أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لخضر خلفاوي - « الرّاعي الوحيد* »















المزيد.....

« الرّاعي الوحيد* »


لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 7118 - 2021 / 12 / 26 - 16:02
المحور: الادب والفن
    


كان في خلوته يرتشف قهوته و ينظر إلى المارة من وراء واجهة مقهى « لاريبوبليك »(الجمهورية) الزجاجية .. كعادته يسبح و يستمتع بـ توحّده الفكري ـ في فضاءات تراقص ظفائر سجائره أمام مدخل المكان بحكم منع التدخين داخلا.. فتتقاذف أدخنة تلك السجائر على التوالي في أحشائه سيجارة بعد سيجارة .. يدوّنُ فكرة على « كناشته الرقمية » على هاتفه كلما اصطاد فكرة أو اجتاحته قصاصة من ماضيه البعيد و تشعباته . يمسح نظارته حينا ينزعها عندما تتعب عيونه من قراءة المستجدات القديمة التي تشبه إلى حدّ كبير مستجدات القرن الماضي لكن في قالب رقمي مبهرج بالمساحيق و ماكياج « الواقع البديل » .. يقول في نفسه ساخرا من الوجود أو بالأحرى من الموجودين أو من الإثنين .. فلا يصح تأكيد واحد دون الآخر .. كعادته في هذه الأثناء يقوم بأشياء كثيرة.. لعقله القدرة على وظائف متعددة في وقت واحد أحيانا.. يفكّر ، يكتب، يلاحظ حركات الناس في غدو و رواح في شارع « مون مارتر » العريق بالمقاطعة التاسعة الباريسي. هذه المرة على عكس عادته لم يكن يقرأ قرآنه استماعا بإدمانه الكبير المعتاد و يتخذه راعيه الأعظم لجبر كدمات نفسه و للتأمل في مرامي الذكر .. و هو مثبت كعادته السماعات الهاتفية اللاسلكية .. جاءته رغبة في إعادة استماع سمفمونية : « الراعي الوحيد »
Le berger solitaire
لـلروماني « جورج زامفير
Gheorghe Zamfir
.. و هي معزوفة خالدة لن تموت .. على أثير عزفه على نايه الأنيق. كان يحدّثُ "متلازمته" الأخرى:
- وجدتني لأكثر من أربعين عاما في فضاءات باديتي العزيزة رغم قفارها .. لست أدري لماذا وجدتني وحدي أرعى غنمي؛ هي بالأحرى أغنام عمّي « إبراهيم » المعلِّم و المُحَفّظ للقرآن و الذي أدعوه دائما بجدّي ..كان جدّي مُحبا أن أرافقه كلما تغيّبَ راعيه الحصري الملقّب بـ « أبي العقلينْ » .. هكذا لُقّب سخرية من تأخر عقله و معضلاته الذهنية.. جدّي إبراهيم ذلك الرجل الصّالح يسرح مع قطيعه منها أغنام أبي الذي كان مهاجرا في فرنسا.. كان يرعى غنمه على إيقاع تلاوته لقرآنه.. كان يراجع سوره سورة بعد سورة بتلاوة مسموعة تسمعها أغنامه و كل مارّ بالصدفة على مساحات الرعي على مقربة من ديارنا.. عندما يُلقى عليه السلام لا ينقطع عن القراءة يلوّح فقط بيده ثم يستمر .. نادرا ما يقطع قراءته و يصدّق الله العظيم ثم يرد التحية و يدخل في حوار مع ملقيها.
في ذلك اليوم كان يقرأ ما تيسّر من الكتاب ثم توقف لحظات قبل الظهر و قال لي:
ـ خِضر .. بنيّ .. سأعتمد عليك و أترك لك مهمة رعي الغنم و مراقبتها جيّدا.. سأذهب إلى البيت أتوضأ و أصلي .. ثم أعود .. لن أطيل عليك فلا تقلق.
أيّاك يا بني أن تغفل و تغمض عينيك عن غنمنا أن يصيبها مكروه أو تتفرّق أو يأتيك شخص تعرفه أو لا و يسرق بعضها بحجة أني أرسلته .. حذار أن تقترب من ديار « بني عثمان » فلقد أحضروا كلبا سيّء الطبع و عدواني يهجم على كل شيء و على كل حيّ .. فلا تدع قطيعنا يقترب فيهيج عليها و يفتك بشاة خرجت عن طاعتك و ابتعدت عن القطيع..
بكل تفاجؤ قلت في نفسي .. إلهي كيف له أن يترك لي كل هذه الأغنام و هي تفوق المئتين منها خمس و عشرون لأبي و بقيتها لجدّي ! ما دهاه أن يتركني بغتة و يهمُّ بالعودة إلى ديارنا و من عادته إذا باغته وقت صلاته ظهرا أو عصرا يصلي دون أن يضطر للعودة! يا لها من مسؤولية كبيرة ورّطني فيها جدّي… ذهب عني و غادر مهرولا المرعى و كلماته ترنّ في أذني .. « لا تغمض عينيك و أرعى الغنم جيدا و احرسها من كل خطر و أمّن لها المكان كي ترعى دون أيّ أذى! » .. إلهى ما أصعبها من مهمة .. أن توكل إليك مهمة الرّعي و تتحمّل مسؤولية ذلك.. في ذات الوقت كنت أشعر بالفخر أن جدّي إبراهيم وثق بي و حمّلني هذه المسؤولية فهو لم يترك كل هذا القطيع لصبي لا يتعدى عمره الست سنوات إلا يعد تأكّده من أحقيته في تحمّل تلك المسؤولية.
كنت أرقب الأغنام و هي تتنقل ببطء و تأكل و كنت منسجما مع سيرها البطيئ في مراعينا .. و كلّما خرجت شاة عن مجال تجمّعها أعيدها إلى عائلتها الكبيرة و أجنبها الإنحراف أو الوقوع في مطب قد يحدث دون سابق إشعار. لا أدري كيف انقطع انسجامي هذا بنباح ذلك الكلب اللعين الذي ظهر من شعبة من الشعاب و هجم على شاة ابتعدت بأمتار عن القطيع و همّ بعضها و يريد الفتك بها.. فهبّ رعب شديد يتملكني لأن ما أقدم عليه ذلك الكلب أحدث اضطرابا و فوَضى شبه عارمة داخل القطيع و الكلب يريد أن ينال من الشاة التي غفلت عيني عنها فكانت على تماس الخطر .. فرحت أذود عنها و أرمي الكلب الهائج بالحجارة و اقترب شيئا فشيئا لأخلّص الشاة منه.. رغم العصا التي كنت أحملها كاد الكلب أن يفتك بي أنا أيضا لأنه لم يخيفه رشقي له بالحجارة و لا حتى تقدمي منه .. فقط تراجع و ترك الشاة لما بدأت أهش بعُصَيَّيتي .. تقهقر متمسكا بنباحه و هيجانه إلى أن سمعت صوتا خلفي .. و رأيتُ فجأة الكلب يعود جاريا إلى الإتجاه المعاكس حيث ديار أهله.. و عند التفاتي وجدته جدّي إبراهيم جاء مهرولا ليمدني يد العون و يساعدني على إخراجي و إخراج النعجة من ذلك المأزق و الموقف بسبب ذلك الكلب اللعين!
كنت خائفا ارتعش من الحادثة و كنت أيضا خائفا من جدّي و من تأنيبه لي أني غفلت عن قطيعنا فسقته إلى الخطر و لم أحسن الرعي بشكل جيّد و آمن..
حال وصوله ضمني إليه و علامات القلق عليّ بادية مهدئا من روعي و خوفي من الكلب على شاتنا المنحرفة .. كان يردد الحمد لله .. الحمد لله .. بينما أنا كنت أسفا حزينا و قلقا غاضبا على نفسي أني لم أكن راعيا في مستوى الأمانة
ـ إهدأ يا حبيبي .. ـ يا عزيز ولد العزيز ـ الحمد لله على سلامتك .. الحمد لله .. الحمد لله أن الكلب لم ينل منك.
ـ و لكن يا جدّي .. لقد نال من الشاة و جرحها .. انظر الدم البادي على صوفها .. أنا آسف يا جدّي ما قصدت العبث و اللعب كي أهمل مسار اتجاه القطيع .. آه لو استبقت الأمر ما حدث الذي حدث!.. سامحني يا جدي .. يبدو أننا خسرنا « شاة » بسببي .. سوف تموت الشاة يا جدّي .. ما أحمقني .. لقد عوّلت علي و لم أكن في مستوى تكليفك ..
ـ كنت أبكي بعدم رضاي عن نفسي.. أبكي دون انقطاع و هو يحضنني و يهدئ من روعي ثم يضحك فجأة و يقول .. ألهذا السبب يا ولدي تبكي .. كنت تعتقد أنك لم تقم بمسؤوليتك على أحسن وجه و تعتقد أني سأكون موبّخا غاضبا ! أبدا يا عزيزي ..
ـ (كان بعض من الوافدين و المغادرين للمقهى ينظرون إليّ بتعجّب و فيهم من ينظر إليّ بحيرة و تعاطف دون معرفة السبب . كانت "جيزال " فتاة عاملة ثلاثينية تنظر إليّ بشفقة و تأثر كبير .. تتقدم نحوي ببطء ، ثم تتراجع للخلف و هي حائرة من أمرها في… ).
ـ أرجوك جدّي .. أنظرها.. ستموت الشاة .. هي جريحة ما العمل ؟
ـ يا ولدي قلت لك لن تموت هذه الشاة هي تبدو جروح سطحية بفضل دفاعك عنها و مخاطرتك بنفسك .. لا أظن أنها جروح عميقة مادامت تتحرك و تتمشى ..لا تحزن على هذا الأمر .. فأنا سعيد و فخور بك جدا .. جدا ..
ـ سعيد بي و فخور ! كيف ما الذي فعلته حتى استحق هذا التشجيع و أنا الذي لم أحرس كما ينبغي ما كنت عليه راعيا و مسؤولا .. لقد أخفقت في أول مهمة أوكلتها إليّ .. بل اعتبر نفسي محظوظا إذا نجوت من التوبيخ.
ـ لا يا ولدي .. صحيح أن الشاة تمت إصابتها .. لكننا بالمقابل أُنعمنا في العائلة براع مخلص و صادق.. لا عليك .. و لا تحمل هم الشاة المجروحة .. سأنحرها حال عودتنا للديار و سنقيم عشاءً احتفاءً بسلامتك .. أنت أغلى من ألف شاة يا بني ..
إنك لا تدري حجم فخري بك و فرحتي .. إن كنت بهذا السن أبكاك تقصيرك للأمانة كراعٍ حسب انطباعك فكيف يكون حالك و أنت راشدا بالغا .. بل سأنذر للرحمان هذه الشاة .. و إني لأراك راعيا لا يشق له غبار بعد طول العمر سيرعاك الله الرّاعي الأعظم يا راعيي الصغير .. و إني أوصيك ما دمت بهذا النضج المبكّر أن تحذر "السّامري " أياك و أن تغفل عينيك من مكائده و مكره ، لقد فتن موسى كليم الله فلا تستهن به و احترس منه و لا تترك له أيّ ثغرة يدخل منها إلى حياتك .
قلت له متعجبا من كلام لا أفهمه و بالأخص عن ذكره لهذا الإسم :
ـ و ما السّامري يا جدي !؟ كيف احترس منه ؟
ـ السّامري يا صغيري هو ذلك الرجل الفتنة من قوم موسى غويٌّ مبين الذي اغتنم فرصة غياب موسى و هو يتعبّد و يكلم الله في جبل الطور ..
فأغرّ قومه و أزلّهم و أقنعهم بأن الشّرك بالله هو الأفضل لبني إسرائيل من إله موسى ذلك الذي عجل إليه ليرضى .. فاتخذوا "عجل" السّامري الذي صنعه لهم فأطاعوه و عبدوا العجلَ. و تركوا الله.. أظنك سمعتني مئات المرات و أنا أتلو القرآن و مرت بك تلاوتي لسورة « طه »..
تعجبتُ أكثر و سألته: كيف ممكن ؟ و كيف احترس منه ؟ أمزال حيّا يرزق هذا اللّعين المضلِّلْ المشرك منذ ذلك الأمد البعيد ؛ لا يُعقل هذا ياجدّي .. لا أفهم و لا استوعب ما تقوله !
أخذ جدى " إبراهيم " مربتا " على كتفي و هو لا يكاد يترك يدي و يرتكز على عصاه العتيقة ذات المقبض العاجي و نحن نمشي عائدين نتبع سائقين الغنم إلى زرائبها :
ـ نعم يا صغيري سؤالك و فضولك يسعدني أكثر بل يبهرني تفكيرك العقلاني و منطقك ..رغم صغر سنّك
ـ هذا السّامري أكيد مات و الدّوام لله مالك الملك ؛ لكن توجد مالا نهاية للنسخ منه في بقاع الأرض كلها وجدت لفتنة الناس .. يأخذون أشكالا بشرية مختلفة الصفات و لا يرتاحون إلا بفساد الأمر و سوء الحال و تغرير أنفس الناس .. قد يكون في صورة إنسان أو شيطان.. يأتونك بكل صورهم و يحاولون محاربتك و التنغيص عليك و إثارة القلق و الحيرة في وجودك .. يتمتعون بقوة الإقناع و سلاسة اللسان و ليونة الخطاب ...فاحذر يا بنيّ من السّامريّ فلن يدع مستقيما في الأرض إلا و فتنه فتونا و لا يسلم منه إلا من أتى ربه بقلب طاهر سليم و اعتقد أنه لا خوف عليك منه .. فقط ردّه و قاومه و احبط أعماله..
ـ كنت أقول له : و لكن يا جدًي ، كيف أراه و أنت تقول أنه متعدد الصور و الأشكال ..
لحظتها أرسل " إبراهيم " قهقهة عريضة مدوية ملأت خواء المكان ... ستراه يا بُنيّ و ستشعرُ به و ستستشعر وجوده و دنوه منك و من مصالحك في ومضة عين !.. سينزغ بينك و بين كل من و ما تُحبّ .. بل سوف سيدخلك في الشكّ و الرّيب حتى في إيمانك فاثبت دائما و سيربط الله على إيمانك . سوف يكرهك المبطلون عند قولك للحق و نصرته.. و سوف يسخر منك الآثمون .. العاصون إذا نصحت و إذا نهيت عن منكر تأخذهم العزة بالمناكر و ضلال أعمالهم في الحياة الدّنيا .. سوف تجد نفسك وحيدا حتى تشكّ في صدق أعمالك و صحيحها..
ـ ومضة عين!؟ قلت مستغربا.
ـ نعم يا خِضر جده الراعي الصغير .. ستكشف وجوده في مجالك و فضائك حال قدومه ..
ـ كيف حيّرتني والله ؟
ـ « قلبك » يا ولدي .. قلبك .. هو الذي سيخبرك به حال ظهوره و اجتيازه مجالك الطاهر النقيّ و سيُوحي إليك الرّب بمجيئه فيأتيك اليقين .. لحظتها استعد لسد أي ثغرة حتى لا يوجعك أو يفتنك و يفتن قلبك.
بقدر ما أسعدني كلام جدّي "إبراهيم " ـ اللُّقماني ـ و تشجيعاته و إطراءاته التربوية فهمت أنه يريد توصيل رسالة و عبرة ؛ أنه ما ينتظرني لا يُستهان به و أني مقبل على حياة ليست فسحة و لا نزهة و إنما على حرب ضروس فيها معارك متعددة فعليّ على الأقل ألا أخسر معظمهما..
*
ـ السيّد "خضر ".. سيّدي .. سيّدي ! .. ما بكَ ؟ هل تحتاج إلى مساعدة ؟ ما في الأمر ؟ يا إلهي!.. لطفك يسوع ما حدث للرجل! هل حدث شيء للأهل أو سمعت مكروها ، هل تريد أن أحضر لك كوبا من ماء؟
كانت سموفونية الراعي الوحيد في كل نوطة منها تلتحم بكل شذرة من شذرات ذاكرتي مع (أناءاتي) البعيدة في زمن ولى .. كأنني لم أبكِ يوما قبل هذه اللحظات التي كنت فيها مع جدّي و غنمي و مع شياهي و روائح ـ دهون صوفها ـ ، ثغاؤها في كل ذرة تراب مشت عليها أقدامنا أنا و جدي و أخي و أبي و و و
ـ كانت "جيزال" التي لم تقاوم طويلا قلقها عليّ و حيرتها و فضولها لمعرفة السبب الذي جعلني على هذا الحال .. دموعي كانت تُجتثُّ من أجداث الماضي .. من مقلتي و تنهمر كما الشلّال .. لشدة بكائي كنت لا أستطيع الرؤية لتدفق دموعي ..كنت في صمت أحاول درء وجهي باتجاه الواجهة الزجاجية لكي لا يراني زبائن القاعة أو المتشبثين بمسطح « البار » العالي .. أخرج مناديلي الورقية منديلا بعد منديل لمسح نظاراتي تارة و أهشّ على عيني الدّمع المالح الذي ركن بعضه عند السقوط على الطاولة الزجاجية.. دموع جاءت ترقص حزنا نوستالجيا مع تلك السمفونية …
بعدما ذهب عنّي روع الماضي و نوستالجيا الغياب .. نظرت إليها مجيبا ومعتذرا .. :
ـ لا تقلقي « جيزال » لا تقلقي .. إنّي بخير (وأنا أعلم أني كنت ليس كذلك!).. فقط تذكّرت شيئا محزنا لا أودّ الحديث فيه.. أشكرك جزيل الشكر لإهتمامك…
كانت تبدو قلقة و متأثرة و لو لا المسافة التي أضعها بيني و بين الناس لكانت أخذتني ربما بالأحضان للترويح عني .. هو سلوك اجتماعي عندهم يحدث تلقائيا بين الأشخاص الذين تربطهم علاقات صداقة ودية.
ـ كانت تقول : حقا لقد تفاجأنا أن نراك تبكي بهذا الشكل.. عند كل قدوم هنا نراك دائما وفيا لطقوسك ، قهوتك .. جريدتك.. سجائرك التي تدخنها أمام المقهى خارجا ثم تعود للرقن على جهازك ثم تنصرف كعادتك بكل هدوء .. لا نسمع صوتك إلا لما تكون أحيانا مرافقا لصديق أو إثنين..أن نراك تهطل دمعا بهذا الشكل أقلقنا الأمر.. صدقني!
ـ صدقا .. أنا بخير جيزال .. ليس هناك ما يدعو للقلق .. إطمئني…
ـ طيّب .. إذا احتجت أيّ شيء قل لي
ـ لا .. لا .. شكرا صدقيني إني بخير .. بل بالعكس الآن أصبحتُ بخير و أفضل.
ـ طيبّ أنا سعيدة لسماع ذلك .. أتركك إذن.
ـ شكرا لك .
كان يتحدّث بصوته الدَّاخلي.. الله لا يسمامك يا « جورج زمفير » أشعلت فيّ زمهرير الماضي : يكفيني الحاضر الشائك بعالمه المعقّد و ناسه بجنسيه .. عالم يشبه غابة ذئاب تعوي من كل جانب .. ينتابني هذا الإنطباع بأني راعٍ « يتيم » وحيد و معظمهم يلعب على كذا من حبل إلا أنا ثابت على حبل واحد .. أحيانا لمّا أضعف لفتن « السّامري » للحظات عابرة ينتابي الرُّعب والرّيب و فقدان الثقة في كل صحيح فعلته في حياتي .. و أسأل لماذا لست مثلهم ؛ هم يستعملون احتياطا حبالا كثيرة في حياتهم « فماذا لو تقّطّع حبْلي » الوحيد هذا.. حتما سأقع في « الهاوية » فليس لي حبالا إضافية أتشبث بها تعصمني من الوقوع الحرّ ! فجأة أتدارك نفسي و أعرف أني لم أكن ذاك الذي كان يسأل هذه الأسئلة تحديدا الرّيبية التشكيكيجة بل هو « السّامري » الذي حذرني منه جدّي ذات عمر بعيد؛ هو الذي أراد أن أترك « حبل الله المتين » الذي لا يتقطّع أبدا .. دون ذلك حبال واهية واهمة. و أنا في كلّ مرة « قلبي » هذا يشعرني باقتراب السّامري من مجالي فيحذرني منه .. لا أخفيك يا « جدي » بأن معاركي متعددة و مكلّفة و باهظة .. باهظة جدا.. واللهِ!
*ـ (سردية واقعية تعبيرية من الطفولة)



#لخضر_خلفاوي (هاشتاغ)       Lakhdar_Khelfaoui#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فسحة -مقبريّة- في حضرة Père Lachaise : عندما تتعقّد الحياة ي ...
- أفكار :*1) أفّاكو الكتابة ! 2) غثيان نفسي فكري 3) معضلة الع ...
- ما ليس لهم ليْ!
- كُرّاسة عُمر الخيام...
- نصوص سردية :إنحناءات الشجر - حياة عابرة - حائط المكَبّة - ال ...
- -المُجَسِّدْ-
- الله أعلم !
- « حالة تَعبْ و عَتبْ! »
- قواريري ال « 11 »
- الخوف من الحياة
- « شريف » و « زوربا ».. صلوات يبتسم لها الرّب!
- « فراولة برلمانية للمتعة فلا خوف على الجزائرين إن هُم يُنكَح ...
- أفكار فِق-هيَ: الرسول و (ا.ل.م.ص) و ما أدراك ما المصّ!
- العار و الخزي: لا خير في أمة تُغتصب فيه معلّماته و تُعنّف!
- بلاغ عاجل! بحث في فائدة « العميد » الأديب صالح جبار
- القيَّامة!
- ألواحُ الزُّور
- التنَيُّز » بالشّعر
- المخ!
- تعاويذ الألم!


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لخضر خلفاوي - « الرّاعي الوحيد* »