أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحبيب حميدي - مقتطف من كتابي رحلة في الذاكرة في الكتاب (شد على التاء)














المزيد.....

مقتطف من كتابي رحلة في الذاكرة في الكتاب (شد على التاء)


الحبيب حميدي
استاذ

(Hmidi Hbib)


الحوار المتمدن-العدد: 7300 - 2022 / 7 / 5 - 01:03
المحور: الادب والفن
    


.....حفظ القرآن والمناجاة الكبرى وقصّة رأس الغول وشمس المعارف الكبرى ونهج البردة ومتن ابن عاشر والزّير سالم و ... كانت تلك مكتبته العصريةّ. لم يكن ذلك محض اختياره في الحقيقة بل كانت تلك وصيةّ والده فكم كان والده ولوعا شغوفا بالقراءة والقرآن بعد أن حرم التعّلمّ.
لم تكن هناك مدرسة غير كتاّب القرية الصّغير، لم يحصل منه والده إلاّ على سورتي الفاتحة والإخلاص. حفظهما وهو ينصت من وراء نافذة المؤدّب. ردّدهما مع أطفال في مثل سنهّ ربمّا لم يكن بإمكان الجدّ تعليمه ولعله لم يشأ أن يلحقه بالكتاّب، فظلّ الأب بتينك السّورتين من القرآن معونة وزادا في تقواه وصلاته. تقوّى بهما طول عمره وكلهّ حسرة وأسف على هذه النقّيصة لذلك أصرّ واشتدّ إلحاحه على ابنيه فيما بعد في طلب العلم وحرّضهما عليه لينا لا النصّيب الأوفر فحفظا القرآن في الكتاّب وتعلمّا فكّ الخطّ ومعناه في لغته تعلمّ القراءة ولا يهمّ إن لم يتعلمّا الحساب والهندسة ففي الكتاب كلّ العلوم على قول سيدّنا الشيخ غير ان سيدّنا الشيخّ لا يعلمّ الحساب ولا الهندسة إذ الحساب ليوم الحساب.
في الكتاّب وبين يدي المؤدّب وهو يملي على الأطفال في مسجد القرية وعلى حصير الحلفاء، تلقىّ الطّفل أولى دروسه وعلى لوح مطليّ بحجر الطّفل خطّ أولى معارفه بمداد الصّوف المحروق وكتب أولى آيات الحمد والنعّمة فحفظ القرآن وسبحّ لله. كان للمؤدّب في كلّ حزب يختمه الطّالب بين يديه حقّ الختم من مأكل وملبس وبعض النقّود وتلك عادة جارية على كلّ من يحفظ حزبا من القرآن، سنة واجبة على الآباء في حقّ الأبناء هي منحة لا يثبت لها وقت ولا معلوم توهب على قدر ما أنعم الله على صاحبها. هي حقّ للمؤدب لا يتنازع فيه وواجب ثقيل عسير على والده لابد منه فاذا بلغ الطّفل بعد ذلك سنّ المدرسة العصريةّ المستحدثة بالقرية بداية الاستقلال بلغها حافظا قارئا يفكّ الخط.
لم يكن على المؤدّب إلاّ تحفيظ القران ، يجلس على الدّكة بعد أن يكون قد بسط فوقها شيئا من فراش وثوب يرتاح إليه ،ثمّ يسند ظهره إلى حائط كان ضرب عليه حصيرا يحميه برد الشّتاء يبسمل ويحوقل ويحمدل ثم يتبسّط في جلسته أو تربيعته ثم يبسمل من جديد ويمسك بعصا طويلة تكاد لطولها تبلغ أنحاء القرية وفي القاعة قبالته ودون الدّكّة زمر الأطفال في جلساتهم وأعمارهم المختلفة على فرش من حصير الحلفاء قد استمسكوا بالواح خشبيةّ مطليةّ وأقلام قدّت من قصب وشقتّ، سامعين مردّدين طائعين كلّ وسورته يعيد الواحد منهم على المؤدّب ما أملاه عليه من آياتها يستزيده لفظا أو آية فيخطّها على لوحه فإذا استزاد آية أخرى بعد ذلك رفع صوته نعم سيدي فينعم عليه المؤدّب مستجيبا يملي . ولم يكن على الصّبيّ إلاّ أن يردّد الآية ويشدّ السّمع فلا يخطئ الإملاء.
يقرأ على سيدّنا المؤدّب آخر ما بلغ منه يستكمله الآية فيكملها له. كان المؤدّب حافظا ثبتا تتجاوب الأصوات حوله تختلط وتتعالى، وهو في كلّ ذلك هادئ يرسل آياته على جميع من حوله فلا يتبسم ولا يتبسّط حتى ينتهي درس الإملاء فاذا انتهى راجعه الأطفال عند الخروج وعرضوا عليه ما أملي عليهم ولا يخرجون إلاّ كراما حافظين. أمّا من كذّب وتولىّ فقد كفل له المؤدّب على الفلقة سائقا وشهيدا قوييّن يقومان زبانيةّ. وصوت العصا أكبر من الصّراخ والعويل. وليت ضعيف الذّاكرة لم تلده أمّه. وعلى قرب المسجد الجامع من مسكنه في القرية كان يتأففّ من القيام باكرا ومن الذّهاب والإياب إلى الكتاّب وتكرار الآيات يستعرضها نهارا على المؤدّب ويكرّرها ليلا على مسمع أبيه. كان واجبا لا يعرف له سببا ولا غاية إلاّ استرضاء والده، فقد كان أبوه يحبّ سماع القرآن، يدعوه فيعرضه عليه عرضا محفوظا فله في ذلك لذّة ومتعة يفخر بها في القرية وشهادة صريحة يستوثق بها محفوظ ولديه وحرص المؤدّب حتىّ إذا ما اشتدّ عودهما بعد ذلك في المدرسة اطمانّ بعض الاطمئنان.
وما أن بلغ هذا الطّفل المدرسة الثاّنويةّ بالقيروان بعد ذلك حتىّ صار لا يكفّ عن قطع عشرات الأميال في اليوم بين المبيت والمطعم والمدرسة مرّة في الصّباح ومرّة في المساء بينما كان غيره يمتطي الحافلة.



#الحبيب_حميدي (هاشتاغ)       Hmidi_Hbib#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساعة الصفر ساعة الهجوم
- من بغداد الى القيروان طيب المسك
- حليمة
- مقتطف من روايتي رحلة في الذاكرة في ليبيا
- مقتطف من كتابي رحلة في الذاكرة
- من الشرفة 2
- لاتخرج من لظى جنتك
- ياتونس الخضراء
- مقتطف من رحلة في الذاكرة
- مقتطف من كتابي فلسفة الخلاص في اليوم الاخير
- جلجامش الجديد
- البابلي القديم
- رسالة في الادب النظيف
- من شرفتي


المزيد.....




- مصر.. وفاة الفنان بهاء الخطيب خلال مباراة والعثور على -تيك ت ...
- فيلم -درويش-.. سينما مصرية تغازل الماضي بصريا وتتعثّر دراميا ...
- شهدت سينما السيارات شعبية كبيرة خلال جائحة كورونا ولكن هل يز ...
- ثقافة الحوار واختلاف وجهات النظر
- جمعية البستان سلوان تنفذ مسابقة س/ج الثقافية الشبابية
- مهرجان الجونة 2025 يكشف عن قائمة أفلامه العالمية في برنامجه ...
- بيت المدى يحتفي بمئوية نزار سليم .. الرسام والقاص وأبرز روا ...
- الرواية الملوَّثة التي تسيطر على الغرب
- تركيا تعتمد برنامجا شاملا لتعليم اللغة التركية للطلاب الأجان ...
- مسرحية -طعم الجدران مالح-.. الألم السوري بين توثيق الحكايات ...


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحبيب حميدي - مقتطف من كتابي رحلة في الذاكرة في الكتاب (شد على التاء)