أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ملهم جديد - درس في الهواء الطلق















المزيد.....

درس في الهواء الطلق


ملهم جديد

الحوار المتمدن-العدد: 7201 - 2022 / 3 / 25 - 11:23
المحور: الادب والفن
    


درس في الهواء الطلق .

لم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من العمر عندما سأل أمه " كيف إجيت أنا ع الدني !" أكملت الأم تجويف حبة الكوسا التي كانت في يدها و قالت " روح اسأل أبوك " . دقت ساعة الحائط المغبرة في صالون المنزل و هي تشير إلى الواحدة بعد الظهر ، بينما كان والده ما برح يحاول منذ الصباح الباكر إصلاح قفل الباب الخارجي . و لم يكن هناك مخاطرة أكبر من مخاطرة الإقتراب منه و سؤاله في حال كان مشغولا بإصلاح شيء ما كان قد فشل في إصلاحه في أربع محاولات سابقة على مدى الجمع الأربع السابقة . كان الأب يرتدي قميصا داخليا أبيض اللون و بنطول بيجاما مخطط لم يكن من الصعب تبين أنه من النوع الرخيص الموسوم ب"نخب ثاني" حيث كانت الخطوط معوجة قليلة و باهته اللون مع أنه كانت هذه هي المرة الثانية التي يردتيه فيها . و بينما كان يحرك مفك البراغي داخل القفل ، سيلاحظ الطفل متأخرا غضب الوالد الذي كان الكلب السلوقي المرقّط الحكيم قد لاحظه مبكرا ، فابتعد و تمدّد في ظل شجرة التوت مفضلا المراقبة من بعيد في قيظ تلك الظهيرة البعيدة من شهر آب . اقترب الطفل من والده فلم يلحظه حتى سمع صوته يقول " كيف إجيت أنا ع الدني " نظر الأب إلى إبنه بعد أن مسح العرق عن جبينه المتغض بساعده المشعر ، ثم قال بما يشبه الصراخ " و لك حيوان ، كم مرة قلتك بحياتك ما تسألني لما بكون مشغول ، روح اسأل أمك " ثم عاد إلى النظر إلى القفل و تقليبه بين يديه . استدار الطفل و بدأ بالإبتعاد ، من دون أن يفته خلال ابتعاده النظر إلى الكلب السلوقي الحنون الذي كان ينظر إليه أيضا ، بينما لسانه خارج فمه و بين الفينة و الأخرى يهز رأسه علامة التعاطف و اللوم في نفس الوقت ، فردّ الطفل بهزّ رأسه موافقا على ما حَدَس أن الكلب كان يحاول قوله . لقد حدس أن الكلب يعاتبه و يقول له " صحيح أنك مازلت صغيرا ، لكنك كبرت بما يكفي لتتصرف بقدر أقل من الحماقة عندما يكون والدك مشغولا " . ابتسم الطفل بمرارة و أشار له برأسه ، فنهض الكلب و تبعه . نزل الطفل إلى الحاكورة المنخفضة عدة أمتار تحت المنزل ، و جلس تحت شجرة الزيتون ، فتمدد الكلب إلى جانبه ، و كان مازال يحاول كتم البكاء الذي استبد بي قبل أن يلتفت إليه و يسأله ، بعد أن وضع يده على رقبته و بدأ بتمسيدها ،" كيف إجيت أنا ع الدني "، ثم قبّله على رأسه . نهض الكلب فجأة و ذهب باتجاة السياج الذي يفصل أرضهم عن أرض الجيران و أصدر نباحا خافتا و مبحوحا لن يتذكر منه الطفل عندما يكبر سوى أنه كان شديد الدفئ و حميميا . فجأة ظهرت كلبة الجيران و قفزت لاهثة فوق السياج ، و لم يكد ينهض و يقترب منهما ، حتى كان كلبه قد أصبح فوقها . كانت الكلبة الفتية ذات الوبر الأبيض تلمع تحت أشعة الشمس الشقراء و تئن بمتعة من اكتشفت اللذة للتو ، بينما لم يكف الكلب عن التطلع إلى الطفل حتى ابتسم له و هز برأسه علامة الفهم ، و كان في طريق عودته إلى تحت شجرة الزيتون سعيدا بمعرفته كيف جاء إلى الدنيا ، عندما انتبه إلى أن كلبه و كلبة الجيران لا يستطيعان الفكاك عن بعضهما البعض ، بدت الكلبة سعيدة ، بينما بدا التوتر على كلبه. و قد حاول سحبه من فوقها فلم يستطع ، فبدأ الكلب ينبح بقلق ، و مع الوقت أخذ صوت نباحه يزداد ارتفاعا ، بينما تابعت الكلبة التي كانت قد توقفت عن الأنين استسلامها للذة بصمت ، خرج جارهم ذو الشاربين الكثين الذي بدا أن النباح كان قد قطع عليه قيلولة بعد الظهيرة ، ثم تبعته زوجته السمينة ذات الثديين الكبيرين ، و واحدا بعد الآخر ، بدأ أولاده و بناته بالظهور و التجمع حول الكلبين، و ما هي إلا دقائق حتى كان والده المتعرق قد بدأ بالنزول على الدرج الباطوني المائل و الآيل للسقوط ، بينما القفل مازال في يده اليسرى ، و يده اليمنى ما زالت مشدودة على المفك، ثم تبعته أمه بمريولها الأزرق الطويل و هي تمسح ما علق على يديها من بقايا حشوة الكوسا التي كانت قد انتهت للتو من خلطها و كانت على أهبة البدء بالحشو . و رويدا رويدا بدأ جيران آخرون بالقدوم يتبعهم بعض الصغار . انتابه الرعب ، و استغل صغر حجمه من أجل اختراق المتجمعين لينظر في عين كلبه راجيا منه أن يحتفظ بالسر الذي بينهما ، فما أن نجح و أصبح رأسه قريبا من رأس الكلب حتى نظر في عينيه متوسلا من دون كلام ، فهز الكلب رأسه عدة مرات ، ابتسم الطفل لوعد الكلب بالإحتفاظ بالسر في قرية لا يمكن الوثوق فيها بأحد سوى الكلاب و البصّارات .صرخ جارهم بأولاده آمرا إياهم بالإبتعاد ، فلحقه والد الطفل و صرخ به كي يبتعد أيضا ، و كذلك فعل الآخرون ليبعدوا أولادهم ، فابتعد الأولاد و تجمعوا تحت شجرة الزيتون ، و بينما كان الأهالي و الجيران منشغلين بتخليص الكلبين من بعضهما البعض ، طلبت منهم بنت جارهم "حسنة" التي تبلغ الخامسة عشر ،و كانت أكبرهم جميعا، أن يقتربوا منها ، ثم بما يشبه الهمس قالت لهم" بتعرفو شو اسمو يللي عم يصير بين الكلب و الكلبة !" بدا الفضول على وجوه الأطفال، بينما كانت تبتسم بخبث ، ثم بدأت بتقريبهم أكثر حولها ، و ربما لأنه كان أصغرهم ، أو هكذا اعتقد في البداية ، فقد شدّته و ألصقته ببطنها بينما كان رأسه المحلوق على آخره تفاديا للقمل الذي بدأ بالإنتشار مع التحضيرات للذكرى السنوية الأولى " للثورة " ، يحف بحلمة نهدها الأيسر الصغير كحصاة و القاسي كحجر ، فامتلأت فتحتا أنفه الصغير برائحة الماعز الذي كانت تتناوب على رعيه مع أخواتها الصغار ، ثم قالت "بتوعدوني ما بتقولو لحدا !" فوعدوها و هم يتطلعون إلى الأعلى حيث برقت عيناها العسليتان الجميلتان ، و قالت " احلفوا بالإمام علي " فحلفوا . نظرت حواليها لتتأكد بأن الأهالي ما زالوا مشغولين بفك الكلبين عن بعضهما البعض ، ثم قالت بما يشبه الهمس المبحوح ، بينما صدرها ، الذي كان الطفل قد بدأ يشعر بسخونته ، يرتفع و يهبط" هي إسما نيا.. " و كان صوتها قد اختفى فلم يسمع أحد الحرفين الأخرين بينما كانت عيناها قد أغمضتا تماما و هي تتنهد بعمق لتعقبها الضحكات المكبوتة للأطفال .
عندما المغيب ، اقترح المختار الذي جاء متأخرا تسخين سطل ماء و دلقه بين قائمتي الكلبة الخلفتين، و سوف يتذكر أهالي القرية، و لزمن ليس بقصير ، اقتراحه هذا على أنه الإقتراح الحكيم و الوحيد في سجل تاريخه الأحمق الطويل .فقد نجح الأهالي بفك الكلبين . و أخذ جارهم كلبته و عاد و الده بكلبهم . لحق الأولاد أهاليهم تاركين مسافة أمان تفاديا لضربة كف أو رفسة غير مبررة سوى الغضب . كان الأهالي في ذلك "الزمن الجميل" يضربون الكلاب و الأطفال عندما يغضبون . أجّل و الده إصلاح القفل حتى يوم الجمعة القادم ، بينما كانت أمه قد فقدت الحماس لإكمال طبخة الكوسا و أجّلتها حتى اليوم الثاني .
من يومها و حتى زواجها بعد سنتين من مطلوب جنائي بتهمة الإخلال بالأمن العام و الإضرار بالإقتصاد الوطني بسب عمله في التهريب ، كان كلما التقى بجارته المراهقة " حسنة " على انفراد خلف الدار أو عند السياج ، كانت تغمزه و تشير إليه بأن يقترب ، ثم تسأله فيما إذا كان يرغب بالذهاب معها إلى الوادي، تحمّس للفكرة في البداية ، إلا أنه سرعان ما خاف عندما علم بأنها تريده ان يذهب معها وحده ، فكان يتحجج مرة بأن عليه مساعدة جدته ،التي ضعف بصرها ، بلم الحطب من أجل إشعال التنور ، و مرة أخرى بان عليه مرافقة أمه لزيارة مقام في قرية أخرى ، بينما كان يقضي ليال طوال في فراشه مستثارا من ذكرى رائحة الماعز التي كانت تفوح من جسد " حسنه " ، و في نفس الوقت الذي كان يتخيل فيه الذهاب معها و الإختلاء بها في الوادي ، كان يحضّر حجة أخرى من أجل عدم الذهاب . كانت فكرة وجوده وحيدا مع " حسنة " في الوادي تثير فيه الشبق و الخوف معا . و عندما أصبحت" حسنة" لجوجة و أكثر إلحاحا ، فقد سألها لأنه لم يعد لديه ما يقوله " و شو بدنا نعمل بالوادي ! " ضحكت "حسنة " محاولة كتم صوت ضحكتها ، بينما كان نهداها الصغيران يرتفعان و ينخفضان في فستانها الزهري المتسخ ، نظرت حواليها ، و كان الوقت وقت القيلولة ، و الجميع مستلقون على مصاطب بيوتهم نائمون أو على أهبة النوم ، ثم مسكته من وجهه بيديها الصغيرتين الخشنتين و قبلته على فمه ، فشعر بطعم الحليب التي كانت قد اعتادت على تناوله من ثدي بقرتهم الهولندية التي كانت مفخرة والدها الوحيدة و محل حسد أهل القرية ، ثم قالت " بدي علمك شغلة جديدة " احمر وجهه ، و بارتباك سألها بينما عيناه مثبتتان على الأرض" و بلكي علقنا ، ما بتخافي يصبوا بين إجرينا مي سخنة !" قهقهت " حسنة " و كادت أن تتشردق بالعلكة الكبيرة التي كانت تنقلّها بين فكيها و تلعب بها بلسانها ، فأخرجتها من فمها ، و أطبقت عليها كفها بعد أن مسحت لعابها بكم فستانها ، ثم قالت " بوعدك ما نعلق ، بس إذا حصل و علقنا ، بتوعدني ما تنبح و تفضحني متل ما كلبكن فضح كلبتنا " .



#ملهم_جديد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جلد نمر و عقل حمار
- آدم و حواء
- جدّي
- السكّير
- لا جدوى أيها الأعرابي!
- امرأة صامتة و رجل ثرثار
- الخواطر الأخيرة لرجل على الصليب
- الأجنحة المفقودة
- طبيعة صامتة
- الشاهد
- بين كلبين !
- القديس و الدب
- صورة الجد
- عند الحلاق
- الخائب
- الليلة الأخيرة في البيت الأبيض
- الحديث الأخير
- أقوى رجل في العالم
- الدهشة
- السيرة الموجزة لحياة المواطن (م ع ع)


المزيد.....




- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ملهم جديد - درس في الهواء الطلق