أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - اللاجدوى وعبثية الحياة: الغور في فراغ أجوف















المزيد.....

اللاجدوى وعبثية الحياة: الغور في فراغ أجوف


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7117 - 2021 / 12 / 25 - 17:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الرؤية الضبابية التي تنتاب الحياة التي نعيشها، منذ مجيئنا الى هذه الحياة، وظهورنا على سطح هذه الأرض، قبل أكثر من مليوني سنة، والى اليوم، والإنسان يجري بين طيات هذه الضبابية، جريان الماء من على منحدر، لا يدرك بصيص النور الساطع وسط تلك الضبابية والغموض الذي يكتنف هذه الحياة بمعيّة تلك الضبابيّة القاتمة. وهي – أي الضبابية- قد أعدمت النور، إن كان ثمة النور، وجعلت الإنسان أن يسير في دهاليز الحيرة، ويسير في دروب القلق والفوضى، لم يجد الأجوبة الكافية لتفسير هذه الحياة ويحلّ شفرتها، فعاش القلق الوجودي وهو غارق في بحر الحيرة، لا يهتدي إلى شاطئ الأمان، وكلمّا حاول أن يجد تفسيرًا ولو بسيطاً لمعنى الحياة، ولمعنى الوجود، إذ أبعده الواقع المرّ فراسخ بعيدة عن ذلك التفسير، فعاد الى المرّبع الأول من تلك الحيرة ذاتها التي القت بظلالها على لبُه، وسلبته عقله. والسبب إنّ كلّ شيء في الوجود غامض، وعقل الانسان غير مكتمل، أي ليس بإستطاعة هذه العقل أن يدرك كل ما موجود من حوله، أو كما قال كانط عن العقل بأنه محدود ولا يستطيع أن يدرك الشيء بذاته. وعلى الرغم من إن الفلاسفة قديمًا وحديثا طرحوا كثير من الاسئلة الوجودية وفسروا فيها الحياة والوجود، والهدف الذي جئنا من أجله، والغاية، والمبرّر، وكذلك الفلاسفة المحدثين هُم بدورهم أيضًا أضافوا أشياء كثيرة كحلول أخرى تضُاف الى تلك الحلول القديمة، إلاّ إن الحياة مازال ينتابها الشك والغموض، وحتى بعد تطور العلوم الإنسانية، فإن الحياة قد ازدادت تعقيدًا أكثر من ذي قبل، وكثرت معاناة الانسان وهمومه، والأمراض التي راحت تأكل جسده، حتى انتشرت حالات الإنتحار بشكل مخيف، في الأعوام القليلة الماضية، (كردة فعل معاكسة لظلم وقسوة الحياة التي يعيشها الإنسان) وعلى مستوى العالم برمته، خصوصًا العالم الغربي، الذي هو عالم الحرية والانفتاح واحترام الرأي والرأي الآخر، فضلاً عن العالم العربي والإسلامي. بينما العالم قبل الف سنة أو حتى أكثر من الف عام بكثير لم يكُن فيه حالات الإنتحار في هذا الشكل المرعب الذي نلاحظه اليوم في عصرنا الحاضر. الأمر الذي يجعلنا أنْ نطرح الف سؤالِ وسؤال، ولعلّ من أهم هذه الأسئلة هي غموض الحياة نفسها، وعدم إدراك كنهها وماهيتها.
ونحن، هنا لا نريد أن نذكر ما قاله القدماء في معنى الحياة ومعنى الوجود، وما هي الحياة وما هو الوجود، فغرضنا من هذا البحث ليس استعراض تلك الأقوال القديمة، بل وحتى الحديثة ومن ثم الرّد عليها أو تأييديها أو حتى تفنيدها إن دعا الأمر، بل لا هذا ولا ذاك؛ إنّ الذي نريد قوله إن الحياة بحدّ ذاتها هي فعلا غامضة، وغموضها يظهر أكثر من وضوحها كلمّا تقدم الزمن، بل أنها صارت أكثر صعوبة من ذي قبل، كما ذكرنا في بداية حديثنا هذا.
يأتي الإنسان الى الوجود، وكأنه غريب، بل فعلا غريب. غريب عن هذا العالم المترامي الأطراف، الملآن بالتناقضات؛ فيه الخير وفيه الشر؛ عالم لا يُدرك كنهه الإنسان، كل شيء فيه غريب لا يستوعبه عقله، ولا يستوعبه وعيه، يعيش فيه وهو حذر خائف، وحينما يفتح فيه عيناه لا يرى سوى أبواه، فهما الملاذ الآمن، والحصن الحصين، بالنسبة له (ومن هذا المنطلق أخترع، فيما بعد، وجود آلهة ليتشبث بها كي تحميه من المجهول، ومن المخاطر المحدقة به) فتراه يلوذ بأبويه عند شعوره بوجود مخاطر تهدد حياته، معتقدًا إنهما من يحميه حتى من الزلازل والصواعق والبراكين، وغيرها من المخاطر الجسيمة الأخرى.
وعليه، نجد أن المولود حينما يخرج من رحم أمه، أول شيء يقوم به هو (الصراخ) فيصرخ كردة فعل، لأنه يلاحظ أنه داخل الى عالم غير العالم الذي كان يعيش فيه، طيلة تلك الفترة الماضية( فترة المكوث في رحم أمه) وهو كان يشعر بالأمان والاطمئنان في ذلك العالم، المترامي الاطراف(رحم الأم)، والآن مقبل الى عالم لا يعرفه، ولا يدرك أبعاده، ولا يعي حدوده، عالم غريب. وأول ما يلاقي جسمه نسمة الهواء التي لفحت ذلك الجسم الغض، فيشعر كأنه يتلقى وخزات أبر، فيزيد أكثر بالصراخ حتى يدثروه بدثار دافئ الى أن يشعر بالأمان، فيكف عن الصراخ.
البير كامو في روايته (الغريب) هذا ما أراد قوله في هذه الرواية من خلال الاحداث التي يسردها. وقد أطلق عليها هذه التسمية "الغريب" على اعتبار إن الانسان غريب في هذا العالم الكبير، حيث الإنسان لازال يسئل: من أين أتيت؟، ولماذا أتيت؟، والى أين أنا صائر بعد الموت؟، هل ثمة حياة أخرى بعد الموت؟، أم فقط هي هذه الحياة نعيش فيها ثم نصير الى العدم. هذه الاسئلة، وغيرها الكثير، ظلت تراود الإنسان منذ آلاف السنين، الى يومنا هذا، فالدين أجاب على هذه الاسئلة، إلّا إنّ العلم يرفض هذه الاجوبة ولا يقر بها.
كامو يرفض وجود حياة بعد الموت، وفوق هذا وذاك يرى إنّ الحياة بصورة عامة عبارة عن عبث لا طائل منها، حتى إنّ شوبنهور يحبذ الإنتحار عن هذه الحياة، لأنها برأيه لا قيمة لها مقابل هذه الآلام والاحزان والمعاناة، التي يلاقيها الانسان؛ على إنّ بعض البشر مخدوع بالمأكل والمشرب والملبس والنكاح، وغير ذلك وهي أشياء توصف باللذائذ، وشوبنهور لم يعتبرها لذائذ بقدر ما يعتبرها دفع آلام، لأن فقدها يسبب آلام مبرحة، والحصول عليها يرفع من تلك الآلام، لذلك تجد بعض الناس مستعد أن يقتل ويجرم في سبيل الحصول على تلك الاشياء المادية. وبطل "الغريب" قتل بلا مبرر وحصل على حكم الاعدام، القتل عبثا، بإعتبار الحياة عبثية كما صورها كامو.
والإنسان الذي يمثله مارسو في رواية "الغريب" شخص غريب عن بلده تموت والدته ويعيش حياةً بلا جدوى ولا هدف، ويتصف باللامبالاة إلى أبعد حدودها، فهو لا يرفض شيئًا ولا يريدُ شيئًا، والموت والحياة عنده سيان، ومستعد أن يقتل بدون أي سبب، لأنه يرى الحياة والوجود هي العبث بعينه، لا ثمة هدف نروم الوصول اليه.
مارسو يستحق الرثاء، لا الإعدام، لأنه لم يفهم طبيعة الحياة، لكن القانون الوضعي لا يسمح له بارتكاب مثل كذا أفعال، ويعدها جرائم مُنكرة، فهو مسكين والمقتول أيضّا مسكين. إذن الضحيتين يرثى لحالهما، وتقع اللائمة الاكبر على الطبيعة التي قذفت بهما الى أتون الحياة من دون أخذ رأيهما. فربما مارسو أساء التعبير كما فعل بقتل إنسان بريء، فقد عبر عن رفضه للحياة، لا يدري إن عقوبته ستكون قاسية. وإذا شخص قتل شخصا آخر يسمى مجرما، فما بال الذي يقتل آلاف وربما ملايين كما حصل اثناء الحروب التاريخية، ومنها الحربين العالميتين الأولى والثانية، أليست هذه هي العبثية بعينها؟. البير كامو يبدو إنه كان متأثرًا بشوبنهور عندما أعلن شوبنهور ميله لعملية الانتحار، وأيد من يقدم على الانتحار، معتبرًا بأن الانتحار نوع من الشجاعة، لأن الانسان في نظره اذا اتعبته الحياة وساءت حاله بضنكها، ووجد إن الانتحار هو الوسيلة الوحيدة التي يلتجأ اليها، للخلاص وللتعبير عن الرفض. فمارسو الذي قتل ذلك الشخص البريء، فأن عملية قتله هي إنتحار، لكن هذه المرة يصحب شخصًا معه للذهاب الى الموت، للنجاة من هذه الحياة.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أناشيد الليل
- بوح!
- عطرك يليق بسمعة بساتيني
- الى عمر الخيام
- محطات مؤجلة
- حفلة شبه تنكرية
- احتساء الشعر و رمزية الجمال في (احتسي الشعر) لوليد حسين
- الصين وامريكا مَن سيهزم مَن؟
- قراءة اولية في فكر الدكتور خزعل الماجدي1/ 6
- السعادة بين ابن خلدون و دوستويفسكي
- قراءة اولية في فكر الدكتور خزعل الماجدي/ المقدمة
- قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 4/ 4
- قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 3/ 4
- قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 2/ 4
- قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 1/ 4
- الاخلاق عند دوستويفسكي3/ 3
- ما هي الرسالة التي أراد ايصالها دوستويفسكي في (المقامر)
- الاخلاق عند دوستويفسكي2/ 3
- تجربتي مع كورونا- مقال ذاتي لا يخلو من فلسفة1 /2
- تجربتي مع كورونا- مقال ذاتي لا يخلو من فلسفة2 /2


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - اللاجدوى وعبثية الحياة: الغور في فراغ أجوف