الخروج للنهار عبر -الصراط المستقيم- : -المسائل العشر-

زياد ملكوش
كاتب
(Ziyad Malkosh)

الحوار المتمدن-العدد: 7140 - 2022 / 1 / 19 - 22:18
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

الحضارة المصرية القديمة مذهلة . هي ليست المباني الضخمة الجميلة والمومياءات ومقابرها المزخرفة ، وليست لغتها الاقدم في العالم وكتابتها فقط. هي الانجازات في الزراعة واستخراج المعادن والطب والرياضيات والفلك والهندسة والقوانين والنظم الاجتماعية والقانون والفنون من موسيقى ورقص وغناء والقوة العسكرية وغيرها من المجالات . كان للادب نصيب ايضا ولابد اننا نتذكر الفيلم التسجيلي القصير “ الفلاح البسيط” للمخرج الراحل “ شادي عبد السلام” / صاحب المومياء / المأخوذ عن قصة مكتوبة على البردي باسم “شكاوى الفلاح البسيط” التي تظهر حس العدالة وحب الادب لدى الفلاح والمسؤولين من المحافظ الى الملك . لا بد من الاشارة الى ان الاعتقاد السائد لدى كثير من الناس متأثرين بما ورد في التوراة والمصحف ان (الفراعنة) كانوا ظالمين غير صحيح فاولا : لا يوجد اي لقب او اسم فرعون في السجلات المصرية القديمة بل كانوا يسمون الملك اخناتون او الملك رمسيس وهكذا ، وثانيا : كان ملوك مصر يخشون المحاسبة في الاخرة إن لم يحكموا بالعدل .

كان اول كتاب في التاريخ عن الاخلاق والسلوك مصري هو “تعاليم بتاح حتب” ، كما ان اقدم الاديان واكثرها اكتمالا هي الديانة المصرية القديمة ، ومن كتاب “الخروج للنهار” والمعروف اكثر باسم “كتاب الموتى” وهو مجموعة النصوص التي اكتشفت مكتوبة في المقابر وعلى جدران المعابد والبردي تظهر الصلوات والابتهالات وايضا الرسوم كيف كان المصريون القدماء حريصين على الحق واجتناب الباطل ، وفي بعض الرسوم تظهر عملية وزن قلب الميت حيث يقوم احد الآلهة بعملية الوزن بينما يقوم آخر بتسجيل النتيجة ويُسمح للميت بالعيش في الآخرة ان كان وزن قلبه اقل من الريشة بينما يلتهمه الوحش الواقف في الصورة ان كان وزن قلبه ثقيلا اي مليئا بالمعاصي والذنوب . وفيما يلي تعويذة من اجل الدخول الى قاعة العدل التي وردت في الكتاب المذكور والتي انتقيتها ( مع بعض الاختصار) من آخر ترجمة لكتاب الموتى عن الهيروغليفية مباشرة بعنوان “الخروج للنهار “ قام بها الاستاذ شريف الصيفي وصدرت في القاهرة عن مكتبة تنمية عام 2019 :

التحيات لك ايها الرب العظيم، رب العدل المطلق
جئتك سيدي وجيء بي لمشاهدة جمالك
يامن عيناه بنتاه والعدل المطلق هو اسمه
جئتك بالعدل وزهقت لك الباطل
انا اعطيت الحق لفاعله واعطيت الظلم لمن جاء يحمله
لم اظلم انسانا
لم أُسئ استخدام حيوان
لم ارتكب حماقة في مكان الحق
لم اسع الى معرفة ماينبغي كتمانه
لم انظر الى عورة
لم اقم بزيادة وتيرة العمل المحدد مع بداية النهار
لا آت باسمي قبل اسم الإله
لم أغضب الرب
لم ابدد ميراث اليتيم
لم افعل شيئا مما نهى عنه الرب
لم اشي بعامل عند رئيسه
لم اتسبب في تعاسة
لم اترك جائعا
لم اتسبب في دموع
لم اقتل
لم احرض على القتل
لم اعذب احدا
لم انقض قرابين المعبد
لم أستبح خبز الآلهة
لم اسلب قرابين الموتى
لم أزْنِ
لم انجس نفسي في الاماكن الطاهرة في معبد إله مدينتي
لم ازد ولم انقص المكيال
لم انتزع لبنا من فم رضيع
لم احرم قطيعا من مرعاه
لم اقتنص طيورا من براري الآلهة ولا سمكة من بحيراتها
لم امنع ماء الفيضان في موسمه
لم ابن سدا امام المياه الجارية
لم اطفئ نارا عندما كان اشعالها مهما
لم الوث قربان اللحم في ايام الاعياد
لم اتعرض لقطيع من ممتلكات المعبد
لم اسد طريق موكب الإله
انا طاهر ، و طهارتي مثل طهارة طائر البينو (الفينيق)، ذلك العظيم

واذا تاملنا في بعض الادعية او الابتهالات الواردة في الكتاب ( مثال التعويذة المذكورة) والتي يدافع فيها الميت عن نفسه ليعيش بعد الموت نجد انها وردت قبل اكثر من 1500 سنة منذ ذكرها في سفر الخروج من التوراة وهي المسائل العشر كما وردت بالعبرية القديمة والمعروفة اكثر بالوصايا العشر التي نزلت على موسى في اللوحين الذين كتبهما الله نفسه كما يقول اتباع الديانتين اليهودية والمسيحية، وكذلك وردت في المصحف في آيات متفرقة اغلبها في نهاية سورة الانعام وهي الصراط المستقيم الذي يوصل الى الجنة . يظهر بوضوح كيف كان المصريون القدماء حريصين على العمل الصالح حتى في التفاصيل الدقيقة والتي لا تمس العلاقات الانسانية فقط بل العلاقة والاهتمام الايجابي السليم بالحيوانات والطبيعة .

#زياد_ملكوش (هاشتاغ)       Ziyad_Malkosh#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل