أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - آه يا عراق














المزيد.....

آه يا عراق


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 7086 - 2021 / 11 / 24 - 00:50
المحور: الادب والفن
    


ليلة مفصلية حفرت لنفسها شرخا في الذاكرة فأحدثت في العقل بلبلة و فوضى عارمة حتى أن الحياة امتزجت بالموت و الصحو خالطه نعاس ثـقيل على الأجفان فارتخت الأعصاب و شلت كوابح العقل حتى غدت الذات ورقة تـتـقاذفها النسمات و يدفع بها الريح إلى غربة المجاهيل...
كان التلفاز حينها يبدأ بثه مساءا قرابة الساعة الخامسة و يقطعه قرابة الساعة الواحدة صباحا أو ما قبلها بطمأنينة و رضائية عالية جد مخيفة. لم ينفجر بعد عالم الفضائيات و لم تولد بعد الألوان المتعددة أو المواطن الذي يختار ما يريد في أي مكان أو زمان يشاء.. في صباح السابع عشر من جانفي في سنة 1991 تفاعلت التلفزة الوطنية مع رغبة الجماهير. يشتغل البث التلفزيوني في الساعة الرابعة صباحا. يا للاستثناء المبهج. كان مقدم النشرة في غاية التعب و الحزن و الكرب حتى انك تخاله يـبكي و ربما هو فعلا بصدد البكاء أو بصدد الانتهاء منه أو بصدد الإقدام عليه. قال أن وكالات الأنباء الأجنبية أجمعت أن العراق دمر بأكمله نتيجة الغارات الكثيفة و القوة النارية الهائلة التي تعرض لها في أولى ليالي حرب الثلاث و ثلاثون عليه...
قلق, خوف, ارتهاب, فجيعة.. حرب النجوم, ترسانة نووية, صواريخ عابرة للقارات, طائرات حربية شبحية, حاملات طائرات كأنها مدن مسافرة في المحيطات, أقمار صناعية تكشف كل دابة تمشي على الأرض, أسلحة نووية, هيروشيما و ناكازاكي , الأرض المحروقة في فيتنام, رامبو... الحرب الباردة و عدم حسم الروس في اتجاه المعركة مع أمريكا و يأتي صدام ليحسم الأمر في اتجاه الحرب مع القوة الأطلسية الرهيبة و معها بعض الفتات الديكوري الهزلي المخجل تساندهم خمسة آلاف عاهرة مصرية و بمساندة الجيش السوري الباسل...؟؟؟
تناقلت الجموع المتجمهرة أخبارا تـفيد أن أربعة أشخاص في هذه المدينة توقفت قلوبهم عن النبض اثر استماعهم إلى نشرة الأخبار الاستـثـنائية. أحدهم يصيح قائلا:
- جبناء, أرذال, ثلاث و ثلاثون على واحد؟؟
يصرخ آخر بأعلى صوته :
- طوبى للشهداء, هذا يومكم يا عرب يا مسلمين, لا حياة بعد العراق..
تناطحت الكلمات بين الجموع الغفيرة المتجمهرة أمام مبنى الأحلام و كأنها تدق طبول الحرب, الكلمات الحماسية تـقـذفها الأفواه كالنار الراجمة. برز شاب أنثوي رقيق الملامح يصيح قائلا:
- ـ كل عشرين سنة يظهـر في العرب دجال يمنيهم بالخلاص فيرميهم في النار و الهوان, أمازلتم تصدقون فائض الفحولة؟ أمازلتم تأملون في الزعيم الأوحد المخلص؟
تبرز فتاة بهية الطلعة رجولية الوثبة تـشتمه و تسبه ثم تبكي كأنثى . أشعلت الجموع. قذفه احدهم بلكمة فالتف حوله رجلان ذوي هيبة و سمعة محمودة. قال احدهما:
- كل يقول ما يشاء. كل الكلمات تجول داخلنا فلا ضير في مواجهة أنـفسنا. يجب أن تتعلموا كيف يحب بعضكم بعضا فتقهرون كل الأعادي..
قال الرجل الآخر:
- هذه الحرب مهولة في تناقضاتها, موازين القوة مختلة تماما. الأطلسي سيسحق العراق, هذا معلوم و لكن هل سيسحق العراقيين؟ إنها في النهاية معركة العراقيين فيما بينهم فإذا أحب بعضهم بعضا و تراصفوا و تماسكوا إلى غاية الانصهار في كل واحد فلن ينـتصر عليهم العالم بأحمعه و إن أبيدوا عن بكرة أبيهم. المسألة ليست مسألة زعيم أو دجال مثـلما قال الأخ وإنما هي الحرية, إنها غبطة الروح الكلية, إنها العملية الكيميائية التي تذوب فيها العناصر الفردية في واحد أوحد احد. انه يوم النشوة الروحية قادم من بابل و آشور و بغداد. إنها مهد الأنبياء, ارض إبراهيم و النار المنهمرة عليها ستكون بردا وسلاما على أهل العراق الطيبين إن شاء الله...
المتحدث هو الدكتور سرحان أيوب الذي يحضا بشهرة لا بأس بها. انه أستاذ التاريخ الوسيط في كلية الآداب. صاحب الكتاب الذي طبقت شهرته الآفاق فمن لم يسمع بـ"انفلونزا التاريخ" ؟. الكتاب الذي حير المصنفين في تصنيفه, اهو فلسفة أم تاريخ أم أدب. انه عبقرية فذة.. التاريخ المريض, الأحداث المتشابكة التي تسير إلى التأزم فالحمى الكلية. الانـتـقال من ورش الحدادة و الأسواق و مختـلف الأحياء و البيوتات و التنوع اللغوي الرائع إلى العسكر و الأمراء و الملوك و البلاطات في مشاهد درامية و صور أدبية رائعة ثم حكما فـلسفيا بالزيف و تأخير البشرية عن عصر المكاشفة و الحقيقة و النقد فتجد نفسك غارقا في أنفلونزا تاريخية بأتم ما تحمله الكلمة من معنى مرضي...
تـتضاعف أمواج الناس ساعة بعد ساعة و صرخت الحناجر و انطلقت صفوف المتظاهرين في مسيرات شعبية ضخمة لم تعرفها المدينة من قبل. ترى وعيا يترسخ و فكرة تتجذر عبر مناصرة العراق. أهي الحرية تغرد أم العروبة تصرخ أم الإنسانية تصدح؟ انك تسمع تغريدا و صراخا و صداحا....
الآن، ومنذ أيام قليلة، إلتقيت الدكتور سرحان بعد كل هذه السنوات، وبعد كل الإحداثيات اللاحقة.. احترق شعره الغزير الرقيق المسترسل إلى أعلى كتفيه شيبا، وكان كعادته بتلك النظرة الوقادة الجميلة المفعمة بالحياة.. منذ تلك الأيام لم أتمكن من رؤيته فقد سافر إلى جزر القمور ليدرس التاريخ أو الفلسفة وليعيش هناك، وهاهو يظهر بجسد لازال يحافظ على الشيء الكثير من الفتوة، فهو رياضي ونباتي..
ملخص ما جرى بيننا من حديث، قال أن المقاربة التصورية الأكثر تبصرا من خلال النظرة التاريخية، أن العرب بدئوا يمسكون بالفعل أقدارهم بعد الغياب الكبير منذ سيطرة الفرس والأتراك عليهم وهجوم التتار...لكن. انتبه جيدا. هناك هوية جديدة بصدد التكون ببطء.
فهمت أن ما قصده بالهوية، هو فكر أو مشروع فكري حضاري جديد هو عربي تاريخيا ولكنه كعادة العرب، فإنه إنساني عالمي من شأنه أن يمثل بديلا عالميا وإنقاذا للبشرية.. يُسعدني أن أعيش تفاؤله المفعم بتلك النظرات الوقادة وتلك التحاليل الفكرية والسياسية المستـفيضة التي تخرج من فمه كنهر هادئ السيلان. نهر تحفه الأشجار الكثيفة من الجانبين.. وبالفعل يبدو جليا أن العرب ليسوا عربا بدون العراق، بل حسب الدكتور سرحان ليس العالم إنسانيا دون العراق الفاعل المُقـتدر..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنهيار
- -يوم النفير- الغنوشي في تونس
- جانب من حقيقة الوضع السياسي الحالي في تونس
- ما وراء صخب الديمقراطوية في تونس اليوم
- إنتصار الرئيس قيس سعيد
- هل هو إنقلاب على الديمقراطية في تونس؟
- ساكن القبر 5
- ساكن القبر 4
- ساكن القبر 3
- ساكن القبر 2
- ساكن القبر 1
- أزمة الراهن التونسي
- فلسطين.. نقطة تفتيش إسرائيلية
- المثقف في لحظة موت الإسلام السياسي
- حوار فلسفي مع فتاة ذكية
- في رسالة رئيس الجمهورية -قيس سعيد- إلى -الغنوشي-
- الحجاب والاسلام
- المدينة العريانة
- الصداقة والصندوق
- حديث في الثورة التونسية


المزيد.....




- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - آه يا عراق