كوجو...إبادة قرية ايزيدية عن بكرة أبيها

امين دنايي

الحوار المتمدن-العدد: 7341 - 2022 / 8 / 15 - 20:45
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

كوجو قرية ايزيدية جميلة وصغيرة تم بنائها في 1955-1956م وتقع جنوب سنجار بحوالي (٢٣كم) وتحدها القرى العربية من ثلاث جهات،من الشرق قرى بسكي الشمالي والجنوبي وعين الفتحي ، ومن الغرب قرى مدلول المطلك الشمري (ابو خشب وتل العرج)، ومن الجنوب الشرقي قرى عشيرة المتيوت (الموالح،القاهرة،القيروان،الخنس)،وفي جنوبها قرية الرفيع وسكانها من الشيعة.ومن الشمال قرية الحاتمية الأيزيدية.وقرية قابوسي من الشمال الغربي.

كانت الموارد الحياتية الرئيسية للقرية هي الزراعة وتربية المواشي. وفي السنوات الأخيرة تحسنت اوضاعهم شيئاً فشيئاً إذ اعتمدت بعض العائلات على رواتب أبنائها الذين عملوا في السلك العسكري العراقي(الجيش والشرطة) وتخرج منها شباب وفتيات وصاروا موظفين في القرية ومناطق أخرى.
كان اهلها طيبين ومحبين للخير والسلام ومعروفين بالكرم والعطاء والوفاء ويتشاركون افراحهم واتراحهم مع بعض ويساعدون بعضهم بعضاً ،ولم يأذوا احداً يوماً ما وكانوا في علاقات جيدة مع جيرانهم . تشرق الشمس فتكسو القرية ذلك اللون الذهبي بأشعتها فيتوجه الآباء والأمهات إلى الشمس مرتين في اليوم كبقية الأيزيديين يقرأون ادعية يطلبون خلالها الخير لجميع البشرية ثم لمجتمعهم وانفسهم.وعندما يخيم الليل تفترش النجوم على سماءها الصافية.فيصعد ناسها على اسطح منازلهم الطينية للنوم ولا يشبعون من استنشاق هواءها النقي.كلما يزورها اهلها المتبقين يشتاقون لتلك الأيام الخوالي وذكرياتهم الجميلة،التي اصحبت مؤلمة، مع احبابهم واقربائهم ،يفيض الدمع من اعينهم على مقبرة الضحايا التي كانت ساحة للاحتفالات والاعراس قبل الإبادة.ويعطيهم القوة والعزيمة والإصرار للبقاء والعودة إلى الحياة من جديد اقوى من قبل وبناء قريتهم إكراماً واجلالاً لأرواح السردايين الطاهرة وتبقى شوكة في عيون الخونة الذين ابادوا اهلها الأبرياء.

قامت الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بغزو مدينة سنجار ذات الأغلبية الايزيدية في ساعات الصباح الأولى من يوم الأحد3 آب2014م، بعد معركة قوية غير متكافئة العدد والعدة بين عناصرها وبين الايزيديين في مجمعي كرزرك وسيبا شيخ خدر في جنوب وجنوب غربي قضاء سنجار ،وكانت نتيجة الغزوة حدوث إبادة بحق الايزيديين ،إذ تعرضوا إلى القتل والخطف والسبي والذبح والحرق على يد داعش فضلاً عن نهب وسرقة الأموال والممتلكات وتدمير البنى التحتية الاماكن الدينية،ومحاصرة آلاف مؤلفة منهم في جبل سنجار.
أما بالنسبة لقرية كوجو ،فقد بقوا في حيرة من أمرهم بعد هروب البيشمركة وثقتهم بكلام جيرنهم العرب الذين قالوا لهم ارفعوا الاعلام البيضاء ولا خوف عليكم ، وموقع القرية البعيد عن سنجار والجبل فضلاً عن كل ذلك، هروب بعض العوائل في نفس اليوم(3 آب) قسم منهم وصل الجبل وقسم آخر قتل والثالث اُجبروا على العودة إلى كوجو.
في اليوم الثاني جاء امير الدواعش ومسؤول قاطع القيروان (ابو حمزة الخاتوني الحميدي) وجمع الكثير من أسلحة الأهالي وقال:ارفعوا الاعلام البيضاء ولا خوف عليكم وامهلهم ثلاثة أيام بين اعتناق الإسلام أو القتل.وبعد اجرء مفاوضات عديدة بين مختار و وجهاء القرية وبين ابو حمزة الخاتوني ،تم تمديد الفترة إلى يوم(13 آب) لأخذ القرار وبيان الرأي.وخلال تلك المدة كان الخاتوني يتردد بأستمرار على القرية واستمرت المفاوضات بين الطرفين تصوراً من الايزيديين بوجود نزعة إنسانية لدى قادة داعش وجيرانهم العرب وبالتالي ايجاد وسيلة للنجاة.
في قرية الحاتمية ( وهي قرية ايزيدية شمال كوجو بحوالي 3كيلومتر،كانت محاصرة أيضاً) التقى ابو حمزة الخاتوني مع مختار القرية(حسين برجس اوسو) وأهلها وأكّد بأن" قتل وسبي الايزيديين حلال عليهم لأنهم ليسوا اهل كتاب،فقال لهم مختار القرية:جاء في القرآن لا إكراه في الدين ،والملالي على المنابر يقولون:أوصى الرسول بأهل الذمة قبل المسلمين ،فكان جاره يهودياً مريضاً فيزوره كل يوم .لكنه رفض ذلك ، وقال لكم خياران أما اعتناق الإسلام أو القتل.
وفي كوجو أيضاً خرج احمد جاسو مختار القرية ورقة من جيبه مكتوب فيها بعض الآيات من سورة التوبة كان قد اعطاه أحد رؤساء العشائر العربية ظناً منه بأنها ستنقذهم لكنها لم تجدي نفعاً"(الختاري،مجزرة قرية كوجو).
وفي يوم الخميس 7آب جاء امير داعش الخاتوني مرة أخرى إلى الحاتمية مؤكداً أنهم مُصرّين على قرارهم السابق ،وبعد ذلك اجتمع مختار قرية كوجو وبعض وجهائها مع اهالي قرية الحاتمية لإيجاد طريقة للهرب وعدم الرضوخ للدواعش ،وفعلاً تمكن أهالي قرية الحاتمية من الهرب مشياً على الأقدام في ليلة 9آب ما عدا بعض العجزة ممن لم يكونوا قادرين على المشي.
أما أهل كوجو،فلم يهربوا لعدة أسباب هي رفض بعض وجهاء القرية ترك العجزة والمسنين وحدهم ليكونوا تحت رحمة الدواعش،واتصال بعض المسؤولين بأهل القرية قائلين لهم بأن الطائرات ستقصف الدواعش وحينها بإمكان الجميع الهروب بسياراتهم وإنقاذ أنفسهم ،وكذلك وقوع الأهالي بمكيدة وخداع الدواعش بعدم التعرض لهم فضلاً عن ذلك ،خوف الأهالي من وجود نقاط مراقبة سرية لعناصر داعش في أطراف كوجو.
وبعد أن علّم امير الدواعش المسؤول عن المنطقة ابو حمزة الخاتوني بهروب ونجاة أهل قرية الحاتمية ،جاء مع عناصره وطوقوا قرية كوجو بالكامل والشر يتطاير من اعينهم وكعادتهم ،وحتى يمنعوا هروب الأهالي أو يقنعهم بعدم الهروب،مارسوا التقية الإسلامية والخداع الشرعي مرة أخرى مع مختار القرية والأهالي من خلال وعودهم وأقوالهم الكاذبة من مثل منحهم بطاقات الدولة الإسلامية وعدم التعرض لهم أو يرفعوا الرايات البيضاء ولا خوف عليهم أو يتم معاملتهم مثلما تم التعامل مع المسيحيين في الموصل،بينما كانوا في الخفاء يضعون الخطط لكيفية إبادة القرية.حتى دخل احدهم إلى المركز الصحي وقال للمعاون الطبي (الياس صالح):ماذا تحتاج من العلاج ؟ غداً سنذهب إلى تل قصب ونأتي بما تحتاجه من العلاج.كل ذلك كان لأجل خداع هؤلاء البسطاء.

وفعلاً جاؤا في يوم الجمعة 15آب في حوالي الساعة 11 بسياراتهم المحملة بعناصرهم الارهابيين والأسلحة تتقدمهم آلة حفر(شفل) وطوقوا القرية وأمروا الأهالي التجمع في مدرسة القرية مع جلب كل ما يملكون من الأموال والاموال والهواتف والمجوهرات والسيارات والأسلحة وأخذوا منهم كل شيء ثم أمروا النساء والفتيات والأطفال بالصعود إلى الطابق العلوي وبقي الرجال في الطابق الأرضي، وجاء أبو حمزة الخاتوني مخاطباً الجميع ،مستخدماً التقية الإسلامية (الخداع الشرعي): "قلنا لكم اتركوا الجاهلية وأسلموا ،لكنكم لم تستجيبوا لأوامرنا.الان من يود منكم أن يتخلى عن عقيدته ويعتنق الإسلام ،فسيبقى في داره وقريته محافظاً على أمواله ،اما البقية فسنأخذهم إلى الجبل"(الختاري، مجزرة قرية كوجو)،فأجاب الجميع على كلام المختار بالذهاب إلى الجبل. وقال بعض الرجال للخاتوني بارك الله بك ظناً منهم أنه صادق في كلامه.
فطلب الدواعش من الرجال بالركوب إلى السيارات على شكل مجاميع كل مجموعة من 30 إلى 50 شخصاً ،ظانين أنهم فعلاً سيأخذونهم إلى الجبل ،لكن بعد لحظات عرفوا أنهم قد وقعوا في مكيدة الدواعش الذين اقتادوا الرجال إلى احواض و وديان موجودة في أطراف القرية وكان بعض المسحلين بأنتظارهم وأمروهم بالانبطاح أرضاً فأمر ابو حمزة الخاتوني برميهم بالرصاص دون رحمة على رؤوسهم مع صيحات الله اكبر ، وهكذا تم قتل جميع الرجال ولم ينجوا منهم سوى 19 شخصاً منهم من كانوا إصاباتهم خفيفة ومنهم من اخفوا أنفسهم تحت الجثث ونجوا بأعجوبة أذ تركهم الدواعش بسبب سماعهم صوت الطائرات التي كانت تحوم فوق سماء القرية.
ثم جاء دور النساء والفتيات والأطفال ،فقد قام الدواعش بنقلهم إلى معهد سنجار قرب قرية صولاغ جنوب شرقي سنجار ،ثم بدأ بفصل بعضهم عن بعض (النساء المسنات في الحديقة وعددهن71 امرأة وتم قتلهن في اليوم الثاني ،المتزوجات مع أطفالهن في الطابق العلوي والفتيات الباكرات في الحديقة الخلفية وعددهن 150 فتاة).
في حوالي الساعة 11 ليلاً من نفس اليوم وفي اليوم أخذوا الفتيات والنساء المتزوجات مع أطفالهن إلى تلعفر وسجن بادوش والموصل وبعاج ثم بعد ذلك بأيام إلى سوريا وأرتكاب ابشع الجرائم بحقهن من إكراههن على اعتناق الإسلام والاغتصاب اليومي المستمر سواء بشكل فردي أو جماعي أو اهدائهن إلى المجاهدين في سبيل الله والسبايا،وبيعهن في أسواق النخاسة في الرقة والموصل بأبخص الأثمان ،والضرب والتعذيب اليومي مع الإجبار على أداء الصلاة والصيام والتعاليم الإسلامية وخدمة الدواعش وعوائلهم،وتدريب الأطفال الايزيديين في معسكرات التنظيم في العراق وسوريا ليكونوا اشبال الخلافة لغرض تهيئتهم للجهاد في سبيل الله والخوض في غمار المعارك والقيام بعمليات انتحارية بعد غسل ادمغتهم وتعليمهم القرآن والصلاة والتكفير والعنف.

-بعد المجازر بأيام نقلوا بعض العوائل ،واغلبهم كانوا من حردان، إلى كوجو وبقيوا فيها لمدة شهرين ومات العديد من الأشخاص هناك نتيجة لقلة المواد الغذائية أو أكلهم لمواد سامة كما تم قتل بعضهم بسبب محاولة الهرب ،ومن الأحداث المحزنة جداً ،جاءت يوماً ما سيارات الدواعش مزينة بالورود فيها عريس وأخذوا إحدى الفتيات بعد إجبارها على ارتداء ملابس العروسة والتجوال في القرية مع انطلاق الزغاريد والهلاهل،وجمعوا هؤلاء المختطفين مرتين في مدرسة القرية لأمور طارئة،فذكروا إبادة اهلهم يوم 15 آب عندما جمعهم في نفس المدرسة، واستمرت مأساتهم وجرائم داعش بحقهم .
- احصائية إبادة كوجو نقلاً عن الباحث داود مراد الختاري:

1 - عدد العوائل حسب البطاقة التموينية (300) عائلة.
2-المجموع الكلي للافراد (1738) فرداً.
3-عدد الافراد المتواجدين في القرية عند دخول داعش(1200).
4-عدد الاشخاص مجهولي المصير من الذكور (360) شخصاً.
5- عدد الناجين قبل يوم الكارثة (580) شخصاً.
6- عدد المختطفات من النساء والفتيات والاطفال (694) فرداً.
7-العوائل التي لم ينجُ منها أحد (63) عائلة.
8-العوائل التي نجا منها شخص واحد(47) عائلة.
9-العوائل التي نجا منها شخصان (17)عائلة.
10-العوائل التي نجت بأكملها (35) عائلة.
11- عدد المقابر الجماعية (17) مقبرة.

-تحررت قرية كوجو في 25 أيار 2017 من قبل الحشد الشعبي العراقي والمقاتلين الايزيديين.
-في 15 آذار2019 جرى فتح اول مقبرة جماعية للايزيديين في كوجو ،وتم إعادة أول دفعة من رفات 104شخص من ابنائها الضحايا ،التي تم التعرف عليها،في 6شباط 2021, وكنتُ(كاتب هذه السطور) حاضراً اثناء مراسيم الدفن وكانت زيارتي الاولى لكوجو . وتم دفنهم بموجب مراسيم دينية وبحضور ذوي الضحايا ورجال الدين وفريق يونيتاد الدولي ومسؤولين حكوميين وجمع غفير من الايزيديين.
والدفعة الثانية كانت ل 41 شخص من الضحايا اُعيدت في يوم الخميس9كانون الأول 2021.
-تحولت مدرسة القرية إلى متحف لصور الضحايا ومقتنياتهم.

-كوجو الجديدة ،مشروع جديد اطلقته مبادرة نادية و منظمة IOM بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID ، وسيتم الحفاظ على قرية كوجو القديمة كموقع لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية ، بينما يتم بناء منازل جديدة و كريمة للناجين.
المصادر:
-داود مراد الختاري ،مجزرة قرية كوجو ،ط١، ٢٠١٩.
-مقابلة مع الناجي من مجزرة كوجو (الياس صالح قاسم) ،في يوم ١٥آب٢٠٢٢ في قرية كوجو.

#امين_دنايي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات