أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحبيب حميدي - ساعة الصفر ساعة الهجوم














المزيد.....

ساعة الصفر ساعة الهجوم


الحبيب حميدي
استاذ

(Hmidi Hbib)


الحوار المتمدن-العدد: 7225 - 2022 / 4 / 21 - 17:48
المحور: الادب والفن
    


حين دلف من القطار عند محطة الوصول ود لو تنطبق كل ابواب الحديد بقوة تنخلع لها الافئدة وتقوم لها ريح صرصر. كان في كل خطوة يخطوها إلى سيارته المنتظرة الرابضة أمام المحطة منذ أيام يستنزل غضب السماء ويستدعي حجارة الأرض وبقوة شيطانية رجيم في عجاج كالثعبان تتنزل السماء هطلا حجرا ونفخا نارا فلا تبقي ولا تذر ويلقفها الغور ثم تزحف فوقها الجبال ويل امها ويل ام فاعلها. يلعن الإنجليز والامريكان والساسة والسياسيين والناس اجمعين
اقتحم المحطة وتوسط البهو لم يبال بأحد حتى أولئك الذين هاتفوه بالتحية "يا أستاذ. يا استاذ." لم ينتبه إليهم. لم يشعر بوجودهم قط. لم يكن يرى. لم يكن يسمع. اتجه مسرعا نحو باب الخروج. سحب الباب في انفعال ثم اندفع في عجل يمرق الى الشارع يطلب السيارة. ما كاد يمد الخطى حتى اصطدم بالباب الخارجي. لم يعرف ان كان زلق او أخطا السير فوضع القدم في غير الموضع فعثر وتداعى وتدكدك بالدرج سمعه الناس يتسخط ويلعن. أسرعوا اليه " لا بأس. لا بأس يا أستاذ" لكنه عالج نفسه حتى استوى قائما "لا بأس. شكرا. الحمد لله " كانت النظرات من حوله تخترق كنهه وحجبه. شعر انه تبعثر وتبعثرت اوراقه واطرافه ولم يدر ان بعضه قد علق وتلطخ وان بعض اطرافه قد أصابه مكروه حين لج. كان امله وهو يسرع ان يلحق بأخبار منتصف الليل. ساعة الصفر ساعة الهجوم على المدينة وكله حماس في ان يشاهد الطائرات تتهاوى كالفراش المبثوث والدبابات تحترق كالعهن المنفوش. كان به في مثل الزهو والاعتداد وهو يردد
جاء شقيق عارضا رمحه ان بني عمك فيهم رماح.
أيكون اليوم ...ربما. ماتزال في اليوم بقية باقية على كل حال وربما انتهت الساعات الأخيرة بخير. هكذا حدث نفسه ثم تحامل على بعضه يخفي غضبه ويبدد انفعاله لكن الذي سرعانما أفسد عليه باعث زهوه وقطع شيئا من اطمئنانه وغاضة ايما اغضاء في قلبه وعقله ما راعه وهو يستبق لحظة امله ما رأى من محفظته وهي تتهاوى وتسقط وتتلطخ. محفظته تلك التي طالما تأبطها ورعاها واعتز بها كيف لها ان تنفلت وتنفصل. انسلت كما لو كانت تتنصل وتفر بينما كان يجهد نفسه لالتقاطها.
لم يبد الامر هينا ولا مقبولا. كان فاجعة بالنسبة اليه. كان كما لو ان طودا عظيما يتهاوى امامه او ينجرف في انزلاق خطير يجرفه ويجرف كل من حوله لذلك ازداد غضبا وتبرما وبدا عليه القلق والارتباك. لقد سقطت في عينيه كل الحروف والكلمات ودوى صوت الانهيار العظيم في راسه ونفسه واكتنفه إحساس بشؤم قادم يأتي على ايامه القاتمة. تلك الأيام التي لم تتبدل منذ سنين. ألم تصبه النكسة في الصميم منذ زمن وماتزال تهزه الى الان وتجيش العذاب في صدره حتى كأنها البارحة. قبض الألم والتعب والخذلان روحه وما سئم واشتكى حتى طابت شكواه وما يئس ثم سعى وجاهد ليوم أمجد لم يظهر له فيه افق وهو في كل ذلك صابر ومنتظر لكن سقوط المحفظة على الأرض وامام العالم لم يبق فيه باقية لبشرى او صبر. ان هو الا علامة من علامة الساعة ونذير اخر يستدعيه للزمن رديء.
وقف بالطوار بعد ان التقط أنفاسه ولملم جراحه وحواشيه. التفت يمينا والتفت يسارا. سرب يده اليمنى في جيوبه ثم سرب اليسرى. حفر هنا. ثم حفر هناك. تلمس أطراف لباسه. تحسس وتجسس. قلب في أعماق سراويله. لاشي ء. كان يستغيث بالسماوات العلى تنجده بالمفاتيح. يعرف ان هذه المفاتيح كثيرا ما ازعجته وكثيرا ما التمسها فلم يجدها وكثيرا ما أخسرته الجهد والمال والساعات. عبثا حاول. اتكون سقطت أ تكون انسلت ام سرقت. عجبا... اللعنة. سقطت كل المراجع. قالها وتسخط.
لم يدر كم مضى عليه من الوقت يستجلي كل شيء فيه حتى امتدت اليه يد.
تفضل يا أستاذ ...مفاتيحك. انا زميل لك بالمعهد ادرس العلوم هل عرفتني. اغادر اليوم
اهلا. شكرا لك.
كان في غربة من الدهر وهو يشكر للرجل صنيعه ويصافحه.
ثوان معدودات تداعت له فيها كل التواريخ والاحقاب صحفا مكتوبة تتناسل امام عينيه بأسرع مما ينسل من مطابع جرائد الأيام والاحداث وتناثرت امام عينيه كل خرائب القصور واحلام الشعوب كأوراق الخريف كالجذوع هزيلة صفراء تكب على الأذقان وانه الان كإحدى هذه الأوراق بلا كم ولا كيف مبعثر الاشلاء عليل لولا بلغة من العيش ومفاتيح لذر الرماد.
بلغ الشارع ثم مربض السيارة بحاشية الرصيف. كانت جثة هامدة تستدعي الشفقة فقد كساها كساد الوقوف لحافا في لون الرماد وغشييها ما غشيها من غبش الشارع حتى كاد لا يعرفها. تراب ودخان واثار زخات مطر. خدوش وجروح وعطوب. كسور هنا. وتهشيم هناك. وجه حزين وقلب مظلم تظلله اغلال الطريق. لله ما أوحش الانتظار وما اسوا الغربة بلا معين وما اشد على النفس ظلما من العجز حتى لو كانت حديدا.
هنا ظلت السيارة أياما كاليتيم المعبد على المعبد. تركت لمصيرها في انتظار المخلص. نظر وشاهد ثم تولى يفتح الباب. كان تماما مثلها بأغلاله. طعون في الراس والقلب والكبد حزين كئيب مما يجري به غضب وغصة وانقطاع انفاس.
لماذا الحرب. لماذا القتل والدمار والمرض والعجز والشيخوخة. لماذا الموت والميلاد.
لم يدر مذ جلس إلى مقود سيارته على حداثة تمرسه بالقيادة كيف استطاع أن يصل إلى منزله ودفعة واحدة فتح الباب والقى ما بيديه وانهد مغروسا بالمقعد. استلقى بعد ذلك لا هادئا ولا ساكنا ولا مطمئنا حتى نهض منتفضا: ساعة الاخبار.



#الحبيب_حميدي (هاشتاغ)       Hmidi_Hbib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من بغداد الى القيروان طيب المسك
- حليمة
- مقتطف من روايتي رحلة في الذاكرة في ليبيا
- مقتطف من كتابي رحلة في الذاكرة
- من الشرفة 2
- لاتخرج من لظى جنتك
- ياتونس الخضراء
- مقتطف من رحلة في الذاكرة
- مقتطف من كتابي فلسفة الخلاص في اليوم الاخير
- جلجامش الجديد
- البابلي القديم
- رسالة في الادب النظيف
- من شرفتي


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحبيب حميدي - ساعة الصفر ساعة الهجوم