azione (العمل) ، لكنه تفكك في أقل من أسبوع . انهارت حركة الخمس نجوم الشعبوية ، التي أصبحت أكبر حزب في انتخابات 2018 ، وفقدت ثلاثة أرباع دعمها . كما لا تريد الحركة أن تكون جزءاً من تحالف مع يسار الوسط بقيادة حزب PD .
يشعر الاتحاد الأوروبي والعديد من المستثمرين بالقلق من وصول حكومة يمينية متطرفة إلى السلطة في إيطاليا . وهم يعتقدون أن ذلك سيقوض ثقة البلاد في المجتمع الدولي ويقوض التزاماتها الدولية . هذه المزاعم نفتها ميلوني . لقد غيرت بمهارة خطابها حول العلاقات مع الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص ، من اقتراح تغيير الدستور قبل الانتخابات الأخيرة في 2018 من أجل سحب عضوية إيطاليا في الاتحاد ، إلى تأييد الاتحاد الأوروبي الآن طالما بقي الاتحاد على سلطاته الحالية .
مع ذلك ، أكدت ميلوني مراراً وتكراراً على أهمية تفضيل الإيطاليين للسوق المحلية على حساب العولمة ، من خلال استيراد كميات أقل من الصين وزيادة الإنتاج في الداخل .
دحضت ميلوني كل المخاوف بشأن ما يمكن أن تعنيه حكومة اليمين المتطرف . ووصفت هذه المخاوف بأنها غير واقعية وردت على منتقديها بقولها "يقولون أننا سنجلب لإيطاليا الأوبئة العشر المصرية [من العهد القديم] ، وستنتهي إيطاليا إلى فراغ" .
جنون لموسوليني
أطلق "إخوة إيطاليا" حملتهم الانتخابية في مدينة أنكونا الساحلية في منطقة ماركي ، حيث تم استقبال ميلوني مثل نجم لموسيقى الروك . لم يكن هذا من قبيل الصدفة . تم اختيار الموقع بعناية لأن ماركي يحكمها حزب ميلوني الخاص . هناك معارضة الإجهاض مُحكمة ، وحبوب الإجهاض محظورة في المستشارية الوقائية للأسرة . وفي هذا العام ، للمرة الأولى ، تم رفض طلب حركة المثليين لتنظيم استعراضها السنوي في أنكونا . وبالتالي ، ليس الاتحاد الأوروبي وحده هو الذي يخاطر كثيراً بوجود ميلوني على رأس القيادة في إيطاليا ، فحتى الإيطاليين أنفسهم قد يرون قيوداً على حقوق معينة .
المرأة البالغة من العمر 45 عاماً هي سياسية ماهرة ولها مسيرة سياسية طويلة وراءها . ومع ذلك ، في خطاباتها ، تحب ميلوني تصوير نفسها على أنها ضحية وشخص يتغلب على الصعاب ، وهي سمة شعبية شائعة .
- لديها مهارات قيادية هائلة ، وقد تمكنت ، في ما لم تتمكن منه أي امرأة أخرى في السياسة الإيطالية من قبل ، من إدارتها بطريقة ممتازة ، كما تقول الفيلسوفة السياسية والمؤلفة جيورجيا سيروجيتي .
في سن ال 15 ، انضمت ميلوني إلى منظمة الفاشية الجديدة Ungdomsfronten ، فرع الشباب من الحركة الاجتماعية الإيطالية الفاشية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية . لاحقاً كانت عضواً في حزب سيلفيو برلسكوني ، لكنها تركته عام 2013 وأسست "إخوة إيطاليا" .
على مر السنين ، أجرت تغييراً جذرياً وأحسنت إدارة الحزب . لكن لا يزال هناك أعضاء في الحزب لديهم شغف بالفاشية والديكتاتور السابق بينيتو موسوليني ، الذي تحاول ميلوني الآن ضبطهم ، بعد أن وضعت نصب عينيها الفوز . هؤلاء الأعضاء غير مريحين ويمكن أن يعيقوا نجاحها . إنهم أيضاً وسيلة فعالة لصالح الخصوم لتسليط الضوء عليهم لمهاجمتها . تحاول ميلوني إصلاح الجميع في الطابور الذي تسير فيه أولاً ، فهي واثقة من النصر لكنها لا تستطيع تحمل الكثير من الأخطاء ، سواء كانت خطأها أو من زملائها في الحزب .
وفقاً لجيورجيا سيروجيتي ، فقد قامت ميلوني بمهارة بتغيير السياسة من الفاشية الجديدة إلى "ديمقراطية ما بعد الفاشية" مع تركيز قوي على القومية والأسرة التقليدية الإيطالية جنباً إلى جنب مع السياسات الاقتصادية النيوليبرالية - التي لا تختلف كثيرا عن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان .
الله والوطن والعائلة
وفقاً لسيروجيتي ، فإن حقيقة أنها يمكن أن تصبح أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء لا يمثل انتصاراً لنساء إيطاليا على الإطلاق .
- ميلوني تمثل القومية ، والتسلط - الإيطاليون أولاً - وسياسة الأسرة المحافظة وكذلك المسيحية . من خلال سياستها ، تضع النساء ضد بعضهن البعض . وتقول إن النساء المولودات في الخارج والمسلمات والمثليات ، على سبيل المثال ، غير مشمولات في المجموعات التي وعدت بتقديم الدعم الحكومي لهم بأشكاله المختلفة .
يمكن تفسير شعبية ميلوني جزئياً من خلال حقيقة أنها تمثل جوهر الثقافة الإيطالية : ديو ، باتريا إي فاميليا - الله والأمة والأسرة . كما أعربت عن ذلك بنفسها :
- الله والوطن والاسرة ليس شعارا بل اجمل بيان للحب .
يمكن أيضاً تفسير الكثير من الرياح المواتية لجورجيا ميلوني من خلال حقيقة أنها في المعارضة منذ زمن . وفوق كل شيء ، يمنحها هذا مزايا مقارنة بمنافسيها اليمينيين سالفيني وبرلسكوني .
- تفسير آخر هو أن إيطاليا في الأساس بلد يميني محافظ بطبقة عليا قوية وفيها كثير من المسنين يخسرون الكثير في التغييرات الكبيرة ، كما تقول سيروجيتي .
مع ميلوني وبرلسكوني ، تشعر هذه المجموعات بالأمان . تبدو الاستثمارات في الأسرة التقليدية ، ووقف الهجرة والسياسات الاقتصادية النيوليبرالية مع التركيز على الشركات وكأنها خيار أكثر أماناً في الأوقات المضطربة .
سياسة اليمين الاجتماعية التي تراها ميلوني تشمل الإيطاليين الأصليين والإيطاليين الذين يعيشون في أسر تقليدية . لا تختلف السياسة العائلية لميلوني كثيراً عن سياسة فيكتور أوربان . الفرق هو أن أوربان أكثر تشدداً ويمكنه أن يعتمد على موقعه في السلطة ، وفقاً لسيروجيتي .
نموذج أوربان
بالنسبة للنساء ، من المتوقع أن يتم تقليص الحقوق مع سياسة الأسرة التقليدية لأوربان لأنها تعمل على تعزيز الطبقة الوسطى كنموذج في المقام الأول . ومن جانب تستند جزئياً إلى ولادة العديد من الأطفال البيض إلى الأمة المجرية - أو الإيطالية في هذه الحالة - جنباً إلى جنب مع الخطاب المناهض للهجرة . ومن جانب آخر يتعامل النموذج مع مقاومة الحقوق والفرص الموسعة لأفراد مجتمع الميم .
فيما يتعلق بحقوق المرأة ، فإن الحق في الإجهاض مهدد بالفعل اليوم إلى حد ما ، لأنه في أجزاء كبيرة من البلاد من المستحيل أساساً إجراء عملية إجهاض نظراً لحقيقة أن الأطباء يمكنهم رفض إجرائها ، متذرعين بحرية الضمير . يكفل القانون حق الإجهاض ، حتى لو لم يطبق في الممارسة العملية . مع وجود حكومة يقودها سياسي يميني متطرف مثل ميلوني ، قد لا يتم إلغاء القانون ، بل قد يتآكل أكثر ، كما تتوقع سيروجيتي .
حتى هذه القيود على حقوق المواطنين يمكن أن تأتي بنتائج عكسية على الاتحاد الأوروبي . من المحتمل أن يكون هناك العديد في بروكسل ممن يخشون مما يبدو أنه اختيار المسار لإيطاليا .
كريستين ساندبرغ
استاذة في العلوم السياسية و صحافية مقيمة في إيطاليا
معهد السياسة الخارجية - ستوكهولم
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟