أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - حديث في الثورة التونسية















المزيد.....

حديث في الثورة التونسية


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 6790 - 2021 / 1 / 17 - 23:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان من الواضح أنه يضغط بمرفقه على شيء ما يخفيه تحت سترته بنية اللون. كنا أنا وصديقي الصحفي ننظر إليه من رصيف مقهى العموص بصفاقس. يـبدو أن بوليسا أوقـفه، ثم تـشنج من طرف البوليس وكلمات من طرف الشاب، ثم يظهر الشاب جريدة كان يخفيها تحت إبطه.. المصادفة أن صديقي يعرفه فأتى إلينا وسرد الحكاية..
كان بالفعل بوليس تابع لأمن الدولة. طلب منه بطاقة تعريف فطلب بدوره هوية تـثبت انه شرطي. كلمات متـشنجة من طرف البوليس تهدد وتـتوعد استـفـزت الطالب بكلية الحقوق سنة ثانية.. حينها قال له أنه من خلال تلك الكلمات عرف هويته أو تأكد من كـونه بوليسا من بوليس نظام بن علي. أظهر له الجريدة وكانت جريدة الموقف للتجمع الاشتراكي التـقدمي لنجيب الشابي، أبرز حزب معارض لبن علي، وصحيح أنها كانت تُباع في أكشاك ومكتبات معينة ولكن بأعداد قليلة وفي أحيان عدة تجد صاحب المكتبة يعطونه نسخة واحدة فيجد نفسه مضطرا إلى نسخها بالآلة الناسخة للذين يطلبونها. وطبعا فهي عملية نضالية في ذاتها من طرف صاحب المكتبة، لأن البوليس لو علم بما يصنع لتسبب له في مشاكل عدة من مضايقات أقلها هو تسليط أنظار القابضة المالية عليه. تلك كانت ديمقراطية نظام السابع من نوفمبر. بوليس لا يحترم أحدا ويتهجم بالكلمات السوقية حتى على الطالب الجامعي والأستاذ بما فيه أستاذ الجامعة والمهندس والطبيب. كانت جريدة الموقف برغم أنها لحزب قانوني معترف به في ديمقراطية عهد التغيير إلا أنها تُعتبر تهمة وعنوانا على المعارض السياسي. الكافر بالآلهة والمتلبس بالشياطين..
صديق لي حدثـني عن واقعة حدثت له في تونس العاصمة في عهد التغيير المبارك. كان حاملا كتابا فأوقـفه بوليس وطلب هويته ثم طلب الكتاب الذي يحمله. نظام يسهر على أمن البلاد من خلال ملاحقة حاملي الكتب والجرائد. تونس الأمن والأمان بمحاصرة المثـقـف وتحسيسه دوما أنه مزعج لنظام التغيير الأبدي المتوقف هناك في لحظة التغيير الأبدية. أي انه نظام الثبات المطلق حول عنوان مناقض له وهو التغيير. ذاك كان طابع هذا النظام. النظام البوليسي باسم التغيير الديمقراطي..
أحدث هذا النظام العبقري في الغباء والجهل قانونا يأمر بطرد التلميذ والطالب والموظف من المؤسسة التي يشغلها بمجرد تحقيـق في قضية سياسية حتى ولو ان التحقيق لم يُسفر عن أي شكل من أشكال الإدانة.
لقد كان بورقيبة ينظر بعاطفة الأبوة لمعارضيه السياسيين، فحين يغادرون السجن يعودون مباشرة إلى الخطة التي كانوا يشغلونها في الوظيفة أما الطالب أو التلميذ فـقد كان بإمكانه مواصلة دراسته من المعتـقل، ثم حين يتخرج يشتغل بشكل عادي.. فبهذا الشكل جعل كثيرين ينـقلبون في موقفهم من رفض بورقيبة إلى الاعتراف به بل أحيانا إلى الدفاع عنه بشراسة. فقد كان يفتح باب طلب العفو فيتم إخلاء السبـيل..
النظام النوفمبري خنق العمل الثقافي وأفسد المنظومة التعليمية التي أصبحت تنتج في المستويات الضحلة لغويا وتـفكريا، بعد أن كانت تونس بورقيبة معروفة بنخبها ذات المستويات الرفيعة في المعرفة، حتى أن الباكالوريا التونسية كانت كفيلة بجعل صاحبها يدرس في أكبر الجامعات الأوربية والأمريكية دون إجراء أي اختبار للثقة الكبيرة في مستواها. لقد دمر بن علي نظام التعليم الراقي الذي أقامه الزعيم حبيب بورقيبة. هذا النظام الجاهل عدو الفكر والثـقافة والتعليم والذي اشتغل بالماكياج تماهيا مع مهنة زوجته فيبدو أنها طبعت بروحها فلسفة النظام.. إكذب واكذب واكذب حتى يصير الكذب حقيقة.. المشكلة أن الكذب لم يصر حقيقة بفضل أشكال المقاومة المختلفة، كما أنه ونظامه لم يكن سياسيا حقيقيا ليشكل دائرة من الأكاذيب المقنعة، كما أنه نظام ضيق الأفق وتحدياته محدودة في الجانب الاقتصادي، وفضائح السطو على الممتلكات والدولة، وانتهاكات عائلته وعائلة زوجته الطرابلسية وتحولهم إلى أباطرة وخلق دولة الفساد وتهديد مقولة الدولة، إلى درجة أن البنك الذي لا يوافق مديره على إسناد أي قرض بدون ضمان إلى أحد أفراد العائلة المالكة، يتم طرده ومضايقته. كانت القروض مضمونة باسم الرئيس المافيوي ..
فهو في صراعه مع الإسلاميين، تصرف بعقلية اقصائية اجتثاثية. فحتى المتعاطف أو الناشط السياسي فقط تم سجنه. صحيح أن كثيرا من الإسلاميين متورط في قضايا جنائية عامة وكان يحق للنظام محاسبتهم جنائيا، ولكن التعسف والاتهامات الباطلة لكثيرين وجمع الكل في سلة واحدة واعتبار الجميع إرهابيا، فقد تـقصد بذلك خلق أجواء الرعب والخوف وقد نجح في ذلك...
حارب النظام النوفمبري الاستبدادي المقيت الإسلاميين لأنهم طالبو سلطة ومنافسيه على السلطة ولم يحاربهم في حقيقة الأمر في الفكر الرجعي المتخلف، لأنه هو رجعي وغير مثـقف وفاقد الشيء لا يعطيه، و قد قال المفكر الإسلامي القرآني المرحوم محمد الطالبي الذي كان مقربا من بورقيبة، أن بن علي كان يحتـقر المثقف في خط مضاد لبورقيبة الذي كان يحترم المثقفين ويُجلهم. ذاك أن بن علي جاهل ليس مثـقـفا، وهو مجرد "باندي"، أي صعلوك..
كل ما نشهده اليوم من أزمة سياسية واقتصادية وثقافية عامة سببها الأساسي هو نظام بن علي..
أن يصل حال النظام إلى مطاردة البوليس للنساء المحجبات في الشوارع والفضاءات العامة فهذا عار على الحداثة واعتداء على كرامة الإنسان ومحق لحريته في أبسط تعبيراتها وهو اللباس. فمن المفترض أن لا تتدخل الدولة في لباس الإنسان فاللباس تعبير ثـقافي اجتماعي جمالي له أبعاد سياسية بمثل ما أن لكل سلوك في الفضاء العام له أبعاد سياسية، ولكن أن تحول كل شيء إلى المربع السياسي ومن جهة أخرى تمنع العمل السياسي إلا كخضوع لك، فهذا يعبر عن التناقض كما يعبر عن الغباء من جهة الحكم بالقوة على الجسد الظاهر، وهذا محال أن يجعل تلك الأجساد إلا أرواحا تتوق إلى الانتقام والى لحظة الانفجار
وحدث الانفجار.. انفجار الحرية والكرامة المهدورة على أيدي عصابة تحكم بالأكاذيب والماكياج والعنترية على شعب بسيط يريد أن يعيش بفطرته السليمة ككائن حر بكرامته في دولة عادلة...
ولكن.. ما هو الذي هو "لكن".. السياسي العاجز عن التعبير عن الثورة كثورة حرية وكرامة إلى اليوم.. السياسي والثـقافي والإعلامي والموظف الإداري والمعارض بدرجاته المختلفة في تجربته السجنية باختلاف مدتها ونوعها بالنسبة للذين عاشوها كخوف متمثل أمامهم دوما.. كلهم.. كلنا.. مازلنا مرضى بما فعله فينا هذا النظام وكل يتصرف مريضا بتلك الاهانة للكرامة والحرية بطريقته.. القليلون اللذين هم واعون بكونهم مرضى ذاك النظام ويحاولون معالجة أنفسهم وتطهيرها من ذاك الدنس ومحاولة التـفكير وفق لحظة 14 جانفي 2011 وما تتضمنه من صرخة مدوية للحرية والكرامة.. أولائك فقط يحاولون التجاوز الفعلي والنظر إلى المستـقبل وذاك يتطلب نوعا من التطهير عبر التـناسي.. التـناسي وليس النسيان. التـناسي لأجل المستـقبل والأمل والتعفف والتطهير وليس النسيان..

في النهاية كلنا واحد.. واحد متـناقض أمر عادي فكل حركة هي بين المتـناقضات.. الحركة الديالكتيكية الخلاقة حين يتوفر الوعي الديالكتيكي.. الإحباط والتأسي والتحسر لحظة من اللحظات أو لحظات تطل من وراء الشباك كغراب متكئ على غصن شجرة.. لا أقـذف الغراب بحجر وإنما هي فرصة للتـشبع بشيء من الألم لأشحن طاقة جديدة على الأمل..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنين
- تخوم الضياع العربي
- في كتاب دولة الإرهاب
- في إعترافات -جان جاك روسو-
- تونس اليوم بين المواجهة والنكوص
- الإنسان بين ضآلته وكونيته
- هل المسلمون مسلمون بالفعل؟
- مائة عام من العزلة
- تونس البورقيبية اليوم
- برج الأحلام
- بحيرة البجع 3
- بحيرة البجع 2
- بحيرة البجع
- الفتنة أو إشكالية الإسلام برمته
- صفـقـة القرن أم مظـلمته
- في ارتداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية
- الإنهمام بالذات
- إغتصاب
- العراقي الجبار
- في إمكانية ثورية الانتفاضة في العراق ولبنان


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - حديث في الثورة التونسية