أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحبيب حميدي - من شرفتي














المزيد.....

من شرفتي


الحبيب حميدي
استاذ

(Hmidi Hbib)


الحوار المتمدن-العدد: 7152 - 2022 / 2 / 3 - 09:19
المحور: الادب والفن
    


نزل من شرفة العمارة المطلة على الشارع يستطلع المشهد - كان كعادته كل يوم يتخذ من شرفة العمارة منظرة ينعم فيها بنسائم المساء البحرية و يسرح نظره في الآفاق الرحبة الممتدة أمام ناظريه: الجدران البيض والشبابيك الزرق ونوافذ الدور على الأشكال والألوان تتماوج وتتعارض متراصة متكئة بعض على بعض تكبر ثم تتضاءل حتى تغيب فلا يرجع بالبصر إلا على جدار فندق الأهرام بطوابقه الخمس .قباب وصوامع وأطيار وسوامق أشجار سطوح وأعمدة وحبائل غسيل تهفو كأجنحة الطير وقد نذرت خيوطها لأنفاس المساء . مراجيح أطفال تتصافح وتتعانق فلا تمسكها إلا أقدار الحبال.
كان كل شيء يتراءى له صنوفا من الألوان والأشباح ويتشكل صورا ومشاهد خرائط ومخطوطات رسوما للمدى من تاريخ بعيد تقوم له الدنيا وتقعد . ما أجمل هذا الكون وما أجمل هذه الدنيا وما أعظم ما لديه من الحياة فما أروع ما يرى .
كان يتساءل كل حين لمن هذه الحياة السخية من يملك هذا الكون العظيم من لهذه الشمس والأنوار والبحر و بهجة الدنيا وانطلاق الفضاء. من لهذا الدفء الساحر و كيف يلف الدنيا والناس بأتعابهم وأرزاقهم ومتعهم .
لمن هذه الطبيعة أرضها وسماؤها ونباتها وحيوانها وإنسانها وهذا التراب كيف يخرج منه كل شيء.
يتنفس الصبح فيصبح الناس على أمل جديد ويشع في الكون صخب الحياة الجديدة . يتنفس فيدغدغ النفوس و يسحبها من غياهب نوم دامس في سجف الظلمات حيث لا تدري بأي ارض وقعت ولا لأي سماء رفعت فتنهض وتهفو وتلبس اجسادها ثم تغدو كالطيور خفافا تبحث في الأفاق عما يمسك بالحياة ثم تعود وقد جنت من قطاف الدنيا فرحا سماويا وسعادة تخلب الألباب و على امل جديد حتى البائس المعدم يتلمظ الحياة على قدر فقره ويلوكها عجينة يابسة ملطخة ويشد عليها بالنواجذ وبما رحمة من معاناته يستقبل يومه ككل الكائنات بالامل السعيد
من منا لا ينشد الصحة والسلامة كل يوم في هذا الجو البديع الراقي ولا يستعذب بهاء الحياة ولذة الإحساس بالوجود. كائنا يروح الإنسان ويغدو يجيء ويسعى في القر والحر في البيت و العراء تلسعه الشمس ويقرصه البرد. ومع ذلك له في روحه نشوة الزهور بالندى و ضوع النبت على الجدول السلسبيل
فلله ما أروع هذا الكون . كيف نتركه أو كيف يتركنا
نتركه او يتركنا ! فلمن زغاريد الأفراح اذن ووسوسات الحلي والطيب والنساء المصبغات بأغلال ودون أغلال والمال والبنون . لمن الكتب الجليلة والأفكار العظيمة والمشاعر الخلابة وخيالات التيه في ظلال السحب .
لمن متع القراءة و لذائذ قهوة الصباح وقعدات المساء. وذاك الباقي الجميل من تغار يد الصحاب وقهقهاتهم وهي تملا الرحب.يشربون ويقصفون ورب ذكرى قربت من نزحا.
من هنا في الشرفة العلية يطل على المدينة كما لو اطل على العالم فيعود به التامل الى ذاته الى معنى حياته وغاية وجوده
و في الصمت يستعذب نسمات اخر الربيع وبدايات الصيف.
ومن حوله تترامى اطراف الطريق عريضة ممتدة تمسك جنباتها اشجار النخيل الباسقة باذرع راسية سمراء تطاول في عنادها عنان السماء. تعلو فتاخذ برؤوسها هبات ريح خفيفة تعابث شعرها العدني فتتراقص جدائلها وتتاود وتتلون وعلى اشعة الشمس وكبارق الثغر المبتسم تتبدى في انعكاس الضوء ثغرا مرتعشا اخضر فستقيا تقوم الجذوع ثابتة مصطفة على الأرصفة في استعداد نظيم وعند كل زوال يستقبل البحر االمصطافين من المدينة يودعون بيوتهم وحوانيتهم واعمالهم وكل شان من شؤونهم يخرجون على امل يستوفون النهار في برود الرمل واجواء الشاطئ مقصرين مقترين على الابدان .ثم يودعونه اطراف المساء واخر الليل مبللين معفرين بماء البحر وملح البحر
وهو لايغفل عنه البحر افهويطل عليه من بعيد كالمتجسس وتتخلل زرقته اغصان الاشجار الى عينيه وتعبر لطائفه جدران العمائر الى وجدانه . يغزوه من بعيد وكالمتربص به ينتظر اطلالته كما لو سبقه الى الشرفة يفاجئه باستمرار فكلما استرق اليه النظر وجده ملحاحا يدعوه - فان شاء رغب وان شاء رهب فهو كثيرا مايخشى البحرلكنه شاء ام لم يشا فان وهج شمس الصيف الحارة لايترك له مهلة الاختيار يستفزه و يختطفه فلا يتردد ولا يكاد يساءل حتى يستسلم و لا يفتا ان يهرول يستبدل زيا بزي واذا هو في متلاطم الامواج وغزل البحر يهتز وينبسط كفرخ البط يطفو ويغرق عابثا لاهيا كطفل ضخم ولكن باشواق الحنين الى الماضي ..الى المرح ثم ينقلب الى الشاطىء مسرورا مزروعا وقد استروح كما شاء ملتحفا يبترد على الرمل منتعشا يستقبل دفء الشمس ويحملق في الفضاء الرحب والوجوه الحسان وسوق الغيد و الجواري الخنس على الشراشف متكئات وغير متكئات .



#الحبيب_حميدي (هاشتاغ)       Hmidi_Hbib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحبيب حميدي - من شرفتي