أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ملهم جديد - الشاهد















المزيد.....

الشاهد


ملهم جديد

الحوار المتمدن-العدد: 6933 - 2021 / 6 / 19 - 03:28
المحور: الادب والفن
    


"الشاهد"

" في القاعة الواسعة للمحكمة الموروثة عن المرحلة الإستعمارية ، لم يكن يُسمع سوى صوت المروحة الوحيدة التي تدور ببطء فوق صلعة القاضي الذي بدا عليه الملل و هو يقلِّب صفحات اضبارة على قوس المحكمة . بينما كان الميزان النحاسي المثبت على الحائط خلفه حائل اللون ، و مائلا قليلا كما تركه المستعمرون الذين غادروا البلاد منذ عشرين عاما . و على المقاعد المخصصة للحضور ، لم يكن هناك سوى عدة أشخاص ، بعضهم أتى لرؤية الطريقة التي تعمل بها العدالة ، و بعضهم لمجرد الفضول ، و منهم من دخل القاعة و جلس هربا من شمس الظهيرة . و غير بعيد عن قفص المحكمة الذي يقف فيه المتهم ، وقف شرطي يوزع نظراته بين القاضي و بين الحضور . فجأة ، دوت الطرقات الثلاث معلنة بدء الجلسة "

القاضي : بعد أن رفضت توكيل محام و قررت الدفاع عن نفسك ، ماذا تقول بشأن الشهادة الكاذبة التي أدليت بها أمام المحكمة !"

الشاهد : سيدي القاضي ، مع أن ذاكرتي قوية ، غير أني لا أتذكر الأشياء كما حدثت بالضبط ، لذلك ، و مع أني صادق ، فإني لا أروي الأشياء كما حدثت بالضبط ،و للأمر سيدي القاضي علاقة باختلاط الذاكرة بالمخيلة حيث يصعب علي أن أعرف أين تنتهي إحداهما و أين تبدأ الأخرى ، و إذا كان البعض يسميه كذبا فأنا أسميه سعة خيال . قد يكون مرضا ،لكنه ليس كذبا

القاضي : لكنك اسْتُدعِيت إلى المحكمة و أقسمت كي تقول الحقيقة و ليس لرواية حكاية !

الشاهد: صحيح سيدي القاضي ، و أنا لم أذكر ذلك كأساس لدفاعي من أجل رد التهمة ، ذكرته فقط لإبعاد شبهة الكذب . و أرجو أن تعطيني الفرصة لتوضيح الأمر

القاضي : إذا ادخل في الموضوع و ادل بدفوعك فيما يتعلق بالتهمة . و تذكر بأن عليك قول كل ما تود قوله في هذه الجلسة ، و هذه الجلسة فقط ، فالمحكمة لن تسمح لك في هذه المحاكمة بتضييع وقتها كما فعلت سابقا ، عندما مثلت أمامي كشاهد في المحاكمة السابقة ، و أدخلتنا في دهاليز حكاية استمرت على مدى عشر جلسات و تقريب السنة ،بينما تبين للمحكمة بأن المشاجرة الجماعية موضوع شهادتك التي تُحاكم عليها الآن لم تأخذ في الواقع سوى سبع دقائق ، و كانت بين خمسة متشاجرين فقط ،وليس بين نصف سكان الحارة كما شهدت !

الشاهد : أمرك سيدي القاضي ، سأحاول الإختصار قدر الأمكان

القاضي : تفضل ، ادخل في الموضوع

الشاهد :مع احترامي للحقيقة ، و احترامي أيضا لسعيكم المحموم للكشف عنها ،فإني أود لفت انتباهكم إلى أنها ، أي الحقيقة ،ليست بالأهمية التي تحاولون اسباغها عليها في قضية المشاجرة الجماعية التي كنت أحد شهودها ،و التي أدت شهادتي التي تحوم حولها الشكوك من قبلكم إلى مثولي أمامكم ، و بغض النظر عن صدق شهادتي من عدمه ، سؤالي هو؛ ما النفع المرتجى من قول الحقيقة التي تتهمني بالكذب بشأنها ، طالما أن المتخاصمين قد تصالحوا تحت إشرافك ، و هم على وشك الدعوة إلى وليمة عشاء بمناسبة الصلح . و للمفارقة ، أنا أحد المدعوين إلى العشاء ، و سوف يسعدني الحضور إذا تكرمت و برأتني !

القاضي : لكنك أقسمت على قول الحقيقة تحت قوس المحكمة و كذبت ، و هذه جريمة يعاقب عليها القانون

الشاهد: سيدي ، أولا ؛ المحكمة هي التي أجبرتني على أن أقسم ، و أنا عادة لا أقسم ، الأمر الثاني سيدي القاضي ؛ أنا أقسمت على كتاب الله الذي و إن كان جلّ و علا مثلكم لا يهمل ، لكنه بعكس سيادتكم فإنه يمهل ! الأمر الثالث ؛طالما أن الكتاب كتابه ، فهو وحده سبحانه من يحق له محاكمتي حصرا ، إلا إذا كنتم موكلين بالتحدث باسمه ، و في هذه الحالة ،فإنه يتحتم عليكم إبراز وثيقة تثبت ذلك ! ، و أخيرا ؛ لماذا تصبح الحقيقة بهذه الأهمية عندما يتعلق الأمر بي و أنا مجرد شاهد ، بينما لم يهم سيادتك أمرها كثيرا عندما تعلق الأمر بالمتخاصمين ! "

القاضي ( و قد بدا عليه الغضب ): أنت هنا لتحاكمني أم لأحاكمك !

الشاهد ( مخفضا صوته ): عفوا سيدي القاضي ، ما أود قوله هو أن المتخاصمين ادعوا على بعضهم البعض ، و من المستحيل أن يكون جميعهم على حق ، أو استندوا في ادعاءاتهم على قول الحقيقة ! و بإشرافك على الصلح ، تغاضيت عمن يمكن أن يكون الكاذب فيهم ! أي بصراحة تغاضيت عن الحقيقة ! أما عندما تعلق الأمر بي ، و أنا لست سوى شاهد لا علاقة لي بخصامهم ، فإنك تصر على معرفة الحقيقة ، الحقيقة سيدي القاضي حمل ثقيل ، فمن أين لشخص فقير مثلي أن يحملها وحده ! أمر آخر سيدي القاضي ، أليس من الممكن أن يكون عدم قول الحقيقة موضوع الاتهام هو الذي أدى إلى المصالحة التي سعيت أنت نفسك لتحقيقها بينهم ! و بذلك قد يكون الكذب الذي تتهمني به قد تمخّض عن خير ربما كانت الحقيقة عاجزة عن تحقيقه!

القاضي ( مازال غاضبا ): أرجو أن تقتصر دفوعك على الاتهام و من دون فلسفة! المتخاصمون لم يقسموا على قول الحقيقة ، بينما أنت أقسمت

الشاهد ( و قد علا صوته قليلا ): أعيد و أكرر سيدي ؛لو كان لي الخيار لما أقسمت ، ثم أين المنطق في أن تأتوا بي إلى المحكمة ، و تجبرونني على أن أقسم ، ثم تستخدمون القسم الذي أُكْرِهت عليه كحجة في محاكمتي بتهمة الكذب !

القاضي( محاولا تمالك نفسه ) : لست هنا للدخول في جدل منطقي ، أنا هنا لتطبيق القانون ، استدُعيت لتقول الحقيقة ، أقسمت و كذبت و هذه جريمة يعاقب عليها القانون . هل عندك دفوع أخرى !

الشاهد : ألا تعتقد سيدي القاضي ، بأن للقانون علاقة بالمنطق !

القاضي (غاضبا بشدة و ممسكا بالمطرقة من دون أن يُعرف إذا كان ينوي إنهاء الجلسة أم قذفها باتجاه المتهم ): نظريا نعم ، عمليا ليس دائما ، و قبل أن تتفلسف مرة أخرى ، أنا هنا لتطبيق الجانب العملي من القانون

الشاهد( مترجيا بصوت خفيض ): إذا كنت سيدي مصرا على معاقبتي ، و طالما أنك وافقت على أن للقانون علاقة بالمنطق على المستوى النظري على الأقل، فإني أرجو من سيادتكم استعمال الظروف التخفيفية فيما يتعلق بالعقوبة . و آمل ، إذا لم تستطيعوا الإقتداء بالله و تمهلوني ، فعلى الأقل اقتدوا به و ارحموني

القاضي : في الحقيقة كنت أفكر في هذا الأمر قبل الإدلاء بدفوعك ، غير أنك ، بالإضافة إلى كونك كذاب ، فإنك شخص غليظ و ثقيل الدم و مخادع و طويل اللسان أيضا . لذلك لن أمنحك ما سألتني عنه . و قبل أن تبتئس ، قد يكون الأمر لصالحك ، إذ سيتوفر لك الكثير الكثير من الوقت ، و الكثير الكثير من الهدوء ، لتفكر بعلاقة القانون بالمنطق و التفلسف بشأن الحقيقة ، و سأكون سعيدا بمقابلتك و الإستماع إلى خلاصاتك بهذا الشأن في المقهى الذي تختاره ،و لسوف أكون مسرورا أيضا بدفع الحساب ، طبعا ، بعد أن تكون أنت قد دفعت حسابك في السجن ".



#ملهم_جديد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين كلبين !
- القديس و الدب
- صورة الجد
- عند الحلاق
- الخائب
- الليلة الأخيرة في البيت الأبيض
- الحديث الأخير
- أقوى رجل في العالم
- الدهشة
- السيرة الموجزة لحياة المواطن (م ع ع)
- في مديح السيكارة
- بدل ضائع
- ندامة الأرمني
- رجل حر ، لكن! / قصة قصيرة
- صديقي الفأر
- الفك
- رجل حر ، و لكن ! / قصة قصيرة
- هل يستحق المجد الأدبي عناء السعي إليه / ترجمة ملهم جديد عن م ...
- صديقي الأميريكي
- دور النخب الثقافية و السياسية في الأزمة السورية وفي صياغة أس ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ملهم جديد - الشاهد