أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - جانب من حقيقة الوضع السياسي الحالي في تونس















المزيد.....

جانب من حقيقة الوضع السياسي الحالي في تونس


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 7038 - 2021 / 10 / 5 - 03:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يجب أن يسجل التاريخ، بكل وضوح وبدون أي شك، أن الشعب التونسي، هو الذي قرر بكل وعي وإرادة، الحسم مع الفوضى السياسية التي كانت تحكم تونس بقيادة الإسلاميين ممثلين في حركة النهضة. قالها الشعب يوم 25 جويلية 2021، وأكدها مؤخرا يوم 03 اكتوبر2021، في مظاهرات من بنزرت إلى مدنين، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، من لجج البحر الأزرق إلى طيات التراب الأصفر للصحراء. الشعب هو الذي طالب بإسقاط البرلمان وهو اليوم يعيد تجديد مطلبه. البرلمان الذي أصبح بمفارقة تاريخية محزنة مقر لسلطة الرجعية والفساد، وهو الذي كان مطلبا سياسيا تـقدميا تحرريا في عهد الاستعمار الفرنسي، حيث قدم التونسيون عشرات الشهداء يوم 09 افريل 1938 مطالبين ببرلمان تونسي. هذا البرلمان الذي كان افتراضيا عنوانا للتحرر والتعبير عن الإرادة الشعبية الوطنية، تحول إلى عنوان للتآمر على الشعب وضرب لمصالحه وعنوان للفوضى السياسية والعار السياسي. عنوان للقوانين التي يتم اشتراؤها بالأموال حيث ذكر سيادة الرئيس قيس سعيد أن بعض الفصول في بعض القوانين التي شرعها تم بيعها بـ 150 ألف دينار تونسي للنائب الواحد، أي حوالي 50 ألف دولار. تحول من عنوانه الافتراضي للتحرر إلى عنوان واقعي للتـفريط في السيادة الوطنية وعنوان لتهديد وجود الدولة. نقول هذا الكلام مع استـثـناء الأقلية البرلمانية الوطنية التي لم تـتمكن من فرض إرادتها ضد تحالف الإسلام السياسي والفساد.
هذا البرلمان الذي أصبح عنوانا للتـنكيل بمقدرات الشعب، فمثال الفسفاط وهو عماد الاقتصاد التونسي، الذي تعرض للنهب والفساد بحيث وصلت تونس إلى استيراده في آخر حكومة لحركة النهضة بعد أن كانت من أوائل مصدريه،وبعد 25 جويلية استعاد الشعب ثروته الوطنية حيث تم القبض على شبكة الفساد المترئس لها نائب في البرلمان الذي جمده الرئيس، وعاد الفسفاط إلى مستوى إنتاجه المتوسط وهو الآن في طور تـقدمه إلى الإنتاج المتـقدم، مع انخفاض كبير لتكلفة إنتاجه على الدولة بالقضاء على شبكة الفساد التي كانت متحكمة فيه. هذا مثال صارخ لديمقراطية حركة النهضة ودكتاتورية قيس سعيد بمثل ما يحلو لبعض أصحاب العقول الجامدة التي تتسرع في إطلاق الأحكام انطلاقا من العموميات وانطلاقا من إيديولوجيتها.
وعلى افتراض أن سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد مشروع دكتاتور، فهذا ما يفترضه المنطق، بعد المسيرة الطويلة من الفوضى والانتهاك للدولة والشعب. فالغالبية العظمى من التونسيين واعون بالتمايز بين الحرية والديمقراطية. " الحرية لن يقدر احد على افتكاكها، فالخوانجية وما أدراك عجزوا عن ذلك فما أدراك بغيرهم. زين العابدين ونظامه البوليسي وما أدراك من استبداده ثار الشعب عليه ومات منـفيا في السعودية..". الشعب يعي ما سمي المسار الديمقراطي، بأنه مسار حركة النهضة الإسلامية وحلفاؤها المتآمرين على الشعب من موقع السلطة التي تمكنوا منها بواسطة ثورة شعبية لا ناقة لهم فيها ولا جمل. لأجل ذلك فالرأي العام يقول أن هذا المسار إذا كان ديمقراطية فتبا للديمقراطية، وقيس سعيد إذا كان دكتاتورا فألف مرحبا به لينـقـذ البلاد من هذا جحيم حركة النهضة الإسلامية.
إن جزءا هاما من المثـقـفين التونسيين، أصبح يصف مرحلة ما قبل 25 جويلية بالعشرية السوداء. "العشرية السوداء" هي التسمية التي تم إطلاقها على سنوات الجمر في الشقيقة الجزائر الامتداد الطبيعي والسكاني والثقافي العام لتونس. هي سنوات الإرهاب الاسلاموي في الجزائر. إن مسار الإنـتـقال الديمقراطي هو مسار الإرهاب الإسلامي بشكل آخر وفق المعطيات السياسية للشأن التونسي المختلفة والتي لا تجد لها شبيها في بقية الدول العربية. حين نتحدث عن السياسي فإننا نتحدث عن الاجتماعي والاقتصادي والثـقافي في نفس الوقت.
والحقيقة إن توصيف المرحلة السابقة بـ"العشرية السوداء" مختـزل وآحادي النظرة، يعبر عن حالة الاحتـقان الشديدة التي كانت وعن سيطرة فكرة جحيمية الوضع بجحيمية الإسلام السياسي المتمثل في حركة النهضة، وتحديدا بـ"راشد الغنوشي" خاصة حين ترأس البرلمان، ضرب بشكل فج كل مصداقية له وضرب الحياة السياسية برمتها محيلا السياسة إلى دناءة أخلاقية وصفاقة. ليس المجال لذكر ايجابيات المرحلة السابقة و لكن من أهمها طبعا تكشف الكذب والخداع والتملق والنفاق للإسلام السياسي، والذي استـتبع حكما شعبيا غالبا بشكل كبير، وهو أن من يتكلم بالدين هو اكبر معتدي على القيم الأخلاقية وان الإسلام السياسي مهدد للدولة والشعب. هذا يُعتبر انتصارا تاريخيا تـقدميا كبيرا وهو ما يستـتبع بالضرورة نقلة ثـقافية عامة شعبية إلى قيم الحداثة. لم تعد المسألة مقتصرة على النخب التـقدمية وإنما الآن الأغلبية الساحقة من الشعب، الذي أغلبيته انتخب حركة النهضة في سنة 2011 باعتبارها حزب الله ووكيلته في الأرض، بل باعتبار مفاتيح الجنة بيد راشد الغنوشي، بينما الآن فالغالبية الساحقة من الشعب تقول أن المفاتيح الوحيدة التي تبين تملك الغنوشي لها واستعماله لبعضها هي مفاتيح الجحيم. وإذا كانت الديمقراطية تعني سيطرة الإسلاميين على الشعوب العربية فتبا للديمقراطية.. هذه أهم نقطة ايجابية للمسار الديمقراطوي السابق، وهي نقطة تحول وتقدم تاريخي كبير، والتي لا يمكن إلا على أساسها بناء ديمقراطية حقيقية..
وهناك نقطة ايجابية هامة في المسار السابق وهي التعددية الحزبية برغم إفراطها ألامعقول، ولكن الأهم هو الانتخابات الحرة برغم التلاعب الحاصل بأصوات الناخبين في الحملات الانتخابية أو في طريقة احتساب المقاعد بخصوص نظام البقايا أو في طريقة الانتخاب على القوائم. رغم السلبيات إلا أن المسار الديمقراطي أظهر شخصيات وطنية لم يكن الشعب يعرفها، وتلقى الشعب خطابا مختلفا لم يكن متعودا عليه بل كان جاهلا سياسيا، وطيلة هذه السنوات كان الشعب يتعلم ويتـثـقف بالاستماع إلى وجهات النظر المختلفة مع إصدار الأحكام المختلفة والمتغيرة على الزعماء والخطباء والناشطين السياسيين بشكل عام. اكتسب الشعب تـقدما سياسيا في وعيه السياسي، وهذا أمر لا يُستهان به، بل هو الفعل الرئيسي للثورة وهو اكتساب الشعب لوعيه بذاته. كل ذلك وجزء هام من النخبة والسلطة السياسية بشكل خاص كانت عمياء صماء غير قادرة على الاستماع لنبض الشارع بل هي محتـقرة للشعب مما جعل الشعب يتجاوزها في وعيه. الوجه السياسي الوحيد الذي رأى الشعب انه يستمع إلي نبضه ويحترمه ويكره كل محتـقر للشعب هو سيادة الرئيس قيس سعيد. الرئيس في قصر قرطاج حين كان يستـقبل بعض الشباب المهمش ويستمع إليه كان عديد المتابعين يسخرون من الرئيس ويطلقون عليه توصيف الشعبوي العاجز عن الفعل..لم يُدركوا أن موازين القوة قد تغيرت منذ انتخاب قيس سعيد بتلك الأغلبية الرهيـبة..
ويبقى أهم انجاز للانتخابات الحرة هو انتخاب قيس سعيد نفسه، مما يجعل الحكم بسوداوية المرحلة السابقة توصيف انـفعالي إطلاقي مجانب للموضوعية من عدة وجوه. حقق المسار الديمقراطي انتصارا ساحقا لقيس سعيد بنسبة 70 في المائة، دون أموال تُـذكر، سوى من تبرعات الشباب القليلة، ودون تسليط الضوء عليه من قبل وسائل الإعلام، فالرجل لا يؤمن بالتـزلف لأجل الظهور إعلاميا، وهو آمن بالشعب والشعب آمن به من خلال محاضراته التي كان يلقيها في جميع المدن التونسية تقريبا منذ 2011، خلافا للحضور الإعلامي القليل الذي تمتع به في سنة 2011 تحديدا، ثم بشكل متـقطع، وبإيجاز، فإن قيس سعيد تحصل على هذه النسبة من الأصوات خارج آليات الديمقراطية الرأسمالية المتمثلة في الإعلام والأموال الكثيرة التي يتم صرفها في الحملة الانتخابية.. صعد قيس سعيد بآلية أخرى، آلية التخاطب الروحي والفعلي مع الشعب البسيط وبروزه بخطاب سياسي صادق لا يقوم على الوعود، وبشخص كل ما يظهر على ملامحه يؤكد جديته الكبرى تجاه الشعب، ومصداقيته وصرامته وشجاعته..
هذه من أهم ايجابيات المرحلة السابقة، ولذلك دعنا من الأبيض والأسود. ففي النهاية نقطة التحول لـ25 جويلية، كانت نتيجة نضالات عديدة ومقاومة شرسة من النخب التونسية طيلة هذه السنوات. لا ننسى نضالات الجبهة الشعبية التي وقفت في الشارع بصدر عاري ضد الإسلام السياسي في فترة قوته سنة 2012 و2013. حين كان الإرهاب وكانت اللحى في كل مكان، بل كان الاستـظهار بالبنادق في الشارع من الخوانجية وكان ما يسمى لجان حماية الثورة وهي ميليشيا تابعة لحركة النهضة. لا ننسى الاغتيالات للجنود، ولعناصر من الأمن الرئاسي، واغتيال الزعيمين شكري بالعيد ومحمد البراهمي وهما قياديان في الجبهة الشعبية. لا ننسى تلاحم القوى الحداثية في عديد المناسبات، وكيف أن مقاومة حركة النهضة جذرت الانجازات البورقيبية التي كانت إلى حدود تلك اللحظة انجازات سلطوية عمودية، فإذ بها تتحول إلى حق شعبي نضالي ولعل أبرزها مجلة الأحوال الشخصية وحرية المرأة التي هددتها الحركة الإسلامية.. فتلك النضالات والمقاومة والمظاهرات رسخت اللحظة الثورية ونشرتها وعمقتها شيئا فشيئا في الشعب، حتى تلبسته الثورة، وغدا هو الذي يقود النخب، بمثل ما حصل في 25 جويلية وأخيرا في 03 أكتوبر في المسيرة المؤكدة للثورة على حركة النهضة وبرلمانها برلمان العار والسقوط الأخلاقي، باستـثـناء الشرفاء فيه..
فالمسارات المختلفة التي تدخل كلها ضمن تداعيات الانفجار الثوري، والمسار لتحقيق الثورة لأهدافها، عبر التعرجات، تصلنا بفكرة رئيسية هي ليست حكرا على تونس فقط وإنما ربما تونس هي في طليعة الكشف عن فكرة عميقة. هذه الفكرة التي بدأت تتوضح واقعيا، هي أن الثورة العربية شعبية باستمرار وأن تعرجاتها، هي في نهاية الأمر مسيرتها التاريخية في التجذر الشعبي، وتملك الجماهير العربية لمصيرها في مسيرة وعيها وفعلها السياسي في الواقع. لقد أصبحت الفكرة التقدمية فكرة حية من لحم ودم وأصبحت تُصاغ شعبيا وفق تطور الوعي العام المتسارع، والذي يتجوهر الآن حول فكرة رئيسية، وهي وعي الشعوب بقدرتها على التغيير والفعل، وأن عملية التغيير والفعل تكون بآلية النفي بعد التجربة، وبواسطة الوعي المتنامي.. وحين تكون الثورة باعتبارها إيمان الشعب بإرادته، فإن الشعب يتجه إلى الجانب الأخلاقي الذي يصبح ليس مجرد صفات شخصية بل مطلبا عاما، والدولة حين تكون أخلاقية فإنها تعمل على انجاز المصلحة العامة، والشعب في خط سيره المتواصل في تكشف طريقه هو سائر لا محالة إلى فكرة النظام الاشتراكي كتعبير فعلي عن المصلحة العامة وعن الدولة الأخلاقية التي تسير وفق مبدأ العدالة الاجتماعية، تلك العدالة التي تترادف آليا مع مطلب حرية الشعب، لأنه لا حرية بوجود الفساد والتناقضات الطبقية الصارخة، ولا حياة اجتماعية تضامنية فعليا أو أخلاقية في واقع التناقض الطبقي الصارخ، وستترسخ فكرة المساواة خارج سذاجتها الثورجية لتتحدد في دولة القانون الضامنة للمساواة الفعلية أمام القانون، والمساواة في الفرص الاقتصادية والحياتية المتاحة وفق المجهود والإبداع الفردي الحر، ولكن في إطار تحقيق فعلي لبنى التضامن الاجتماعي الفعلي..
هذا المضمون الثوري المستمر، لا يمكن أن يقف عاجزا أمام شكليات الأمور، أو أمام فكرة مجردة لا علاقة لها بالواقع وإنما وجودها فقط في بعض الأذهان المتورمة، ووجودها كخطاب يتم الاستنجاد به لأجل المصلحة الذاتية. لا يمكن للشعب أن يقف مكتوف الأيدي أمام عائق تجريدي، مثل الدستور، فالشعب في النهاية هو الدستور مثلما قال لي سائق شاحنة. هذا بغض النظر عن التأثيث الدستوري لما وقع في 25 جويلية وما بعده. فالشعب يتحرك روحيا وفق المضمون السياسي للمسائل، ولا يمكن للتأويلات المجردة أن تتحكم في مصير أي شعب..
وحين نتحـدث عن الشعب فإن ذلك لا يعني فصلا له عن النخبة المثـقفة التي يستمع إليها ويؤمن بصوابية منطقها وكلامها. فالحديث عن الشعب هو حديث عن نخبته الملتحمة به والتي تعرف كيف تفكر فيه وكيف تخاطبه والتي يمكنه فهمها والثقة فيها باعتبارها تعبر عن مصالحه وإرادته. فالمسار هو مسار وعي متـنامي ديالكتيكي عام يقوم بعملية متـشابكة متـنوعة يحقق مطلبه من خلال التراكم. ذاك التراكم تخلقه الأحداث وتخلقه أقلام المثـقـفين ومواقـفهم وكلماتهم في المقاهي ومختلف الفضاءات العامة وتفاعل مجمل العقول في ذلك بطرق مختلفة. فالحديث عن الشعب هنا كوعي وعقل وليس كمجرد كتلة مادية من الذرات المتجمعة..
ومن هنا، فإن مطلب إسقاط البرلمان سبق الإجراء الثوري لـ25 جويلية بحوالي عام أو أكثر، كما اعترضت قوات الأمن عديد المظاهرات التي أرادت محاصرة البرلمان في مناسبات عديدة ومارست العنف مع المتظاهرين في المرحلة التي يسمونها ديمقراطية أو مسار ديمقراطي، في حين أن الرئيس تعامل بكل احترام منذ أسبوع وأسبوعين مع تظاهرات لشرذمة قليلة وسط العاصمة فقط، قامت بالتهجم الشخصي على شخص قيس سعيد، بل إن بعضهم رفع شعار "قيس سعيد عدو الله" ولم يتعرض إلى أي هرسلة بوليسية، بل إن الأمن كان يحميهم من أنصار قيس سعيد من الشعب الذي تجمع بشكل عفوي يرد على شعارات السب والقذف تلك..
وصحيح، انه من الناحية الشكلية يُعتبر إسقاط البرلمان، انقلابا على الديمقراطية بمثل ما حدث في عدة انقلابات، ولكنها انقلابات عسكرية واضحة، وسيطرة للدبابات على الفضاء العام وحضر للتجول، ومداهمات في البيوت للمعارضين أو أصحاب السلطة المُنقلب عليهم، وقتل ودماء. كل هذا لم يحدث في تونس، بل اكتـظت الشوارع بأهازيج الشعب الذي خرج معبرا عن فرحته بتجميد البرلمان في مساء يوم 25 جويلية 2021، كما أن جميع الإدارات تشتغل، وجميع المرافق تشتغل بصفة عادية، حتى أن صحفيا أمريكيا قال أن المقاصف ملآنة كالعادة والأسواق والمقاهي والفنادق وشطآن البحر مزدانة بالنساء والأطفال كالعادة..
من ناحية المضمون السياسي، فالبرلمان التونسي الذي سيطرت عليه حركة النهضة وشبكة الفساد هو ممثل الاستبداد السياسي بما هو فساد وعمل مضاد للإرادة الشعبية وكعنوان للرفض الشعبي العام. وبالتالي فالانقلاب على برلمان كهذا هو اكبر تعبير عن الإرادة الشعبي واكبر تعبير عن المضمون الديمقراطي، بما أن الديمقراطية هي تمثيل للإرادة الشعبية.
من ناحية أخرى، فإن سيادة الرئيس قيس سعيد تم انتخابه بأغلبية ساحقة. انتخبه ثلاث ملايين ناخب، بينما البرلمان بجميع أحزابه انتخبه نصف هذا العدد. أي أن الشرعية الانتخابية لقيس سعيد مضاعفة بالنسبة للبرلمان ككل، وهو ما يكسبه مشروعية كبيرة. وعوض، القراءة الواقعية للمشهد، فإن تشكل تحالف الفساد في البرلمان رفع "راشد الخريجي الغنوشي" رئيس حركة النهضة إلى رئاسة البرلمان، في الوقت الذي سبقه بفترة وجيزة سبر للآراء أوضح أن أكثر شخصية مكروهة عند التونسيين هو الذي أصبح رئيسا لمجلس نواب الشعب، وبالتالي فمجلس النواب هذا في الخط المضاد تماما لإرادة الشعب. أضف إلى ذلك، أن البارانويا والغرور السياسي والاحتـقار للشعب وإرادته، جعل رئيس البرلمان هذا يحاول منازعة رئيس الجمهورية في تمثيل الدولة والسلطة العليا، وقد حذره الرئيس وقال أن للدولة رئيس جمهورية واحد. بل سار الغنوشي في اتجاه تكوين مجلس حكم من خلال توسيع دائرة مكتبه كرئيس برلمان وتوسيع صلاحياته بقرارات انفرادية وتعيين أعضاء نهضويين من خارج البرلمان في هذا المجلس الذي أراد من خلاله ممارسة السلطة كأنه هو رئيس الجمهورية. ونقصد هنا تحديدا تعيينه لحبيب خضر النهضاوي المحتـقن دوما واحد ابرز مهندسي دستور 2014. فهل هذه ديمقراطية وهل هذه تمثيلية للشعب أيها المتباكون على الديمقراطية الاستبدادية الإسلامية؟؟..
أضف إلى ذلك، فإن حركة النهضة تحالفت مع من سمى نفسه حزب "قلب تونس" بقيادة صاحب قناة نسمة الإعلامية نبيل القروي المسجون اليوم في الجزائر في قضية تهريب. حركة النهضة قامت بحملتها الدعائية في انتخابات 2019 ضد الفساد وضد هذا الحزب الذي وصفته بحزب الفساد، بمثل ما أن حزب "القروي" قام بحملته الانتخابية التشريعية باعتباره ممثلا للمعسكر الحداثي المضاد لحركة النهضة الإسلامية. هذان الحزبان الرئيسيان في برلمان 2019، شكلا تحالفا ضد إرادة ناخبيهم، أو بالأحرى تحالفا لا أخلاقيا تجاه ناخبيهم، وتحالفا قال بوضوح أنهما مارسا الخديعة والوقيعة بناخبـيهم. هذا التحالف مع كتلة "إإتلاف الكرامة" وهو ذراع من اذرعة الغنوشي، هو ما شكل السلطة أو التحكم في السلطة من خلال الأغلبية البرلمانية. فهل هذا برلمان يمثل الإرادة الشعبية حتى تجاه ناخبيهم؟..
بينما، الوجه المناقض تماما لتلك الرداءة السياسية وذاك السقوط الأخلاقي، هو قيس سعيد، الذي أثبت وقوفه عند كلماته إلى حد الآن، وأثبت مصداقيته الكاملة إلى حد الآن ونزاهته وإرادته الجدية في محاربة الفساد والسعي لتأسيس دولة ومجتمع القانون. وفي الوقت الذي نفر الشعب من الأحزاب التف حول الرئيس، وبرغم الإعلام المضاد والهرسلة الإعلامية اليومية لقيس سعيد المتهم بالدكتاتورية، فإن الشعب تملك القدرة على الوعي السياسي والقدرة على الفرز والثبات حول إرادته الواضحة. لذلك، عاد إلى الشارع بكثافة يوم الأحد 03 أكتوبر 2021، وفي جميع المدن التونسية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ليؤكد دعمه لقيس سعيد، ويؤكد مطلبه في إسقاط البرلمان ومحاسبة المجرمين والفاسدين. فهل من باب الديمقراطية التمثيل السياسي لهذه الإرادة الشعبية أم التغاضي عنها باسم الديمقراطية الشكلية والدستورية المؤولة وفق المصالح السياسية الضيقة على حساب مصلحة الشعب، والمؤولة وفق تحديدات إيديولوجية مجردة وجامدة متورمة غير متـفاعلة مع الواقع الفعلي على الأرض؟؟؟..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما وراء صخب الديمقراطوية في تونس اليوم
- إنتصار الرئيس قيس سعيد
- هل هو إنقلاب على الديمقراطية في تونس؟
- ساكن القبر 5
- ساكن القبر 4
- ساكن القبر 3
- ساكن القبر 2
- ساكن القبر 1
- أزمة الراهن التونسي
- فلسطين.. نقطة تفتيش إسرائيلية
- المثقف في لحظة موت الإسلام السياسي
- حوار فلسفي مع فتاة ذكية
- في رسالة رئيس الجمهورية -قيس سعيد- إلى -الغنوشي-
- الحجاب والاسلام
- المدينة العريانة
- الصداقة والصندوق
- حديث في الثورة التونسية
- التنين
- تخوم الضياع العربي
- في كتاب دولة الإرهاب


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - جانب من حقيقة الوضع السياسي الحالي في تونس