هل ستكون حرب أوروبا القادمة في أوكرانيا أم في أسواق الغاز؟

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)

الحوار المتمدن-العدد: 7246 - 2022 / 5 / 12 - 01:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

اجنيا جريجاس

مع استمرار خطر الغزو الروسي لأوكرانيا ، فإن التهديد بنوع آخر من الحرب - حرب الغاز - هو بنفس القدر من القلق للكثيرين ، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة (الولايات المتحدة). يعيد خط أنابيب الغاز الجديد المملوك للدولة من شركة غازبروم الروسية إلى ألمانيا ، نورد ستريم 2 ، تشكيل الجغرافيا السياسية بقدر 135 ألف جندي روسي متمركزين على حدود أوكرانيا ، وفي نفس الوقت. سيلعب خط الأنابيب دورًا متعدد الأوجه ليس فقط في قرارات موسكو بشأن حربها الحركية المحتملة ، ولكن أيضًا في كيفية استجابة الدول الأوروبية والولايات المتحدة. يعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا في حوالي نصف وارداته من الغاز الطبيعي ، على الرغم من أن أوروبا أصبحت أكثر مرونة عندما يتعلق الأمر بالتغلب على هذه الأنواع من العواصف.

تم بناء نورد ستريم 2 لتجاوز أوكرانيا ونقل الغاز الطبيعي مباشرة من روسيا إلى أكبر أسواقها الأوروبية - ألمانيا - عبر خط أنابيب تحت بحر البلطيق. منذ حقبة الحرب الباردة ، كان الطريق الرئيسي للغاز السوفيتي ثم الروسي إلى الأسواق الأوروبية يمر عبر نظام خطوط الأنابيب الأوكراني. ومع ذلك ، بعد تحول أوكرانيا غربًا مع حركة الميدان الأوروبي في عام 2014 ، خفضت الحكومة الروسية باستمرار أحجام عبور الغاز عبر البلاد - وهو دليل على أن أوكرانيا كان من المقرر قطعها من تجارة عبور الغاز عاجلاً أم آجلاً.

ومع ذلك ، للقضاء على دور أوكرانيا ، كانت هناك حاجة إلى بنية تحتية جديدة. أدى الانتهاء من نورد ستريم 2 في عام 2021 إلى تقريب هذا الاحتمال خطوة واحدة ، على الرغم من أن خط الأنابيب لا يعمل لأنه لم يتم اعتماده (تقول ألمانيا إنها تخطط للقيام بذلك في أواخر عام 2022). دعت العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى إلغاء المشروع لأنه يقوض استراتيجية أمن الطاقة في أوروبا ، والتي تدعو إلى تنويع المصادر والموردين والطرق. سوف يركز نورد ستريم 2 في الواقع الجزء الأكبر من واردات أوروبا عبر طريق واحد عبر بحر البلطيق - نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2. دافع كونسورتيوم نورد ستريم وأنصاره في ألمانيا عن خط الأنابيب باعتباره مسعى تجاري بحت.

ومع ذلك ، نادرًا ما تكون الطاقة مجرد عمل ؛ تسير جنبًا إلى جنب مع السياسة والجغرافيا السياسية والأمن. يؤثر الوصول إلى موارد الطاقة على الحياة اليومية للمواطنين ، خاصة في أوروبا حيث يتم استخدام الغاز الطبيعي للتدفئة في الشتاء وكوقود مواصلات شائع. كما أنه يؤثر على الصناعة ، حيث يؤدي ارتفاع تكاليف الطاقة إلى ارتفاع سعر الإنتاج. هذا الشتاء ، أثناء أزمة الغاز ، اضطر عدد من المصانع في وسط وجنوب وشرق أوروبا إلى الحد من عملياتها ، مما أضر بالاقتصادات المحلية.

هذه التأثيرات على المجتمع والصناعة لها تأثير مباشر على السياسة المحلية. ويثير خطر ارتفاع أسعار الغاز ، خاصة في فصل الشتاء ، الخلافات السياسية المحلية ويضع الحكومات في موقف دفاعي. في البلدان التي احتكرت فيها شركة غازبروم السوق - والتي كانت حتى وقت قريب جزءًا كبيرًا من جنوب شرق ووسط أوروبا الشرقية - لطالما تأثرت المفاوضات بشأن عقود الغاز طويلة الأجل بين البلدان المستوردة وشركة غازبروم بالمطالب السياسية. تسير هذه الأمور على غرار "إذا كنت تريد توقيع عقد الغاز هذا وتريد أسعارًا أقل للغاز ، فاستعد لاتباع سياسة خارجية تعاونية مع موسكو". تواجه العديد من الحكومات وقتًا عصيبًا في التفاوض عندما يحتاج مواطنوها إلى الغاز للتدفئة.

نورد ستريم 2 الجديد له العديد من التداعيات الجيوسياسية على أوروبا. أولاً ، وعلى الفور ، تُحرر يد روسيا في العمل العسكري في أوكرانيا. بينما كانت الحرب في شرق أوكرانيا مستمرة منذ عام 2014 ، لم تنتشر في عمق الأراضي الأوكرانية. كان من الممكن أن يؤدي الصراع المتسع إلى إلحاق الضرر بنظام خطوط الأنابيب الأوكراني وكان سيعرض صادرات الغاز الروسية للخطر قبل اكتمال خط أنابيب نورد ستريم 2. وهكذا ، افترض الكثيرون أن نظام خطوط الأنابيب الأوكراني كان بمثابة عامل مخفف في المغامرة العسكرية الروسية. اليوم ، ومع ذلك ، نظرًا لأن نظام خطوط الأنابيب الأوكراني أقل أهمية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لروسيا ، فمن الممكن شن حرب واسعة النطاق.

ثانيًا ، إذا اختارت روسيا التوقف عن استخدام نظام خطوط الأنابيب الأوكراني أو إذا تضررت في حالة الحرب ، فستكون هناك عدة عواقب. ستخسر أوكرانيا عائدات من أعمال نقل الغاز التي تدار بمليارات الدولارات سنويًا - وهي خسارة ملموسة للاقتصاد الأوكراني. علاوة على ذلك ، يمكن عزل أوكرانيا عن مصدرها التقليدي للغاز. كلا هذين العاملين من شأنه أن يزعزع استقرار أوكرانيا اقتصاديًا وسياسيًا. ومع ذلك ، مع تراكم خطوط الأنابيب المترابطة عبر أوروبا ، يمكن لأوكرانيا أيضًا الوصول إلى الغاز في "التدفق العكسي" من البلدان المجاورة مثل بولندا ورومانيا. في معظم الأوقات ، من المحتمل أن يكون نفس غاز جازبروم ولكنه يصل عبر طريق مختلف.

التضمين الرئيسي الثالث لـ Nord Stream 2 هو أنه يقسم الدول الأوروبية ليس فقط على خط الأنابيب نفسه ولكن أيضًا في العلاقات مع روسيا. سوف يساعد نورد ستريم 2 روسيا على تصدير النفوذ وجماعات المصالح الخاصة والفساد إلى أوروبا.

التقارب الروسي الألماني بشأن نورد ستريم 2 يترك سؤالًا إلى أي مدى ستكون ألمانيا ، باعتبارها القوة الرئيسية في أوروبا ، على استعداد لاتخاذ موقف أكثر تشددًا في حالة العمل العسكري الروسي في أوكرانيا. بالفعل ، كانت الحكومة الألمانية مترددة في إرسال أسلحة عسكرية إلى أوكرانيا. كما رفضت ألمانيا إصدار تصاريح لأسلحة ألمانية الصنع لإرسالها إلى إستونيا ، التي كانت تخطط لإرسال الأسلحة إلى أوكرانيا.

لا يزال هناك "آس" واحد في مجموعة البطاقات الأوروبية. غيّر الغاز الطبيعي المسال (LNG) معادلة أمن الغاز الأوروبي. على عكس ما حدث في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، عندما كانت أوروبا تخشى انقطاع الغاز عن روسيا أثناء التوترات بين موسكو وكييف ، أصبحت أوروبا الآن أكثر أمانًا من حيث الطاقة. مع نمو تجارة الغاز الطبيعي المسال والمزيد من البلدان التي لديها محطات استيراد للغاز الطبيعي المسال ، يمكن لدول مثل بولندا أو ليتوانيا ، التي كانت تعتمد بشكل كامل على الغاز عبر الأنابيب الروسية حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، الاستفادة الآن من أسواق الغاز العالمية. بالإضافة إلى الغاز الطبيعي المسال ، زاد الاتحاد الأوروبي أيضًا من الترابط بين خطوط الأنابيب ، وتمكن من الوصول إلى غاز بحر قزوين عبر ممر الغاز الجنوبي ، وزاد من متطلبات احتياطي الغاز للدول الأعضاء.

كما أن ظهور الولايات المتحدة كأكبر منتج للغاز في العالم ومصدر رائد للغاز الطبيعي المسال يمنح أوروبا المزيد من الخيارات عندما يتعلق الأمر بالغاز. أصبح الغاز الطبيعي المسال الأمريكي أكثر أهمية هذا الشتاء ، وسط نقص الغاز العالمي ، خفضت غازبروم نقل الغاز إلى أوروبا ورفعت الأسعار ، مما دفع العديد من دول الاتحاد الأوروبي إلى خفض احتياطياتها من الغاز. نتيجة لذلك ، ذهب حوالي نصف صادرات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية في ديسمبر 2021 إلى أوروبا.

في حين أن أوروبا اليوم أكثر تنوعًا من حيث واردات الطاقة مما كانت عليه قبل عقد من الزمن ، إلا أنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي وعرضة لأي صدمات في السوق بقيادة غازبروم. إن التقاء استعراض قوتها في المجال العسكري وأسواق الغاز يثير قلق الدول الأوروبية وواشنطن العاصمة. مع تكدس قواتها على الحدود الأوكرانية ، ستكون الحكومة الروسية قادرة على تهديد أوكرانيا والدول الأوروبية الأخرى ، ليس فقط في الميدان ولكن أيضًا في أسواق الغاز.

#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات