أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - مفهوم الاخلاق عند غوستاف لوبون2 /2















المزيد.....

مفهوم الاخلاق عند غوستاف لوبون2 /2


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7206 - 2022 / 3 / 30 - 12:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


(4) الأخلاقُ الفردية والأخلاق الجَمْعِيَّة
يُفَرَّق لوبون بين الأخلاق الفردية والأخلاق الجَمْعِيَّة وكرر ذلك أكثر من مرةرفي كتبه، وعلى ما لهذا التفريق من أهمية تَجِده مُهْمَلًا على العموم، كما يذكر.
وللفرد، كما يحسب لوبون، أن يناقش في أخلاقه الشخصية ما كان له أن يختار، أو يعتقد أنه يختار، قواعدَ سلوكه، وأما الأخلاق الجَمْعِيَّة فهو مُكْرَهٌ على الخضوع لها ما كان المجتمع، الذي هو سبب حياته، هو الذي يَفْرِضها عليه.
والأخلاقُ الجَمْعِية، وهي مستقلة عن إرادتنا الاجتماعية، يقول لوبون هي وليدة مختلف الضرورات المُقَدَّرة، والمجتمع، لأنه يَوَدُّ البقاء، مُضْطَرٌّ إلى اتخاذ بعض القواعد الثابتة والمحافظة عليها، ولا ضَيْرَ في أن تكون هذه القواعد مُضِرَّةً بالمصلحة الفردية أو غيرَ مُضِرَّة بها ما دامت ضرورية لبقاء المجتمع.
وبخصوص القواعد الأخلاقية الجمعية على أنها ضرورية، يقول لوبون: وقواعدُ الأخلاق الجَمْعِيَّة إذ كانت في منجًى من الجَدَل فإن من العَبَث أن يُبْحَث في مطابقتها للعقل والعدل، فيكفي أن يُعْلَم أمرُ ضرورتها، والأمم إذ كانت تعيش من السلب والفتوح تقريبًا كقدماء الرومان عَدَّتْ ما تقترفه من سفك الدماء والسَّرِقة ملائمًا للأخلاق ملاءمةً تامة، لاقتضاء المصلحة العامة ذلك.
لوبون يشدّد على أنّ تتبعُ الأخلاقُ الاجتماعية الطبائعَ بحكم الطبيعة، حتى إنها ليست غيرَ عُنْوَان لها، وقد يَحْدُث أن تظلَّ باقيةً بعد تَغَيُّر الطبائع، ولم تُعَتِّم الواجباتُ الخلقية القديمة أن تُعَدَّ من الأوهام إذ ذاك فلا تبقى محترمةً على الرغم من القوانين التي تحاول أن تُمْسِكها، ومن العبث أن تَهْدِف القوانين، التي تأتي بعد الطبائع على الدوام، إلى مكافحة تَغَيُّر الرأي العام لأنها دونه قوةً فلا تَجِد قُضَاةً يحكمون بها فتغدو غيرَ مُؤَثِّرَة، ومن هذا القبيل.
(5)السجايا الخلقية
والسَّجِيَّة يعَرَّف لوبون بأنها "مجموعة مُقَوِّماتٍ عقلية وعاطفية وشخصية"، يقول تعريفٌ كهذا لا يُسَلَّم به إلا قليلًا؛ لعَدَم تفريقه بين العقل والسجية.
وضّح بأنّ السَّجِيَّة هي من دائرة العاطفة بالحقيقة، وهي مؤلفة من مجموعة مشاعرَ يأتي الإنسان بها معه، والعقلُ إذا كان يُعِينُ على التفكير فإن السَّجِيَّةَ تُعِينُ على السَّيْر، ومن هنا تُبْصِر أن شأن السَّجيَّة كبيرٌ في عالَم السلوك، ومن ثَمَّ في الأخلاق الفردية، ولكن السَّجيَّة، لثَبَاتِها، يَعْسُر كلُّ تأثير بالغ فيها، وإلى هذه الملاحظة ذهب أشهر علماء الأخلاق.
إذ يستشهد لوبون برأي شُوبنْهَاوِر القائل: "أيمكن الأخلاقَ أن تجعل من غليظ القلب رجلًا رحيمًا عادلًا محسنًا؟ كَلَّا، فالفروقُ الخُلقية غريزيةٌ ثابتة، وما الخبيث في خُبْثه الموروث إلَّا كالأفاعي بأنيابها وجيوبها السَّامَّة فلا تتخلص هي ولا هو مما عليهما إلا قليلًا جدًّا".
ثم لوبون يعلق على رأي شوبنهاور هذا بقوله: وهذا الرأي الذي أبداه ذلك المفكر الشهير قد أبْدَى مثلَه أعاظمُ الفلاسفة في القرون القديمة، فقد قال أفلاطون: "ليست الفضيلة ثمرةً طبيعية ولا نتيجةً للتربية، ولكن الإنسان إذا سَعِدَ بحيازتها فَبِلَا تَأَمُّلٍ، فبفضلٍ إلهيٍّ". ومن قول سقراط وأرسطو: "لا نقدر أن نكون فضلاءَ ولا رُذَلَاءُ، فيظهر أن السجايا طبيعية، فإذا ما كُنَّا عادلين حَذِرين … إلخ، اتَّفَقَ لنا هذا منذ وِلادتنا".
وهل يَتَجَلَّى تأثير السجايا في أخلاق الأمم بمثل تأثيره في أخلاق الأفراد؟. لوبون يقول: نعم يَتَجَلَّى تأثير السجايا في أخلاق الأمم بمثل تأثيره في أخلاق الأفراد، فمن المعلوم وجودُ قابلياتٍ عامَّة تُعَدُّ سجايا للعِرْق، غيرِ الصفات الفارقة الخاصَّة ببعض الناس، كعناد الإنكليز وتَقَلُّبِ الفرنسيين وصَلَفِ الإسبان، وتختلف هذه السجايا العامة باختلاف الأمم فَتُمْلِي سلوكًا مختلفًا في أحوال متشابهة، وهي توجب، من حيث النتيجةُ، أخلاقًا متباينة مع أن المبادئ التي تُشْحَن بها الكُتُب واحدةٌ في كلِّ مكان.
(6)الخلق والمعتقد
يوجد بجانب أخلاق العِرق العامة أخلاق الفرد المتقلبة، كما يذهب لوبون، وشأن الأخلاق في تكوين الآراء والمعتقدات عظيم إلى الغاية، فأعقل الحكماء لا يقدر على التخلص من تأثيرها، وما في مبادئه الفلسفية من تفاؤل أو تطيُّر فناشئ عن خلقه أكثر منه عن ذكائه.
ويصوب رأي (ويليام جيمس) القائل: "إن تاريخ الفلسفة هو تاريخ التصادم بين العقل البشري، وهذا الاختلاف بين الأمزجة له أيضًا شأن في ميدان الأدب والفن والحكومة والطبائع، فإذا نظرنا إلى الطبائع نرى من الناس من يبدو عليه التكلف، ومنهم من لا يبدو عليه، وإذا نظرنا إلى الحكومة نرى بين أعضائها من هو محب للسلطة ومن هو فوضوي، وإذا نظرنا إلى الأدب نرى بين حملة لوائه من هو لغوي مفرط، أو مغالٍ في الأسلوب، ومن هو مبالغ في تصوير الأشياء كما هي".
(7) المثل الأعلى لدى الأمم
يؤكد لوبون على مَثَلُ الأمة الأعلى يدل على كثير من آرائها ومعتقداتها، فهو خلاصة رغائبها العامة واحتياجاتها وأمانيها، والناظم لهذه الخلاصة هو العِرق وماضيه وغير ذلك من العوامل التي لا أبحث عنها الآن، وقد بيَّنت في كتاب آخر قوة المثل الأعلى فأثبتُّ أنه لا يتزعزع من غير أن تتزلزل دعائم البنيان الاجتماعي الذي يقوم عليه، وإذا كان كثير من الناس يترددون اليوم في آرائهم ومعتقداتهم، ويسيرون طائعين خلف اندفاعات كثيرة التناقض؛ فذلك لأنهم ذوو مثل أعلى ضعيف على رغم ما يتصفون به أحيانًا من ذكاء هو غاية من السمو والرقي.
لوبون يوضّح إذ لم يكن المثل الأعلى مبدأ نظريًّا يمكننا أن نتغاضى عن تأثيره، فمتى يعم أمره فإنه يكون ذا تأثير عظيم في أدق شؤون الحياة، حتى إن الذين ينكرون نفوذه يعانون هذا النفوذ على رغم أنوفهم.
حتى أنّ لوبون يصرّ على أن الأمم تسموا بأخلاقها، ومتى ما فقدت هذه السجية (الأخلاق) فأنها ستضمحل ثم تنهار وتنطمس حضارتها. إذ يعتبر أن الاخلاق بالنسبة للأمم هي الركيزة التي يستند اليها كيان الأمة الشامخ.
(8)المنفعة
وهي من الضرورة التي يؤكد عليها لوبون يقول وللمنفعة ما للحرص من قدرة على تحويل ما يلائمها إلى حقيقة؛ ولذلك فهي في الغالب أقوى من العقل حتى في المسائل التي يظهر أن العقل هو المهيمن عليها. خذ الاقتصاد السياسي مثلًا تَرَ أن مبادئه المختلفة مشبعة من البحث في المنفعة الشخصية بحيث نستطيع أن نقدِّر بها مقدمًا ميلَ الرجل ذي المهنة المعينة إلى نظام حرية المبادلة، أو نظام الحماية.
ويصّر لوبون على التقلبات التي تتبع المنفعة إذ هي من الضرورة بمكان؛ فتقلبات الرأي تتبع تقلبات المنفعة بحكم الضرورة، فالمنفعة الشخصية هي العامل الأصلي في الأمور السياسية، فالنائب الذي انتقد ضريبة الدخل بما أوتي من قوة لا يلبث أن يدافع عنها بعزم لا يقل عن السابق عندما يأمل أن يصير وزيرًا، وكذلك الاشتراكيون فإنهم يصبحون محافظين بعد أن يغتنوا.
بل، كما يحسب لوبون، لا يقتصر أمر المنفعة على تكوين الآراء، بل إنها بعد أن تستفزها الاحتياجات تضعف أدب الإنسان وحسن سيرته؛ فالقاضي الذي يطمع في الرقي، والجراحي الذي يعمل عملية جراحية لا تفيد، والمحامي الذي يزيد الدعوى تعقيدًا، تنحطُّ أخلاقهم أكثر من ذي قبل عندما يحرك احتياجُهم إلى النفائس منفعتهم.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غوستاف لوبون: تفاسير التاريخ المختلفة
- غوُستاف لوبون: الدعائم النفسيّة للتعليم
- الثورة الفرنسية كما يراها غوستاف لوبون
- أنا المدجج بالوضوح
- حينما يأخُذ الفيلسوف دور المؤرخ
- أصل الدين: رؤية عقلية فلسفية (دراسة)
- ديوان نيتشة ينقذ بائع كتب من مأزق
- لماذا أنا لستُ غنيًا؟1/ 2
- لماذا أنا لستُ غنيًا؟2/ 2
- كيفَ نشأت نظرية العلاج بالمعنى؟
- كيفَ نشأت نظرية العلاج بالمعنى؟(2)
- الرؤية الجماليّة كقيمة للإنسان
- متى يُهزم الإنسان؟
- متى صار الإنسان متفلسفًا؟
- وتريّات منسيّة!
- مفهوم الدين لدى جوستاف لوُبون(2)
- مفهوم الدين لدى جوستاف لوبون(1)
- كيفَّ أُعبّر عن صلواتي
- اللاجدوى وعبثية الحياة: الغور في فراغ أجوف
- أناشيد الليل


المزيد.....




- موسكو تؤكد استعدادها مع بكين للمساعدة في تحقيق الوحدة الفلسط ...
- هنية يهاتف وزير المخابرات المصرية بشأن مفاوضات وقف إطلاق الن ...
- مجموعة ملثمة مؤيدة لإسرائيل تهاجم مؤيدين للفلسطينيين في جامع ...
- شاهد: انهيار طريق سريع جنوبي الصين يودي بحياة 48 شخصاً
- واشنطن تعتبر تصريحات قيادة جورجيا حول تهديدات الغرب تقويضا ل ...
- عالم أحياء يكشف الخصائص المفيدة لزهور الزيزفون
- الشمس تومض باللون الأخضر لبضع ثوان في ظاهرة نادرة للغاية
- تحذيرات من علامات في كتبك القديمة قد تعني أنها -سامة عند الل ...
- الإعلام العبري يكشف عن انتشار غير عادي للجيش المصري على حدود ...
- دراسة تونسية تجد طريقة بسيطة لتعزيز فقدان الوزن


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - مفهوم الاخلاق عند غوستاف لوبون2 /2