أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - قد يكون الحب















المزيد.....


قد يكون الحب


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 7089 - 2021 / 11 / 27 - 01:37
المحور: الادب والفن
    


طارت عينا "أمجد" لتقعا على طالبة لم يرها من قبل وهو من أمضى أربع سنوات في تلك الكلية ويعرف الغالبية هناك، جذبته بمواصفاتها المحببة لديه فهي بيضاء الوجه، خضراء العينين باسمة الفم، متوسطة الطويل.. لابد أنها جديدة هنا...! لم يعد هادئا بل أصبح وكأن بداخله نداء يقول إنها هي...! مشى نحوها بسرعة وكأنه يثب ليصبح بجانبها وليبدأ الحديث بسؤال إن كانت طالبة جديدة في الكلية! أشبعت "وفاء" فضوله بجوابها لتعلمه أنها بالفعل طالبة جديدة وفي السنة الأولى، ولحسن حظه إنها في نفس القسم الذي يدرس فيه أيضا. كانت تلك هي البداية وخلال أسبوع تطورت العلاقة بينهما فقد أصبحا يغادران الجامعة بعد انتهاء دوامهما ليكونا معا خارجها. كان بينهما الغزل المتبادل وتنامي كل شيء لتصبح علاقتهما جسدية أيضا. كان أمجد عرف فتيات من قبل وتخلل علاقته بهن الجنس، ووفاء كذلك إذ لم تكن علاقتها الجسدية معه هي الأولى في حياتها وهذا ما عرفه أمجد عنها بعد أول تواصل جنسي بينهما...وخلافا لما توضحه العلاقة الجسدية بينهما حول معرفتها عنه وعن ماضيه إذ كل شيء يبقى موضع تخمين من ناحيتها عن ذلك الجانب فقد عرف أنها ليست عذراء بعد الاتصال الجنسي الأول... عرفها جسديا ولكنه لم يسألها عن الماضي واستمرت علاقتهما على هذا المنوال لبضعة أيام تبادلا خلالها الكثير من كلام الحب والغزل وتطرقا بسرعة ملحوظة لمواضيع شتى حول علاقتهما ومستقبلهما ووصلا بتفكيرهما للكلام عن الزواج وبقائهما مع بعض فما يجمعهما هو الكثير وهما سعداء ببعضهما البعض. لكن وفاء، بعد أيام أخرى وفجأة، أضحت تُبدي حزنا مصدره مجهول بالنسبة لأمجد. تتوج ذلك ذات مرة بعد علاقة جسدية إذ جلسا فوق سريره حيث تشاركا بتدخين سيجارة واحدة لهما أثناء ذلك طأطأت وفاء رأسها وراحت تفكر بينما كان أمجد يحاول أن يحضنها ليدللها ويستطلع السبب الذي أحزنها مؤخرا. بعد عدة محاولات منه قالت وهي تنظر للأسفل ودموعها تتساقط: إنني حزينة لأنني لا أستطيع أن أقدم لك ما تتمناه، لا أستطيع أن أمنحك ما يتمناه كل شاب...! ماذا تقصدين؟ سأل أمجد فقالت: لابد وأنك تريد أن تكون مع حبيبة عذراء لم تمارس الجنس مع غيرك في الماضي...! فعلق: "لم أفكر بذلك من قبل ولا أفكر به الآن...اعقلي وفكري أنني راض ومقتنع بك كما أنت وأريد الزواج منكِ كيفما كنتِ وأنت العروس الحلم بالنسبة لي..." صمتت وكأنها اقتنعت أنه ليس الشاب الذي سيشغل تفكيره بماضيها أو يتوقع منها أن تعيد الزمن للوراء وتلتقيه وتحبه هو بالتحديد ويكون الوحيد في حياتها.
برغم من مضايقة أهل وفاء لها نظرا لاكتشافهم أن ابنتهم على علاقة مع شاب لا يعرفونه وتقضي معظم وقتها معه إلا أنها أقنعتهم أن أمجد شاب جدي ويريد الزواج منها بالفعل، وهكذا غض الأهل الطرف عنها. في الأيام والأسابيع التي تلت بديا وكأنهما في شهر عسل، يغيبان معا عن بعض من محاضراتهما ليكونا في بيت أهل أمجد وفي غرفته ليمارسا الحب بكل أشكاله وبعد ذلك يخرجان ليتنقلا حيثما تأخذهما الطريق، يزورا أصدقاء أمجد في القرى التي لا تبعد كثيرا عن المدينة، يتناولان العشاء في هذا المطعم أو ذاك، يلهوان يتناغمان مثل طيور الحب ويركضان في شوارع المدينة دون تفكير بأن هناك غيرهما في الطرقات أو في أي مكان يمرا به، وحدث أكثر من مرة أن قطف واحد منهما زهرة متدلية من فوق سور هذا البيت أو ذاك ليعطيها للآخر...وهكذا أصبحا وكأن الدنيا غدت أجمل بعينيهما. بعد ظهر يوم ثلاثاء خرجا من الجامعة وهما يضحكان بفرح ومشيا باتجاه المدينة عندما أتى بمواجهتهما شاب لم يكن أنيق أو نظيف الملابس وبدت لحيته وكأنه على حالها وبدون حلاقة ربما منذ أكثر من أسبوع وبشعر أشعث... توقف فجأة وجحظت عيناه وهو ينظر لوفاء بوقاحة ثم راح يضحك بشكل خبيث وأما أمجد ووفاء فقد تابعا سيرهما وكل منهما بدا مرتبكا يغوص في التفكير...! لم يكن ذلك الشخص عابر سبيل أراد أن يعاكسهما ويشاغب بدون سبب بل كان وضاحا أنه يخفي شيئا وكأن رؤيته لوفاء ذكرته بشيء ما، وهذا ما فكر به أمجد. عند نهاية الشارع انعطفا يسارا وتابعا إلى أن وصلا أمام مقصف يرتاده الباب والصبايا عموما فاقترح أمجد الجلوس فيه لبعض الوقت! هناك لم يشأ أحدهما أن يحكي شيئا لدقائق. أتى النادل وتلقى الطلب وبغضون دقائق أحضره وهما شبه مخدران، ومرة واحدة استجمع أمجد نفسه وكسر رهبة الجو حيث نظر لوفاء بوجه قلق وسأل: "من هذا الذي رأيناه اليوم وضحك منا؟" صمتت وفاء قليلا وكأنها تتردد بين أن تكذب وتنكر معرفتها به وهي لا تدرك إن كانت الكذبة ستأتي بنتيجة تجعلها قابلة للتصديق وبين أن تقول الصدق وتخاطر بأن في ذلك مشكلة لها مع أمجد..! ثم وقبل مضي وقت طويل حسمت أمرها وأجابت: "لقد كنت على علاقة معه من قبل.." فكر أمجد ثم سأل: "أهو من كان لك العلاقة الجنسية معه؟" فأجابت: "نعم" تابع أمجد يقول: "لكن ضحكته تشي أنه لم يكن يحب بحق وإلا لما كان يسخر بهذا الشكل ولما توقف بوقاحة وبتعابير وجه تحكي الخبث..!" لم تعلق وفاء بل بقيت صامتة. في داخل أمجد راحت ثعابين الفضول والغيرة تنهش فمرة يتخيل أنها كانت أيضا شريكة لا في الحب بل في الجنس ولأجل الجنس حصرا وذلك يجعلها أصغر بنظره، وأخرى يتخيل أنها لا تمتلك أي سيطرة على شخص بهذا الشكل يظن أن من تحب هي مخطئة فيهزأ حين يراها فهو السوقي الرخيص الذي يقلل من شأن الفتاة التي أحبته وثالثة يفكر ربما كانت ضحكته ليست إلا تغطية على سعار داخلي أصابه حين شاهد وفاء مع غيره فلجأ لهذه الطريقة بدلا من أن يظهر ألمه وخيبته..! ورابعة يفكر بشكل راديكالي يجنبه الهموم ووجع الرأس وذلك بقرار عدم الاستمرار معها وتركها في الحال أو أن يقلص من حرارة علاقته بها بالتدريج ومن ثم يقطعها...! بعد حوالي الساعة من الجلوس غير السار في المقصف قال: "دعينا نخرج من هنا وسأمشي معك لباب بيتكم وأتابع لبيت أهلي، توقفا ومشيا لأمتار قليلة كان فيها مسرع الخطوات، على عكسها، ولكنها توقفت فجأة و قالت لا أريد أن أذهب لبيت أهلي وأتركك بمفردك أو أن أغادرك ونحن هكذا بهذا الوضع، سأذهب معك"، لم يعلق بشيء. وبالفعل تابعا معا ووصلا بيت أهله ولم يكن في البيت أحد من أفراد الأسرة هناك.. كان يريد أن يختلي بنفسه وينزوي في غرفته ولكنها تبعته وراحت ترجوه ألا يبقى صامتا وأن يتكلم في أي شيء. بعد صمت قصير نطق بسؤال حول ما إذا كان هذا الشخص الذي رآه هو من كان أول من مارست معه الجنس في حياتها! تلكأت في الكلمات ثم أجابت لا لم يكن هو الشخص الذي نال ما تمنيت أن أمنحك إياه...توقف لبرهة ثم قال: "في كلامي معك حول الحب والزواج لم أكن أبالغ ولم أقصد رمي كلام لمجرد الكلام فأنا أعني ما أقول...ولكن إن أراد كلانا الاستمرار مع بعض فعليك مصارحتي بكل شيء..." قالت: " وأنا صادقة معك ولن أكون إلا كذلك مدى العمر...هذا الشخص الذي رأيناه اسمه (فلان....) وقد طاردني كثيرا بعد فشل علاقتي بصديقه (فلان...) والذي كنت أخطط معه للزواج ولهذا حظي بما يريد وينقصني الآن لأكون مثل بقية البنات...طاردني ولم أكن أعرف أنه صديق لمن تركته، كان لا يدع يوما يمر دون أن يلاحقني ليقول شيئا أو ليكتب لي زاعما أنه يحبني وأنه يريد أن يطلب يدي ويخطبني بشكل رسمي...وما أن استجبت له ووصل لما يريد حتى بان على حقيقته وصار واضحا أنه كان يكذب ليصل لي جسديا وهو صديق الأول وعرفت متأخرة أن من ظننت أنه يحبني هو من حدثه عني...!" لم يكن وقع كلمات وفاء سهلا على أمجد...تنهد وتركها جالسة على الكرسي في غرفته ومشى وكأنه يهرب باتجاه سريره واستلقى فوقه...بعد ثوان تبعته واستلقت بمحاذاته ثم قبلته وحضنته وقالت: "لقد أخبرتك بكل شيء يجب أن تعرفه، أتمنى أن ننسى الماضي ونتابع مع بعض وأعدك بأنك لن ترى مني إلا كل ما فيه الحب والتفاهم والوئام وسأكون معك في كل شيء طيلة الحياة..." كانت الأفكار والهواجس تتقاطع في رأس أمجد ولكنها لم تمنعه أن يلتحم جسديا معها فمارسا جولة أخرى من الحب وبدى كمن هدأت نفسه قليلا بعدها فراح يجد المبررات ويقرر أن ماضي وفاء ليس مشكلة بالنسبة له فقد أحبت مثل كل البنات وهذا لا يغير منها شيئا أو يجعلها مختلفة عن البقية. نظرت وفاء للساعة وقالت يجب أن أذهب الآن، فقال: سأرافقك إلى البيت. كان يرتدي ملابسه ليرافقها بينما وقفت تعد نفسها أمام المرآة احتضنها من الخلف وقرب وجهه ليضعه بمحاذاة وجهها أمام المرآة وبسرعة فائقة تحركت عواطفه واهتاج ودفعها مرة أخرى الى سريره...
مضت عدة أيام وكل منهما يفكر في الخطوة التالية فهي تريد وبشكل عاجل أن يتكلم مع أهلها وهم، كما أكدت، لن يضعوا أية شروط ولن يقولوا أي شيء إلا ما يقوله بقية الأهالي: "اعط البنت للشب والرزق عالرب" وسيباركونهم ولن يقصروا معه في شيء...ومن ناحيته أصبح مليئا بالتناقضات، إنه يريد وفاء ولا يريد غيرها وهي ترضيه عاطفيا وجسديا ولا تعانده أو تحاول التنكيد عليه...ولكنه اكتشف شيئا لم يكن يسأل عنه... وفي نفسه كان يتساءل أليس من الأفضل أن يتريث لبعض الوقت!؟ واستمرت العلاقة كما هي، على نفس المنوال...
ذات يوم عند الظهيرة قال أمجد لوفاء لنذهب لزيارة صديق سمعت أنه جاء من العاصمة في إجازة لعدة أيام والطريق إلى قريتهم جميلة جدا...وهكذا ذهبا في وبالفعل كانت الأشجار تصطف على جانبي الطريق وبعدها بدت الوديان واللون الأخضر...كانا في غاية الفرح فكل شيء جميل بالنسبة لوفاء وهناك تغيير نسبي في مسيرتهما اليومية وسيرى صديقه الذي حكى عن المودة بينهما وبدوره كان أمجد فرحا أنهما ترافقا في رحلة جميلة بعيدا عن المدينة إلى قرية جميلة وسيعرفها هناك بعائلة صديقه. في القرية مشيا باتجاه بيت صديقه الذي لم يكن لحظتها في البيت وإنما في زيارة لأخيه وهذا لأنه لا يعرف أن أحدا سيزوره...قالت أم صديقه تفضلا وسأذهب لأناديه فهو في بيت أخيه الآن ولكن أمجد قال فقط دلينا بالإشارة من هنا وبأي اتجاه نذهب وسنمضي إليه بمفردنا ونعود معه...وهكذا وضحت والدة صديقه أين عليهم المشي والمسافة وذكرت النقاط العلامة لهما وهي فرحة...مشيا وقبل الوصول للبيت المقصود بقليل شاهدهما الصديق وأخيه وزوجة أخيه حيث كانوا يجلسون فوق شرفة البيت...ركض صديقه "ياسين" لملاقاتهما وراح أمجد وياسين يقبلان بعضهما البعض بحرارة وفرح...وقدم أمجد وفاء لياسين قائلا إنها وفاء بحكم خطيبتي. مشى ثلاثتهم وعند الشرفة كان شقيق ياسين واقفا وبجانبه زوجته بارزة البطن، حيث أنها بشهر متقدم من حملها، وقد تأهبا لاستقبال الضيوف وهنا بدا وكأن أمجد ووفاء على موعد مع مفاجأة من نوع ما. فعند تقديم أمجد لوفاء على أنها قريبا ستكون خطيبته بشكل رسمي جحظت عينا زوجة شقيق ياسين وهي تمد يدها لتصافح وفاء وكان واضحا أن ذلك اللقاء لم يكن الأول بين الاثنتين ولكنهما حرصتا على عدم الكلام أكثر عن هذا الخصوص...! جلسا قليلا ولكن يبدو أن صاحبة البيت قررت أن تشغل نفسها كي لا تفضحها النظرات المتبادلة بينها وبين وفاء فدخلت تحضر القهوة مسرعة وعندما أحضرتها كانت تعابير وجهها تدل على أنها تناقش شيئا في داخلها...احتسى الجميع القهوة وقالت وفاء لياسين لقد وعدنا والدتك أن نعود إليها معك...وهكذا وبرغم إصرار شقيق ياسين عليهم للبقاء أطول تحرك الثلاثة باتجاه بيت والدة الصديق ياسين. كان أمجد يحاول أن يقنع نفسه بأن كل شيء على ما يرام ولكنه لم يستطع أن يحافظ على هدوئه الداخلي...أمضى ووفاء حوالي الساعتين بعدها في القرية ومن ثم أعلم ياسين أنه سعيد للقياه بعد هذه المدة الطويلة وأنهما سيلتقيان كلما سمحت الظروف ثم ودعا صديقه ووالدته ومشيا باتجاه الطريق العام لينتظرا وسيلة مواصلات عامة...بعد أن ابتعدا قليلا لم يستطع امجد إلا أن يسأل وفاء وبعصبية لتخبره عما لا يعرفه...لم تجب ولكنه سأل بحدة من جديد لا تخفي شيئا عني أنت وزوجه شقيق ياسين تعرفان بعضكما البعض وواضح أن هنالك سر بينكما...قبل أن يسمع الجواب جاءت حافلة فمد يده وأمال راحة كفه مشيرا لسائقها للتوقف...صعدا وفي الطريق لم يتكلما بحرف. في المدينة أرادها بكلامه علانية أن تذهب بمفردها لمنزل أهلها ولكنه في سره أراد أن يعرف ما يقتله الفضول لمعرفته عما هو خفي بينها وبين تلك الحامل! مشى قاصدا بيت أهله لكن وفاء تبعته وأثناء سيرهما كان حريصا ألا يلاحظهما أي شخص من الحي أنهما بحالة توتر أو قلق.
في بيت أهله توجها مباشرة لغرفته وهناك أغلق الباب بالرغم من كبر البيت وحقيقة أن غرفته بعيدة عن الصالون وبقية الغرف وعن أرجاء البيت عموما وفورا سألها أن تحكي وإن كذبت فتلك هي النهاية بينهما...قال: لا تحاولي إخفاء ما هو واضح ولا شيء ينفع في علاقتنا إلا الصدق كما قلنا سابقا...بكت وفاء وبصوت عال ثم قالت القصة أنها، أي السيدة الحامل، تعرف علاقتي بشخص...سألها ومن هو هذا الشخص؟ أجابت بذكر اسم ليس من التقياه في الشارع من قبل وضحك منهما وليس صديقه حبيبها الأول إنه "علي" شخص ثالث... وهنا كان أمجد كمن أصابته مطرقة على رأسه...سألها وكيف ذلك؟ وماذا حصل؟ أخبريني بالتفاصيل! أجابت: قبل سنة ونصف وبناء على طلب طبيب داخلية وباطنية دخلت مشفى لإجراء فحوصات عامة وكان علي ممرضا هناك و"نبيلة" زوجة شقيق ياسين كانت ممرضة في نفس المشفى...وكان الممرض علي يهتم بي ويأخذني لإتمام الفحوصات وفي فترات العصر والمساء يرافقني خارج المشفى ومن ثم نعود لأبات لاستكمال الفحوصات في اليوم التالي...ولهذا تعرف نبيلة عن علاقتي تلك...أصبح أمجد كمجنون يتخبط، يريد أن يتصرف بعنف، يريد أن يتلاطم جسديا مع أحد...ثم اهتاج فجأة واغتصب وفاء...بعد الاغتصاب كانت تبكي بينما بدا هو هادئا...كانت تريد أن تشرح له أنها لم تخبره عن تلك العلاقة لأنها لا تريد أن تعذبه وكل ما تتمناه وترجوه وتسعى له هو أن يتجاوزا الماضي ويعيشا بوئام ومحبة مع بعضهما البعض للأبد. كانت تقول له أريد أن أقطع مع الماضي الذي نسيته وتجاوزته وأريد تحقيق حلمي بأن أسعدك وسترى ذلك بنفسك...علق قائلا: لكن، كما ترين، لا نستطيع أن نعيش حاضرنا بدون منغصات الماضي. كانت تحاول أن توصل له أنها منذ عرفته لم ولن تفعل أي شيء يخل بعلاقتهما والتزامها به ولكن قلبه كان مليئا بالحزن فمن جهة راح بسره يستعرض العلاقات التي مر بها وكيف خانته أكثر من فتاة...! يتذكر كيف كانت "أمينة" تكلمه عن الحب في النهار ولكنها تنام مع غيره في الليل، وكيف كانت "يسرى" تؤكد له أنها خُلقت لتكون له ولكنها فور عثورها على شخص آخر يمتلك ما يرضي رغباتها في الثراء تركته وهي تقهقه وتقول كنا نؤمن الراحة لبعض، وكيف أن "فتاة" كانت تقول إنه، أي أمجد، قلبها وروحها ولا تحتمل العيش بدونه وبنفس الوقت كانت كل يوم خميس حين يكون مشغولا تصعد بسيارة "أبو محمد"، وعلى علم كل من يعرف علاقتهما، وتمضي معه إلى الغرفة الموجودة وسط بستان الحمضيات الذي يملكه في القرية المجاورة للمدينة...ومن جهة أخرى كان يشعر أن وفاء قد تكون مختلفة فهي باقية معه طيلة الوقت وتمنحه كل ما يريد وعلاقاتها كانت في الماضي وانتهت...! كان يتأرجح بتفكيره بين من يريد أن يتابع معها لأن بها ما يريحه وبين من يرغب بالافتراق عنها لأنه يريد حياة هادئة...وكان بين الفينة والأخرى يُخرج تفكيره كلاما ليحكي لها عما يغيظه...كانت يائسة بمحاولاتها لتزيل من رأسه أي شيء عن ماضيها ومستميتة لتذكره بالأوقات الجميلة لهما مع بعض، بقفزهما وركضهما ولهوهما ولعبهما في وفي نزهاتهما وفي أحاديثهما...ولكنه يبدو لا يستطيع أن يزيح من رأسه أنها كانت متعددة العلاقات قبل معرفته، ولولا أنه الصدفة كشفت له ذلك لما عرف بشيء بل وكان يجزم بنفسه أن هناك علاقات أخرى لا يدرك عنها شيئا...كانت تقولها بوضوح: "حبيبي، دعنا ننسى كل ما كان بالماضي ونحافظ على جمال علاقتنا الآن ونمشي بها إلى المستقبل" وكان يكرر نفسه: "أنا متحرر وقوي ولكني غير قادر على مواجهة نظرات الناس لي ولك...غير قادر على أن أسمع تعابير سيطلقها الناس عند ذكر اسمي، غير قادر أن أتخيل أنهم يهزؤون وهم يقولون عني "أبو قرون"...وفاء أنا لم أولد وأنشأ في السويد ولست أعيش في بلد أوربي كي لا تهمني نظرات الناس وهمساتهم وضحكاتهم و..و..أنا فقط ابن هذه البلدة الصغيرة التي يعرف معظم ناسها بعضهم البعض..." توقف النقاش هنا وغادرت حزينة وهو يرافقها لتصل بيتهم.
في الليل حين أراد النوم بدأت الأفكار تتلاعب به فيجول هنا وهناك ومن ثم يعود ليتخيل شكل ذلك القذر المتسخ الذي رآه صدفة في الشارع ...ويصاب بهستيريا حين تأتي لرأسه صورة القذر ووفاء معا في الفراش كما تركبها مخيلته وكيف نامت معه ومارست الحب معه...هل مرت علاقتهما بما نمر به أنا ووفاء؟ هل رجته أن ينسى الماضي ويركز على الحاضر والمستقبل؟ أي صنف من البشر هي؟ كيف تقترب وتنام مع ذلك القذر؟ ترى ماذا فعلت في سريره؟ ترى هل كان يلتقي بها في بيت محترم يسكنه ناس أم كان يأخذها لتلك البيوت المهجورة التي نسمع عنها؟ هل انتهى تواصلهما بنهاية العلاقة أم أنه سجل لها تسجيلات صوتية وهناك صور وفيديوهات يسمع به صوتها وهي في وضع أو آخر أو يمكن رؤيتها بدون ملابس؟ ترى ما هي الأوضاع التي كانا بها؟ ماذا...كيف...أين...متى؟ هل يوجد عاقل في الدنيا يستطيع أن يقارن بيني وبينه؟ ماذا سيقول الناس عني الناس بل ماذا سيقول عني ذلك المتسخ؟ وماذا عن صديقه؟ ترى ماذا أخبره عنها كي يطاردها هي بالتحديد؟ البلدة مليئة بالبنات لماذا هي بالتحديد؟ ألترضي شبقه؟ ترى هل أخبره صديقه أنها لم تعد عذراء ولهذا اختارها هي ليفعل ما يريد دون الخوف من شيء في تلك العلاقة؟ هل كان الأول يعبث؟ هل كانت هي تعبث؟ وماذا عن الممرض؟ وماذا إن كانت هذه القصص هي نثرات من قصص أكبر؟ من سيخبرني؟ وكيف أعرف أنها هي المناسبة لي؟ لكنني بنفس الوقت أحبها وتوفر لي ما لم توفره غيرها من قبلها...إنها تطيعني ولا تزعجني حتى وأنا أتكلم معها بفظاظة ولا تريد سوءا بي...! أهي سيئة أم أن الناس سيئة؟ أهي كذلك لأنها ابنة عائلة عادية؟ ماذا كان سيحصل لو أنها ابنة عائلة قوية متمكنة ومتنفذة، هل يجرؤ أحد على الضحك كما فعل ذلك القذر؟ ماذا ستقول نبيلة لزوجها ولأخيه صديقي؟ كيف سيتقبلون الموضوع بعد أن عرفوا التفاصيل؟ ماذا علي أن أفعل؟ كانت ليلة سوداء بقي فيها ساهرا حتى ساعات الصباح الأولى هدأ قليلا ثم انتفض مذعورا بسريره وأجلس نصفه العلوي وساقاه ممدودتان أمامه وهو يشهق ولا يعرف إن كان في اليقظة أم في المنام ما راوده! كان يتخيل وفاء مع أكثر من شخص بوقت واحد وكأنهم في طقس جنسي...كانت يزفر والغيرة تلتهمه كالنار والغيظ يأكله...أراد أن يفعل شيئا ولكنه وجد نفسه عاجزا...
بعد يومين جاءت وفاء إليه وهي تحمل حقيبة بها مجلدات ضخمة قديمة ووضحت أنها انتبهت إلى أنه مهتم بالتاريخ وهذه الكتب كانت ملك خالها الذي كان يحاضر في الجامعة الأمريكية ببيروت قبل أن يهاجر إلى أمريكا ويترك كتبه لديهم.. أمسك أمجد بكل مجلد وقرأ العنوان جميعا بسرعة وأكد أنه سيقرأ بهم...
هدوء أمجد في تلك اللحظات كان منبعه وجودها بجانبه ومعه فهو يشعر أنها مكرسة له ولا أحد يستطيع تقاسمه فيها وبعكس ذلك كان واضحا أنه كان يخاف ويقلق وتراود كل الشكوك والهواجس عندما تكون بعيدة...تمددا على السرير وكان هادئا جدا...كانت تراقبه ثم سألته ما بك؟ فلم يجبها بما تريد أن تسمعه بل سألها: "وفاء لم أكن بعلاقتي بك هكذا حين بدأنا ولكنني الآن أتمنى لو أنني أعرف أن بك شيء مادي أو حسي لم يصله غيري من قبل...وفاء ماذا كنتم تفعلون؟ هل كانت علاقاتك الجسدية سريعة أم طويلة؟ أريد أن أعرف التفاصيل..." صُعقت وفاء بما سمعته وحين كرر طلبه راحت تحكي له عن أماكن ومواضع وكيف حصل وماذا حصل بالتفصيل. وبينما هي تحكي اهتاج ووثب ليغتصبها من جديد...بعد الانتهاء كانت تبكي وتوضح أن العلاقة لم تعد علاقة حب وإنما شهوانية غرائزية حيوانية بحتة وراح أمجد نفسه يبكي لأنه، كما قال، لم يكن يريد أن تسير الأمور بما سارت عليه...
بقيت العلاقة على هذا المنوال لأسابيع كان واضحا بها أن وفاء تحاول أن تحافظ بشتى الوسائل على أمجد وتتمسك به وتطالبه حينا بحياء وأحيانا بوضوح وحزم في أن يتزوجا بأسرع ما يمكن ولكنه كان مترددا تأكله الشكوك والهواجس والمخاوف ويبدو كمن يريد أن يسمع شيئا جديدا وكلما التقى بها كان يريد أن يأتي إلى هذه النقطة وهي أن تقول له ما تخفيه ولم ترويه بعد ...وأصبح قبل كل تواصل جسدي يسألها عن تفاصيل ما حدث معها من قبل مع غيره وكان واضحا أنه يريد ذلك لسببين أولهما ليستمتع ويثار عبر تركيب الصور والمشاهد بمخيلته الشهوانية والآخر ليلتقط أي تناقض أو أي شيء قد يشي بأنها تكذب...وكانت تحكي لأنها حريصة على الاستمرار معه بل وراحت أحيانا تخترع ما لم يحدث لكي يثار لأن في ذلك راحة له...كان واضحا أنها أحبته ونسيت العالم ولكنه وضع اهتمامه أولا بالعالم وليس بها...كانا بعد كل لقاء جسدي يتبادلان الكلام حول المستقبل وهي ترسم صورة متفائلة بينما كان يرى أن طريق المستقبل يبدو مسدودا أمامهما. كان يتصور أنه يحبها ولكنه لا يستطيع أن يبعدها بتفكيره عن ماضيها وعن مجتمعها...ومرة قال لها وهو يبكي: أتمنى لو أنني أستطع حملك والهروب بك إلى جزيرة نائية ليس بها إلا أنت وأنا وهناك نعيش بصفاء وهدوء...أعاد ذلك عدة مرات قبل أن تتكلم وفاء بعصبية وتقول: أصبحت متيقنة أنك حتى لو أخذتني لجزيرة نائية وبعيدة عن هذا المجتمع فإنك ستأخذه معك برأسك، ستأخذ هذا المجتمع معك وبتفكيرك لتسطيع أن تعيش فبدونه لا تستطيع الاستمرار، لا تسطيع أن تتكلم معي أو أن تقترب مني أو أن تلمسني جسديا، بل وبدون هذا المجتمع أصبحت عاجزا حتى عن أن تمنحني قبلة... تحتاج هذا المجتمع لتؤكد ذكوريتك ولتهجم علي لا بحب بل بشهوانية غريزية...صدقني أنك حتى لو ابتعدت عنه فقد أصبحت بحاجة للقرب من هذا المجتمع القذر...نهضت من السرير وجلست على حافته ثم أعدت نفسها للخروج قائلة: لا داعي لتوصلني...لم يعلق ولم يرد مرافقتها بل تركها تغادر وحيدة ظانا أنها ستعود خلال أسبوع على الأكثر...ولكنها مضت بلا عودة وانقطعت أخبارها بالكامل.



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنت موجود وغيرك موجود
- فرح وصدمة
- غش عابر للامتحانات
- -رخيصة-
- زواج
- عميل
- هبلة
- خيبات
- حقيبة
- كارل ولغز الورقة
- غيرة آدم
- ولكتبي الضائعة حكايات
- رشيد
- نسوية، ونسوية خاصة
- عشق القيود!
- هناك تأتيه الأفكار!
- بر الأمان
- انتبه فجوة (Mind the gap!)
- أما كفانا موتاً ودماراً؟
- طال التفكير


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - قد يكون الحب