أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح محمود - خيار واحد لا غير: زوال النظام الرأسمالي أو زوال البشرية















المزيد.....



خيار واحد لا غير: زوال النظام الرأسمالي أو زوال البشرية


صالح محمود

الحوار المتمدن-العدد: 7072 - 2021 / 11 / 9 - 22:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1- انهيار الحضارة الإنسانية
هذا ما يفترضه الخبراء الغرب ، و نحن العرب لا نستطيع نقاشهم لأنهم أهل مكة و لا علاقة لنا بشعابها، فعلاقتنا بالنظام الرأسمالي استهلاكية و تمويلية بالطاقة النفطية و المواد الأولية ، و تحويل بلداننا إلى مناطق لسياحتهم أو مصبات لنفاياتهم الكيميائية المشعة . هم أسسوا نظامهم الرأسمالي الصناعي هذا منذ أكثر من قرن و اليوم يعلنون نهايته الحتمية ، مقدمين حججهم ومستنداتهم و أولها تاريخ النظام الرأسمالي التخريبي و التدميري للطبيعة عبر الفيديو التالي بعنوان :
"الإنسان مدمر الأرض L’homme destructeur de la terre"
https://www.youtube.com/watch?v=4ZUY3cTKpKc
أ- الثورة في الغرب الرأسمالي الصناعي ...
لا يتحدث الغربيون عن إنهيار "الحضارة الصناعية" و نعني النظام الرأسمالي ، عبر الصراع الطبقي كما كان منتظرا أو كما كان مقررا كقاعدة و قانون تاريخي أي حتمية الثورة العمالية العالمية ، في الغرب الذي يمتلك منذ اكثر من قرن ، القوة الكلاسيكية للثورة أي البروليتاريا الصناعية بتعبير هربرت ماركوز (1) ، ففضلا على تشتت العمال كما يرى آلان تورين (2) و تحولهم ، في مجتمع يتصف بتكنولوجيا عالية، إلى فنيين و مهنيين محترفين و محللي رموز ، و هؤلاء صاروا ، بعد أن تم التخلص من العمال الكلاسكيين المسنين ، محصنين بكفاءتهم في سوق العمل . انعدم التناحر في المجتمع الغربي و صار مجتمعا موحدا ذو بعد واحد بعد أن تم ربط تحقيق المصالح العامة (الوطنية) بتحقيق التوظيفات الخاصة (مصالح أصحاب المال و الشركات) ، لذلك يرى هربرت ماركوز (3) أن النظرية و الممارسة ليستا موضوعيتن ، إن كان هناك تغييب للحرية الضرورية لظهور الحقيقة المشروع المضمر و الإفتراضي في إطار تناقض الفكر و الواقع ، ف " الإنسان العبد و المستلب في العصر الحاضر ( بعد أن سلعن النظام الرأسمالي حياة الإنسان وعلبها و أولها قيمه التي تحولت إلى قيم استهلاك ف" الحضارة الصناعية حققت توازنا مرعبا بين الحرية و الإضطهاد ، بين الإنتاجية و التدمير ، بين التقدم و الإنتكاس") لا علاقة له بالثورة و لن يدركها أو يفكر فيها " في مجتمع ذي البعد الواحد ، مجتمع مزيف لاعقلاني تمكن النظام الرأسمالي الصناعي ، عبر جهازه التقني السائد و المهيمن لا يني يتجدد باستمرار ، إلى مجتمع عقلاني ، بل تمكن من تدجين اليسار نفسه ، ستنتفي فيه الطموحات او الصبوات كما يسميها هربرت ماركوز ، و يعرّض صاحبها نفسه إلى السخرية كما يحصل الآن للمتوقعين انهيار النظام الراسمالي بحضارته الصناعية ، و يتهمونهم بالإفلاس و الفشل في المجتمع الرأسمالي ، رغم انهم علماء و اساتذة كبار و رجال سياسة محنكين . في الحقيقة طرح ماركوز كفيلسوف ، السؤال التالي " لماذا لم تقم الثورة في الغرب الرأسمالي إلى حد اليوم ؟ " و كانت الإجابة من عالم الاجتماع جيل ليبوفتسكي في كتابه " عصر الفراغ الفردانية المعاصرة و تحولات ما بعد الحداثة " ترجمة حافظ إدوخراز ، و إجابة على السؤال يرى جيل ليبوفتسكي أن السبب يتمثل في اللامبالاة و الإهمال و البرودة و الفراغ في " مجتمع الدعابة " في الديمقراطية ، في السياسة ، في الفن الذي وقع تدجينه و سلعنته ، و صار دعابيا تافها ، و حتى الإحتجاجات تلونت بالدعابة ، و باختصار طغى الإبتذال في كل مناحي الحياة ، يقول الكاتب" فقدت الأنا التحكم في الحقيقة نفسها بسبب اللاوعي ، و انحطت الأنا إلى لعبة تافهة بسبب العملية الدعابية "(4) و يضيف قائلا " في الوقت الذي تغرق المؤسسات و القيم في تأصلها الدعابي ، تتعالى الأنا لتصبح أكبر موضوع يحظى بالتقديس في زمن ما بعد الحداثة "(5) ، و في تفسيره لذلك يرى الكاتب ان النظام الرأسمالي خلق مجتمعا استهلاكيا بالترويج لسلعه عبر العرض و الإغراء - الذي يقول عنه الكاتب " في زمن الإبهار تتلاشى التناقضات الصلبة ، بين الحقيقي و المزيف ، و بين الجميل و القبيح ، و بين الواقع و الوهم ، و بين المعنى و اللامعنى ، و تصبح المتضادات "عائمة"(6) " - التمثيل المحرف ، الإحتيال و تضليل الوعي عبر لعب ورقة الشخص الفردي و رفاهيته و حريته و مصلحته الخاصة ، و هذا المجتمع جرد الفرد من قيمه الأصيلة و تقاليده العريقة سواء البروستانتية أو الوطنية ليعوضها بثقافة الإستهلاك و المتعة من خلال الإستثمار النرجسي في الجسد كالممارسات اليومية : القلق بشأن التقدم في العمر و التجاعيد ، هوس الصحة و النظافة ، طقوس المراقبة و الصيانة ( التدليك ، السونا ، الرياضة ، الحمية) ، الطقوس الشمسية و العلاجية ( استهلاك العلاجات الطبية و المنتجات الدوائية) ، الجراحة و الرياضة و الحمية ... ، البحث عن المثال المتشابه بين الجميع ( شاب نحيف و ديناميكي و فتاة نحيفة و كبيرة المؤخرة و الثديين ) - جعل النظام الرأسمالي الناس متشابهين بعد أن فعل ذلك بالأشياء ، يلاحظ جيل ليبوفتسكي - ما أدى إلى ظهور "نرجس المهوس بنفسه و حسب ، الذي يجري وراء تحقيق شخصه و توازنه ، ينتصب عائقا أمام خطابات التعبئة الجماهيرية " (7) حسب الكاتب ، أي ترسيخ الفردانية الحديثة ، متحررة من سطوة المثل العليا الجماعية ، و من التشدد التربوي و الأسري و الجنسي ، مما أدى إلى :
- تسريع إنهيار البنى التقليدية للتحكم الاجتماعي : ( الأسرة ، المدرسة ، الكنيسة ، العادات و التقاليد ، النقابة ...) بعد القطيعة التاريخية مع هذه البنى عبر الإستقلالية الذاتية عند جميع الطبقات بدون استثناء ، و عند كل الفئات العمرية و الجنسية .
- فقدان المشروع التاريخي : في إطار الحرية و المصلحة الفردانية و التطلعات إلى الرفاهية و الإستهلاك ، فتور النضال ، الإمتناع عن التصويت في الانتخابات ، انسحاب من النقابات ، صراعات اجتماعية فئوية تتركز حول المصالح الخاصة ، تآكل العاطفة القومية ، فقدان المشروع الجماعي بما في ذلك المشروع الأوربي الذي لم يعد قادرا على تعبئة الناس على نحو عميق .
- موت التضحية : في مقابل تعزز الشغف بالأنا و بالرفاهية و الصحة .
ظهور نرجس ناتج عن الهجرة المعممة للقيم و الغايات الاجتماعية الراجع إلى عملية الفردنة و الشخصنة ، تتزامن مع عصر اللامبالاة الخالصة باختفاء الغايات الكبرى و المشاريع الكبيرة التي تستحق أن يضحى من اجلها بالحياة ، حتى أن الكاتب يتساءل عن الذين يدركون نهاية العالم بفعل التلوث و الكوارث البيئية ، باستثناء المدافعين عن البيئة . ثم يضيف " لقد تزامن التحقق النهائي للفرد (في النظام الرأسمالي ) مع نزع الجوهر عنه و بروز ذرات عائمة و مجوفة بفعل حركة النماذج ، و التي أصبحت بفعل ذلك قابلة لإعادة التدوير باستمرار " (8)
إذا ، كيف يلخص الكاتب سبب غياب الثورة في الغرب الرأسمالي : "تنتهي المرحلة الكبرى من الفردانية الثورية تحت أنظارنا ، و من بعد أن كانت الفردانية عنصرا فاعلا في الحرب الاجتماعية ها هي الان تسهم في الغاء أيديولوجية الصراع الطبقي . لقد تم قلب صفحة العصر الثوري في البلدان الغربية المتقدمة ، و تمأسس الصراع الطبقي ، و لم يعد يشكل قطيعة تاريخية ، و ضعفت الأحزاب الثورية بشكل كامل ، و حل التفاوض مكان المواجهات العنيفة في كل مكان . تؤدي " الثورة " الفردانية الثانية ، التي تدفع بها عملية الشخصنة قدما ، إلى هجر جماعي للشأن العام ، و للإيديولوجيات السياسية على وجه الخصوص . و من بعد مرحلة التضخم الإيديولوجي ، نشهد الآن تهكما من أنساق المعنى . فلقد سقط النظام الإيديولوجي و مانويته بظهور النرجسية في اللامبالاة ، و لم يعد كل ما يحمل مضمونا كونيا و تعارضيا حصريا يسبب أذى بسبب فردية أصبحت متسامحة و متحركة على نحوكبير . و لم يعد النظام المتصلب و الإنضباطي للإيديولوجيا متوائما مع الزعزعة و الأنسنة الباردة . لقد لحقت عملية التهدئة بالكل الجمعي ، و حلت حضارة العلاقات بين الأشخاص مكان حضارة الصراع الاجتماعي .
و تشهد حتى الإنتفاضات الأخيرة للثورة بهذا التلطيف الذي لحق بالصراع الاجتماعي . و هذا الذي انطبق على أحداث مايو 1968 . و تبدو النقاشات التي دشنت حول مضمون الحركة معبرة جدا بهذا الخصوص : هل كانت تلك الأحداث ثورة أم عرضا متفاعلا مع الجمهور ؟ و هل كانت صراعا طبقيا أم حفلة حضرية ؟ و هل كانت تعبر عن أزمة حضارة أم هرجا و مرجا ؟ ... " (9)
ب - العلم كإبادة للبشرية
هل كانت COVID19 عملية مفبركة من النظام الرأسمالي نفسه و من حكوماته الخادمة الوفية للأثرياء ، غايتها التجريب و الإبادة ، تدمير الطبقة الوسطى و اساسا التجار الصغار خدمة للمستثمرين الكبار ، و فرض الهيمنة على مجتمعاته و الحد من الحريات بالتضليل من خلال احتكار العلم و استخدامه لترسيخ سلطته .
أولا ، متى كان العلم حرا و مستقلا ، و لصالح الإنسان ، فمنذ ولادته كان بين أحضان النظام البرجوازي و في خدمته ، أحيلكم على ميشال فوكوا و نقده للعلوم و العلوم الإنسانية و من بينها علم النفس و الطب النفسي ، بل "حاصل الثورة العلمية كان " إزالة كينونة الأشياء و البشر" (10) و تلاشي الهوية عبر العولمة ، أو تكاد ، يتحول العلم اليوم لنظام تدميرالطبيعة و الهيمنة و الرقابة على الإنسان إلى دين ، كهنته العلماء أو المتخصصين les experts ، و ككل دين يخضع و في خدمة السلطة و الحاكم ، الصراع المركزي ببين العولمة و ارادة الفرد في أن يكوون ذاتا فاعلة (11) و باستبعاد الفلسفة و اعتبارها غير ذي جدوى - فالاصل في الفلسفة أنها لا تتفق و الواقع إذ الفيلسوف حر و مستقل على الدوام كما يرى هربرت ماركوز(12) – مما يجعل" الطبقة المضحى بها (اليوم ) هي طبقة المثقفين و الفنانين و ليس طبقة العمال" (13) . العلم اليوم في خدمة النظام الرأسمالي ( الطب مثلا ، الذي لا يفتأ يخدمه بكل جوارحه ، فما رأيكم أن يقوم هذا الطب الرأسمالي بحرمان الرضيع من حب أمه و حنانها بحرمانه من الرضاعة من ثدييها على عكس كل المخلوقات المرضعة لصغارها و الحال " أن المرأة تبرهن عن أمومتها بإعطاء الحليب لصغارها ، التي لا تمتلك نافورة حليب ليست أما " محاورات افلاطون – محاورة مينيكسينوس - ، لا لشيء إلا لترويج معلبات الحليب الرأسمالية المصنعة و المعقمة - ( و نحن لا نعلم بأي مواد كيميائية يخلط النظام الرأسمالي ذلك الحليب ، سيقال : لا بد من إبداء حسن النية - نعم لا بد من إبداء حسن النية حين نعلم أن النظام الرأسمالي سمم كل شيء ، التراب و الماء و الهواء ، سمم الإنسان على المستوى الجسدي عبر مواده الكيميائية الصناعية و النفسي فالإنسان لم يعد كيفا بل كما أي متشابها ، لم يعد تنوعا بل معولما (14) بعد أن سحبت منه الخصوصية و الأصالة من فروقات بين جواهره ، إستعدادات ، ماهية ، فطرة ، فالناس على سبيل المثال لهم فكرة مسبقة ضد البدينين مما يجعلهم يلتجؤون للحمية يصل حد الموت بل" لكي تحسب إلى أي فئة من الوزن أنت تنتمي تقوم بكل بساطة بقسمة وزنك بالكيلوغرام على طولك بالمتر " إذ " في زمن مضى كلمات "نحيل " ، و "صاحب بدانة" ، كانت ببساطة كيفيات ، و لكن اليوم ضممنا إليها كميات " كما يرى إيان هاكينغ ( Ian Hacking) (15) . و هذا مثال فهم يحددون الخصوصيات عبر إنتاج المثال وفق معاييرهم (شاب نحيف و حيوي ... ) هكذا يعلق الغربيون على الظاهرة . و العلوم الإنسانية :علم النفس و علم الإجتماع على سبيل المثال تستخدم لتركيز الإيديولوجيا الرأسمالية ، انظروا كيف أباد الإنقليز الشعوب الأصلية للقارة الأمريكية و لقارة أستراليا و ما فعلوه لبقية الشعوب التي استعمروها لبناء الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس اعتمادا على علماء الأنتروبولوجيا في اعتبار الإنقليز المتحضرين رسل تمدين الشعوب البربرية ، الهمجية ، الوثنية المتوحشة - ( ورثته أمريكا الإمبريالية اليوم في سعيها لتمدين الشعوب و الحفاظ على مصالحها (هيمنتها ) ، فعبر السلفيون الجدد يعتبرون أنفسهم كما شعب الله في التورات مدعوون لفرض الخير في أنحاء العالم عبر السلاح إن لزم الأمر (16) و هذا لا يهم شعوب أمريكا و أستراليا التي فتكوا بها و أبادوها بطرق دموية " لكي نمدنهم سلبناهم ارضهم ، و أتلفنا غذاءهم ، و فرضنا عليهم قوانينا و عاداتنا المتعارضة مع قوانينهم و عاداتهم ، و جهدنا في اخضاعهم لأذواقنا التي يكرهونها ، و ذبحناهم حين دافعوا عن انفسهم و أملاكهم ، و أجبرناهم بقوة السلاح على أن يعترفوا بنا أسيادا "(17) و هذا وصف ملطف لطريقة تمدين الإنقليز للشعوب الهمجية و البربرية ( بما فيها الشعوب التي خلقت الحضارة البشرية كمصر و بلاد الرافدين و الهند و الصين و غيرها من الشعوب العريقة ) (عرض الهياكل العظمية للمصريين و العراقيين و الصيين و غيرهم من الشعوب العريقة مع الهياكل العضمية للديناصورات و الماموث ) يكفي أن تزور متحف سميثونيا للتاريخ الطبيعي National Musiem of National history في المنطقة الواقعة بين البيت الأبيض و هضبة الكابيتول لترى هذه التصنيفات العجيبة لشعوب العالم مجسدة أمام عينيك . هنا تقف حائرا متسائلا : لماذا تعرض نماذج من الهياكل العظمية لسكان الصين و الهند و مصر و وادي الرافدين و معظم البلدان التي شهدت ولادة حضارتنا الإنسانية إلى جانب هياكل و عاديات السحالي و السلاحف و السمك و الدببة و الماموث و الديناصورات و الحيوانات المنقرضة ؟ و أين الزنابير (الإنقليز ) ؟ أليس لهذا الشعب المختار هياكل عظمية ؟ أليس للمتحضرين ذوي الدم الأزرق تاريخ يوصف بالطبيعي ؟" يتساءل منير العكش في كتابه "أمريكا والإبادات الثقافية "لعنة كنعان" الإنقليزية - (بالمناسبة لو لم يدعم الكاتب بحثه بالمستندات و البراهين حتى أنه رفض إدراج وثيقة في نصه هذا حتى يتحقق منها ، لاعتبرت ما كتبه حول دموية و بربرية و وحشية الإنقليز في إبادة الشعوب من قبيل الخيال العلمي ، وبالمناسبة ليس هذا قول العكش بل اعتراف أحد الرسامين إذ يقول متحدثا عن هنود أمريكا الشمالية في مذكراته " هذا العرق النبيل من بني البشر يتجه بسرعة نحو الإنقراض " (18) . ليس الإنقليز فحسب من ورث الحقد اليهودي بل الغرب بأكمله ، أكبر مفكريه ذكروا ذلك أستحضر منهم على الأقل ميشال فوكو ، مارتن هايدجير و جان بول سارتر يؤكدون استبطان الغرب العقلية اليهودية ) - و يجيب على لسان مارك توين " خلق العالم للإنسان ، الإنسان الأبيض" و جاء داروين ليبني للإنقليز برجا إضافيا "يطلون من عليائه على الأنواع السفلى من البشر ، ينتقون منهم ما يحلو لهم ليمدنوهم ، أو يمهلون منهم ما يحلو لهم إمهاله . و لكل أجل نصيب من الخير .
من هذا البرج التطوري ، صارت الشعوب الهمجية في العالم السفلي "مستحاثات حية " للدراسة رأت فيها كل العلوم نافذة مهمة على التاريخ الغابر للمتحضرين الأنكلوسكسون . فالتطور البشري يدل على أن المجتمعات تدرجت من الهمجية إلى البربرية فإلى عرش الحضارة الأعلى الذي عليه الزنابير ( الإنقليز ) . أما " هؤلاء الهمج ( الذين يمدنونهم ) فيمثلون سلسلة التطور البشري الذي يمتد عميقا في الزمن ، و لعلهم هم الأمل في الكشف عن الكيفية العجيبة التي تطور فيها الجنتلمان الإنكليزي من القردة " . لكن هناك من ساقه بحثه "العلمي" إلى التأكيد على أن التطور الطبيعي لم يشمل كل ما يقال عنهم بشر ، و أن بعض الشعوب مثل الصينيين و اليابانيين و المصريين يلهثون في مؤخرة هذا التطور ، و ان بعضها لا يستطيع أن يقلد المتحضرين و يتعلم منهم إلا بالقدر الذي تستطيعه البهائم "
و معيار التمدن " الملكية الخاصة" "بذلك تمحورت أدبيات "الحضارة " و"التمدن" و "الرخاء" و "المدينة الفاضلة" حول الملكية الخاصة التي صارت معيارا للتمييز بين الخير و الشر . و صار غيابها "من أبرز معالم المجتمعات الهمجية . و ستظل هذه المجتمعات همجية و بربرية حتى تتعلم مركزية الملكية الفردية في نشوء الحضارة " ، كما يرى ميريل غايتس رئيس جامعة رتجرز Rutgers و رئيس مؤتمر Lake Mohonk في محاضرة له أمام الجمعية الأمريكية للعلوم الاجتماعية (1885) .
استعانت هذه الأدبيات بأفكار أنبياء الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس من آدم سميث Adam Smith إلى توماس هوبس Thomas Hobbes إلى جون لوك John Locke ، لرسم الحدود الفاصلة بين الحضارة و الهمجية أخلاقيا و اجتماعيا و سياسيا و اقتصاديا و جسديا وفق معايير "سوقية" لا تقيم للأخلاق وزنا . فالمجتمع السعيد الذي تسوده مكارم الأخلاق هو المجتمع القائم على قواعد الملكية الخاصة . لهذا كان لا بد من وصف المجتمعات الهندية (و كل مجتمعات غير بيضاء هي مجتمعات هندية / كنعانية ) بأنها مجتمعات منحطة ، و دونية inferior ، و همجية sauvage حكم عليها قانون " البقاء للأصلح " بالفناء إذا لم تلحق بركب الحضارة ، فتعطي المستوطنين ما يريدون " (19)
ج - الصين أكبر كارثة تهدد الإنسانية !!!
يطلق الغربيون صيحة فزع لأنهم مهددين قبل غيرهم بالكارثة فهم المتسببون في الخراب المنتظر و الدمار ، عبر الرفاهية و الإستهلاك المجحف و نشر مثلهم الإستهلاكية المبذرة في أنحاء العالم . لتصبح شعوب العالم الثالث ضحاياهم عبر التجويع و التفقير(هذا ما يعترفون به هم أنفسهم ) .
و بمعادلة رياضية ، يقولون ، المنظومة الاقتصادية الرأسمالية المعتمدة على النمو المستمر و المتواصل ، في عالم محدود الموارد - طبيعة النظام الرأسمالي تدميرية عبر منظومته الصناعية و التكنولوجية التي تتطلب باستمرار المواد الأولية و الطاقة الأحفورية من نفط ، غاز و فحم حجري ... يعني المزيد من استنزاف الأرض وتخريبها - سينهار بالضرورة .
https://www.youtube.com/watch?v=kLzNPEjHHb8
العالم اليوم على مشارف الهاوية و الإنسانية مهددة بالإبادة و هو ما يؤكده خبراء الغرب ، فليس السؤال هل حقا ستنهار الحضارة الرأسمالية الصناعية ، بل متى ستنهار ، و نحن لا نشعر بذلك لأن النظام الرأسمالي حوّل المجتمع اللاعقلاني الزائف إلى مجتمع عقلاني و استطاع أن يغيب الرأي الآخر عبر السيطرة و الرقابة ف"الديمقراطية هي أنجع نظام للسيطرة حيث تصبح الدولة مسخ هجين بين العبودية و الحرية" كما يقول هربرت ماركوز .
قد يطرح السؤال هل الخير و الخلاص قادم من الغرب ، و الجواب نعم رغما عنا و لكن عبر الجحيم الذي ستمر به البشرية ، و هل سيأتي الخير من الشرق – الصين على سبيل المثال ؟!!! الصين التي صارت تقف اليوم كقوة عالمية عاتية ، و تترس في وجه أمريكا .
هل الصين قوة خير قادمة للبشرية ؟!!! الصين الشيوعية كما تدعي - و النظام في كل مرة يؤكد للعالم الذي بدأ يشك في حقيقته كنظام مستبد -و لاعب عالمي متمرس بقواعد النظام الرأسمالي كما يقول فرانسيس فوكوياما (20)، "نحن دولة شيوعية " - يا لها من شيوعية ، الفردوس الأرضي الذي بشرنا به ماركس - و هم يشيرون لصورته المتصدرة لمجلسهم ، و هم في الحقيقة يبنون امبراطورية الصين التي جعلت شعبها "زمبي" عبر الإستبداد و لوثت البيئة ، ضعوا هذه العبارة " تلوث المدن الصينية " على "Google "و ستفهمون لماذا يغادر الصينيون اليوم المدن للإستقرار في الأرياف نتيجة تعفن مدنهم و تبعات ذلك على صحتهم و صحة أطفالهم ، سترون كم وثيقة تتحدث عن مستوى التلوث في المدن الصينية ، غيروا العبارة بأخرى من مثل "التلوث في الصين "و واصلوا البحث ... هل هذه الشيوعة التي يبشروننا بها ؟!!! هنيئا للصين التي خدعتنا ، بالتكفل بمهمة إبادة الإنسانية . لنتكلم بوضوح و بالأدلة الملموسة ، ماذا قدمت الصين للعالم ، أغرقته بالسلع الرخيصة - "سلعة شِنْوَة" هكذا يقال دلالة على فسادها - و الملوثة للبيئة عبر تخريب الطبيعة من خلال استنزاف الموارد الطبيعية ، و بالمناسبة ، المنظمات الإيكولوجية التي تتواجد في الغرب التي تعري النظام الرأسمالي في محاولة لفرملة عملية التوسع الاقتصادي اللامحدود و ما يرافقها من تخريب للطبيعة لا يمكن أن تتواجد في دولة استبدادية مثل الصين التي قدمت للعالم في النهاية هدية فيروس كرونا ، و العلماء يؤكدون ذلك أعني أن الوباء من منتجات الصين لا الرخيصة فحسب بل الفتاكة ، فتكت بالإنسانية قتلا و دمارا ، صحيح أننا سمعنا اتهامات متبادلة بين ترامب الذي يصف الوباء ب"الصيني" ليرد عليه "شي جين بينغ" الرئيس الصيني "المنتخب رئيسا مدى الحياة !!!" نافيا التهمة ، ثم عم الصمت بعد ذلك ، لأنهما يمثلان أمام العالم كدولتين عدوتين و في الخفاء متحالفتين على تدمير الإنسانية بنظامهما الراسمالي التخريبي و التدميري .
أتذكرون الطبيب الصيني الذي لقي حتفه بفيروس كرونا و هو أول من حذر الأوساط الطبية الصينية منه ، هذه قصته و التي تؤكد ضلوع النظام الصيني في كارثة كوفيد 19 في العالم و تغرقه في الموت ، في الدمار و الخراب :
https://www.youtube.com/watch?v=vIeiq1K6D68
ثم أخيرا هاهي عالمة الفيروسات الصينية لي مينغ يان تحسم القضية و تتهم الصين مباشرة بتصنيع فيروس كورونا الفتاك :
https://www.youtube.com/watch?v=GdbCDa0bgCI
https://www.youtube.com/watch?v=lIbTlBYmo14
إذا كيف خدعت الصين العالم ؟ !!!
https://www.youtube.com/watch?v=LN9fQFMTpEE
و هذا يعطينا فكرة عن عالم الشر الذي نعيش فيه ، و الشياطين البشرية التي تتحكم بمصير الإنسانية ، فيكفي أن يطلقوا فيروسا ليبيدوا الإنسان و الإنسان فقط ، و تخيلوا الآن كم لهم من فيروس من نوع كورونا أو أكثر ضراوة و شراسة و فتكا منه بكثير ، كم لهم من رأس نووي (ذري ، هيدروجيني ، نتروني ) ، كم لهم من سلاح كيميائي و بيولوجي ( جرثومي ، بكتيري و فيروسي ) ... ، كل الأسلحة مباحة ليمتلك هؤلاء الكلاب المسعورة الأرض و من عليها ، و الغريب لم يفهموا لحد اللحظة أنهم لن يمتلكوا شيئا بل سيُحرقون يُبادون مع البقية .
في المرة القادمة ستطلق الصين صاروخا محملا بالوباء ، فقدت السيطرة عليه و التحكم فيه ليمحو الإنسان من على وجه الأرض . و الإنسانية لن تستطيع محاكمة هذه الكارثة العالمية الجديدة (امبراطورية الصين) على ما جنته على العالم من إبادة و دمار و خراب عبر فيروس كوفيد 19 ، مثلما عجزت سابقا عن محاكمة القوى الإستعمارية الغربية لعبوديتها الشعوب و إبادتها و نهبها ثرواتها ، و منها إنقلترا ، و أمريكا الإمبريالية التي تدين هولوكوست اليهود و تنكر هولوكوست الهنود الحمر و تقلل من أهمية هولوكوست الأفارقة السود، كما يقول عادل سعيد بشتاوي - على "القتل و التعذيب و الغاء حقوق الإنسان التي ضمنتها المعاهدات و الأعراف الدولية منذ الحرب العالمية الأولى" يضيف بشتاوي ، دون أن ننسى استخدامها آخر ما توصل له العلم في أبحاثه وأعني السلاح النووي لإبادة الأبرياء و تخريبها الدول و تدمير حضارتها مثلما فعلت في العراق لأن ما يهمها هو النفط أما الحضارة فهي آخر ما يمكن أن تفكر فيه مثلما يقول بشتاوي .
بل سيتم التغطية على جريمة الصين التاريخية في حق البشرية بل و تبرئتها رسميا و نهائيا
https://www.youtube.com/watch?v=Y_5CF0YZrWI
فماذا لو تزول أمريكا التي تمثل آخر قلعة أمام الصين ، اعني هل من الحكمة تمني زوال أمريكا لتنفرد بنا امبراطورية الصين الكارثة الكبرى ...
2- انهيار حضارة الغرب الرأسمالية الصناعية لماذا ، كيف و نتائجها
يدرك الغرب أن النظام الرأسمالي سينهار و سيكون لإنهياره وقع عظيم "أبوكاليبس" ، الجحيم على العالم بأسره ، لهذه الأسباب :
L’effondrement de notre civilisation industrielle
https://www.youtube.com/watch?v=K01MnnOV-u4
Contre-argument à la collapsologie
https://www.youtube.com/watch?v=5u20SwSM4IQ
24 solutions pour éviter l’effondrement
https://www.youtube.com/watch?v=I2EnchpXYBg
إذا ، الغربيون اول من سيتعرض لأكبر الكوارث التي ستنجر عن انهياره لأنهم ببساطة مرتبطين عضويا بجهازه التقني السائد والمهيمن ، لا يني تجدده باستمرار كمنظومة استهلاكية ، على المستوى الغذائي " ( يتكفل به supermarché) و هم بالمناسبة يتحسرون على فقدانهم تلك العادات التقليدية القديمة في تخزين المؤن " و الماء في الحنفية و التي تشرف على توزيعه الشركات المختصة ، و الطاقة و التي تهم جميع المرافق الحيوية ، ستشل الحياة اليومية في حالة اختفائها بفعل تناقص مواردها ، و الصحة التي تعتمد على الطاقة ماذا لو انعدمت من المستشفيات ، و ماذا عن الأدوية في حالة تناقصها و اختفائها ، ستنتشر الامراض و الأوبئة ، ستنتشر جثث الموتى في كل مكان ، ستعم الفوضى و الجريمة و النهب و السرقة ، و ستنشب الحروب الاهلية ، هذا ما ينتظر الغرب عند انهيار النظام الراسمالي الصناعي ، و هذا ما يؤكدونه هم أنفسهم .
و ماذا عن بقية شعوب العالم ، ستكون الدول الأقل تضررا الدول الأقل ارتباطا بالجهاز التقني الراسمالي الصناعي ، هي الدول ذات صناعة و فلاحة محلية ، و ذات عادات و تقاليد غذائية و سكنية محلية ، ستكون الأضرار نسبية كلما كان البلد مستقلا عن النظام الرأسمالي الصناعي و الإستهلاكي .
الغربيون يقولون يجب على العالم ان يعجل بالإجهاز على النظام الرأسمالي فكلما تراخى و طال الإمد كانت العواقب وخيمة على الإنسانية و أكثر ضررا .
و لمن يتساءل عن البديل في حالة انهيار النظام الراسمالي و قبل ان نتساءل عن ذلك ، هل تعتقدون ان هذا النظام الشرير المتوحش سينهار في ويوم و ليلة ، و هل بُنِيَ في يوم و ليلة ، و لأن أربابه شياطين بشرية ، كلاب مسعورة ، أوصلوا العالم إلى الدمار و الخراب الوشيك و الإنسانية إلى الفناء ، و طالما أنهم يملكون كل شيء ، الأرض و من عليها ، الثروة والسلطة السياسية و العسكرية و السلاح و المخابرات و وسائل الرقابة ، التكنولوجيا و الدعاية ، فهل سيقدمون للإنسانية الأرض على طبق من فضة ، قائلين "هاكم أرضكم سليمة كما قدمتموها لنا منذ زمن " ، أم سيعمدون لحرقها و حرق الإنسانية معها ، و هذا ما سيحصل ، بل سيعمدون إلى استخدام كل الأوراق بما فيها الأسلحة النووية و البيولوجية و غيرها من أسلحة الدمار الشامل ، لذلك الغربيون يدعون إلى الإستعداد لظلام الإنسانية القادم ، بل الأوربيون يدعون إلى مغادرة اوربا و قلب الهجرة بدل جنوب شمال ، ستكون شمال جنوب .
3- و ماذا عن العرب ....
طيب ، ستنخرط الإنسانية في الدفاع عن الارض أعني في الدفاع عن وجودها (وجود الإنسانية)، و العرب سيتساءلون " و ماذا عنا نحن ؟!!!" ، لكن لنبحث عن مكان العرب في التاريخ بالمقارنة مع الغرب ، فهم على بعد أربعة قرون على مستوى الثورة العلمية ، على بعد ألفي و خمسمائة سنة على مستوى ميلاد الفلسفة ، فالغرب يقولون : العرب عرفوا الفلسفة و لكنهم أحرقوا كتبها ، يعني لم يدمجوها في فكرهم ، بل بقيت غريبة عنهم . و شيوخ الإسلام هم أيضا يعترفون بذلك ، إذ يحمدون الله على عدم تأثر العرب المسلمين بالفلسفة الإغريقية ، و غني عن التذكير ما تعرض له الفلاسفة العرب من تهميش و تنكيل و قتل من طرف الرعاع بتحريض من السلاطين ، و لذلك حُرم العرب من حوار الأصدقاء الذي تحدث عنه ميشال فوكو ، و حرموا من مدينة الأحرار روح البوليس (المدينة اليونانية) ف"الدولة اشتراك أحرار" الذي تحدث عنها أر سطو (21). نحن على بعد آلاف السنين الضوئية من الثورة التكنولوجية و الرقمية ، و أيضا على بعد ست مائة سنة من ثورتهم الثقافية (فصل الدين عن الدولة ) ، العرب مازالوا سجناء الأقانيم الثلاثة "السلطة السياسية الرجعية ( القبلية و العشائرية ، دولة الرعايا ) و العادات و التقاليد البالية ( من بين العادات العربية كمجتمعات سلطانية و قبلية أو الملة والطائـفة وليست دول مواطنة و حرية ، استعمال عموم الناس في الشارع مفردات تدل على العبودية مثل "باشا أو سيدي" ، أو اعتبار الحاكم هو المتفضل و الواهب و لذلك يستخدمون التقليد كلغة الخضوع و الذل حين يلتمسون منه خدمة ما أو قضاء شأن ما ، و استخدام المناشدات و التوسلات (رسوخ مفهوم الرعية و تهميش دور المواطنة) على حد قول د. عبير بسيوني (22) ، و الإقنوم الثالث الدين (وصاية المؤسسة الدينية عبر شيوخها ، و تدخلها في السياسة و التوجهات العامة للدولة أو "التابو" الذي يمثل قيدا و حَجْرًا على الفكر الحر في دولة غير محايدة ، أعني ملونة بإيديولوجيا دينية ، أو دولة الأغلبية المسلمة ) .
نفهم الان لماذا بقيت النخب الديمقراطية "جماعة صفر فاصل" أعني لا قاعدة لهم في المجتمعات العربية ، فمن يخاطب اليسار العربي على سبيل المثال أثناء إلقائه محاضراته عن النظام الرأسمالي و الصراع الطبقي و الثورة الإشتراكية العمالية . فإذا كانت المجتمعات الغربية قد مرت بالنظام الرأسمالي الذي دجنها بما في ذلك اليسار عبر جهازه التقني و جعلها مجتمعات مستلبة مزيفة لاعقلانية ، طيعة لا علاقة لها بالثورة و لا تفكر فيها ، فإن المجتمعات العربية لا تفهم ما يقوله اليسار ، لأنها مازالت تتواجد في العصور الوسطى لا لأن المثقفين العرب مازالوا يناقشون قبول الحركات الإسلامية بالديمقراطية و عدم لجوئها للعنف أم لا، و يهللون كلما شعروا بأن هذه الحركات معتدلة .
و لكن " الاعتدال بالسلب كنقيض للراديكالية والتطرف , وهي مفاهيم تتحول في الأنظمة السلطوية وشبه السلطوية إلى قضايا ذاتية غير موضوعية, حيث يصبح المعتدل رهنا للسلطة السياسية التي ترغب باستدخاله وتطويعه لأهوائها دون أي قيد أو شرط ودون أن تتغير هي " (23) و قبولها للديمقراطية ، خذ مثلا حركة النهضة الإسلامية و حتى تظهر معتدلة أبقت على منظومة النهب و الفساد و شرعنت لها بإعادة الفاسدين إلى الحكم ، كما أنهم أثبتوا أنهم حلفاء جيدين للقوى الخارجية .
- و في الحقيقة ، كانت إجرءات 25 جويلية 2021 الإستثنائية حجة و برهان على ما ذكرته في مقالي 2019 المعنون " مسرحية الإنتخابات في تونس" و كنت بينت دور الإخوان، أو "الوباء السياسي" كما يسميه قيس سعيد ، في شرعنة الفساد و تمثيل الحصن الحصين لعصابات تهريب الثروات ، لمزيد السرقة و النهب بلا رقيب و لا رادع - أشفقت على راشد الغنوشي الذي بكر فجر يوم 26 جويلية لمجلس النواب و هو شيخ في ارذل العمر ، ليتوسل إلى الجنود لفتح البوابة للدخول قائلا لهم "أيها الجيش ، يا حامي الحمى و الدين " و كان من المفروض ان يقول يا حامي الحمى و المعتقدات و الأفكار ، و لأنه شيخ لا يحسن السياسة كما كان يخيل لي حين نزع جبته و عمامته و عوضها ببدلة إفرنجية ، و ربطة عنق حمراء حتى أن بعض اليساريين أبدوا امتعاضا و لاحظوا له ذلك في شبه لوم و تأنيب ، قلت في نفسي حينها " انظر هذا الشيخ الذي كان رجل دين ورعا ، حتى أن أتباعه استقبلوه في مطار قرطاج في 2011 في حشد كبير، بالتهليل و التكبير و "طلع البدر علينا " و تقبيل يده تبركا ، يتحول الآن إلى سياسي محنك " لكنه خيب أملي - ففي صبيحة 26 جويلية قوبل باللعنة و الرجم بالحجارة بدل المليونية التي كان ينتظرها - بدل السياسي المحنك ظهر أمام الجميع غبيا و أحمقا سياسيا ، فقد اعتقد حين عاد إلى تونس انه صار الزعيم التاريخي الأوحد لتونس ، لأنه الزعيم التاريخي للنهضة ، فجماعته يتحدثون بغطرسة و عجرفة في وسائل الإعلام عن حركة النهضة يعتبرونها تونس ، و تونس هي النهضة ، يقولون " ماذا تساوي تونس بلا حركة النهضة " هذا الكلام يلخص ما وقع بالضبط ، أعني ما يردده قيس سعيد حين يقول " جعلوا الدولة غنيمة " الغنيمة كمصطلح إسلامي .
الإخوان فكروا في كل شيء في النهب و التشريع للنهب ، تركوا الحبل على الغارب ليستشري الفساد في الدولة حتى كادت تنهار تماما ثم في النهاية طالبوا بالتعويضات و فورا ، عبر تصريحات عبد الكريم الهاروني ، في قلب عاصفة جائحة كوفيد ، في وقت المرض و الموت و الفقر و الجوع - حتى أن قيس سعيد تحدث في عديد المرات عن ميت مسجى بين الأحياء ، إذ لم يجدوا له مكانا في قسم الإنعاش – قمة القسوة و اللامبالاة من حركة اسلامية ، فالذين يطالبونهم بالتعويض هم الذين انتخبوهم . و قرارات قيس سعيد الإستثنائية 25 جويلية 2021 جاءت إثر احتجاجات شعبية في عديد المناطق ، بل قيس سعيد قال ان هذه القرارات جاءت متأخرة ، إذ كان من المفروض اتخاذها منذ شهور . لذلك خسر راشد الغنوشي رهانه في ذلك اليوم على المليونية التي كان من المنتظر أن تنصره ، فظل ينتظر دون نجدة شعبية بل قوبل بلعنة ، لم يحضر صباحا إلا نفر قليل من نواب النهضة و بعض معارفهم ، ثم في المساء شاهدت فيديو لبعض الأتباع لا يتجاوز عددهم 15 شخصا أو دون ذلك ، منهم فتاة مراهقة تتسلق بوابة المجلس و تصرخ في الجنود صراخا يائسا "افتحوا الباب ، افتحوا الباب ..." ، و آخر خلع قميصه و بقي في "مريول خلعة" و هو يحاول تأنيب الجنود قائلا بأن أزياءهم العسكرية من أموال الشعب ، و امرأة أخرى تقول لن نبرح هذا المكان ... . هم برروا فشلهم في نصرتهم عبر المليونية الشعبية ، بمنع الحافلات القادمة من شتى المناطق من الوصول إلى تونس العاصمة ، مع العلم أنهم ليسوا في حاجة لنجدة من خارج العاصمة تونس و التي تتكون من أربع ولايات (تونس ، بن عروس ، منوبة و اريانة ) و عدد سكانها يتجاوز مليوني و نصف المليون .
يا لسخرية القدر ، كيف سقط هذا الشيخ (راشد الغنوشي )- الذي اعتقد وهما أنه رمزا تاريخيا و الذي كان بإمكانه أن يكون رمزا تاريخيا ببعض الحكمة - بهذه البساطة و هذه السهولة ، ليلقي به التاريخ في المزبلة و نهائيا في ظرف وجيز و هو الذي كان يردد " النهضة ستحكم طيلة عقود "، و كان يتحدث عن بن علي كمستبد ، فإذا به يتحول إلى مستبد أعنف منه بدليل فقدانه للشرعية الشعبية في ظرف عشر سنوات . و لم يبق له إلا الشرعية الدستورية (شرعية شكلية ، بقوانين على المقاس بل وضعوا فيها نصوصا للصوص تمنحهم الحصانة من التتبع و الإفلات من العقاب كما يقول قيس سعيد ) التي يرددها الشيخ راشد ، ليمارس ديمقراطيته الكاذبة و المزورة في مجلس برلماني أقل ما يقال عنه أنه "كاراكوز " ( عنف و دم و سب و قذف على حد قول قيس سعيد و هو يعرض ، في خطاب يوم الإثنين 11 أكتوبر 2021 يوم تنصيب الحكومة ، بعض المشاهد و الصور من ذلك المجلس النيابي) فقد كان راشد الغنوشي ضابط الإيقاع لعبير موسي التي جعلت المجلس "ملهى " تقدم فيه مسرحياتها الهزلية المثيرة للشفقة ، كثورية ( هذا ما تفعله في تحركاتها للإثارة ، تتظاهر بالتصوير عبر هاتفها الجوال في مجلس النواب و الحقيقة لم تنشر فيديو واحد على اليوتيوب مما صورته ، فهي تحاول استفزاز نواب الإخوان و و أذيالهم ، فتظهر وهم يمارسون عليها العنف كضحية ، متباكية أمام الرأي العام ، و تكون قد تحصلت كانتهازية ، على فرصتها في تصدر منابر الإعلام كمناضلة كبيرة ، إذ نعلم أنها من مخلفات التجمع الدستوري الديمقراطي ، الذين منحهم راشد الغنوشي و بقية الإخوان في مجلس النواب ، في إطار الخيانة و البيع و الشراء ، البراءة من دم يوسف و أعادهم للحكم معززين مكرمين دون مساءلة أو محاسبة ، و تم غلق ملف فسادهم نهائيا ، فإن حربها عليه ( راشد الغنوشي ) حربا كاذبة و مزيفة غايتها إستثمار و ابتزاز وكسب سياسي ) .
في الحقيقة هم يتحدثون عن الشرعية و الديمقراطية التي كانوا يمارسونها كديمقراطية شكلية و مزيفة و مشتقاتها من الكلمات الفارغة ، إلى جانب بعض حلفائهم القدامى الذين مصوهم لحما و رموهم عضما ، كاليسار على سبيل المثال ، و هذا مثير للشفقة فبدل أن يدافع اليسار عن مدنية الدولة و علمانيتها ، لتتساوى حظوظه مع الآخرين ، يدافع اليوم بكل غوغائية عن حظوظ الإخوان الإنتهازيين في العودة للحكم ، بدعوى الدفاع عن الحرية و الديمقراطية ، و كأن الديمقراطية تحققت عبر الإخوان - بل يقولون أي اليسار ، بماذا ستعوضون الإخوان في حالة إزالتهم ؟ سنعوضهم باليسار (جماعة صفر فاصل ، ما يقوله الإخوان و أتباعهم طبعا ) إن شاء الله - و هم اول من سيقع إقصاؤهم من المشهد ، و يعزفون على وتر الحقوق و الحريات و تونس في خطر ... ، و يجب عودة مجلس النواب لنشاطه يعني عودة الإخوان لتدمير الدولة ، فهمهم الكراسي و المال كما قال قيس سعيد بتعاملهم مع الدولة كغنيمة ، و كأننا كنا في الديمقراطية و في جنة عدن أيام مجلس النواب الكاراكوز ، و الحال أن قيس سعيد أشار إلى محاولاتهم اقناع الرأي العام الخارجي بالشرعية في مقابل تجاهل المشروعية التي لا تسمح لهم باي حال بتدمير الدولة . اليوم يردد راشد الغنوشي ما قاله بن علي أيام الإنتفاضة " وصلت الرسالة و فهمناكم " و هو اعتراف صريح منه بفساده و فساد برلمانه . يا للعجب ، نفس الكلام يعيده راشد الغنوشي . على أي حال لن تعود الأمور إلى ما كانت عليه سابقا فهذا امر مستحيل ، ليس "هذا حكم السياسة " بل " حكم التاريخ " ، فالتاريخ لن يعيد نفسه إلا في شكل مهزلة و مزبلة ، و لن يكون هناك حكم أشد و اقسى من رمي الشيخ راشد الغنوشي " في مزبلة التاريخ" كما رمي بن علي سابقا ، و لكن رمي راشد الغنوشي في مزبلة التاريخ لا يعني إعفائه من المساءلة القانونية و محاسبته كأي فاسد و مشرعن للفساد و نهب ثروات البلاد ، و حاشيته و هم ليسوا شهود الزور على ديمقراطيتهم الكاذبة و الزائفة و الذين يناورون بطرق مختلفة كالتفصي من المسؤولية عبر الإستقالات ، معلنين براءتهم من الخطيئة ، محملين رئيس الحركة راشد الغنوشي كامل المسؤولية فقط ، بل مورطين معه في خراب البلاد فهم كانوا أذرعه في البرلمان - و هذا ما نادى به قيس سعيد منذ إعلانه اجراءاته الإستثنائية 25 جويلية 2021 . و إن كان راشد الغنوشي أبقى على الفساد و أعاد الفاسدين إلى الحكم بعد تنظيفهم و تبرئتهم من كل الجرائم و كل النهب و السرقة ، فباستثناء تلك اللعبة المكشوفة التي لعبها صحبة حاشيته في محاربة الفساد كذر للرماد في العيون عبر إدخال المشبوه سامي الفهري إلى السجن و إخراجه للتسويق للرأي العام ، فقد رأينا قيس سعيد بعد 25 جويلية 2021 يحمل في يده وثيقة ضخمة تحمل شبهة 460 رجل أعمال سارق لم يحاسبهم راشد الغنوشي و برلمانه بل شرعن لهم مزيد النهب و السرقة . اليوم تثار المساءلة القانونية الجدل و الدهشة و هذا بديهي ، فالإخوان الذين تصدروا المشهد إثر سقوط بن علي و حكموا البلاد طيلة 10 سنوات ألغوا المحاسبة و تتبع الفاسدين بل أعادوا صياغة النظام الفاسد بلون إخواني أي عبر الشرعية الانتخابية .
تدخل الولايات المتحدة (وريثة الحضارة الأوربية ببربريتها بدءا من التوسع و استعمار الشعوب و استعبادها من الإمبراطورية الرومانية و سحقها على غرار ما فعلته في قرطاج ، إلى التطهير الديني في القرن الخامس عشر إلى النخاسة إلى بربرية الثورات و همجيتها إلى الإبادة العرقية في المستعمرات تحت مسمى نشر النظام و المدنية كما يدعون ، و العنصرية و نهب ثروات الشعوب في معاهدات تقسيم البلدان و تفتيتها ، إلى التوتاليتارية و النازية وما أفرزته من حروب عالمية بنتائجها المأساوية ، ومن مظاهر بربرية أروبا نعت الآخرين بالبربرية لتبرير برريتها (24) ، وصولا إلى إقامة دولة صهيونية بتوطين الصهاينة لرعاية المصالح الإمبريالية في الشرق الأوسط . هذه "امبراطورية قاسية عديمة الرحمة كسابقاتها في التاريخ .استعبدت الشعوب ، و نتج عن سياساتها و أعمالها موت أكثر مما حصل تحت الحكم الإستبدادي لروما ، واسبانيا ، والبرتغال ، وفرنسا ، و انقلترا ، و هولندا أو أكثر مما حصل على أيدي أدولف هتلر ، ومع ذلك مرت جرائمها بشكل غير ملحوظ تقريبا ، مغطاة برداء الفصاحة و البيان ." (25) ، مؤخرا و طرح ملف تونس على طاولة "الكنغرس " ، ثم أوربا نفسها عبر الإتحاد الأوربي ، يؤكد هذا التدخل ، وطنية قيس سعيد ، و لست أنا من أقول ذلك بل يقوله نعوم تشومسكي في "النظام العالمي...القديم و الجديد"، ستضرب كل مشروع وطني محايد و حر (الإستقلال المبني على حاجات السكان في كل دولة و ليس على مصالح المستثمرين الأجانب) برفض القومية الإقتصادية "فوظيفة العالم الثالث توفير الخدمات للأغنياء و العمالة الرخيصة و الموارد و الأسواق و الفرص و الإستثمار ، ويبقى مستودعا لإستقبال الملوثات و غيرها من الموبقات (كمأوى لغسيل أموال المخدرات و غيرها من العمليات المالية و غير الشرعية ، ومكان للسياحة و غير ذلك)" . كيف يمكن لشعوب واقعة تحت هيمنة الإمبراطورية الأمريكية أن تتحرر ؟ كيف لثورة تم اختراقها منذ أيامها الأولى عبر العملاء الإنتهازيين و الخونة - الذين يتحركون اليوم كوجوه العشرية السوداء ، يتحركون كمواطنين بعد أن فشلوا في الحشد في الشوارع بفقدانهم الشرعية الشعبية ، يتحركون بيأس عبر المنابر الإعلامية في الداخل و الخارج ، كالكلاب المسعورة ، يكاد يغمى عليهم من الغيظ يصرخون و يولولون و يلطمون وجوههم و يضربون صدورهم - لتتحول بعد وضع أمريكا أيديها القذرة ، المخضبة بالدماء ، فيها وتحولها إلى ربيع عربي الذي يعني استبدال رأس النظام أي بما معناه الإبقاء على التجمع بشرعنة إخوانية و مباركة منهم بل بتلوينهم بالأزرق ، في تونس - أن تحقق الديمقراطية عبر إقتصاد وطني حر برأس مال وطني " تسعى أمريكا اليوم شأنها في كل وقت لتعيد تنصيب دماها المتحركة أو الحكام بالوكالة يسهرون على رعاية مصالحها ولا يمثلون أي خطورة على أمن إسرائيل فهي كما جاء في تقرير سري عنوانه "امتصاص الثورات الأفرو آسوية " مقدم لوزارة الخارجية الأمريكية سنة 1958" لا نريد منع التغييرات في العالم الأقل تقدما ، و لكن لا يمكن قبول تطور هذه التغييرات بما يرمي آسيا و إفريقيا في قلب اللعبة المجنونة للحماسة الثورية و الطموحات القومية ، و مع ذلك فإن لدينا رغبة في مساعدة الحكومات الجديدة لتحقيق أهدافها المعقولة" ، وبالطبع "معقولة" بالدرجة التي تحددها واشنطن" (26) باقصاء الجماهير الشعبية أو من قام بالثورة ، و منعهم من الإرتقاء إلى السلطة وتقاسم الثروة ، لتعيد تشكيل نمط العالم الثالث المعروف جزر من الأثرياء العملاء و التابعين لها - و ينسحب ذلك حتى على المعجزات الإقتصادية الزائفة التي تحققت في أماكن من العالم برعاية أمريكية زادت من التفاوت بين الطبقات و قوضت الخدمات الإجتماعية ، ورفعت االفقر إلى أعلى معدلاته ، حيث يعيش اليوم ربع الأطفال في عائلات ينخفض دخلها عن حدود خط الفقر و ترتفع في الأسر الفقيرة نسبة كبار السن إلى أكثر من 20 بالمائة ، حسب إحصاءات 1993- 1994 حسبما يذكره نعوم تشومسكي (27)- و من مصلحتهم التبعية و الخضوع بنيلهم حصتهم من النهب و استنزاف خيرات البلد و امتصاص ثروات الشعب حتى و إن كانت فتات ، عبر صندوق النقد الدولي و البنك الدولي - يحيط بها بحر البؤساء أو الخدم و العبيد بالتفقير و التجويع و الإستبداد و الفساد بزيادة الضرائب ورفع الأسعار وخفض الأجور و انسحاب الدولة من الدعم و التعويض الموجه للجماهير و خوصصة المؤسسات بتفضيل الإستثمار برأسمال خاص ، محلي أو أجني ، و توجيه الإنتاج للتصدير ، و اعتماد سياسة التقشف و غيرها من الممارسات الإستبدادية - و لأن الثورة عملية استرجاع للسلطة - تأخذ مجراها في مسلسل من الثورات ، عبر " السلطة الإحتياطية للثورة " كما تسميها حنة أرنْدِتْ في كتابها "في الثورة" أي عدم التسليم بالوصاية من خلال الوعي بضرورة التغيير ، و الذي لن يتحقق في حضور الحاكم الحقيقي أو حكومة الأمر الواقع التي تسيطر على العالم ، بسلاحها الرخيص والفتاك ، البنك الدولي و صندوق النقد الدولي – تصبح الحرية و الديمقراطية مرهونة بالإستقلال و التحرر . يتهم كل وطني ينحاز لشعبه ليحسن ظروف معيشتهم و يعمل على تخليص وطنه من هيمنة الإستعمار فتصفه الإمبراطورية الأمريكية و القوى الإستعمارية الأوربية بكل الأوصاف الشنيعة و تصرخ و تولول خوفا على الديمقراطية و الحرية و حقوق الإنسان و الحقيقة أن أمريكا تطالب دول العالم الثالث بتأسيس قواعد عسكرية ، ينضمون إلى حلفها ، يسمحون لها بنهبهم عبر التنازلات الاقتصادية و تنفيذ سياسة السوق الحرة ، دور أمريكا هو خدمة الثوابت الثلاث ( النفط – الدولار – إسرائيل ) "القصة معروفة و متوقعة و مكررة ، يتحول الحاكم من الصديق اللطيف ، الذي يعتمد عليه – فيستحق التأييد ، ويكال له المديح و الثناء – إلى الطاغية الفاسد المستبد فور أن يبدأ بارتكاب جريمة الإستقلال .الخطيئة الشائعة هي تجاوز سرقة فقراء شعبه – الأمر المقبول في حد ذاته لدينا – إلى البدء بالتدخل فيما لا يعنيه من أمور الصفوة ومصالح رجال الأعمال و الشركات الكبرى ( الأمريكية بالطبع ) (28)
أ- مسرحة مطالب الشعوب ؟!!!
في سؤال حول أسباب صعود الإسلام السياسي في المجتمع العربي بحسب ما كشفت عنه الأحداث والمتغيرات التي شهدتها دول ما يعرف بالربيع العربي تونس و مصر أو في غيرها من الدول حيث يتواجدون في السلطة بنسب متفاوتة كالمغرب و العراق و الأردن و لبنان و فلسطين و الكويت و القائمة تطول ... (29)، كانت الإجابة بشبه اجماع على أن الحركات الإسلامية كانت الرابح الوحيد في الإنتفاضات (الشعوب التي منحت حرية الإنتخاب ، مصر مثلا انتخبت الحركة الإخوانية رئاسة و اغلبية برلمانية إلى جانب السلفيين ، و في تونس ، انتخب الشعب الحركة الإخوانية النهضة كأغلبية برلمانية ، و رئيس عمره قرابة قرن " الباجي قايد السبسي" ، و هو حنين للأنظمة السابقة سواء التجمعية أو البورقيبية بل أيضا حنين لبقايا البايات الأتراك "القايد مسؤول كبير في حكم البايات سابقا في تونس ") . رغم غياب العلاقة بين طرحها الديني ( الإسلام هو الحل) ، و الرؤى التي انتفض من أجلها الشعوب وهي الحداثة و التي يقول عنها فالح عبد الجبار (العراق) "الحداثة مفهوم يصور انتقال المجتمعات من الحقبة الزراعية إلى العصر الصناعي ، بتحقق أربعة أركان رئيسية هي تعني : انتقال المجتمعات من الحقبة الزراعية إلى العصر الصناعي ، بتحقق أربعة عناصر هي : 1 – التصنيع industrialization . 2- التمدين : urbanization. 3- اللبرلة : liberalization . 4- العلمنة : socialization
( يضاف إليها أحيانا : الفردية individualization)
الحداثة عندنا مبتورة ، فأغلب بلداننا ريعية بلا اقتصاد سوق حديث . الدولة عندنا دكان مالك موزع . اللبرة بمعناها الاقتصادي ما تزال في العالم العربي جزئية ، و بمعناها السياسي مفقودة ، في ظل نظم سياسية توتاليتارية أو تسلطية (حزب واحد) ، أما العلمنة ، التي انطلقت من الغرب لحماية الدولة من سطوة مؤسسة دينية (كنيسة) ثرية و متنفذة ، تنطلق في الشرق لحماية المؤسسة الدينية من سطوة الدولة ، فإنها ما تزال تعتبر كفرا ،أي أنها لم تدخل مجال الوعي الاجتماعي العام ، ناهيك بالنخبوي القائد " (30) .
و الديمقراطية و التي حسب مراد وهبة (مصر) "تنطوي على أربعة مكونات : العلمانية ، العقد الاجتماعي ، التنوير ، الليبرالية . و العلمانية تأتي في مقدمة المكونات و من دونها لا تستقيم ، لذلك يمكن القول بأنه لا ديمقراطية بلا علمانية (فصل الدين عن الدولة )" (31) . لذلك لن تتحقق الديمقراطية إلا بتزعزع وحدة الشأن الديني و الشأن السياسي عبر قطيعة كاملة طالب بها فلاسفة النهضة ، حسب تزفتيان تودروف (32) . ولن تتحقق الديمقراطية في دولة ملونة بالدين ، ستكون ديمقراطية مشوهة ، محرفة ، ناقصة أو حتى ليست ديمقراطية أصلا .
و يعتقدون أن السبب واضح كانت هذه الحركات تخاطب "الفقراء و البسطاء و قليلي التعليم و الأميين ، و أقنعوا كثيرا بأنهم وكلاء الله في أرضه ، و أن لهم خطا مباشرا إلى أعلى و يستطيعون أن يضمنوا الجنة لأنصارهم حتى أنني سمعت و أنا أتابع حملة انتخابات الرئاسة المصرية فتوى بأن من ينتخب محمد مرسي ، رئيس حزب الحرية و العدالة و مرشح الإخوان المسلمين ، يدخل الجنة ." حسب جهاد الخازن (لبنان) (33) " ذكاء التيار الإسلامي في مخاطبة الأوساط الشعبية عبر وسائل تحذيرية و غيبية عن عالم ما بعد الحياة ، بوعود تعويضية عن بؤسهم و حرمانهم " على حد قول عبد الحسين شعبان ( العراق) (34) ، بينما يرى علي أومليل (المغرب) " لكي نفهم ما جرى ، نبدأ بالسؤال التالي : الذين أطلقوا شرارة الثورات في الميادين و الشوارع العربية رفعوا شعارات الحرية و الكرامة و العدالة ، و لم يرفعوا شعارات دينية ، فلماذا حين آن أوان الانتخابات حصد نتائجها الإسلاميون و الحال أنهم لم يكونوا مبادرين في إطلاق الثورات العربية ؟ التفسير في رأيي هو أن الشعارات – التي حملها الشباب الذين أطلقوا الثورات ، و غالبيتهم متعلمون ، يتواصلون في ما بينهم و مع العالم بوسائل الإتصال الحديثة – شعارات حداثية. لكن ليس في مجتمعاتهم قاعدة واسعة تحمل أفكارهم الحداثية هذه ، و التي من شأنها أن تشكل الأغلبية حين تجري الانتخابات . و عادة ما تكون الطبقة الوسطى هي حاملة أفكار الحداثة . لكن هذه الطبقة الوسطى ضربت جراء هيمنة الاقتصاد الريعي و استشراء الفساد و اتساع قاعدة الفقر. و نظرا لضعف المرجعية المدنية فإن المرجعية الدينية ، هي الملجأ للرد على الفساد ..." (35) لقد استخدموا الدين كرأسمال و وظفوه للنجاح في الانتخابات ، استغلال الفتاوي الدينية في حملاتها الدعائية ، استغلال الجوامع و المساجد و الساحات و الحارات لا للعبادة وحسب بل للإستثمار السياسي ، انتخبهم أتباعهم معتقدين انهم يمثلون الإسلام . ب-الحركات الإسلامية المشاركة في الحكم علمانية لا دينية
لمعطيات ثلاث ، أولها ، الطرح الإسلاموي الجديد هو "علمنة الدين" ، و الإقرار بالديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون والقبول باللعبة السياسية ، كما يرى البعض ، " ولو افترضنا أن الحركات الإسلامية بمختلف تلاوينها تسعى لإقامة دولة إسلامية ً وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ( أي أن الحاكمية هي الله وحده ) , فإن ما بعد الإسلاموية تسعى لنظام يستند إلى قيم التعددية والحرية والديمقراطية وحكم الأغلبية والحقوق بدلا من الواجبات." (36) . بقطع النظر عن تعارض هذا الطرح مع الطرح الإسلامي مع نقائض معينة : المسيحية و الغرب ، الليبرالية و الفردية ، الديمقراطية و الحرية ، المواطنة و العلمانية و العقلانية و التسامح و حقوق الإنسان و حقوق المرأة و الحقوق الجنسية . (37) على غرار ما فعله " حزب النهضة ( المقتدية بالنظام السياسي العلماني في تركيا الذي يتزعمه حزب إسلامي بقيادة أردوغان الذي يؤكد أن الدولة العلمانية أساسا للتطور حسب عبد الحسين شعبان ( العراق ) (38) كحركة ما بعد إسلاموية ، وقد دخلت الحركة منعرجا حاسما على صعيد الممارسة والخطاب بعد الثورة التونسية 2011 التي أعادت النهضة إلى تونس ، وأوصلتها للحكم ، وطورت خطابها وعدلت تصوراتها ، وهو ما ظهر جليا في مؤتمرها التاسع 2015 والعاشر 2016 الذي تم فيها إقرار الفصل بين الدعوي والسياسي في الحركة ، وعرفت فيه الحركة نفسها كحزب ديمقراطي وطني ، وتبنّت مفهوما تاريخيا وتأويليا جديدا لأصول التشريع الإسلامي والتاريخ الإسلامي ككل ." (39) ، و اعتراف قادة الأحزاب الإسلامية سواء في مصر محمد بديع مرشد الإخوان ، او في تونس راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة بمدنية الدولة و لا علاقة لها بالدين ، و اعتبرها البعض انتهازية و محاولة زيادة تعاطف الغرب و طمأنتهم ، لأننا في المقابل نرى إصرار هذه الحركات على الإستماتة و اعتبار الإسلام دين الدولة و العزف على وتر الهوية ، و اتهام كل القوى الديمقراطية الداعين إلى المدنية الكاملة للدولة ( الدولة المدنية على عكس الدولة الدينية التي تقوم على الفتوى أساسا – تنهض على أساس التشريع الوضعي تحت رقابة الرأي العام حسب السيد ياسين (مصر) (40) - بالإستئصاليين .
ثانيا ، الإسلاميون في الحكم اعتمدوا العلمانية ل"مواجهة إشكاليات التنمية الشاملة و تحقيق الرخاء الاقتصادي أو التقدم المعرفي أو الطفرة النهضوية ، إذ قضايا الدين الأخلاقية الفردية التي يركزون عليها لا تشتبك مع المشروعات الحيوية الكبرى في الإنتاج و التسويق و التصنيع و غيرها " حسب صلاح فضل (مصر) (41) و ليس الإسلام كمرجع ، و هذا ما يؤكده علي حرب (لبنان) حين يقول بأن فوزهم في الانتخابات "ليس بسبب شعاراتهم و أفكارهم و برامجهم التي تصلح لدغدغة مشاعر الجمهور الدينية و اللعب على وتر الهوية الثقافية . فعندما جد الجد ، وضع الإسلاميون أمام الإمتحان ، في ما يخص مشروع النهوض و الإصلاح و التنمية ، لم يجدوا مرجعا ، مجديا أو فعالا او راهنا ، سوى أقوال و اعمال المفكرين المعاصرين من عرب و غربيين ، يرجعون إليها و يقتبسون منها " (42)
فشل أطروحة الإسلام كأيديولوجية سياسية واقتصادية قادرة على حل كافة المشاكل المجتمعية التي يطرحها الواقع المعاصر ينسحب على جميع الحركات الإسلامية كما يرى د.عبد الغني عماد حين يقول " كان توجه "أولفييه روا" في بسطه لهذه الأطروحة يقوم على الانطلاق من سؤال مركزي ، هل يقدم الإسلام السياسي خيارا بديلا للمجتمعات الإسلامية ؟ الجواب جاء في نظر " روا " بالإخفاق ، فهذه الحركات لم تستطع بناء الدولة الإسلامية التي اعتبرت السند الفعلي في التعبئة لمشروعها السياسي ، لاعتبارين اثنين أولا: الإخفاق الفكري للمشروع السياسي لهذه الحركات فتشبثها بالقيم الأصيلة للمجتمع الإسلامي بدون مسايرة التطورات المجتمعية المعاصرة ، أفقدها أحد أهم محركاتها الأساسية في التعبئة ثانيا: هو إخفاق تاريخي ، حيث لم تستطع الحركات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم ، في إيران أو في أفغانستان تأسيس مجتمعات جديدة بقيم إسلامية ، فبخلاف الخطاب الأخلاقي السائد تخضع ميكانزمات العمل السياسي والاقتصادي لهذه الحركات في جزء كبير منها للعلمنة بيد أن دلالات الإخفاق هذه في نظر " روا " لا تعني انحسار انتشار الإسلام السياسي ، بقدر ما تعني نكوص أطروحة الإسلام كأيديولوجية سياسية واقتصادية قادرة على حل كافة المشاكل المجتمعية التي يطرحها الواقع المعاصر "(43) و يحوصل د.عبد الغني عماد في معادلة بسيطة حين يرى ان الحركات الإسلامية فشلت في الجمع بين الدين و السياسة في إطار الدولة الحديثة وهي إما انها تحولت إلى حركات سياسية حديثة لا تختلف عن مثيلتها إلا في الخطاب أو خرجت من المجال السياسي تماما . و اختيار السياسية بدل الخروج منها يحيلنا على نموذج حركة الإخوان في تونس بزعامة راشد الغنوشي الذي كان شيخ دين وقور و اليوم يتحول إلى سياسي يمتاز بالليونة و المرونة ، اعتبرها البعض انتهازية و بحثا عن تعاطف الغرب ، إذ يقول لوز غوميز " و من بين أفكار الغنوشي الأهم انتقال جوهر الأيديولوجيا الإسلامية من الدولة إلى المجتمع المدني . و قد رسم هذا الإنتقال أيضا معالم حملة النهضة الانتخابية في انتخابات عام 2011 التشريعية عندما أعلنت حركة النهضة أنها "تعتبر الدولة كيانا مدنيا سياسيا " و صرح الغنوشي في ما بعد في أيار / مايو 2016 أن الحركة كانت تبتعد عما يدعى " الإسلام السياسي " باتجاه " الديمقراطية المسلمة " . اشعل هذا التصريح نقاشات نشطة ، ليس حول انتهازيته فحسب من أجل التعاطف مع حركة النهضة في الأوساط الغربية ، بل أيضا حول إمكانية فصل الديمقراطية أو الإسلام في المجتمعات المسلمة المعاصرة " (44)
براغماتية الغنوشي تحيلنا على المعطى الثالث وهو خيبة أمل الشعوب في تحريرها من الإستعمار عبر الإسلام السياسي الذي انتخبه أو هكذا كان يتصور حسب تفسيرات عبد السلام المسدي (تونس) أو لها اعتبار الحركات الإسلامية حركات نضالية ضد الإستبداد الداخلي و الإستعمار الخارجي ، و ثانيها ، اعتبار الإسلام السياسي كممثل للهوية و متحدث باسمها ، ثالثها ، القطع مع الغرب الإستعماري قطعا تاما عبر قرار سياسي مستقل و حر (45) - و الحقيقة ان الإسلام السياسي كان اكبر صديق أمريكا عندما ساهم المجاهدون الأفغان و العرب بالحرب أو التمويل في هزيمة عدو أمريكا الأكبر ، أي الإتحاد السوفياتي ، فليس غريبا ان يرتمي الإخوان في أحضان الغرب ، و لذلك الحرب المفتوحة على الإرهاب على المسلمين ليس لأنهم مسلمين بل للمحافظة على مكامن الطاقة الموجودة في بلاد المسلمين ، وتثبيت وضع الدولار ،" فمهمة أمركا خدمة الثوابت الثلاث ( النفط – الدولار – إسرائيل ) . إذا ، العمل الإرهابي هو العمل الذي يعلن قادتنا أنه عمل إرهابي " حسب بوش الأب ، و لذلك تلصق أمريكا تهمة الإرهاب بكل من يقف ضدها مثلما فعلت مع اليسار و دول عدم الإنحياز و الدول الوطنية سابقا ، و لذلك ظلت وثيقة الإستقلال و وثيقة الدستور الأمريكية المرتفعة في السماء لم تهبط يوما على الأرض بسبب المصالح بالمقارنة مع الثورة الفرنسية كما يقول عادل البشتاوي(46)- و غني عن التذكير بإبقاء إخوان تونس – لإبداء حسن النية ، في إطار الإعتدال - على منظومة الفساد و إعادة الفاسدين إلى الحكم بعد تنقيتهم من كل الشوائب و الأدران ( فكانت إجراءات 25 جويلية في قلب عاصفة انهيار الدولة التي وضعت حدا لحكمهم بعد 10 سنوات لا غير) .
ج - فصل الدين عن الدولة مطلب عاجل ...
يقول الماهتما غاندي "تأتي على الشعوب لحظة لا تأتي في التاريخ إلا نادرا نخطو فيها من القديم إلى الجديد ، لحظة ينتهي فيها زمن و يبدأ فيها آخر ، لحظة تجد روح الأمة التي طال اضطهادها القدرة على النطق فتنطق " (47) ، هذه اللحظة هي الآن بل لا يجب أن نفوتها أو نؤجلها للأسباب التالية :
أولا ، هل نريد الدولة الحديثة كخيار لنا ، نحن العرب ، دولة الحرية و الديمقراطية ، هل نريد الديمقراطية حقا ، إذ كما يقول محمد علي مقلد " الثورة تقتضي في شقها الثاني بعد الثورة الإقتصادية و الثقافية ، ثورة سياسية (48) ، لكن الديمقراطية لن تتحقق بدولة الأغلبية ، أعني بدولة ملونة بدين معين حتى لا تكون الديمقراطية مجرد شكل خارجي او بروتكول كما يقول عبد الإله بالقزيز (المغرب) (49) لا يعني ذلك استبعاد الدين من المجتمع و الثقافة ، لأن القضية ليست في الدين ، بل القضية في تدخل المؤسسة الدينية كسلطة في السياسية و الشؤون العامة . بل – "مقتضيات التحول الديمقراطي قيم و قواعد ثلاث : إقامة النظام الاجتماعي – السياسي على الحرية ، و كفالتها ، و حمايتها من أي نيل أو انتهاك باسم مبدأ ما غير سياسي ، أو فوق – سياسي ، و الفصل بين السياسي و الديني ، و عدم الزج بالدين في المنازعات السياسية توقيرا له ، و عدم بناء المشروعية السياسية عليه ، ثم التوافق على عقد اجتماعي جامع يكون بمثابة المبادئ الحاكمة للنظام السياسي" حسب عبد الإله بلقزيز ( المغرب) (50)
هل نريد دولة المواطنة ، هل مازال الحديث عن دولة الأغلبية المسلمة ممكنا في القرن الواحد و العشرين و الحال أن العالم صار قرية صغيرة إذ تقول د. عبير بسيوني أن الهجرة و التداخل بين الشعوب ألغت التقسيمات الجغرافية بين الشعوب ، و تؤكد في السياق نفسه حول علاقة الغربيين بالمجتمعات العربية " و لا يختلف إنسان الدول المتقدمة عن هذا الإطار ، فانتماؤه لم يعد مقصورا على دولته و وطنه . فقد انطلق أيضا – و لأسباب أخرى – خلف حاجز المكان . و نظرة بسيطة حول مدى انتشار مواطني الدول المتقدمة في دولنا مقارنة بحجم تواجدهم حتى في عصر الإستعمار – توضح مدى ضخامة هذه الظاهرة . والأسباب متعددة من العمل الإنساني في المنظمات الحكومية و غير الحكومية متعددة الجنسيات ، أو انتشار قطاع المال و الأعمال و الشركات عابرة القوميات التي تعددت مقارها في دول العالم المختلفة ، أو أسباب رياضية و فنية و سياحية أو غيرها "(51) ، ليس هذا فحسب بل تقول في دولة الأغلبية " تنتقل أزمة السلطة إلى أزمة للدولة عندما تستخدم السلطة القائمة سطوتها تلك لفرض ثقافة واحدة على الدولة بحكم "ديكتاتورية الأغلبية " ، و هو بالطبع امر مناقض لمفاهيم الديمقراطية ، فإذا كانت الديمقراطية ، هي "حكما" (و ليس ديكتاتورية ) الأغلبية ، فإن هذا الحكم لا يكون بلا أساس أو حدود مشتركة لا يتجاوزها باستبعاد الرأي المخالف أو على الأقل تهميشه . و من هنا كانت أهمية دساتير الدول في وضع هذا الإطار المرجعي الشامل الذي يحفظ حق الرأي الآخر و يضمن وصوله – حتى و لو كان أقلية – لسدة الحكم تعبيرا عن الرّأي العام . و الدولة لكي تستمر لا بد أن تكون هي وحدة و مركز المجتمع ، و ليس ثقافة معينة – حتى و لو كانت ثقافة الأغلبية – فسيادة ثقافة واحدة فيها غبن و ظلم للأقلية و الأضعف ."(52) وتؤكد أن حق المواطنة ، يقوم على أساس المساواة للأفراد في الحقوق و الواجبات ، دون النظر إلى الإنتماء الديني أو العرقي أو المذهبي أو أي اعتبارات أخرى ، فالإعتبار الوحيد هنا هو المواطنة . فلا مجتمع مدنيا بدون مواطنة ، و لا مواطنة بدون ديمقراطية ، و لا ديمقراطية حقيقية بدون مواطنين بمعنى الكلمة يمارسونها و ينظمون على أساسها علاقاتهم مع بعضهم بعض من جهة ، و علاقاتهم مع الدولة من جهة أخرى ، بدل القبيلة أو الملة والطائـفة ، أو دولة الرعايا التي تتمتع الصفوة التقليدية و الأرستقراطية و الدينية بامتيازات سياسية و اقتصادية كبيرة من خلال سيطرتها على الدولة ، بينما لا يتاح للفئات الاجتماعية الشعبية و الطبقات الجديدة أي فرصة للوصول إلى السلطة و مراكز صنع القرار فيها - بينما تتحقق المواطنة و المساواة بين المواطنين على أساس القانون لا أساس التراتبية العسكرية أو القبلية أو التفويض الإلهي ، في ظل الدولة الديمقراطية . ، بل تذهب أكثر إذ تعتبر ثورات 2011 ثورات لتحقيق المواطنة التي يخلوا منها التراث الإسلامي الذي يتضمن ثقافة الرعايا.
السؤال (كما يطرحه علي أومليل – المغرب – في كتاب " إلى أين يذهب العرب ") هو التالي : كيف يمكن إقامة دولة مدنية تكون فيها المواطنة هي الهوية الجامعة مع حفظ حقوق الأقليات في إطار دولة تترجم مجتمعاتها بتعدده ، متوافق على دستورها و مؤسساتها و قيمها المشتركة ؟ " و الدكتورة بسيوني تجيب (53) :
- نشر التعددية الثقافية و الديمقراطية .
- نشر قيم التسامح و الحوار .
- حق المشاركة السياسية لكل طوائف المجتمع و فئاته .
- محاربة الإستبداد .
- محاربة الإيديولوجيات الإقصائية .
- القضاء على الوصاية و نشر الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان .
- تكريس مبادئ الدستور و أنصافه الجميع بلا تمييز أو انحياز للأغلبية و تسهيل هيمنتها .
و على أن يفهم التنوع الثقافي و الحضاري تعدد في إطار الوحد.
يجب الإنتقال من دولة الثقافة إلى دولة الحضارة .
ثانيا سنحمي شعوبنا من الصراعات و الحروب الطائفية و الدينية التي تعاني منها ، أليست الحرب اليمنية السعودية حربا طائفية شيعية سنية ، أليس خراب سوريا بفعل حرب طائفية ، ألم تعان العراق منذ سقوط نظام البعث الحروب الطائفية السنية و الشيعية و العرقية ، و نظامها حاليا نظام محاصصة بدل أن يكون نظام ديمقراطي ، شأنها شأن لبنان دولة المحاصصة الطائفية و الدينية ، الا تعاني مصر من الصراع و الإرهاب الديني عبر استهداف الكنائس بالتفجير ، و دول المغرب العربي كأغلبية مسلمة ليست في مأمن من الإرهاب فهي مهددة بالفوضى ، فرغم إفلاس الإخوان في البناء و نجاحهم في التخريب ، يهددون في كل مرة بالفوضى بطريقة مضمرة "إما نحن أو الخراب " ، سيقال تونس محصنة بدولة بورقيبة الحديثة ، حقا هل هي محصنة ؟ !!! فكيف يقع تسفير آلاف الشبان إلى سوريا إثر صعود الإخوان إلى الحكم ، و تتصدر بذلك قائمة الدول المصدرة للإرهاب ، لا إلى سوريا فحسب بل إلى أوربا التي لم تتخذ إجراءات حاسمة ضد الإرهاب لسبب بسيط ، فما تريده الشعوب الأوربية لا تريده حكوماتهم التي تريد الإبقاء على الإرهاب لا محاربته ، لإضعاف الديمقراطية ، كما يرى عادل البشتاوي (54) ، بل الحكومات مع منظومة الدعاية الإعلامية تسعى إلى تنمية الإحساس بانعدام الأمن عبر حملات التسميم و التهويل و التضخيم لأقل حادثة عنف لخلق فرد مزعزع ، و مجرد من السلاح ، و مضخم لكل الأخطار ... يضيف (55) ، بل تونس هي المعنية الأولى بفصل الدين عن الدولة حتى لا تبقى محل شبهة ، و حتى تنتهي انتهازية الإخوان و ازدواجهم ، فهم حين يطالبون بالديمقراطية و الانتخابات المبكرة يعلمون أنهم سيفوزون عبر تسييس الدين و توظيفه كرأسمال ، و هم يمثلون دين الأغلبية في الدولة و ليس غريبا أن يردد راشد الغنوشي " أيها الجيش ، يا حامي الحمى و الدين " في إطار دغدغة المشاعر الدينية ، بدل أن يقول يا حامي الحمى و المعتقدات أيا كانت ، لو كان ديمقراطيا أي لو كان يؤمن بحرية العقيدة ، و التفكير .
ثالثا العزف على وتر الهوية ، و حسب الدكتورة بسيونيو " لا نكاد نعثر على دولة عربية تنكر عن نفسها الصبغة الإسلامية . غير أن إشكالية العلاقة بين الدين و الدولة هي إشكالية تتسم بعدم الاستقرار و الحساسية البالغة . و في بعض البلدان العربية التي تحول فيها عامل الدين من مرجع ثقافي إلى مرجع سياسي ، أدى ذلك إلى جعل هذا العامل ينتقل من عامل ربط بين الأفراد في المجتمع إلى عامل صراع ... " (56) بل الإسلام السياسي من صنع الآخر حسب عبد السلام المسدي (تونس) في كتاب " ماذا يريد العرب؟ " - ( ولادته في أحضان بريطانيا ، و علاقة حسن البنا بملكة بريطانيا معروفة ، و منحه لأمريكا منذ الحرب العالمية الثانية بعد أن تراخت قبضتها كإمبراطورية استعمارية عالمية ، و منذ ذلك الحين و أمريكا تستخدمه (الإسلام السياسي الذي كان من خصائصه طوال تاريخ الإسلاميين صداقة و تأييد النظام الرأسمالي و الرأسماليين) كأداة لضرب القوميين و اليسار العرب باعتبارهم ينكرون تطبيق الشريعة الإسلامية ، و لضرب الإتحاد السوفياتي الملحد ، و بعد الحرب الباردة حولته أمريكا حصان طروادة للهيمنة على الثروات النفطية العربية بدعوى محاربة الإرهاب - فإذا كان ذلك كذلك فإن الإسلام لم يكن يوما غريبا عن السياسة في البلدان العربية و الدساتير العربية لم تكن علمانية ، فيها فصل بين الدين و الدولة ، الجديد في الأمر هو دخول الإسلاميين الحكم بدعم غربي ، فأمريكا لم تتعامل مع العلمانيين لخطورتهم على مصالحها عبر الدعوة إلى الحرية و الديمقراطية و التحرر من الإستعمار ، بل وجدت دوما في الإسلام السياسي المعادي لطروحات العلمانيين و لرؤاهم الفكرية الحليف و الوكيل .
و من أخطر مظاهر ازمة الهوية حسب الكتورة بسيوني (57) :
- انقسام المجتمع و إمكانية التخلص من الأقلية و هو من أخطر مظاهر أزمة الهوية .
- النفي و الإلغاء .
- تنامي الهوية الدينية على حساب الهوية الوطنية ، و عند تحولها إلى أزمة سياسية فإنها عادة ما تتمثل في مشكلة الطائفية في هذه الدولة ، و الطائفية تتجاوز الإنتماء إلى الدين و العشيرة و القبيلة إلى انتماء لجماعة محددة ذات مصالح جزئية مشتركة بينها ، تحاول تحقيقها على حساب المصلحة العامة ، أي على حساب مصلحة دولة المواطنة .
- الوصاية الدينية القبقانونية و التي تتنكر لمفاهيم الإختلاف و التباين و النقد و الصراع و المواجهة فلا مجال فيها لطرح السؤال و الشك عبر العقل ، لا مجال للإستنكار و الرفض ، مما يؤدي لتسطيح العقل عبر "التابو" الذي يمثل قيدا و حجرا على الفكر الحر في دولة غير محايدة ، أعني ملونة بإيديولوجيا ما. بينما "المشروع العربي المطلوب هو مشروع التنوير الذي نوجزه في هذه العبارة " لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه" كما يقول مراد وهبة (مصر) في كتاب "إلى أين يذهب العرب؟"
- تحويل حوادث فردية و تضخيمها لتصبح مواجهة جماعية للهوية ، فحينما يتسع نطاق التمييز على أساس الدين يمارس العنف مستمدا مبرراته من خلال النصوص الدينية .
- اللعب على العامل الديني للهوية لضرب الفصل بين الدين و الدولة ، أي لضرب دولة المواطنة. إلا أن الهوية كما تراها د. بسيوني و التي تعتبرها تقوم مقام العصبية القبلية عند ابن خلدون ، قضية نسبية في المطلق ليست ثابتة بل تتغير باستمرار بتعدد الثقافات في الهوية الواحدة ، كما تتعدد الهويات في الثقافة الواحدة.
إذا الهوية السياسية تتمثل في المواطنة - و هي كلمة لا وجود لها في العربية بل مستحدثة ، غياب المواطنة من المعاجم العربية التقليدية ، عدم التفريق بين الرعية (الراعي و القطيع الذي لا يرفض أو يعترض علاقة تقوم على السيد و العبد ) و المواطنة ( عقدة البداوة ، و السلطانية والإقطاعية و القبيلة و العشيرة ) - أي في فصل الدين عن الدولة ، أي الإنتماء إلى أرض واحدة وطن مشترك واحد هذا ما يمثل الهوية أي "ما يبقى كما هو رغم كل المتغيرات " . و للقضاء على الطائفية تطرح د.بسيوني الحلول التالية :
- وقف السجال الديني و إعلاء دين على آخر في المنابر العامة كوسائل الإعلام مثلا .
- إصدار قوانين تكرس المساواة بين الأديان بإنشاء دور العبادة و تكافؤ الفرص و منع التمييز في الوظائف العامة في تحصيل الفرص السياسية و الاقتصادية .
- تفعيل سيادة المواطنة و القانون ، و تكريس مبدأ المساواة بين المواطنين .
- تكريس حق المواطن في حرية العقيدة و ممارسة الشعائر و تجريم فرض العقائد بالإكراه و القوة سواء من قبل الدولة أو المنظمات و الأفراد .
- تنقية برامج التعليم من المواد(التاريخ مثلا) التي تساهم في التعصب الديني .
- وضع جميع مؤسسات التعليم تحت إشراف الدولة و مسؤوليتها .
- تربية الأجيال على قيم الديمقراطية و الحرية و حقوق الأنسان ، التسامح و التضامن و قبول الآخر المختلف و الإعتراف به و التفاهم معه و احترامه .
- التمييز بين الجماعة السياسية و الجماعة الدينية على مستوى كافة الأديان ، فلدور العبادة دور ديني لا يجب أن يلتبس بالشؤون السياسية ، فالحقوق و الواجبات تكفلها الدولة في الإطار المساواة بين الجميع .
- انشاء مؤسسات مجتمع مدني و أحزاب سياسية مشتركة بين طوائف المجتمع .
إذا في هذا التنوع الديني و الطائفي و الإثني و اللغوي في البلدان العربية " لن تنجح عملية الإنتقال من الإستبداد إلى الديمقراطية إلا باحترام التنوع و اعتباره غنى للمجتمع و تحقيق المساواة في المواطنة من غير تمييز ديني أو إثني أو ثقافي" كما يقول طارق متري(لبنان) (58) إذ حسب حسين شعبان "في الدولة العصرية لا تقوم الوحدة على أساس الإكراه بل على أساس مواطنة كاملة و مساواة تامة و عدم التمييز بسبب الدين أو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الأصل الاجتماعي أو الرأي السياسي أو التوجه الأيديلوجي "(59) ، و لن يكون ذلك ممكنا إلا بالإنتقال من دولة الأغلبية المسلمة إلى دولة المواطنة فيها فصل كامل بين الديني و السياسي أي دولة بلا دين ، أو دينها المواطنة . و""الإعتقاد بأن التنوع الديني و الطائفي و العرقي في بلاد العرب آفة يجب التخلص منها ليتحقق لهذه البلاد التقدم و الوحدة ، هو نفسه الآفة التي يجب التخلص منها" حسب هشام نشابة (لبنان ) (60).
رابعا ،علينا فصل الدين عن الدولة حتى نتفادى الأزمات السياسية مع الغرب ، و لا نتهم بتصنيع الإرهاب ورفض التسامح الديني المبدأ الأساسي للحداثة و لا يختلق عذر لإعلان الحرب علينا ، و بث الفوضى و الفتن . و المشاركة السياسية للإسلاميين هي التي تغذي الراديكالية الإسلامية و الإرهاب ألم يرسل آلاف شاب تونسي إلى سوريا إثر سقوط بن علي و صعود الإخوان سدة الحكم و تصدرت تونس المرتبة الأولى في تصدير الإرهاب . إذا كان الإرهاب يهدد القيم الأوربية و الأوربيين . و " إذا كان الإنتظار لتحديث المسلمين من المرجح أن يستغرق وقتا طويلا ، إذا كيف ينبغي أن يرد الغرب في المدى القصير بينما يواجه الإحتمال المستمر للإرهاب ، التفجيرات الإنتحارية و أسلحة الدمار الشامل ؟ التطبيق المؤكد للقوة العسكرية ، هو بالتأكيد جزء من الجواب ." حسب فرانسيس فوكوياما (61) و مثال العراق ليس ببعيد . أو هنتنغتون الصدام الحضاري .
خامسا ، هل نريد أن نمر ، في عالم مضطرب و قادم على مرحلة صعبة و حرجة ، إلى الديمقراطية بلا هزات ، اضطرابات أو حروب أهلية للتقليل من الخسائر ، إذا ، وجب تغيير جذري في بنية النظام السياسي و التي ستمثل الثورة الحقيقية ، فإن كان العالم ينتظر أبوكاليبس عبر انهيار النظام الرأسمالي الصناعي "القوة التدميرية العظمى "، و لست أنا من يدعي ذلك بل اهل مكة ، من علماء و خبراء و سياسيين غربيين كبار ، و إن كنا نتجاهل ذلك و نعتبره من قبيل الخيال المجنح ، فلأننا مغيبون في المنظومة الرأسمالية التي جعلت ماهو منطقي غير منطقي و ما هو غير منطقي منطقي ، جعلت منا مجرد مستهلكين بلا إدراك ، جعلت منا لامبالين الشرط المثالي للنظام الرأسمالي لا للإستغلال فحسب ، بل للتجربة أيضا التلاقيح على سبيل المثال للتجربة و الإبادة الجماعية كما تذكر ذلك الطبيبة الكندية Ghislaine Lanctot في كتابها "المافيا الطبية". و عند وقوع مثل هذا الحدث أفلا تستغله أطراف معينة عبر الإيديولوجية ، في ظل دولة ملونة بهوية دينية لا في الانتخابات ، التي يحرصون على نزاهتها ثقة منهم على كسبها فحسب كممثلين للأغلبية المسلمة ، بل باشعال الصراعات العرقية و الدينية و الطائفية داخل الدولة الواحدة و هذا ما يراه فرنسيس فوكوياما ، المشاركة السياسية للإسلاميين هي التي تغذي الراديكالية الإسلامية و الإرهاب (62) وهو ما وقع فعلا في ثورات الربيع العربي . نحن مطالبون بتغيير ما هو قائم أعني وضع العلمنة ، التي انطلقت من الغرب لحماية الدولة من سطوة مؤسسة دينية (كنيسة) ثرية و متنفذة ، تنطلق في الشرق لحماية المؤسسة الدينية من سطوة الدولة ، إذ ما تزال تعتبر كفرا ، أي أنها لم تدخل مجال الوعي الاجتماعي العام ، ناهيك بالنخبوي القائد ، مثلما يرى فالح عبد الجبار (العراق). و قد حانت اللحظة ، اللحظة التي يمر بها العالم لا كما تصوره لنا المنظومة الرأسمالية الإستهلاكية "جنة عدن " بل كعالم يشرف على الهاوية و يهدد البشرية بأسرها بعد أن تنامت "الثاناتوقراطية" (نسبة إلى "ثاناتوس" ، و هو ابن إلهة الليل "نيكس" في الأساطير الإغريقية ، و يرمز إلى الموت) و كثرت الكوارث البيئية من دون أن يولد ذلك إحساسا تراجيديا بنهاية العالم كما يرى جيل ليبوفسكي (63) . حينئذ ، أليس من الأفضل ان نستعد قبل فوات الأوان و ننقذ ما يمكن إنقاذه و نحمي انفسنا قدر الإمكان ، فالخبراء الغربيون يعتبرون الاوان قد فات و ان العالم لن ينجو من الزلازل والكوارث التي سيتسبب فيها انهيار النظام الرأسمالي الصناعي مهما كانت المحاولات جادة لإعادة البناء و الترميم من جديد و التي لم تقع و لن تقع في ظل النظام الرأسمالي المتوحش ، التدميري و التخريبي .
اللحظة تقتضي التحالف الإنساني كما تسميه الدكتورة بسيوني في إطار حديثها عن الحوار بين الشرق و الغرب ليعيش العالم في سلام ، قائلة " التحالف ضد الإرهاب ، التحالف ضد الفقر ، التحالف ضد الكراهية ، التحالف ضد التعصب ، التحالف ضد التعميم الأعمى و المضلل و المثير للنفوس ، و التحالف ضد الكوارث الطبيعية التي تضرب أي أمة من الشعوب ، و التحالف من أجل السلام ، لحماية ما توصلت إليه الحضارة العالمية من تقدم و ازدهار و رقي ، و هو ما يدفع العالم إلى تحقيق "مشروع السلام الأممي" بدل " التمزق الثقافي " ، لتحقيق "الوحدة الحضارية " (64) . اللحظة تقتضي حلول ثقافة مدنية قائمة على المساواة و الحرية و العدالة و الإعتراف بالاخر و الإحتكام إلى القانون و حل الخلافات بالطرق السلمية بدل ثقافة الأغلبية ، العشائرية القبيلة أو الملية والطائـفية و الوصاية الدينية و الأبوية القبانونية و المترافق مع الإنتهازية ، فالهم الأصلي الوصول إلى السلطة و الحفاظ عليها بأي ثمن كان و لو أدى ذلك إلى الإنقلاب على الثوابت و نسفها ، و الكفاح الزائف ضد الفصل بين الدين و الدولة في إطار ازدواجية الخطاب بدل العمل على إقامة دولة المواطنة حتى تتساوى الحقوق بين الجميع و تتحقق الديمقراطية الكاملة لا المغشوشة بسطوة دكتاتورية الأغلبية عبر هوية الدولة الملونة بالدين و اختزال الدولة بالسلطة و الإستحواذ عليها ، "فنحن لم نعد ذي هويات صافية ، كما يروجون لذلك ، بل أصبحنا منذ زمن ذوي هويات حديثة ، متحولة ، مهجنة ، يقول على حرب (65). و الدولة التي يكون شعبها ذي عرق واحد ( عربي على سبيل المثال) لم توجد بعد حسب عبد السلام المسدي (66)
د - فصل الدين عن الدولة إرادة سياسية ...
فإن كانت الديمقراطية لن تتحقق إلا بتزعزع وحدة الشأن الديني و الشأن السياسي عبر قطيعة كاملة طالب بها فلاسفة النهضة ، إنشاء كيان سياسي مستقل " "من دون عون من عرف و سابقة ، ومن دون هالة الزمان الأبدي "يضمن المجال الذي يمكن للحرية (جوهر السعادة) أن تظهر فيه" كما تقول حنة أرٍنْدت في كتابها "في الثورة" . نتحدث هنا عن النظام الديمقراطي بشروطه الثلاث الذي ينعدم في البيئة السياسية العربية " الحرية بما هي جوهر النظام الاجتماعي و السياسي ، العقد الاجتماعي بما هو ماهية النظام السياسي المدني ، ثم الفصل بين الديني و السياسي في الحياة العامة و في مؤسسات الدولة " حسب عبد الأله بلقزيز ( المغرب) (67) . نتحدث عن دولة المواطنة - ضد دولة الطائفية و العرقية ، ضد دولة الأغلبية ، ضد دولة ملونة بدين معين ، في إطار التعددية الثقافية التي تتبناها اليونسكو كمبدا في " المادة (2) : من التنوع الثقافي إلى التعددية الثقافية : لا بد في مجتمعاتنا التي تتزايد تنوعا يوما بعد يوم ، من ضمان التفاعل المنسجم و الرغبة في العيش معا فيما بين أفراد و مجموعات ذوي هويات ثقافية متعددة و متنوعة و دنامية . فالسياسات التي تشجع على دمج و مشاركة كل المواطنين تضمن التلاحم الاجتماعي و حيوية المجتمع المدني و السلام . و بهذا المعنى فإن التعددية الثقافية هي الرد السياسي على واقع التنوع الثقافي . و حيث إنها لا يمكن فصلها عن وجود إطار ديمقراطي ، فإنها تيسر المبادلات الثقافية و ازدهار القدرات الإبداعية التي تغذي الحياة العامة " (68) – ليسهل تحقيق المساوات في الحقوق بين كل المواطنين ، أو حق كل فرد في المواطنة لكي يصبح مواطنا فعلا بتحريره "من التمثلات النقيضة كما يفرضها النظام الاجتماعي أو الإيديولوجيا المهيمنة على الحياة الفكرية "(69) ، كما يرى في إطار حديثه عن الذات الفاعلة ، يعني الإعتراف المتبادل بالمواطنة الكاملة التي ستسمح بظهور الذات الفاعلة كحرية ، التي كما يضيف تورين هي نقيض الهوية ، ستحميها المؤسسات ، بل تتطلب ضمانات مؤسساتية لحمايتها من الدولة نفسها . و لن يكون ذلك ممكنا إلا بتبني دستور يضمن الحريات الدينية ، الدولة العلمانية ، و تكون فيه السيادة كاملة للشعب ، يقول فوكوياما في "الإسلام و الحداثة و الربيع العربي " .
و السؤال المطروح : كيف يمكن للشعوب العربية ، سجينة الأقانيم الثلاث العادات و التقليد ، السلطة السياسية و الدين أو المؤسسة الدينية بالتحديد التي تتدخل في الشأن العام - بل هذه الشعوب في حاجة إلى تعلم المواطنة كآلية مثلى" لتوليد الهوية المشتركة :
1- الروحية العامة ، أي القدرة على تقييم أداء و كفاءة المسؤولين و الإستعداد للإنخراط في المجال العام و مساءلة السلطة السياسية .
2- حس العدالة ، أي القدرة على فهم حقوق الآخرين ، و الإلتزام برفع الظلم عنهم و الدفاع عن نزاهة و عدالة المؤسسات القانونية .
3- التسامح و الكياسة ، و هي تلك المشاعر و أسلوب التعامل مع الذين لا نألفهم ، أي المختلفين عنا ، من دون تحيز أو تعصب أو أحكام مسبقة .
4- الشعور المشترك بالتضامن و الولاء ، يعني تغذية الإحساس بالرغبة في العيش المشترك و الولاء للوطن و الجماعة ، و القبول بالنتائج الديمقراطية ." كما يحوصلها لنا د.علي طاهر الحمود (70)
حتى ان " تفعيل المواطنة لا يتم بمجرد إتمام التحول القانوني ، ذلك أن المسؤولين عن القانون لا زالوا متأثرين بتوجهات ثقافية تقليدية تتعارض مع ثقافة حقوق الإنسان و حقوق المواطنة ، فضلا عن ذلك فإن القوى التقليدية و الدينية في المجتمع – بوسيلة أو بأخرى – تقاوم هذه التغييرات ، أما القوى التقليدية في السلطة فإنها تعمل على تجزئة لإصلاحات و عدم تكاملها " د. عبير بسيوني" (71)
كيف إذا ، و الأمر هكذا ، أن تقوم بثورتها الثقافية ، المتمثلة في "فصل الدين عن الدولة" ، في غياب شخصية كارزمية ك" كالفن أو لوثر عربي " ، هل نحن في حاجة إلى أتاتورك عربي إن " أثبتت التجربة الأوربية أن الجهة التي حسمت الصراع مع الكنيسة في أوربا هي السلطة السياسية التي انهت تواطؤا بين السلطتين الدينية و السياسية عمره عمر الحضارت السابقة على الرأسمالية ، على الأقل منذ الثورة الزراعية و حضارة العصور الإقطاعية " (72) ، يؤكد السؤال مصطفى الفقي (مصر) " يردد الكثير من السياسيين المصريين و التوانسة و الليبيين و خبراء نظم الحكم في الشهور الأخيرة حديثا حول النموذج التركي و إمكانية تطبيقه – و لو باختلافات مقبولة – في تلك الدول . و كنت قد كتبت منذ أعوام عدة مقالات في جريدة " الحياة " اللندنية" ، كان عنوانه ( هل نحن في حاجة إلى " أتاتورك " آخر ؟ ) عالجت فيه العلاقة بين الدين و السياسة في الوطن العربي ، و اشرت بوضوح إلى أهمية التجربة التركية بالنسبة إلينا باعتبارها رصيدا إنسانيا من دولة إسلامية ارتبطنا بها تاريخيا زمنا طويلا ، و على الرغم من ان " الأتاتوركية " قد جاءت لتصفية الإرث العثماني و تفكيك تركة "رجل اوربا المريض" إلا اننا نرى فيها أكبر انقلاب سياسي في التاريخ الحديث للعالم الإسلامي ، لأنها استهدفت آخر خلافة ، و قضت عليها وزرعت روح التغريب في الدولة التركية ، بل و احلت "الأبجدية اللاتينية" محل "الأبجدية العربية" لغة القرآن . إلا اننا نعترف في الوقت ذاته بأن مصطفى كما أتاتورك قد انتشل بلاده من غياهب العصور الوسطى إلى مشارف القرن العشرين ." (73)
بل " حزب العدالة و التنمية " التركي بقيادة أردوغان يعلن جهرا إنه حزب إسلامي في دولة علمانية حسب محمد الرميحي (الكويت ) (74) .
و باختصار ، و بقطع النظر عن الشعوب و التي لن يكون رأيها هام في المسألة كما سبق أن قلنا ، ففضلا عن أغلالها الموروثة ، " رأي الأغلبية ليس بالضرورة مستنيرا و يمكن أيضا أن يكون ضد روح العدالة " حسب تزفتيان تودوروف (75) . و كما يقال ، الأسباب العقلانية لا تعجب الجماهير و لا يفهم تعاليمها إلا قلة مختارة ، أو الأشياء الصعبة الفهم لا تقنع العامة ، فإن المسؤولية التاريخية الكبرى في التحول من دولة الأغلبية إلى دولة المواطنة ، عبر تحييدها عن كل لون ديني أو طائفي او عرقي مطروحة على عاتق النخب السياسية الحاكمة في البلدان العربية ، لن يكون القادة السياسيين مطالبين بطرح موضوع فصل الدين عن السياسة على الإستفتاء الشعبي أو للمناقشة في البرلمانات ، فنحن نعلم أن هذه البرلمانات ملونة باللون الإخواني . بل سيكون قرار إرادة سياسية .
النخب السياسية و حكام هذه الشعوب وحدهم يتحملون مسؤولية حماية شعوبهم من العنف و الفوضى و الحروب الأهلية بسبب الإنقسامات الدينية و الطائفية و العرقية ، في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة . ف"صعوبة مهمة القائد هو الإختيار الصعب و لكنه الإختيار الوحيد الصائب " القائد دوما يستشرف المستقبل و في النهاية هو من سيتحمل المسؤولية التاريخية كاملة .
و دول شمال إفريقيا من مورتانيا إلى ليبيا مرورا بالمغرب و الجزائر و تونس في ظل الظروف التي تمر بها هذه المنطقة من الأفضل لشعوبها - أن تعجل بتفعيل دولة المواطنة و تضع حدا لدولة الأغلبية في الدستور أو لدولة ملونة بالدين . و قيس سعيد على سبيل المثال ، نتساءل ماذا ينتظر ؟ فاللحظة مناسبة مع ما يتمتع به من شرعية شعبية ، بل أكثر من ذلك تصدر تونس تصدير الإرهاب تطرح الموضوع بقوة ، خاصة و أن المجتمع التونسي مجتمعا منفتحا و مستنيرا عبر دولة بورقيبة الحديثة ، فكيف يتحول إلى مصدّر للإرهاب ؟!!!
إن أعظم هدية يقدمها الجيش عبر عبد الفتاح السيسي للشعب المصري تحقيق دولة المواطنة بتحييد المؤسسة الدينية عن التدخل في الشأن العام - و هذا مطلب عاجل لكل شعوب الشرق العربي للتخلص من الصراعات الطائفية و الدينية و العرقية - و النكن موضوعيين ، الشعب المصري يثق في الجيش بحكم أصالة هذه مؤسسة لأن أفرادها بكل بساطة أبناء الفلاحين ، كما يخبرنا فوكو ، و نحن نعلم أصالة الفلاحين الذين كانوا البذرة الأولى في إنشاء الحضارة الإنسانية في بلاد الرافدين .
4 – خاتمة
ادرك الغرب ذروة النظام الرأسمالي الصناعي الذي أسسوه منذ قرون ويدركون اليوم خطورته عليهم و على وجودهم ، و لذلك هم يحزمون أمتعهم للعودة منه عبر الوعي المنتامي بدليل التنبؤ بانهياره عبر أكبر علمائهم و خبرائهم .
بينما نحن العرب لم نتجاوز القرون الوسطى بعد ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1-هاربات ماركوز "الإنسان ذو البعد الواحد "- ترجمة جورج طرابشي ، منشورات دار الآداب بيروت - الطبعة الثالثة 1988-
2- آلان تورين "براديغما جديدة لفهم عالم اليوم" - ترجمة جورج سليمان ، نشر المنظمة العربية للترجمة ، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية
3- هاربات ماركوز "الإنسان ذو البعد الواحد "- ترجمة جورج طرابشي ، منشورات دار الآداب بيروت - الطبعة الثالثة 1988-
4 – جيل ليبوفتسكي " عصر الفراغ الفردانية المعاصرة و تحولات ما بعد الحداثة " ترجمة حافظ إدوخراز
1- نفس المرجع
2- نفس المرجع
3- نفس المرجع
4- نفس المرجع
5- نفس المرجع
6 نفس المرجع
7- نفس المرجع
8- نفس المرجع
9- نفس المرجع
10- أي فلسفة للقرن 21- (مجموعة من المؤلفين ) ترجمة أنطوان سيف - مراجعة الحسين الزاوي– نشر المنظمة العربية للترجمة ، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة الأولى ماي 2011 –
11- آلان تورين "براديغما جديدة لفهم عالم اليوم" ترجمة جورج سليمان – المنظمة العربية للترجمة – توزيع مركز دراسات الوحدة العربية
12- هاربارت ماركوز "الإنسان ذو البعد الواحد "- ترجمة جورج طرابشي ، منشورات دار الآداب بيروت – الطبعة الثالثة 1988-
13- أي فلسفة للقرن 21 - (مجموعة من المؤلفين ) ترجمة أنطوان سيف - مراجعة الحسين الزاوي نشر المنظمة العربية للترجمة ، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية
14- نفس المرجع
15- نفس المرجع
16- منير العكش " أمريكا و الإبادات الثقافية "لعنة كنعان" الإنقليزية"
17- نفس المرجع
18- عادل سعيد بشتاوي / مؤلف من فلسطين – تاريخ الظلم الأمريكي و بداية زمن الأفول الإمبراطوري المديد –الأولى ، 2007 –
19- منير العكش " أمريكا و الإبادات الثقافية "لعنة كنعان" الإنقليزية"
20- فرانسيس فوكوياما "الإسلام و الحداثة و الربيع العربي " حاوره : د.رضوان زيادة – ترجمة : د. حازم نهار – نشر المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء – المغرب –
21- السياسات / أرسطو - نقله من الأصل اليوناني و علق عليه الأب أوغسطين بربارة البوسي – اللجنة الدولية لترجمة الروائع الإنسانية – بيروت
22- د. عبير بسيوني " أزمة الهوية و الثورة على الدولة في غياب المواطنة و بروز الطائفية"
23- "ما بعد الإسلام السياسي" تحرير د. محمد أبو رمان نشر مؤسسة فريدريش ايبرت , مكتب الأردن والعراق بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية/ الجامعة الأردنية
24- إدغار موران (ثقافة أروبا و بربريتها - ترجمة : محمد الهلاني)
25- التاريخ السري للإمبراطورية الأمريكية/ جان بركنس - ترجمة المحامي حسين علي الطبعة الأولى 2010 دار الطليعة الجديدة سورية – دمشق
26- نعوم تشومسكي "النظام العالمي... القديم والجديد"
27- نفس المرجع
28- نعوم تشومسكي "ماذا يريد العم سام ؟!!"
29- "إلى أين يذهب العرب ؟ رؤية 30 مفكرا في مستقبل الثورات العربية" المؤسسة العربية للدراسات و النشر المركز الرئيسي بيروت ، الصنايع ، بناية عيد بن سالم – التوزيع و النشر في الأردن دار فارس للنشر و التوزيع –
30- نفس المرجع
31- نفس المرجع
32- تزفتيان تودروف "اللانظام العالمي الجديد تأملات مواطن أوروبي " ترجمة محمد ميلاد – الطبعة الأولى 2006 – الناشر :دار الحوار للنشر و التوزيع – اللاذقية – سورية – ص.ب : 1018
33- "إلى أين يذهب العرب ؟ رؤية 30 مفكرا في مستقبل الثورات العربية" المؤسسة العربية للدراسات و النشر المركز الرئيسي بيروت ، الصنايع ، بناية عيد بن سالم – التوزيع و النشر في الأردن دار فارس للنشر و التوزيع –
34- نفس المرجع
35- نفس المرجع
36- "ما بعد الإسلام السياسي" تحرير د. محمد أبو رمان نشر مؤسسة فريدريش ايبرت , مكتب الأردن والعراق بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية/ الجامعة الأردنية –
37- نفس المرجع
38- نفس المرجع
39- نفس المرجع
40 -"إلى أين يذهب العرب ؟ رؤية 30 مفكرا في مستقبل الثورات العربية" المؤسسة العربية للدراسات و النشر المركز الرئيسي بيروت ، الصنايع ، بناية عيد بن سالم – التوزيع و النشر في الأردن دار فارس للنشر و التوزيع –
41 - نفس المرجع
42 - نفس المصدر
43 - "ما بعد الإسلام السياسي" تحرير د. محمد أبو رمان نشر مؤسسة فريدريش ايبرت , مكتب الأردن والعراق بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية/ الجامعة الأردنية
44 – نفس المرجع
45 - "إلى أين يذهب العرب ؟ رؤية 30 مفكرا في مستقبل الثورات العربية" المؤسسة العربية للدراسات و النشر المركز الرئيسي بيروت ، الصنايع ، بناية عيد بن سالم – التوزيع و النشر في الأردن دار فارس للنشر و التوزيع
46 - عادل سعيد بشتاوي / مؤلف من فلسطين – تاريخ الظلم الأمريكي و بداية زمن الأفول الإمبراطوري المديد –الأولى ، 2007
47 – نفس المرجع
48 - محمد علي مقلد " هل الربيع العربي ثورة ؟؟؟؟ قراءة يسارية"
49 - "إلى أين يذهب العرب ؟ رؤية 30 مفكرا في مستقبل الثورات العربية" المؤسسة العربية للدراسات و النشر المركز الرئيسي بيروت ، الصنايع ، بناية عيد بن سالم – التوزيع و النشر في الأردن دار فارس للنشر و التوزيع
50 – نفس المرجع
51 - د. عبير بسيوني "أزمة الهوية و الثورة على الدولة في غياب المواطنة و بروز الطائفية"
52 – نفس المرجع
53 – نفس المرجع
54 - عادل سعيد بشتاوي / مؤلف من فلسطين – تاريخ الظلم الأمريكي و بداية زمن الأفول الإمبراطوري المديد –الأولى ، 2007
55 - جيل ليبوفتسكي " عصر الفراغ الفردانية المعاصرة و تحولات ما بعد الحداثة " ترجمة حافظ إدوخراز
56 - د. عبير بسيوني "أزمة الهوية و الثورة على الدولة في غياب المواطنة و بروز الطائفية"
57 – نفس المرجع
58 - "إلى أين يذهب العرب ؟ رؤية 30 مفكرا في مستقبل الثورات العربية" المؤسسة العربية للدراسات و النشر المركز الرئيسي بيروت ، الصنايع ، بناية عيد بن سالم – التوزيع و النشر في الأردن دار فارس للنشر و التوزيع
59 – نفس المرجع
60 – نفس المرجع
61 - فرانسيس فوكوياما "الإسلام و الحداثة و الربيع العربي " حاوره : د.رضوان زيادة – ترجمة : د. حازم نهار – نشر المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء – المغرب –
62 – نفس المرجع
63 - جيل ليبوفتسكي " عصر الفراغ الفردانية المعاصرة و تحولات ما بعد الحداثة " ترجمة حافظ إدوخراز
64 - د. عبير بسيوني "أزمة الهوية و الثورة على الدولة في غياب المواطنة و بروز الطائفية"
65 - "إلى أين يذهب العرب ؟ رؤية 30 مفكرا في مستقبل الثورات العربية" المؤسسة العربية للدراسات و النشر المركز الرئيسي بيروت ، الصنايع ، بناية عيد بن سالم – التوزيع و النشر في الأردن دار فارس للنشر و التوزيع
66 – نفس المرجع
67 – نفس المرجع
68 - د. عبير بسيوني " أزمة الهوية و الثورة على الدولة في غياب المواطنة و بروز الطائفية"
69 - آلان تورين "براديغما جديدة لفهم عالم اليوم " ترجمة جورج سليمان
70 - "ما بعد الإسلام السياسي" تحرير د. محمد أبو رمان نشر مؤسسة فريدريش ايبرت , مكتب الأردن والعراق بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية/ الجامعة الأردنية
71- د. عبير بسيوني " أزمة الهوية و الثورة على الدولة في غياب المواطنة و بروز الطائفية"
72- محمد علي مقلد " هل الربيع العربي ثورة ؟؟؟؟ قراءة يسارية"
73 - "إلى أين يذهب العرب ؟ رؤية 30 مفكرا في مستقبل الثورات العربية" المؤسسة العربية للدراسات و النشر المركز الرئيسي بيروت ، الصنايع ، بناية عيد بن سالم – التوزيع و النشر في الأردن دار فارس للنشر و التوزيع
74 – نفس المصدر
75 - تزفتيان تودروف "اللانظام العالمي الجديد تأملات مواطن أوروبي " ترجمة محمد ميلاد – الطبعة الأولى 2006 – الناشر :دار الحوار للنشر و التوزيع – اللاذقية – سورية – ص.ب : 1018



#صالح_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الشعور
- صورة
- أغنية Nella Fantazia
- الجزء الناقص ...
- ضياع...
- الجحيم ...
- رقصة ...
- كريستال
- الصفر ليس العدد
- تغييب
- آتون
- هيهات
- إقصاء
- تفسير ...
- في الحضور
- نسق ...
- الصوت ...
- إلقاء
- حاشية ...
- السجناء في الصفر


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح محمود - خيار واحد لا غير: زوال النظام الرأسمالي أو زوال البشرية