أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - حينما يأخُذ الفيلسوف دور المؤرخ














المزيد.....

حينما يأخُذ الفيلسوف دور المؤرخ


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7168 - 2022 / 2 / 20 - 16:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا يصبح الفيلسوف فيلسوفًا قبل أن يطلع على تاريخ الفلسفة، ويبحُر في أعماقها، ويقترب من مدارسها، ويدرس أهم الشخصيات الفلسفية وما تركته من إرث إنساني وحضاري وثقافي، وما امتازت به تلك الشخصيات والفلسفات، من ميزات قد شكلت حضورًا لافتاً، منذ أن انبثقت منها تلك الأفكار والأطر الفلسفية؛ وما كان لها من تأثير مباشر على الفلاسفة الذين تأثروا بتلك الفلسفات، التي سبقت عصر المتأخرين من الذين اشتغلوا بهذه العلوم، وبالتالي اضافوا، هُم أيضًا، قضايا كثيرة إلى تلك المدارس الفلسفية. وخير دليل على ما ندعيه هي الغصون الأخيرة التي اينعت متأخرًا لشجرة الفلسفة، ثُم اثمرت، بل واضافت ثمار كثيرة إلى شجرة الفلسفة، واعني بها على سبيل المثال، لا الحصر: الوجودية، والتفكيكيّة، والبراغماتيّة، والفلسفة الوضعيّة، وغيرها.
نعم، من الضرورة أنّ الفلاسفة المحدثين قد اطلعوا على تاريخ الفلسفة ودرسوا في مدارسها، وتتلمذوا على يدّ اساطينها، وأخذوا عنهم أولويات الفلسفة الأولى قبل أن يستقلون، وبالتالي يكوّنون مدارس وفلسفات الأخرى، تضاف، كعلوم ومعارف، إلى تلك المدارس.
وإذا كان هذا، هكذا، هل بإمكان الفيلسوف أنْ يأخذ دور المؤرخ، فيكتب تاريخ الفلسفة وفق رؤياه؟ وما مدى نجاحه في هذا الماراثون الفكري؟.
هذا السؤال المطروح سنجيب عليه في هذا المقال.
الدكتور زكريا أبراهيم، يرفض هذا الرأي، ويعتبر أنّ الفيلسوف إذا قام بهذا الدور فهو ليس أفضل من الكاتب المختص أو الباحث الذي له باع طويل في تاريخ الفلسفة ومعرفة مدارسها، وابرز رجالها. فالرجل يريد، بمعنى آخر، أن يُقلل من شأن الفيلسوف في هذا الاطار، فيرى في مقالته التمهيدية، التي كتبها في كتاب "حكمة الغرب" للفيلسوف برتراند رسل، إذ يقول:
"ليس الفيلسوف أفضلَ مَن يكتب عن تاريخ الفلسفة، مثلما أن الفنان ليس خيرَ من يحكم على فنِّ الآخرين؛ فللفيلسوف موقفه الخاص الذي تتلوَّن به أحكامه على الفلسفات الأخرى، وهو في أغلب الأحيان لا ينظر إلى التاريخ السابق للفلسفة إلا على أنّه مجموعة من علامات الطريق التي تُشير إلى فِكره هو، أو التي تتلاقى كلُّها في نقطةٍ واحدة؛ هي ما يدور في رأسه من أفكار".
ونحن لا نتفق مع ما يقوله زكريا أبراهيم، وفيما أبداه من وجهة نظر محترمة، للأسباب التالية:
(1)إنّ من حق الفيلسوف أن يكتب حول تاريخ الفلسفة وعلى وفق رؤياه، إذ كما بينا في مقدمة هذا المقال من أنّ الفيلسوف قد اطلع على الفلسفات قبل أن يتفلسف، واتضحت له قضايا كثيرة بخصوص الفلسفة، وقاسها هو بحسب ما يمتلك من ادوات، كان قد حذقها وتفهمها.
(2) من حق الفيلسوف، أيضًا، أن ينتقد بعض الأطر والأفكار الفلسفية، من التي اطلع عليها ودرسها دراسة وافية، وشاهد أنّها ما عادت تجدي نفعًا، أو يشوبها الشك والريبة، بد أن تطورت الفلسفة كتطورها اليوم، وقطعت شوطًا طويلاً في التقدم واكتشاف العديد من النظريات الحديثة.
(3) إنّ الخبرة التي حصل عليها الفيلسوف من الدراسات السابقة لتاريخ الفلسفة، كذلك اطلاعه المتواصل، زائداً تخصصه واشتغاله في هذا المنحى، وخبرته الطويلة، والصفة التي حصل عليها، وهي صفة فيلسوف، أضف إلى ذلك أن نظرة الفيلسوف مختلفة جدًا عن نظرة المؤرخ، فالمؤرخ يجمع الأخبار، بينما الفيلسوف هو في تواصل مستمر. كلّ هذا وغيره يجعل من الفيلسوف أن يكون مؤرخًا حذقًا، عرف كيف يدخل من أي باب من أبواب الفلسفة، وكيف يخرج من الباب الذي يجب عليه أن يخرج منه؟.
ثُم بعد ذلك يتراجع زكريا أبراهيم على (استحياءً) عمّا أبداه من رأيه السابق، إذ قال:
"ومع ذلك فإن كتابة الفيلسوف – يقصد راسل - عن تاريخ الفلسفة تَجرِبة فكريّة شيقة، تحتشد باللمحات الذكيّة والملاحظات المتعمقة، والقدرة على كشف الروابط والعلاقات التي يعجز عن إدراكها الذهنُ العادي. وعلى هذا النحو يبدو لنا بالفعل هذا الكتاب الذي نُقدِّمه ها هنا مترجمًا إلى العربية، والذي ألَّفه شيخ الفلاسفة المعاصرين، برتراند رَسل؛ فهو رؤيّة شاملة للفلسفة الغربيّة منذ بداياتها الأولى في العصر اليوناني حتى النصف الثاني من القرن العشرين".
ونقول: إنّ كتاب "حكمة الغرب" بجزأيه هو ليس الكتاب الوحيد، الذي ألفه راسل كتاريخ للفلسفة، بل لديه كتاب آخر هو (تاريخ الفلسفة الغربية) والذي يقع في ثلاثة أجزاء، وقاما بترجمته زكي نجيب محمود و أحمد أمين. والكتاب يُعد تحفة فنية لا يستغني عنها أي مؤرخ للفلسفة، فضلا عن المثقفين والكتّاب والمتذوقين للمعرفة، وخصوصًا في حقل الفلسفة. وهذا الكتاب فيه سرد شيّق للفلسفة، وأكثر توسعًا من "حكمة الغرب" من ناحية غزارة المعلومة، والطرق التي سلكها المؤلف في الاسترسال، وكذلك تبسيط العبارات وخلوّها من الغموض.
وبعد أن يستعرض زكريا حياة راسل، ويسلط الضوء على مواقفه الإنسانية والسياسية، لاسيما الحرب العالمية الثانية، وما خلفته هذه الحرب من دمار، ومن مخلفات أضرت بالعالم ما عكست حالة استياء وتذمر لكثير من المفكرين والسياسيين والفلاسفة، ومنهم برتراند رسل نفسه. قال زكريا:
"بقيَت لنا كلمةٌ عن الكتاب الذي نُقدِّم ها هنا ترجمته؛ ففي الطبعة الإنجليزية لهذا الكتاب بُذِلَت محاولة لتقديم عدد كبير من الصور والأشكال التي اختارها أحد زملاء رَسل من أجل تقديم إيضاح ملموس لأفكاره الفلسفية. ولم يكن رَسل ذاته على ثقة من أن هذه المحاولة ستنجح، ولذا أشار إليها في المقدمة على أنها تجربة أولى فحسب، وفي رأيي الخاص، الذي يَرتكز على سنوات طويلة من الخبرة في تعليم الفلسفة، أن هذه المحاولة لا تستحق الجهد الذي بُذِل من أجلها، وأن الكتاب قادر على توصيل أفكاره دون الاستعانة بمثل هذه الرسوم الملموسة، ومن هنا فقد آثرت الاستغناء عن الجانب الأكبر منها، وحذف السطور التي أشارت إليها في مقدمة المؤلف".
والخلاصة، أنّ راسل قد ابدع في وضع تاريخ، وفق رؤياه، لحقبة طويلة ومهمة من تاريخ الفلسفة، واجاد فيما أرخ، ونجح في هذا الدور (تقمص شخصية مؤرخ للفلسفة) ونجاحه الباهر بشهادة المترجم لهذا الكتاب، أعني زكريا ابراهيم.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصل الدين: رؤية عقلية فلسفية (دراسة)
- ديوان نيتشة ينقذ بائع كتب من مأزق
- لماذا أنا لستُ غنيًا؟1/ 2
- لماذا أنا لستُ غنيًا؟2/ 2
- كيفَ نشأت نظرية العلاج بالمعنى؟
- كيفَ نشأت نظرية العلاج بالمعنى؟(2)
- الرؤية الجماليّة كقيمة للإنسان
- متى يُهزم الإنسان؟
- متى صار الإنسان متفلسفًا؟
- وتريّات منسيّة!
- مفهوم الدين لدى جوستاف لوُبون(2)
- مفهوم الدين لدى جوستاف لوبون(1)
- كيفَّ أُعبّر عن صلواتي
- اللاجدوى وعبثية الحياة: الغور في فراغ أجوف
- أناشيد الليل
- بوح!
- عطرك يليق بسمعة بساتيني
- الى عمر الخيام
- محطات مؤجلة
- حفلة شبه تنكرية


المزيد.....




- قائد الجيش الإيراني يتوعد أمريكا بـ-رد قوي- بعد ضرباتها على ...
- رسم بياني يوضح تفاصيل عملية -مطرقة منتصف الليل-
- بعد الضربات الأمريكية إسرائيل لا تسعى لـ-حرب استنزاف- مع إير ...
- ترامب يؤكد تدمير المواقع النووية الإيرانية ويجتمع مع فريقه ا ...
- مركز أصفهان لمعالجة اليورانيوم منشأة إيرانية تعرضت لقصف إسرا ...
- عاجل.. الجيش الإسرائيلي: عطلنا القدرة التشغيلة لستة مطارات ع ...
- العربدة الصهيو-امبريالية تتصاعد ولا حلّ إلا في أن تواجهها ال ...
- منظومة الامتحانات عنوان لفشل المنظومة التّربويّة
- كوريا الشمالية تُعلّق على ضربات أمريكا لمنشآت نووية إيرانية ...
- شاهد.. طاقم CNN يضطر للإخلاء أثناء البث المباشر تزامنًا مع إ ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - حينما يأخُذ الفيلسوف دور المؤرخ