أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لخضر خلفاوي - سردية روائية: *ماء و حنطة !*















المزيد.....

سردية روائية: *ماء و حنطة !*


لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 7222 - 2022 / 4 / 18 - 06:09
المحور: الادب والفن
    


…رغم استيقاظه باكرا حوالي الساعة السادسة صباحاإلا أنه لم يستطع إكمال عملية حصاد الحبوب من القمح و الحنطة المتبقية من اليوم الذي سبقه .. شارفت الساعة الثانية بعد الزوال و "لامين" الإبن الأصغر للحاج إبراهيم ، عمره أنذاك إثني و عشرين عاما لم يتم بشكل نهائي هذه المهمة التي أوكلت إليه من قبل والده الذي سقط طريح الفراش بسبب حمى مفاجئة في اليوم السابق ، قيل أنه تلقى ضربة شمس قوية … كان حاله على الفراش جد مقلق و مدعاة للخوف ؛ حتى أن بعضهم من الأقارب ظن أنه لن يقوم من هذه السقطة الفجائية !.
كان العطل الذي أصاب مكينة الحصاد الضخمة لمدة ساعتين أخّر من حصاد و جمع النّعم من حبوب القمح و الحنطة ..
كان "لامين" الإبن المدلل لوالده يستشيط غضبا و في أوجّ الغيظ لما آتاه من تعب مضنٍ تحت هذا القيظ و الشمس تلفحه من كل جانب، و جسده يتصبب عرقا ..
كان وجهه ينذر بمدى صعوبة المهمة رفقة بقية العمال الأُجراء الذين قدموا مع طلبية ( مكينة الحصاد ) ، يكسو ملامحه غبار الحقول المثارة بمرور هذه الآلة الضخمة .. كان التبان الصيفي الذي يضعه يبدو كأنه شفافا لشدة امتصاصه عرقه المنساب و كان سرواله على مستوى دبره و فرجه و مفاصله يبدو كأنه تبوّل على نفسه بولا طويلا مبرحا …
كان يجمع مع العمّال أكياس الحبوب التي كانت تلك الآلة تلفظها عند امتلائها فيضعها على مركبة جواده و عندما تمتلئ عربة الحصان يعود من الحقول مقتدادا عربته محملا بأكياس النعمة و يبدأ في إدخالها إلى "دار النّعمة" ؛ هكذا كان يسمونها لما ترك عمّار و أسرته هذه الدار و استقرّ في بلدة أوراسية تسمى بـ " الشمرّة"..
دار النعمة هذه كانت عندما تدخلها و تفتح بابها تضربكَ روائح النِّعم ، روائح الحبّ المحصود ؛ حيث الاكياس من حبوب القمح الصلب و الحنطة مكدسة بترتيب جيّد و هناك زاوية من الدار مفروشة يوضع عليها الحب من القمح أو الحنطة دون حفظه في أكياس …
كان لامين يرفع الأكياس من على عربته و يضعها على كتفه العريض و بعناء يزف الحنطة و القمح إلى مثواهم الأخير كيسا كيسا … ثم عند انتهائه من إفراغ شحنته من على عربته يعود إلى الحقول و يلتحق بالعمّال لمعاودة جمع الغلة .ثالثا و خامسا و سابعا …
***
ربيعة إبنة الثالث و الثلاثين ، عزباء ، إبنة عمومة لامين يُعوّل عليها في كثير من الشؤون المنزلية و الرعوية لما كانت في سن الطفولة و المراهقة .. ربيعة البنت الوحيدة من حريم العائلة اللي فاتها قطار الزواج مبكرا على عكس باقي بنات و نساء البادية …
كانت ربيعة طويلة القامة ممتلئة الجسد ، صاحبة شعر أسود كثيف و طويل ، عيناها بنيتان كبيرتان و خانة كبيرة سوداء تنقّطُ تاء الجمال و السحر على مهبط ذقنها.. الكل يتساءل عن سبب عزوفها عن الزواج منذ سنوات ، و كلما حاولوا الضغط عليها بفرض زيجة معينة تتمارض أو تهددهم بقتل نفسها !
عقيلة الوحيدة من بنات عمومة "لامين" من تعرف قصّة " ربيعة " و تعرف سرّ هذا الإحجام و الرفض المستميت ؛ لما حدث عنها لامين "عقيلة " ، على أنه يريد أن يطلب ودها و يصاحبها بغرض بناء علاقة قصد الزواج منها ، فتلعثم وقتها لسانها و تأتأت و ارتبكت و أفشت له بالسرّ و حذّرته من الإقتراب منها إذا كانت نيته هي الزواج منها … و إلا سوف يتحمّل وِزر غيره ! كان السرّ تجاوز الأثنين و كان " لامين" يعرف تفاصيل قصة " ربيعة".
***
لما كلفت ربيعة إبنة السادس عشرة من العمر بمرافقة " بوعقلين" الأهبل ، راعي العائلة لمساعدته في رعي الأغنام .. لم يكن "بوعقلين" الأهبل موضع ريبة و لا شكّ بالنسبة للحاج إبراهيم حتى يخاف على شرف إبنة العيلة ، و هتك عرضها من طرف هذا المعتوه ..كانت هذه الاحتمالية بالنسبة للجميع هي ضرب من الجنون؛ آه لو يعلمون "ضرب" الجنون !
كانت ربيعة لم تتصوّر لحظة أنها سوف تجد نفسها طريحة التراب في شعبة من شعاب البادية و "بوعقلين" يستدرك عقل الذكر و يجثم على جسدها و يسمّرها في الأرض إلى درجة أنها كانت تشارف فقد نفسها …ما نفع صراخها فالديار البعيدة و جثة " المجنون" كتمت كل صدى الاستغاثة …
لقد تحوّل في لحظة المجنون الأربعيني الأهبل "بوعقلين " من راعٍ إلى حارث صلب مُبين ! ما أخطر الذكر عندما يكون مزود بعقلين و بقلبين ، عقل مجنون و عقل عاقل و قلب طفل و قلب خبيث جشع! كلها اجتمعت في راعي " عمّي الحاج إبراهيم"…
لم تستطع ربيعة تفسير ما حصل لها و ما عاشته من لحظات كابوسية في عمرها الزهري ، و لم تستطع نسيان تلك التفاصيل التي اجتمعت في حادث حرثها اغتصابا .. الرائحة الكريهة المنبعثة من جسد " بوعقلين" الأَوذحْ ، راعي الديار .. لم تنس صولاته و جولاته بعضوه و هو كالوحش الكاسر يفض بكارتها و يكتم أنفاسها بيده الوسخة الموذوحة .. لم تنس توعده بذبحها كما تُذبح الشاة لو بلّغت عنه ؛ و ربيعة أدرى بظروف ذبح الشياه، فهي ولدت معها و تعرف قصة كل شاة بيعت أو ذُبحت في مناسبة أو اُهدت كقربان .
***
عندما حكت فاجعتها لـ " عقيلة " نصحتها أن تُبلّغ عنه حتى يلقى جزاءه فانتفضت رافضة مذعورة خائفة من ردة فعل الراعي و من موقف أهلها ؛ كانت ترى بإقدامها على فضح الحادثة تنقلب الأمور إلى ما لا يحمد عقباها و تُذبح في كلتا الحالتين و سوف يرفع القلم و تُبعد الشبهة عن الراعي الأبله راعي الديار المسكين !.
هكذا استمرّت ربيعة دافنة سرّها في أعماقها ، و كلّما تقدّم شاب لخطبتها كانت تسترجع كل تفاصيل ما حدث لها و تتقزز من شيء إسمه " رجل"!
كانت تراهم بحاسة شمها ؛ نتنون ، وسخون …قذارة تنبعث منها روائح البول و الوذح!
***
كان لامين تحت لفح الشمس منهمكا في جمع أكياس حصاده على إكراه ، أو هكذا كان وجهه و مزاجه يبديان للعيان …
لم يكن ينتبه أن ربيعة كانت ترقب كل حركة يقوم بها عن بعد و هو في هيئة كمن سقط في مسبح ، ثيابه المتسخة العائمة في عرق جرّاء الحر و جهد حصاد الغلة …
كأنها تريد تطبيق وصية عمها الحاج إبراهيم بحذافر كل اللغة و مجازها المفتوح؛ و الذي نابت في خدمته منذ أن سقط طريح الفراش لما طلب منها ذلك ؛ أن تهتمّ بكل حاجيات "لامين " في غياب والدته التي لم تعد بعد من زيارة لأهلها في دوار( أولاد سي عمر )…
كانت تحركاتها من إلى خارج الديار كمن هي في مناسك الصفا و المروة ، متذرعة بنشر الغسيل على الحبل المثبت بالباحة الكبيرة المفتوحة للديار ..
عاد لامين على متن عربته محملا بشحنة من أكياس النّعمة فلم تترك ربيعة فرصة ملاقاته عند وصوله و بدئه في إنزال و حمل الأكياس باتجاه دار (النّعمة).. بادرت و همّت تمدّ يد العون ..
- هات نعاونك! ما تعبتيش من الصباح يا ولد عمي .. !؟
- لا..لا ، خلّيني في همّي يا ربيعة ، تعبتْ لكن لازم نخلّص عليّ هذا الهمّ اللي لصقو في بابا ! بقات لي بعض الأكياس كنوبة أخيرة و استريح ، لقد انتهى حصاد الماكينة للحقلين ( القمح و الحنطة ) و العمال تركتهم يتناولون غداءهم، ثم ينتقلون إلى حقول أولاد ( سي عثمان ) لحصد محاصيلهم ، فعليهم الانتهاء قبل مغيب الشمس حسب ما ذكروه لي.
- علاه تقول هكذا خليني ؟ و وعلاه تقول يا راجل على النعمة أنها همّ ! استغفر ربك ! هذي نعمة من ربي ، و العام عام صابة ، آه لو كان عمي ابراهيم جا يشوف الخير و النعمة تاع ربي ، يجي يشوف سيد الرجال ولد عمي كيف كان قد المسؤولية و عرقو اللي مكسّيه يساوي جيش رجال ! لا تقل هكذا يا لامين !
- نظر و حملق فيها لامين بشيء بالانبهار و التفاجؤ و هو يسمع إطراءً و ثناءً لم يسمعه قطّ عدا ذلك السُّباب عند الغضب و العتاب : "يا حمار ، يا دابّ، يا بغلْ" المتفوّه من قبل الحاج إبراهيم أثناء فترات تصادمهما بسبب سلوكه الآبق و الثائر في بعض الأحيان …
- راك زعفان برك ، لكن ما يعطيكش قلبك تترك عمّي منشغل على ماله و أموره و هو على فراش المرض أدعو له بالشفاء و كل شيءٍ يهون ، هذا هو الأهم ..والله راهو موش مليح ، و حالته تقلق و الحمى لا تكاد أن تبرحه و مع ذلك يسألني عنك في كل ساعة ، والدك لا يكرهك و يريد لك الصلاح و كل الخير أو تشكّ في من يلقبه الجميع ب " سيّدي إبراهيم " حاجّ لبيت الله و حافظ لكتابه .. هوّن عليك و أترك كل شيء و ارتح سوف أحضر لك الأكل ثم عاود شغلك !
- ليس بعد .. ليس بعد ! هل هو نائم الآن ؟ هل أكل شيئا ؟ حدثيني هل لي أن أقلق عليه ؟
- هو نائم و يستيقظ من حين لآخر .. لا اكذب عليك حمته مقلقة ، لكن اعتقد أنه سيتماثل للشفاء .. إطمئن!
- عذرا .. سأعود للحفل و أجلب ما تتبقى من حمولة الحصاد و أفرغها في هذه الدار ، بعدها يمكنك إحضار الأكل يا بنت العمّ…
- حاضر ، كما تريد يا لامين ، "رحْ ربي يكون في عونك ، هانت ، هاك خلصت تقريبا .. غدوة يوم بلا مشقة جني النّعمة .. "
خرج لامين متجها نحو الحقل لجلب أكياسه المتبقية من الحبوب على عربته و هو شارد الذهن و يلتفت بين الفينة و الأخرى خلفه فيجد " ربيعة " تسافر معه تلاحقه بنظراتها و تلويحاتها …و كأن شيئا تحرك فجأة بقوة داخله اتجاهها ، و هو يتذكر حوارهما و عذوبة كلامها معه و اقترابها منه حتى لامسته أنفاسها … يتذكر تنورتها الخفيفة الصيفية المبتلة بماء الغسيل ، النتؤان البارزين بسبب انتصاب حلمتي ثدييها ..فتتداخل تلك اللحظات بالسرّ الذي يعرفه عنها فينشطر بين رغبته فيها و بين ذلك التفصيل الكارثة الذي حدث لإبنة عمه التي كان قد أدرجها ذات تفكير جاد في مشروع علاقة حب كمقدمة للارتباط بها !
-هل تعلم أني أعلم بسرّها ؟ ماذا لو علمت و واجهتها بذلك ؟ كيف ستكون ردة فعلها ؟ هل ستصدم و تكربْ و تنتكس نفسيا و تدرك أن " عقيلة " هي أيضا فقدت عقل الأمانة و أفشت السرّ لعنصر ثالث و هو -أنا-؟ كانت أسئلة كثيرة طرحها و هو متجه إلى مكان مجمع " النعم "…
***
فجأة تبدو ربيعة في حال غير حال ، أكثر نشاطا و حيوية و سعادة و هي تحضّر الأكل لإبن عمها في دار النعم ، و هي لا تدري سبب اختيار وضع مائدة الطعام في هذا المكان تحديدا على مقربة من أكياس حبوب القمح و الحنطة الموضوع على فرش بالزاوية الأخرى من الحجرة التي تبدو نصف منيرة أو نصف مضيئة …
و قد جهزت له ثيابا نظيفة وضعتها على إحدى أكياس القمح ..
لمّا عاد لامين بآخر حمولته ، و دخل عليها حمّالا لكيس من الحبوب و هي لم تنته بعد من ترتيب الطاولة و ملئها بما أعدته من أكل .. كانت تبدو مرتبكة بحضوره و كأنها تراه لأول مرة ! تذهب و تجيئ بأغراضها و هو يواصل تفريغ حمولته إلى أن انتهى ، فوجدها منتظرته عند المائدة ..
-يعطيك الصحة يا ولد عمّي ، ربي أعانك و دعوة الوالدين لم تخطئك ، هاكْ خلّصت شغلك ! أقعد تاكل و ارتاح ضركْ …
-يسلمكْ! ياه! والله تعبت تعبْ لا تتصوري حجمه!
انهال لامين على الطعام المحضّر و يأكل بشكل الجائع الذي لم يأكل لأيام ! و كانت هي ترقبه باستحياء و تسترق النظر إلى وجهه و هو غير مُبالٍ بتلصصها على كل حركة و على هيئته ، ثيابه المتسخة و المبتلة بعرقه. لم تدم طويلا عدم درايته بنظراتها التفصيلية التنقيبية في كل جزء من جسده …
-ألا تأكلين ؟ ما لك تنظرين إليّ متفرّجة ، كولي معي يا مخلوقة !
-بالشفاء ليك أنا أكلت مع عمّي ، أنا فقط قاعدة معاك كشما احتجت أي حاجة نجيبهالك ! ياخي ما تقلقكش قعدتي معاك ؟
-بصحتك.. لا أبدا أبقاي على روحك ! بابا كلا شوية ؟ عنده شهية للأكل ؟ لازم عليه ياكل ! موش مليح إذا فقد رغبة الاكل !
-اطمئن! هو ما يحبش ياكل بزاف، و أنا عاندتو و حتمت عليه ياكل شوية ، المهم أكل ما شاء الله ! يا رب يقوم و يرتاح ! الدار ظلمة من غير حركته و صوته و صولاته و جولاته !
-آمييييين من فمّك لربي !
و استمرّ لامين يأكل و علامات الراحة بدأت تعود إليه .. بينما ربيعة تستمرّ في استراق النظر إليه و تحسب أنفاسه و تسافر بنظراتها عشرات المرات بين ثنايا و تفاصيل جسده و هو يجلس أرضا متصدرا مائدة الطعام …
ينظر إليها يباغتها متلبسة فيه ، يبتسم دون أن ينبس ببنت شفة .. تتخاطر معه ربيعة بنفس الابتسامة لكن أعرض من ابتسامته الخجولة و دون كلام !
همّ بالوقوف بعد انهائه من الأكل و يريد -بتثاقل لا يعلم مصدره - الإنصراف من تلك الحجرة ، يتقدمّ بخطوة ، تنهض هي بسرعة البرق:
-وينْ راكْ رايح ؟! تسأله في تعجّب.
-سأذهب لأتفقد بابا ثم أذهب لتغيير ثيابي ، شوفي حالتي تشبه حالة الكلب !
-لا تذهب إليه الآن ! هذا وان نام و محتاج للراحة ، عاود شوفو بعد ما يستيقظ …
ثم راحت صوب الكيس الموضوع عليه ثيابه النظيفة و حملت القميص الجديد النظيف و تقدمت نحوه و بجرأة لم يتوقعها لامين أخذت تقتلع من صدره ذلك القميص الذي التحم بجلده من شدة العرق .. لم يحرّك لامين ساكنا و هو يرى ربيعة تخلع عنه قميص التعب وتريد استبداله بقميص نظيف و مريح !
-يا مرا واش قاعدة تديري ، لازم ناخذ حمام و من بعد أغير ثيابي !
-لما خلعت على مرأى عينيه قميصه و رأت صدره متصببا بالعرق و تفاصيل عضلاته تجمّدت يدها الموضوعة على صدره كأنها التصقت به ! تنظر محدقة فيه بشكل اختلّت فيه موازين اللحظات و سلّم تدرّج الأحداث ، اقتربت أكثر ! أنفاسها تهشّ على شعر صدره بلطف..
.. تجمّد هو بمكانه يحملق فيها دون مقاومة ، بدأت تُمسح بيديها على صدره و ترتّل اعترافاتها :
-هذا العرق أطهر من أيّ ماء تضعه على جسدك .. أنت سيد الرجال سيدي ولد سيدي الغالي ولد عمّي ، جسمك طهّره شقاؤك و برّك بوالدك .. دعني أرجوك أتفحّص هذا الصدر الكذوب المتظاهر بالقسوة و العقوق و الغضب و هو ألين من الحرير ….
اقتربت اكثر و وضعت رأسها على صدره ، رفعت رأسها نحوه ، أخذت تنظر إليه بانصهار ، قبّلها لم تمانع ، بل انضربت بعنف الشوق بشفتيها و لسانها فيه ، كان يتبادلان العناق الحميم .. ثم توقّف بغتة و دفعها قليلا إلى الخلف :
-انتظري ، انتظري .. أُريدُ أن أقول لك شيئا مهمّا آمل أن لا تبتئسي أو تصدمي …
-هيه! قول! واش تحب تقول ؟ غير الخير !؟
-لعلمك أني أعرف قصتك منذ زمن ؟!
-قصتي ؟!
-نعم ! قصة اغتصابك من طرف ذاك ( الحيوان المهبول ) تاع الراعي الناتن اللي كان يشتغل عندنا !
تسمّرت في مكانها للحظات و هي تفكّر و علامات الخيبة و الصدمة و الحزن لمعرفتها بأن سرّها و سرّ رفض زواجها يعرفه لامين !
-لماذا أخفيت عنا كل هذا !؟ ما أحمققك يا مرا ! كنت على الأقل أخبرتيني أنا ! لكنتُ تصرّفت و أنصفتك و انتقمت لك .. تعرفيني أنا مجنون و معروف بالتهور و العقوق و العصيان .. والله أعملها و نروح أمسكْ ذلك الراعي ( بوعقلين) و أضع في دبره وتد من حديد جزاء فعلته !
- لو وضعت فيه كل الأوتاد التي تحمل السماء لن تنفعني ! و ماذا بعد ؟ هل تستعيد لي براءتي ، هل تسترجع لي بكارتي و عذريتي و شبابي و أحلامي ؟ كان أفضل إذن تكتمي على المصيبة ! اللي كان كان يا ابن عمّي و اللي يرجع على الجرّه يتعب ،، و أنا من أصله ولدتُ تعبانة فلا تتعبني بهذا الحديث !
-يا خسارة ! هل تعلمي أني فكّرت فيك منذ فترة و أُعجبتُ بك و كنت أودّ الارتباط بك و و و ، لكن لما أخبرتُ و اكتشفت السرّ خارت آمالي! تعرفي جيدا لن استطيع الزواج منك و أنت لست « عذراء » ، فقد أُطرد من العائلة و أُتهم بكل النعوت ! و نصبح أنا و أنت حديث العام و الخاص ، و تفتح علينا مشاكلا لا مقدرة لنا عليها !
-أعرف يا ابن العم ، أنا لم أطلب منك شيئا ، لم أطلب منك الزواج مني ؛ أنا لا استحقك ! و أنا لا استحقني ! أبل قل أنا لا استحق أني وُلدت في بيئة مجحفة تُجرّم الضحيّة و تبرّئ الجاني ! و أيّ جانٍ ؟ معتوه فاقد لعقله ! حتى الله برّأه مما اقترفه في حقي لمن اشتكي إذن! خلي الجرح بحاله يا ابن العمّ! هذا حظي الملعون و علي تقبله لكني لن أرض أن أعيش مع إنسي من جنس ذكر ما حييت ، فليذهب جميعهم للجحيم !
-حقا ليس لدي ما أقوله لك يا بنت العم ! والله اوجعتيلي قلبي ! صح الدنيا كلبة و "الزهار" في بعض الأحيان أسوأ من الدمار !
-لا عليك .. لا عليك ! لست مذنبا في حقي ، و اليوم الذي فاتحتني فيه عقيلة و أخبرتني أنك كنت تريدني ، كبرت في عيني و زادت معزتك عندي ! لا أطلب و لا أطالب بشيء…
ما انتهت من إجابتها حتى راحت تعاود الارتماء في حضنه و تقبل صدره برومانسية لم يعهدها لامين في حياته رغم أنه معروف بدنجوانيته !
ثم سطت على شاربيه معانقة ملتحمة به ثم نزعت سرواله و غلّقت باب "دار النّعمة" و دخلا في حالة سكر موازية لعالمهما حيث استسلما لحاجتهما الإنسانية تحت فيء غرفة "النعمة" و تَفَاَخَذَتْ ربيعة معه و بكلها بما يكفيها لنسيان آلامها المكتومة.
***
-كانت تقول لي :
-دكّني يا ابن العم فأنت الغالي إبن الغاليين و أنا اخترتك اللحظة بمشيئة عاقلة بعقل واحد و بقلب واحد ، دكّني و لا تتوانى.. فلتكتب كل الأقلام السماوية و الوضعية ما شاءت ..يكفيني حظي البائس الذي تعثّر براعٍ معتوه و رُفِعتْ عنه أقلام الله و العادات و الأعراف ..فأنت أحقّ بدكّي و أنا بدكّك لَفَكِهَة و راضية.
عندما فتحتُ باب دار " النعمة" و تفشّت أنوار الظهيرة الصيفية إلى الفضاء الداخلي كنا عاريين ننظر إلى بعضينا نظرة القربى / الغرباء / الطُلقاء .. ما شدًني في تلك التجربة أو المغامرة و هي أروع و أول و آخر تجربة في حياتي لا يعادلها شيء رؤية مائي فيها ينساب من فرجها على فخذها محمّلا أو سائقا لحبتين للحنطة ، وقتها أدركت أننا مارسنا الحب بجنون و لم ننتبه أننا افترشنا الحنطة الموضوعة في الزاوية دون أكياس .
ضحكنا معا في ذات الوقت لما اكتشفنا أنفسنا بعدها ،فأخذنا ننفض على جسدينا و فرجينا و دبرينا حبّات الحنطة التي طرّزت بقعا من جسدينا.
-كان الكلّ يضحك بمرح شديد لقصص لامين على أترابه من الصحبة ذات مساء و مغامراته و قصته مع ربيعة ، بينما أنا كنتُ استمع و أتألّم بعمق لا أدري لماذا !؟

*) فصل من فصول (…)
باريس الكبرى جنوبا
في 16 أفريل 2022



#لخضر_خلفاوي (هاشتاغ)       Lakhdar_Khelfaoui#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة و الرجل: ما مدى مصداقية مفهوم « الصداقة » بينهما ؟!
- العتمة العملاقة: ماذا سيحدث للعالم و لِ - عَبدة- (الفيس و إخ ...
- عجائب الخلق..
- كَشُرْبِ الهِيمْ!
- حُقنْ -الغيبوبة الإرادية- للمرضى بالحياة !
- هذه طفولتي التي أخطأتها …
- *دموع إسطنبولية ! ( سردية واقعية)
- يولد الشّعر في أيّ مكان شاء .. فكن إنسانا أوّلا يا صاحبي!
- (قصة.ق): كِظام!
- * جزائري أنا و افتخر و ليس عندي مركب نقص هَوَيَّاتِي مع با ...
- أفكار: ماذا لو أحلّ الله لنا قتل أنفسنا ؟ | لمًا تصبح الرواي ...
- *عن الأدب الجزائري: أوّل رواية في التاريخ لنا .. و نتصدّر ال ...
- أفكار : صديقي « نيتشه » المُتعب!
- * النديم ريشة قلبي و لوْ المُمرّد الروح المتصابية لذّة ...
- وحوش الله*!
- « الرّاعي الوحيد* »
- « الرّاعي الوحيد* »
- فسحة -مقبريّة- في حضرة Père Lachaise : عندما تتعقّد الحياة ي ...
- أفكار :*1) أفّاكو الكتابة ! 2) غثيان نفسي فكري 3) معضلة الع ...
- ما ليس لهم ليْ!


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لخضر خلفاوي - سردية روائية: *ماء و حنطة !*