أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مصطفى العبد الله الكفري - الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي تحدث في العروض التجارية وأسماء السلع في النصف الثاني من القرن الثاني عشر















المزيد.....


الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي تحدث في العروض التجارية وأسماء السلع في النصف الثاني من القرن الثاني عشر


مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق


الحوار المتمدن-العدد: 7202 - 2022 / 3 / 26 - 14:09
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من أوائل العلماء الذين تلكموا في العروض التجارية وأسماء السلع في النصف الثاني من القرن الثاني عشر
إنه لخطأ كبير وتجاهل خطر أن يبدأ البحث في الفكر الاقتصادي وتطور المذاهب الاقتصادية من تصورات أفلاطون وأرسطو والمفكرين الأوروبيين في روما القديمة واليونان القديم، وتحدث القفزة إلى القرن الثامن عشر مباشرة، متجاهلين الجهود العلمية والأخلاقية والظواهر في القرون الوسطى، بدعوى أن القرون الوسطى، هي عصور الجهل والظلام.
عمل علماء ومفكرو النهضة الأوروبية على إنكار أسلافهم المفكرين من علماء وفلاسفة العصر الوسيط، وأصروا على ارتباطهم بأسلافهم الأوروبيين (اليونان والرومان). حتى إنهم اعتبروا العلم محض ظاهرة أوروبية تبدأ في المجتمع اليوناني والروماني وتنتهي في المجتمعات الأوروبية الغربية ذات الحضارة التكنولوجية المعاصرة.
(غير أن التفاتنا اليوم إلى أهمية التدقيق في تاريخ العلوم من جهة. والتفاتنا إلى البحث عن نشوئها وترعرعها في مختلف المجتمعات والحضارات الإنسانية، واعتبارنا العصر الوسيط عصراً ذهبياً بالنسبة لتكوين الروح العلمية وتطويرها في أحضان إحدى الحضارات العالمية الكبرى هي الحضارة الإسلامية، من جهة أخرى، كل هذا يجعلنا نراجع تلك المواقف المزدرية لإنتاج العصر الوسيط).
فليس من المعقول أن نجد في أيامنا هذه، مؤلفات حول المذاهب الاقتصادية أو عن تاريخ الفكر الاقتصادي تتجاهل ما أنبتته الأخلاق والتعاليم الإسلامية والمسيحية من نظريات حول التعامل الاقتصادي، والظواهر والمشكلات الاقتصادية.
يصف جورج سارتون، العرب المسلمين في زمن ازدهار الدولة الإسلامية خلال الفترة من منتصف القرن الثامن الميلادي وحتى نهاية القرن الحادي عشر، قائلاً: (هم عباقرة الشرق في القرون الوسطى)، لقد قدموا للحضارة الإنسانية مأثرة عظمى، في كتابة أعظم المؤلفات والدراسات قيمة وأصالة وعمقاً باللغة العربية، التي كانت لغة العلم للجنس البشري آنذاك. (فما من شخص يريد الإلمام بثقافة ذلك العصر، كان قادراً على ذلك دون أن تكون له معرفة باللغة العربية).
ليس هذا فحسب، بل أشاد العرب دولاً لهم في أطراف الجزيرة العربية على شواطئ بحر العرب، وفي بلاد الرافدين وبلاد الشام وفي شمال أفريقيا، ثم وصلت إلى الأندلس وحتى حدود فرنسا في أوروبا. وأقاموا هناك حضارات ما تزال موضوعاً هاماً في كتب التاريخ والكتب المعاصرة. لقد حمل العرب المسلمون (رسالة ذات طابع إنساني، يبلغونها للعالم أجمع. فاقترن قيام أول دولة قومية لهم برسالة إنسانية عبرت عن خصائص العروبة، كمفهوم متجدد في اتجاه التقدم من أجل الإنسانية).
الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي:
عاش أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي. وهو من أبرز من عالج القضايا الاقتصادية بين المفكرين المسلمين والعرب الذين عاصروه، وعني بالشأن الاقتصادي كشأن مستقل قائم بذاته. (وفضلاً عن ذلك فأبو الفضل جعفر الدمشقي هو بحق، من أوائل العلماء الذين تلكموا في العروض التجارية وأسماء السلع فكان كلامه مرجعاً لغيره من المؤلفين والشراح وسبق ابن خلدون في تناوله لعلم الاقتصاد، وتفرد في معالجته لشؤون التجارة على نحو جعل كتابه هذا يوصف بأنه " الدراسة الوحيدة في أصول مهنة التجارة "
كان الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي تاجراً حكيماً، يعيش في طرابلس الشام. وكان تفكيره الاقتصادي والتجاري مندمجاً بنزعته الدينية لعالم مسلم، واسع الاطلاع، وهذا واضح من كثرة عودته إلى القرآن الكريم والأحاديث النبوية، واستشهاده بمأثورات القول عن الإمام علي كرم الله وجهه وعن كثير من العلماء والحكماء والفلاسفة والمصلحين، وحضه على التزام الأخلاق الكريمة والقناعة والسماحة والاستقامة في مزاولة التجارة، ونصحه بالاعتدال في الإنفاق وتجنب المعصية، وذلك كله أمر يتضح بجلاء في كتابه (الإشارة إلى محاسن التجارة).
لم نقع من كتب التراجم أو الطبقات على تعيين يقين لتاريخ مولد أو وفاة الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي، لكن دائرة المعارف الإسلامية، ترى أن أبا الفضل قد عاش في القرنين الخامس والسادس الهجريين، الموافقين للقرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين.
كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة:
ورد في نسخة مخطوطة كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة، لشيخنا أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي التي وجدت في المكتبة الخديوية في مصر ما نصه: " تم كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة بفضل الله وحمده. وصلى الله على محمد نبيه، وكان الفراغ منه عند صلاة الظهر من نهار يوم الاثنين السادس من شهر رمضان سنة سبعين وخمسمائة غفر الله لكاتبها ومالكها أمين يا رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ".
في مجال مدح الغنى المكتسب والموروث. ونسبية قيمة الأموال. جميع الأموال نافعة لأهلها (إذا دبرت كما يجب وبعضها أفضل من بعض وتختلف باختلاف أحوال الزمان وبحكم ما هي عليه من صفاتها المكروهة أو المحبوبة وأحوالها المحمودة أو المذمومة).
حاجة الإنسان إلى المال الصامت:
يصنف الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي حاجات الإنسان إلى المال الصامت في مجموعتين:
• حاجات ضرورية طبيعية (الغذاء والكساء أو المأوى).
• حاجات عرضية وضعية (الحاجة إلى السلاح في مواجهة العدو أو الحاجة إلى الدواء وقت السقم).
كما تحدث عن ضرورة الاجتماع ليعين الناس بعضهم بعضاً، لان الإنسان عاجز عن أن يحيط بالصناعات كلها من أولها إلى آخرها.
ثم ناقش أهمية النقود وضرورتها، وتطرق إلى بيان كيفية اختبار الذهب والفضة كيميائياً وتحديد الصحيح منه والمزيف أو المغشوش. كما تحدث عن طرائق حفظ وصيانة الأغراض من أمتعة وبضائع وجواهر وغيرها. وتكلم عن نظرية الثمن والقيمة، والسوق وآلية العرض والطلب. كما تحدث عن العقار وكيفية الاحتياط في شراء الأملاك. وحدد الدمشقي في كتابه أيضاً الطبقات المحمودة في أصناف كثيرة من الحيوان قم ناقش أسباب الحصول على الأموال فقال: (إن أسباب الملكية هي القصد والمصادفة، وتفرع في ذلك إلى بيان اكتساب المغالبة والاحتيال، وعنده أن ضروب الاحتيال في طلب الاكتساب هي: التجارة والصناعة وما يركب منها، وقد تكلم عن الصنائع العلمية والعملية). (ص 63)
بيان حقيقة المال:
يذكر أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي في بداية كتابة الإشارة إلى محاسن التجارة: (هذا كتاب اختصرناه في محاسن التجارة ومعرفة قيمة جيد الأعراض ورديها وغشوش المدلسين فيها وجعلناه فصولاً.) الفصل الأول: في بيان حقيقة المال. والمال في اللغة هو القليل والكثير من المقتنيات وينقسم إلى أربعة أقسام:
1 - الصامت: وهو العين، ما ضرب من الدنانير، أو الورق وهو المال من الدراهم. وبذلك فالمال الصامت هو الدنانير الذهبية والدراهم وسائر المصوغ منها.
2 - العرض: ويشتمل على الأمتعة والبضائع والجواهر والمعادن وسائر الأشياء المصنوعة منها.
3 - العقار: وهو صنفان أحدهما المسقف وهو الدار والحانوت والحمامات والمعاصر والفواخير والأفران … الخ، والآخر المزدرع ويشمل البساتين والكروم والمراعي والغياض وما يحويه من العيون والحقوق في مياه الأنهار.
4 - الحيوان: وتسمية العرب المال الناطق وهو ثلاثة أصناف:
• الرقيق وهو العبيد والإماء.
• الكراع وهو الخيل والإبل المستعملة.
• الماشية وهي الغنم والبقر والماعز والإبل السائمة المهملة.
في مجال مدح الغنى المكتسب والموروث. ونسبية قيمة الأموال. جميع الأموال نافعة لأهلها (إذا دبرت كما يجب وبعضها أفضل من بعض وتختلف باختلاف أحوال الزمان وبحكم ما هي عليه من صفاتها المكروهة أو المحبوبة وأحوالها المحمودة أو المذمومة). (ص19)
المبادلة وحاجة الناس للنقود:
وفي مجال المبادلة تحدث عن وحدة الثمن (النقود) ضرورة واقعية، حيث احتاج الناس (إلى شيء يثمن به جميع الأشياء ويعرف به قيمة بعضها من بعض فمتى احتاج الإنسان إلى شيء مما يباع أو يستعمل دفع قيمة ذلك الشيء من ذلك الجوهر الذي جعل ثمناً لسائر الأشياء).
ووقع إجماع الناس على تفضيل الذهب والفضة كوحدة ثمن لسرعة المواتاة في السبك والطرق والجمع والتفرقة والتشكيل بأي شكل أريد، مع حسن الرونق وعدم الروائح والطعوم الرديئة، وثبات السمات التي تحفظهما من الغش والتدليس، فطبعوهما وثمنوا بهاما الأشياء كلها. فلذلك لزمت الحاجة في المعاش إلى المال الصامت. (ص 23)
وخصص المؤلف فصلاً فيما يمتحن به المال الصامت فيعلم جيدة من رديئة، حيث قدم نظرات في علم الكيمياء، ووسائل اختبار غش الذهب، ووسائل اختبار غش الفضة.
كما خصص فصلاً في الأعراض (الأمتعة والبضائع والجواهر والمعادن): والأعراض تحتاج إلى الصيانة والاحتياط والتفقد، ويعني الاحتياط العلم بقيمتها المتوسطة وبجيدها ورديئها، واللجوء إلى معرفة الخبيرين بها. ولابد من صيانة الأعراض قبل أن يسرع إليها الفساد والتغير، وحفظها من الخونة والسراق والقطاع.
وناقش الدمشقي موضوعاً هاماً حول المعرفة بالقيمة المتوسطة لسائر الأعراض، فأوضح نسبية القيمة والثمن، حيث يكون المتوسط والمعتدل من الأسعار في أحد المكانين غير المتوسط والمعتدل من أسعارها في المكان الآخر. ثم حدد كيف يمكننا معرفة متوسط القيمة عن طريق سؤال الثقاة الخبيرين (…. وتقيس بعض ذلك ببعض مضافاً إلى نسبة الأحوال التي هم عليها من خوف أو أمن، ومن توفر وكثرة أو اختلال). ص 29 ونادى باستطلاع حالة الأسعار وسوق العرض والطلب، وتحديد غالي الرخيص ورخيص الغالي.
وبين كذلك جيد الأعراض ورديئها وبخاصة مما يكثر بيعه وشراؤه والمتاجرة فيه كالجواهر المثمنة، والدر (اللؤلؤ) والياقوت، والزمرد والفيروزج، والمرجان، والعقيق، واللازورد.
وتابع الحديث في الفصل الذي يليه عن الطيب وأوله المسك، والعنبر، والكافور، والعود، والقرنفل، والصندل والزعفران وكذلك عن السقط الكبير كالنيل (من مواد الصياغة) والبقم (خشب أحمر اللون) والفلفل واللبان والمصطكى (شجرة تستخدم ثمارها في علاج بعض الأمراض) والدارصيني (القرفا) والآل، والزنجبيل، ولزرلباد، والخولنجان، والقسط، واللاذن، والاهليلجان، والكاعد، والكتان، والقطن، والابريسم، والديباج، والخز، والديبقي (نوع من النسيج) والاوداري، واللبود، والبسط والطنافس، كما تحدث عن المعادن كالحديد، والنحاس، والرصاص، والزئبق، وتحدث عن الأقوات كالحنطة، والدقيق، والزيت، والخل، والصابون، والسكر الأبيض والأحمر، والفواكه اليابسة، واللحم والشحم، والحطب والفحم والتبن .
وخصص الدمشقي فصلاً في العقار. وهو من أفضل الأموال مع العدل الشامل، والأمن الكامل، لأنه يجر مالاً بصناعة وبغير صناعة. أما العقار المزدرع (فهو الأملاك الظاهرة. وأفضلها: ما قرب من البلاد الجامعة، وكان جيد التربة، كثير الماء، قليل الخراج، مجاوراً لأهل السلامة). (ص 53)
كما تحدث الدمشقي عن العقار المسقف (المسقفات التي في بواطن الأرض أفضلها ما توسط البلد وقرب من الماء والسوق ومنها الحمامات والفنادق والارحيه، والدور والحوانيت. وأوضح كيفية الاحتياط في شراء الأملاك العقارية.
وفي حديثه عن الحيوان أوضح الدمشقي الصفات المحمودة في الخيل والبغال والحمير والإبل. كما حدد ما ينبغي اقتنائه من الماشية وهي البقر والجواميس والغنم والماعز والإبل السائمة.
أسباب الملكية والحصول على الأموال:
ناقش الدمشقي أسباب الملكية والحصول على الأموال، فأوضح أن أسباب الملكية هي إما القصد أو المصادفة. فأما ما كان من طريق المصادفة والعرض فهو كمثل المواريث عن الآباء والأهل والأقارب والخبايا التي لم يبق لها أحد وتسمى الركاز، وكذلك كل ما يأتي من الفوائد باتفاق. أما ما كان بطريق القصد والطلب فهو ينقسم إلى قسمين الأول اكتساب المغالبة وينقسم إلى جهتين سلطانية كالجبايات والمكوس والخراج والرسوم والأعشار وما شاكل ذلك، والثاني خارجية منها المعلن كقطع الطريق والمستتر كالسرقة. والثاني اكتساب بنوع من الاحتيال وينقسم إلى ثلاثة أقسام وهي إما تجارة أو صناعة أو مركب منهما. كما أن هناك اكتساب بالأمر المركب في المغالبة والاحتيال معاً. وهي تجارة السلطان أو معاملات ذوي الجاه العريض. (ص 59 – 60)
تفاضل الصنائع والعلوم:
أفرد الدمشقي فصلاً في الصنائع فأوضح تفاضل الصنائع والعلوم. فالعلم بالصنائع والعلوم على الإطلاق حسن لكن بعضها أفضل من بعض. والطبيب أفضل من النجار من حيث المادة التي يتعامل بها كل منهما أو من حيث الغاية التي يهدف بالوصول إليها.
وقد فرق بين السيف والقلم من جهة وبين الصنائع العملية. والرياسة التي تنال بها الحال الدنيوية مقسومة بين: السيف والقلم.
• رياسة السيف: وهم الملوك الأمراء، الحجاب، قواد العسكر، شيوخ العشائر، رؤساء القبائل.
• رياسة القلم: وهم الوزراء، الكتاب، القضاة،، الخطباء.
أما الصناعة العملية فهي تعني (صناعة في الكف أمان من الفقر وأمان من الغنى). كما ناقش المهن الضارة والأعمال الشاقة، مثل المعاناة بالتعامل بالأشياء المنتنة والسمك والغبار ودق الكتان وحمل الأثقال وما شاكل ذلك. (ص 64)

التجارة وحفظ المال:
قدم لنا الدمشقي وصايا نافعة لسائر التجار وحدد أهم صفات التاجر الناجح نذكر منها:
1. معرفة الغشوش.
2. الحذر في تصديق السماسرة.
3. الاحتراس في تصديق أحاديث التجار.
4. الاستعانة بالثقاة والأعوان.
5. الشراء من زاهد والبيع إلى راغب.
6. الاعتدال في طلب الفائدة والربح.
7. لزوم ما تحققت فيه البركة.
8. المسامحة في البيع.
واعتبر أبو الفضل الدمشقي أن التجارة أفضل المعايش حيث قال: التجارة إذا ميزت من جميع المعايش كلها وجدتها أفضل وأسعد للناس في الدنيا والتاجر موسع عليه وله مروءة، ومن نبل التاجر أن يكون في ملكه ألوف كثيرة ولا يضره أن يكون ثوبه مقارباً (غير جيد). (ص 69)
وقد ورد في الحديث الشريف (ما أملق تاجر صدوق) (… إلا أن التجارة مع ما ذكرته من فضلها مبنية على الشدة والمصارفة والنظر في الحقير والمضايقة في الطفيف، ومتى لم يكن التاجر عندهم هكذا كان معيباً). (ص 70) وقد صنف المؤلف التجار وفقاً لما يلي:
التاجر الخزان: وهو الذي يشتري الأشياء بأسعار منخفضة والتربص بها لحين ارتفاع سعرها فعليه:
• المبادرة بالبيع عند التنبؤ بانخفاض من الأسعار،
• تجزئة الشراء،
• أخذ البضاعة في حال كسادها ورخصها،
• أن يتأمل أحوال السلطان أكان عادلاً أم جائراً.
التاجر الركاض: وعليه التبصرة والاحتياط، ويستحب له اصطحاب رقعة بأسعار جميع البضائع التي يتعامل بها.
التاجر المجهز: كالوكيل المجهز.
وطالب أيضاً بالتحرز من خطر المطمعين والمزيفين، وكذلك التحرز من المبرطحين (وهم من شر الخونة) والمحتالين خوفاً من النصب والاحتيال. وطالب أيضا بالتحرز من أهل الربا (الذين يصيدون الدنيا بالدين). وأوضح أن حفظ المال يحتاج إلى خمسة أشياء:
1. ألا ينفق الإنسان أكثر مما يكسب.
2. ألا يكون ما ينفق مساوياً لما يكسب.
3. أن يحذر الرجل من أن يمد يده إلى ما يعجز عنه وعن القيام به.
4. ألا يشغل الرجل ماله بالشيء الذي يبطئ خروجه عنه.
5. أن يكون الرجل سريعاً إلى بيع تجارته بطيئاً عن بيع عقار وإن قل ربحه بالتجارة وكثر في بيع العقار.
أما إنفاق المال فينبغي أن يحذر فيه خمس خصال:
اللؤم: الإمساك عن أبواب الجميل.
التقصير: التضييق في مصالح العيال.
الإسراف: الانهماك في اللذات واتباع الشهوات
البذخ: أن يتعدى الرجل ما يتخذه أهل طبقته.
سوء التدبير: ألا يوزع نفقته في جميع حوائجه على التقسيط والاستواء.
كما تحدث الدمشقي عن تنظيم الإنفاق العائلي والاحتياط في الشراء والإنفاق، وحث على الأخلاق المحمودة والقناعة. وأوصى بطلب العلم (حيث أوصى بعض الحكماء ولده فقال: يا بني عليك بطلب العلم وجمع المال فإن الناس طائفتان خاصة خالصة وعامة رعاع. فالخاصة تكرمك للعلم والعامة تكرمك للمال. واعلم أنه قل شيء لم يزدد إلا نقص والنقصان يلحق الكثير كما تلحق الزيادة القليل). (ص 85)
وأكد على إنفاق المال في أبوابه، والمال تخربه المعصية. وقال أحدهم (لو أن لي ألف دينار ولي بعير أجرب لقمت عليه قيام من لا يملك شيئاً غيره. ولو أن عندي عشرة دراهم لا أملك غيرها ولزمني حق لوضعتها فيه). (ص 90) وأضاف أن تثمير المال آلة المكارم وأكد على حسن تدبير المال، وناقش موضوع تنظيم المالية العامة. وحدد أن أكبر آفات المال شيئان هما:
الأول - أن حق المال الأنفاق وأن مالكه إن لم يصرفه فيما تتطلع نفسه إليه من شهواته في حياته وإلا حظي غيره بما بقي منه بعد وفاته.
الثاني - ما يرجوه من سرعة الخلف في إنفاقه.
الخاتمة:
ورد في دائرة المعارف الإسلامية حول كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة: أن الدمشقي كتب فيه: عن التاجر وعن بضاعته، وميز بين أصناف التجار فذكر الخزان أي تاجر الجملة والركاض أي التاجر المتجول أو المستورد والتاجر المجهز أي المصدر، كما تحدث عن الوكالات التجارية. حيث يجب على المجهز (المصدر) " أن ينصب له في الموضع الذي يجهز إليه وكيلاً مأموناً يفيض البضائع التي يصدرها إليه ثم لا ينفذ بضاعة إلا مع الأصحاب الثقاة الذين يدعونها ويتولى هذا الفايض بيعها وشراء الاعواض عنها وله حصة في الربح" كما ناقش مسائل الاقتصاد النظرية كتحديد الأسعار في السوق ومتوسط السعر والقيمة والنقود وغير ذلك.
وبذلك فإن تاريخ إنجاز كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة في عام 570 هجري يوافق عام 1175 ميلادي. الأمر الذي يؤكد ما ورد في دائرة المعارف الإسلامية من أن أبا الفضل قد عاش في القرنين الخامس والسادس الهجريين. وأهم ما في هذا الكتاب أن شيخنا الدمشقي كان يستشهد في كل ما كتب بآيات من القرآن الكريم وأحاديث من السنة النبوية، والأقوال المأثورة عن الحكماء والفلاسفة والأدباء. وهذا يشهد للمؤلف بالعلم والفضل معاً.
إننا عندما تتعرض لدراسة الفكر الاقتصادي الإسلامي، إنما نهدف إلى تحليل وتدقيق المفاهيم الأساسية التي يدور حولها هذا الفكر، فنحصل من هذا التحليل على عرض للفكر وتحديده كما هو بالحقيقة، وليس كما يحلو لبعضهم أن يراه. لقد وردت بعض المفاهيم غامضة إلى درجة ما، فنجدها أحياناً مزيجاً من العواطف والأخلاق والتفكير العلمي. مع إمكانية الاستفادة من هذه المفاهيم وتطبيقها على وضعيات اجتماعية معاصرة؟
كلية الاقتصاد – جامعة دمشق



#مصطفى_العبد_الله_الكفري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل الوطن العربي السياسي والاقتصادي
- كتاب الأزمة المالية العالمية والتحديات الاقتصادية الراهنة في ...
- البحث العلمي كعملية إبداعية
- احتياطيات دول العالم من العملات الأجنبية
- وثائق بنما.. الملاذات الضريبية، أضخم التسريبات للبيانات والم ...
- قراءة في كتاب الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية ، للفيلسو ...
- الاقتصادات العربية في عصر المربكات الكبرى
- المفكر العلامة ابن خلدون (732 - 808 ه) (1332 – 1406 م) يسهم ...
- حوادث دمشق اليومية خلال 21 سنة من القرن الثامن عشر للحلاق ال ...
- التكامل الاقتصادي العربي في ظل التحولات الاقتصادية الراهنة
- الترجمة فعل ثقافيّ لغويّ حضاريّ يربط بين الحضارات والشعوب
- الأسهم في سوق الأوراق المالية
- أبو نصر الفارابي من العلماء الألمعيين الذي يعدون فخراً للإنس ...
- كيف تعمل منصات النفط الكبيرة للحفاظ على النظام لتحقيق الأربا ...
- الأزمات المالية في الاقتصاد الأميركي تاريخ الأزمات يعيد نفسه
- الحصاد الاقتصادي في سورية خلال العقد الأول من القرن الواحد و ...
- الأزمة المالية والاقتصادية العالمية أزمة ثقة نخرت نظام الائت ...
- هل فشل النظام الاقتصادي العالمي؟ أم ما زال يعمل بكفاءة؟
- الأمن الغذائي العربي
- (إلى أين يذهب العرب؟) كتاب يمثل رؤية ثلاثين مفكّراً عربيّاً ...


المزيد.....




- في وضح النهار.. فتيات في نيويورك يشاركن قصصًا عن تعرضهن للضر ...
- برج مائل آخر في إيطاليا.. شاهد كيف سيتم إنقاذه
- شاهد ما حدث لمراهق مسلح قاد الشرطة في مطاردة خطيرة بحي سكني ...
- -نأكل مما رفضت الحيوانات أكله-.. شاهد المعاناة التي يعيشها ف ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- صفحات ومواقع إعلامية تنشر صورا وفيديوهات للغارات الإسرائيلية ...
- احتجاجات يومية دون توقف في الأردن منذ بدء الحرب في غزة
- سوريا تتهم إسرائيل بشن غارات على حلب أسفرت عن سقوط عشرات الق ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- الجيش السوري يعلن التصدي لهجوم متزامن من اسرائيل و-النصرة-


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مصطفى العبد الله الكفري - الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي تحدث في العروض التجارية وأسماء السلع في النصف الثاني من القرن الثاني عشر