أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - الصورة















المزيد.....

الصورة


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 7099 - 2021 / 12 / 7 - 04:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إنها ليست نجمة سينمائية أو عارضة أزياء والصورة لم تكن على شاطئ البحر، وإنما على فوتيل في غرفة الصالون في بيتها، وهي واضعة ساقا على ساق. تلك الساقين الرائعتي الجمال بمثل ما علقت أنا على الصورة حين رأيتها في الفيسبوك. تنورة قصيرة جميلة ومريلة متعددة الألوان وجميعها كانت في تناسق جميل. هذا وان الكينونة الثورية فيها بمثل ما توهجت في نظرة عينيها وفي عديد الأحاديث لديها فإنها توهجت في تلك الساقين البيضاوين الطويلتين العاريتين ذات الخطوط المتـناسقة جدا. أدركت بكل وضوح أن ذاك الجمال هو ليس ملكها بل هو ملك الإنسانية جميعا، لذلك قامت بأخذ صورة. عمق لذاذة الصورة أنها هي تعبير إنساني جميل عاشق لنفسه..
بلغني فيما بعد من صديقة هي صديقتها، أنها تساءلت عن كنه التعليق الذي أبديته في الفيسبوك معربا عن إعجابي بالصورة. قالت لها صديقة الأسرة والتي لم أخفي يوما مودتي لها وهي صديقة زوجتي وأصبحت صديقة الأسرة بمثل ما هو زوجها صديق حميم. المهم، أنها أخبرتني أنها تعرفني جيدا، وتعرف أن تعليقي هو تعبير عن الإعجاب وليس شيئا آخر. لقد قالت لها عني " انه إنسان نظيف".
لقد إلتـقينا بضع مرات ولنا بعض الأحاديث، ولكن صاحبة الصورة لا تعرفني جيدا. أعلم أنها مطلقة وان الأحاديث تحوم حولها حتى وان غطت نفسها بكيس من القماش الخشن أو نـفشت شعرها. لكن، بحكم حصولها على الأستاذية في اللغة الفرنسية وبالتالي انفتاحها الفكري على الثـقافة الفرنسية التي تتمحور حول فكرة الحرية بمختلف أبعادها، فإنها أحدثت شبه تعاقد مع نفسها لتأخذ تلك الصورة. الجسد جسدها وليس بجسدها في نفس الوقت، مثل بقية الأجساد. الجسد لغة وثـقافة وبالتالي كيان اجتماعي وتاريخي. من أهم تعبيرات الجسد في وقت السلم هو الجمال. تعاقدت مع نفسها، بحيث يكون لها إرادة جعل جسدها يتكلم بحرية وطواعية. هناك صراع بين مختلف الأفكار في مجتمع عربي قائم على ثـقافة الستر. لكن كلمة الستر في ذاتها تعني التغطية على جريمة أو شيء كريه أو قبيح. فهل جسدها الجميل إذن يستحق الستر؟ هي ليست مجرمة وحتى بالمنطق الأخلاقي أو القمعي للجسد فهي لم تتعلق بأي رجل منذ طلاقها، لسبب رئيسي هو ابنها المراهق الذي تخصص له جل وقـتها خارج العمل. إذن فلا يوجد ما يستوجب الستر.
هناك طغيان للجسد المفكر فيه كموضوع اعتـناء أنثوي جمالي وهذا مشترك إنساني عام، فالماهية الأساسية للأنثى هي التمظهر الجمالي. يبدو بوضوح أن الجسد يتكلم وإن كان بصمت. الليـبـيدو كطاقة حيوية هو دائما يتسرب في جميع تلابـيب الجسد والعقل، لكنه مجرد طاقة ذاتية وربما كونية، ويبقى للإنسان تـشكيل مناحي تصريف الطاقة وفق أفكار معينة. ولربما يـبقى من أهم ايجابيات الليبرالية هو ابتداع مختلف أشكال الموضة في اللباس التي تتمكن من خلالها الأنثى التمظهر الجمالي المتـنوع الفتان. ولربما ينطلق ذلك من رغبة أصيلة وهي أن الجسد الجميل أو حتى القبـيح فالنظر هنا يتضمن مساحة من النسبية، هذا الجسد رغبته الأصيلة في أن يظهر عاريا تماما، ولكن ضرورات التواجد الاجتماعي الذي هو ثـقافي تـفرض اللباس كتعبير ثـقافي يكون متساوقا ومرتـفعا بالإنسان ومحقـقا في نفس الوقت توطنه في كيانيته بقدر ما لا يناقض الطبيعة وإنما يعطيها شكلا إنسانيا. المشكل يبرز إذن في الثـقافة التي تريد قمع الطبيعة وليس في الثـقافة التي تـنسجم مع الطبيعة وتكون تـشكيلا متساوقا معها..
فجسدها تلتذ به كجسدها فهذا ما لا سبيل إلى المراوغة في دحضه، وحين قررت جعله في شبه لوحة فنية تُعرض للعموم، وتقدم موضوعا جماليا للعموم به، فهي كذلك قررت أن تظهر للعموم كذات جميلة. هذه الذات المترسمة بالصورة في تعبير صامت كلاميا ولكنه يضج بأبعاد مختلفة من المعنى كلما تأملت في خطوطه الرائعة الجمال. إحدى صديقاتها علقت مستحضرة قولا قرآنيا قائلة:" وإنا خلقناه في أحسن تقويم". فيبدو أنها أرادت القول أن الله قال عن جسدنا الإنساني بهذه الطريقة، فهل يمكن أن يكون هذا الجسد موضوع قمع واستهتار وتـشريد وتـفـقير وتجويع وتمريض باسم الله؟؟. كأنها أرادت أن تقول، أن الله خلقك بهذا التناسق الرائع لكي تظهري روعة الخلق الالاهي للناس، بما أن غاية الخلق هي السعادة البشرية.
تغدو الصورة هي الموضوع، حتى وان بدا للبعض أن الشخص هو الموضوع. تغدو هي الموضوع حتى بالنسبة لصاحبة الصورة. هناك من عبر عن استهجانه أو استغرابه لها، وهناك من عبر عن إعجابه. الاستهجان والإعجاب الموجه لشخصها هو في النهاية موجه نحو فكرها الثوري وليس إلى الصورة في ذاتها. فالصورة هي في مجتمع عربي إسلامي مازالت تغلبه العقلية المحافظة، وبالتالي فهي ليست مجرد تعبير جمالي أو تجاري بشكل من الأشكال بمثل ما هو متداول في الغرب، وإنما هي تعبير فكري يتضمن الثورية والتحررية. لأجل ذلك فالموقف منها هو موقف إيديولوجي مسبق بين المحافظة والثورية. وبالتالي فالصورة تكتسي أهميتها وفق المناخ الثـقافي الاجتماعي السياسي العام، ومن هنا فهي تعبير عن موقف مناهض للإسلام السياسي..
ولكن، يبقى الأساس الذي تتمحور حوله كل الأبعاد هو البعد الجمالي، فلولا امتـشاق القوام وبياض البشرة وروعة الساقين العاريتين، وهيئة جلستها برمتها ونظرتها الواثـقة من نفسها ذات الدلالة على تمثلها للفكرة، لما كانت الصورة مؤثرة لتـشع بأضوائها ذات الألوان المختلفة. فالإنسان يبحث عن الجمال، وكأن الحياة هي الجمال. فيه الالتذاذ والغبطة والبهجة. وهنا فالمطلب الجمالي يصح أن يكون مطلبا عاما يتم الدفاع عنه في مختلف أوجهه. طلب الجمال في الطبيعة والجمال في الأنثى والجمال في الرجل كذلك وان ذلك يعني مطلب الصحة كمطلب أساسي، وهنا يكون مطلب البيئة السليمة والعلاج المجاني ومطلب حث الناس على ممارسة الرياضة وتـشجيع الفنون باعتبارها تعبيرات ثـقافية جمالية ترتـقي بالالتذاذ من الرغبة الجنسية إلى الرغبة الفنية الثـقافية مما يؤسس لمناخات الحب والتواصلية الثـقافية الراقية بين أفراد المجتمع. كما أن الجسد الجميل يتطلب عملا جميلا قائما على الرغبة أولا وعلى ظروف عمل ملائمة للعمل والإبداع فيه إضافة إلى الرواتب الكفيلة بإشباع رغبات الجسد أللذوي الفكري الثـقافي.
من هنا، فالمطلب الجمالي، هو ليس مجرد صورة فاتنة تبعث على اللذة، وإنما هي ثورة اجتماعية وثـقافية وسياسية تؤسس لمجتمع السعادة. يكون الجسد الجميل كائنا إنسانيا جميلا، بأن يكون ذاتا أخلاقية جميلة. المعنى الأخلاقي هنا تحديدا، هو الخروج من منطق تسليع الجسد بمثل ما هو واقع الرأسمالية. الجسد الفاتن لأنه يريد أن يبتهج في ذاته ولذاته ببعثه الإحساس باللذة لدى الآخرين لرؤيته، وليس الجسد الفاتن التجاري المبتـذل لافتـقاده عنصر الإرادة الذاتية في الابتهاج..
وعربيا إسلاميا، وباعتبار الروحية المتعلقة بالله، فالمطلب الجمالي يمكن أن يتضمن مفهوم التطابق مع الإرادة الإلهية في خلق الإنسان على أحسن تقويم، وبالتالي فالعمل على بلوغ الجمالية الجسدية بما هي جمالية روحية من الممكن أن يتأول كفعل تعبدي للمطلق، ومن الممكن أن يتمنطق بمضمون التعبير عن طاعة للاه في التحرر من كل عوامل الاستغلال للجسد من قبل بعض البشر الأنانيـين المتلبسين بالروح الشيطانية الأنانية.. من الممكن العمل على ترسيخ التأويل الناهض مجددا، بقلب التأويل القديم القائل بايجاز ان الله خلقنا ليحاسبنا إلى تأويل جديد في اتجاه أن الله خلقنا لنكون سعداء وأننا خليفته في الأرض نناضل لأجل خلق وجود إرادي حر سعيد. وهنا تكون الحرية في اتجاه الله أي التحرر من كل الأشكال الماضية والحاضرة، أي في تاريخنا وتاريخ العالم وواقعنا اليوم وواقع العالم اليوم الذي لم يتحرر بعد من عبودية الإنسان للإنسان وعبودية الله تتمثل في التحرر من العبودية للإنسان والعبودية للمال، ومن هنا تتأول المسائل باعتبار الحرية كيانا ذاتيا ينطلق من ذاته إلى العالم وفق ما يريده فعليا لذاته بكل حرية من العالم المتـشكل أمامه، فتكون لحظة الحرية هي لحظة الإرتـفاع بالذات إلى محاولة استـنطاق نفسها الفعلية الحقيقية أو إرادتها الفعلية وهذا ما يتطلب المعرفة وبالأساس التـفكير الفلسفي، ولكنه من الناحية الاجتماعية هو ما يؤسس فعليا لمجتمع الرقي والتمدن الفعلي الراسخ الذي يرتفع إلى الفكرة أي يرتفع إلى الله بارتفاعه إلى الإرادة الروحية الصميمة. فتكون الجمالية هنا هي ليست جمالية التمظهر الزائف وإنما جمالية التمظهر الفعلي التحرري التواصلي المحب الأنيق مع الآخر ومع الكون برمته، فيكون الجسد الفردي الجزئي كينونة كلية أو متـشرنـقة بالكل ومتـضمنة الكل فيخرج عن كونه مجرد قطعة في آلة الرأسمالية المادوية المبتذلة للإنسان والقاتلة لروحه وله.. ومن هنا، يكون المطلب الجمالي، هو مطلب تحرر ميتافيزيقي ومطلب تحرر سياسي من أنظمة تـشرع لاستغلال الجسد وانطفاء روحه وابتذالها، فيكون المطلب في دولة تضمن الصحة المجانية للغير قادرين ماليا، والتعليم المجاني والبيئة السليمة والحق في العمل الذي يحقق كرامة الإنسان، والحق في وقت فراغ لكل الأعمار لأجل تجميل حياتهم وأجسادهم وذهنياتهم، ورعاية الفنون وتـشجيع أعمال الفكر في أجواء من الحرية التي تحقق سعادة الإنسان وابتهاجه بالحياة..
هكذا يمكنني قراءة الصورة للسيدة الجميلة الجالسة على الفوتيل بكل أناقة ونظرة راضية مرضية..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفراشة
- آه يا عراق
- الإنهيار
- -يوم النفير- الغنوشي في تونس
- جانب من حقيقة الوضع السياسي الحالي في تونس
- ما وراء صخب الديمقراطوية في تونس اليوم
- إنتصار الرئيس قيس سعيد
- هل هو إنقلاب على الديمقراطية في تونس؟
- ساكن القبر 5
- ساكن القبر 4
- ساكن القبر 3
- ساكن القبر 2
- ساكن القبر 1
- أزمة الراهن التونسي
- فلسطين.. نقطة تفتيش إسرائيلية
- المثقف في لحظة موت الإسلام السياسي
- حوار فلسفي مع فتاة ذكية
- في رسالة رئيس الجمهورية -قيس سعيد- إلى -الغنوشي-
- الحجاب والاسلام
- المدينة العريانة


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - الصورة