|
الحدث الذي أعاد تعريف وتجديد الحركة الكردية السورية
صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 7330 - 2022 / 8 / 4 - 22:33
المحور:
القضية الكردية
صلاح بدرالدين
الحركات القومية الديموقراطية للشعوب المحرومة من الحقوق ، والمعرضة للاضطهاد ، والتي ربطت كفاحها بالنضال الوطني الديموقراطي للشعوب المتعايشة معها مثل الحركة الكردية السورية ، تواجه بين مرحلة وأخرى امتحانات التغيير ، والتطوير في الفكر ، والموقف السياسي ، والأدوات النضالية . فعندما نعود الى الوراء اكثر من نصف قرن من الزمن ، ونناقش حدثا بوزن كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥ ، فذلك يعني اننا بصدد موضوع لم يعاصره جيلنا الحالي من النساء والرجال ، ومن حقه علينا نحن الذين عاصرنا ، وشاركنا في صنع الحدث ، ان نوضح له ماجرى بكل امانة ولو بايجاز ، ونترك له الحكم ، والتقييم ، وإمكانية الاستفادة من دروسها . في أية ظروف انعقد الكونفرانس الخامس ؟ على الصعيد الوطني اشتداد القمع في ظل حكم البعث الدكتاتوري ، الذي تحول منظومة أمنية استبدادية تقمع الحريات ، وتلاحق ، وتسجن المخالف بناء على الاحكام العرفية ، وتسير في مخطط حرمان الكرد من كل الحقوق بمافيها حق المواطنة ، وتنفيذ إجراءات ( الحزام ، والاحصاء الاستثنائي ) وتغيير التركيب الديموغرافي ، والتهجير ، وحرمان الكرد خصوصا بمنطقة الجزيرة من الأرض ، وملاحقة الناشطين في الحركة الكردية بشكل عام ، وحرمانهم من الحقوق المدنية ، وتقديمهم للمحاكم العسكرية ، ومحكمة امن الدولة العليا بدمشق التي كنا الدفعة الأولى امامها لثلاثة أيام – ٥ و ٦ ، و ٧ آب – ١٩٦٩ ( اوصمان صبري وصلاح بدرالدين وجاهيا ، ومحمد نيو ، ومحمد حسن ، وعبد الهادي عبد اللطيف ، غيابيا ) . التنظيم الكردي الوحيد ( الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ) كان يمر باصعب الحالات : معظم أعضاء القيادة في السجون ، والمنظمات الحزبية مشلولة ، ومنقسمة ، فقط المرحوم متزعم التيار اليميني آنذاك كان طليقا ، علما انه كان قد صدر بحقه قرار التجميد في الكونفرانس الرابع الذي عقد بجمعاية عام ١٩٦٤ بسببب اتخاذه نهجا مواليا للسلطة بعكس مواقف غالبية القيادة ، وبعد اعتقال القيادات الأخرى شعر بخلو الساحة وبدأ بالتحرك ضاربا عرض الحائط قرار تجميده . وكان واضحا امام قواعد الحزب والكوادر المتقدمة ان التنظيم بلغ درجة الخطر ، والتيار اليميني على وشك تحويل ماتبقى الى شبه جمعية موالية للسلطة ، وافراغه من المضمون القومي الديموقراطي ، والتطلع الوطني الثوري الذي بني عليهما ، وان النظام وجد فرصة للقضاء على الحزب الذي استحوذ على جماهيرية واسعة في جميع المناطق الكردية ، وذلك عبر دعم التيار اليميني ، وتضييق الخناق على غالبية أعضاء القيادة الذين ظلوا ملتزمين بنهج الحزب . في تلك الفترة عشية كونفرانس آب لم يكن واضحا ولامعلنا قضايا الخلاف ، وكانت القيادة مقصرة في توضيح مايجري ، كما لم يكن متوفرا حينها اية وثيقة فكرية او ثقافية تتضمن الإشارة الى الازمة ، او تطرح حلا لها ، فقط كانت الاشاعات تنتشر ، كما ان الصلات كانت مقطوعة بين القواعد من جهة وبين القيادة خصوصا في فترة اعتقالها ، فمثلا كانت أوساط القاعدة تتداول اخبارا وتقديرات حول ان العضو الفلاني من القيادة شجاع ، وآخر منهار ، وثالث غير مكترث ، ورابع متكتل ..الخ ، وهذا كله ضاعف من تعقيدات المشهد . منذ بداية عام ١٩٦٥ بدات الصلات التشاورية بين أعضاء اللجان المنطقية ، والفرعية في المدن ، والارياف خصوصا بمنطقة الجزيرة التي كانت من اقوى واوسع المنظمات الحزبية آنذاك مضافا اليهم وبشكل محدود تمثيل منظمة – جياي كرمينج – وجامعة دمشق ، وكان العنوان الأبرز هو انقاذ الحزب ، وخلال المشاورات التي دامت عدة اشهر تم الاتفاق على عقد الكونفرانس الخامس في الخامس من آب بقرية جمعاية وحضره نحو ( ٢٧ ) مندوبا من القاعدة ، ولم يحضره أي عضو من اللجنة المركزية ، وخرج الاجتماع والمناقشات التي سبقته بالتصورات ، والنتائج التالية : ١ – بسبب تراكم الخلافات الفكرية ، والسياسية في قيادة الحزب ، وعدم إيجاد الحلول لها فقد أصاب الشلل كل المنظمات ، وتكاثرت التكتلات ، وينحصر الخلاف حول مجموعة قضايا أولها هل ان كرد سوريا شعب من السكان الاصليين ، ام اقلية قومية مهاجرة ، وهل حقوق الكرد تقتصر على الثقافية منها ام تستند على مبدأ حق تقرير المصير ، هل ان الحركة الكردية جزء من الحركة الديموقراطية السورية ، ام تابعة للنظام الحاكم ، هل الحركة الكردية السورية مع الثورة وقائدها البارزاني أم مع المنشقين ، وهكذا اماط الكونفراس اللثام عن حقيقة الازمة بتفاصيلها للمرة الأولى بتاريخ الحزب وهذا من اهم الإنجازات . ٢ – تقرر إضافة كلمة اليساري الى اسم الحزب بعد مقاطعة مجموعة اليمين ، واصرارها على التمرد على الشرعية وعدم الانصياع لقرارات الكونفرانس الخامس كما لم تنصاع سابقا الى قرارات الكونفرانس الرابع أيضا ، كما تم إقرار الوثائق الفكرية ، والسياسية ، والتنظيمية ، وبينها ان الشعب الكردي يستحق تقرير مصيره الإداري والسياسي في اطار سوريا ديموقراطية تعددية ، موحدة ، وان الحركة الكردية جزء من الحركة الديموقراطية المعارضة للدكتاتورية ، والاستبداد ، ومع الثورة الكردية وقيادتها الشرعية ، وانها تقف الى جانب مصالح الغالبية من الشعب في القضايا الاجتماعية . ٣ – تم انتخاب قيادة مرحلية انتقالية لمدة عام حتى المؤتمر العام الذي عقد بموعده في ضاحية – الهلالية – قرب القامشلي ، مهمتها تعميق ، ونشر الوثائق ، والاتصال مع كل أعضاء القيادة لاطلاعهم ، ودعوتهم الى التعاون ، والتواصل مع الأطراف الوطنية الديموقراطية السورية ، وارسال وفد الى قيادة الثورة في كردستان العراق ، ونسج العلاقات التضامنية مع قوى التحرر العربي ، والدول الاشتراكية . ٤ – كنت مكلفا مع المرحوم – هلال خلف – بالتواصل مع أعضاء القيادة ماقبل الكونفرانس ، لاستطلاع آرائهم ، ومدى استعدادهم لمتابعة العمل حسب النهج الجديد ، وكانت أجوبة غالبية من التقينا بهمم هي التريث ، وابدى البعض تعاطفه من دون الانخراط تنظيميا ، فقط الراحل – اوصمان صبري - وافق على قرارات كونفرانس آب بعد قراءة البيان الختامي ، والاستماع لشرح مفصل حول توجهاتنا الفكرية ، والسياسية ، وابدى الاستعداد للعمل مع القيادة المرحلية ، واتخذ المرحوم – محمد ملا احمد – توز –الموقف ذاته فيما بعد ، مع العلم ان – اوصمان - لم تكن له اية علاقة بالكونفرانس او التحضير له ( وكان قبل ذلك وحينذاك بسجن القلعة بحلب ) حتى ان جميع المشاركين فيه لم يكونوا على معرفة به بل كنا نتابع اخباره من بعيد ومعجبون بشجاعته امام السلطة ، لذلك من الخطأ اعتبار كونفرانس الخامس من آب من وضع وتخطيط ( آبو اوصمان ) بل عبر عن إرادة القاعدة الحزبية ، وشباب وشابات الحزب في تلك المرحلة الصعبة . ٥ – تقرر اصدار مطبوعات ثقافية دورية بالكردية والعربية ، وتقرر إيلاء الجانب الثقافي الأهمية القصوى ، بمافيه تشكيل رابطة كاوا للثقافة الكردية ، وتنظيم الفرق الفولكلورية ، وارسال المئات من الطلبة المحتاجين الى الخارج لاستكمال تعليمهم الاكاديمي . ٦ – تم بناء منظمات الحزب في العاصمة دمشق ، وفي بيروت ، وفي أوروبا للمرة الأولى في تاريخ الحركة الكردية السورية . ٧ – تم وضع القوى الوطنية ، والعربية ، والكردستانية ، والاممية في صورة الحالة الكردية السورية الحقيقية ، كما تم التعاون مع – منظمة الميدل ايست ووتتش – بنيويورك ، ودعوة مندوبة عنها والتي جابت المناطق الكردية بمساعدة رفاقنا وأصدرت اهم تقرير حول الكرد السوريين نشر على شكل كتاب ، وهكذا الحال مع منظمة – الامنستي – العفو الدولية بلندن . ٨ – للمرة الأولى اصبح الاتحاد الشعبي جزء من جبهة نضالية خارج سوريا عندما شاركت منظمته بلبنان في تأسيس الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة الشهيد كمال جنبلاط ، كما أصبحت موئلا للمناضلين الكرد من تركيا ، وايران ، والعراق . ٩ – نجح الاتحاد الشعبي في تحقيق مشروعه بتشكيل – التحالف الديموقراطي الكردي ) بداية مع البارتي بقيادة الشهيد كمال احمد ثم انضمام الأطراف الأخرى ، وقد بني التحالف على نفس البرنامج الذي قدمه الاتحاد الشعبي ، كما ارسى لأول مرة علاقات اخوية تنسيقية مع الثورة الكردية بكردستان العراق بعد زيارة وفد الحزب أيار – حزيران ١٩٦٧ ( صلاح بدرالدين ، ومحمد حسن ) الى المناطق المحررة ، واجراء المباحثات مع الزعيم مصطفى بارزاني ، والقيادة ، كما نسج فيما بعد علاقات تعاون مع التيار اليساري بزعامة المرحوم – د شفان - بالحركة الكردية في تركيا . ١٠ – كل ذلك تحقق بفضل التضحيات ، والقناعة التامة بالقضية ، ومن دون مقابل مادي ، والالتزام الكامل بالاستقلالية ، كما ان تلك السنوات التي بلغت عقودا لم تخلو من العديد من المؤامرات ، والمخططات الأمنية المعادية ، ومحاولات الاغتيال ، تحتاج الى شرحها بمناسبات أخرى بالرغم من انني سردت بعضا منها في مذكراتي التي صدرت منها حتى الان ستة أجزاء . ١١ – بسبب نهج ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) ، وما انجزه من خطوات في مجال الفكر القومي ، والوطني الديموقراطي ، وتعريف القضية ، وانتشاره الواسع بين الأوساط الشعبية ، والثقافية ، والعلاقات الوطنية والعربية ، والاممية ، وتحوله الى قوة في مواجهة النظام ، قرر حافظ الأسد ارسال – محمد منصورة – لمعالجة الامر امنيا بشق الاتحاد الشعبي بداية التسعينات . ١٢ – بالرغم من عقود من النضال لم يتم انجاز كل الخطوات ، ومازال هناك مهام قيد الإنجاز حتى يتسنى حل القضية الكردية السورية والتي قد تختلف من حيث الشكل عن ماكان مطروحا قبل اكثر من نصف قرن ، وفي المقدمة : إعادة واستكمال بناء الحركة الكردية ، ووحدتها ، واستعادة شرعيتها ، وصياغة مشروعها بالقرن الواحد والعشرين ، وترميم شراكتها الوطنية ، وتصحيح علاقاتها الكردستانية ، وتعزيز شخصيتها المستقلة ، وهذه المهام كلها تقع على عاتق شاباتنا ، وشبابنا ، ووطنيينا ، ومثقفينا الملتزمين . ١٣ – كما أرى فان الحزب هو وسيلة وليس غاية ، هو أداة تنظيمية ، ونهج فكري ، وموقف سياسي ، قد يزول الحزب او يتبدل اسمه، قد يغيب الأشخاص ، ولكن الحركة الكردية السورية باقية ، ومستمرة ، باسماء ، وتنظيمات مختلفة ، وباجيال جديدة حسب ظروف الزمان ، والمكان ، نهج كونفرانس آب دشن مدرسة فكرية نضالية ، تخرج منها الآلاف ، وظل الكثيرون أوفياء لتعاليمها حتى يومنا هذا ، وستستمر بالعطاء باشكال متجددة . المشاركون في كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥ : ( ١ - صلاح بدرالدين ٢ – محمد نيو ٣ – هلال خلف – ٤ -محمد بوطي – ٥ – عزيز اومري ٦ – يوسف إسماعيل ٧ – عبد الحليم قجو ٨ – محد حسن ٩ – نوري حاجي ١٠ – احمد بدري ١١ – فخري هيبت ١٢ – شمو ملكي ١٣ – محمد قادو ١٤ – محمد امين ديواني ١٥ – غربي عباس ١٦ – محمد خليل ١٧ – ملا شريف ١٨ – عبد الرزاق ملا احمد ١٩ – ملا داوود ٢٠ – عيسى حصاف ٢١ – ملا احمد قوب ٢٢ – ابراهيم عثمان ٢٣ – نوري حجي حميد ٢٤ – محمد علي حسو ٢٥ – ملا هادي عبد اللطيف ٢٦ – سيد ملا رمضان ٢٧ – رشيد سمو ) . التحية لمؤسسي التنظيم الحزبي الأول ، وللرعيل الثاني الذي تابع المسيرة بكل شجاعة وبينهم المشاركون في الكونفرانس الخامس ، وكل الاوفياء لمدرسته النضالية ، وكل الوطنيين الشرفاء المستقلين الذين ساندوا نهجه .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات في دروس التجربة التونسية
-
الخيار الشعبي هو الحل للازمة
-
الشرق الأوسط هدفا لاسياد - القمتين -
-
دفاعا عن الحقيقة
-
- قمم - تؤسس لنظام دولي جديد
-
إشكاليات التمثيل الحزبي
-
حوارات وطنية
-
وهل يجب وبالضرورة ان تكون البدائل حزبية ؟
-
- حق تقرير المصير -: ذلك المبدأ الذي لايعلى عليه
-
- الناتو - - - ب ك ك - - كرد سوريا
-
حروب - المجال الحيوي العنصري - روسيا بوتين مثالا
-
سياسة النأي بالنفس كرديا
-
الحركة الكردية السورية واستقلالية القرار
-
- احمدي خاني - : رائد النهضة القومية الكردية
-
نبحث عن شركاء ...ولانريد اوصياء
-
في القضية القومية
-
نعم نحن شركاء المصير
-
حان وقت التغيير
-
في شرعية التمثيل الشعبي .. الأحزاب الكردية السورية مثالا
-
واقع الكرد السوريين بالدياسبورا
المزيد.....
-
فلسطين تطالب بتدخل دولي عاجل لوقف إرهاب بن غفير ضد الأسرى
-
بن غفير يطلب مجدداًً تقليص زيارات الأسرى الفلسطينيين
-
شاهد: ظروف إنسانية قاسية ومجاعة تلاحق اللاجئين حتى الحدود ال
...
-
باكستان تتخذ قرارا ضد المهاجرين غير النظاميين في أراضيها
-
معارضة -شرسة- للرئيس قيس سعيد... اعتقال عبير موسي، رئيسة الح
...
-
بسبب ملف حقوق الإنسان... سناتور أمريكي يعطّل جزءا من المساعد
...
-
الاحتلال يشن حملة اعتقالات واسعة في انحاء مختلفة بالضفة الغ
...
-
بسبب -انتهاكاتها لحقوق الإنسان-.. سناتور أمريكي يعطل جزءًا م
...
-
اعتقالات في حملة مداهمات واسعة بالضفة الغربية
-
الإدارة الأميركية تفرج عن 75 مليون دولار لتمويل -الأونروا-
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|