أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد قاسم علي - ساهمة الأدباء في رسم سور الأمة و بناء جسدها و نقل تأريخها و تدوين إرثها















المزيد.....

ساهمة الأدباء في رسم سور الأمة و بناء جسدها و نقل تأريخها و تدوين إرثها


محمد قاسم علي
كاتب و رسام

(“syd A. Dilbat”)


الحوار المتمدن-العدد: 7055 - 2021 / 10 / 23 - 23:59
المحور: الادب والفن
    


مساهمة الأدباء في رسم سور الأمة و بناء جسدها و نقل تأريخها و تدوين إرثها ، لهي مساهمة جليلة و عظيمة يمنحوا من خلالها قوة و منعة لتاريخ هذه الحضارة او تلك ، ففي مسألة الأدب الصيني ، دائماً ما يكون هنالك شيئاً يدعو الى الدهشة و الذهول ، دائماً ما يكون هنالك أمراً يستحق منا أن نتوقف عنده عند قراءة أو عند الإطلاع على شعر دو فو و سيرته الذاتية الحافلة بمغامرات الحياة و تقلباتها. منذ فترة وأنا أخذت على عاتقي التعمق في دراسة الأدب الصيني ، فبدأت في حفظ أبيات من الشعر للشاعرين الكبيرين لي باي و دو فو اللذين تزامنا في عطائهم الشعري ، فكلاهما زامن عهد سلالة تانغ الحاكمة ، أي في العصر الذهبي للأدب الصيني بشكل عام و للشعر بشكل خاص ، كلا الشاعران يحملان شاعرية فذة ، و ليست مصادفة بأن يحل كلاهما محل أعظم شعراء الصين. دو فو الشاعر المؤرخ الذي تفوق على من كان يعتبره أستاذه و هو لي باي ، لم يسطع نجمه في عهد سلالة تانغ كما سطع مؤخراً في عهد سلالة سونغ ، فالنجم اللامع في تلك الحقبة بلا منازع كان لي باي ، الشاعر الصعلوك الذي كان يحب الفرص في شرب الخمور ، و مهووس في النساء ، لي باي هو من كان شاعر البلاط و شاعر زمانه ، اما دو فو فهو الشاعر القديس كما يلقب كان متمسك بالقيم و التعاليم الكونفوشيوسية التي أنعكست على سيرته الذاتية و شكلت هويته كشاعر ، لكن قبل ذلك كإنسان ، أخذت قبل فترة في التوسع في البحث عن كل ما هو مثير للإهتمام من كلا الشاعرين ، فقرأت قصائدهم و حفظت أهم أعمالهم عن ظهر قلب في اللغة الصينية دون الإضطرار الى الخوض في الترجمة الى اللغة العربية ، لأن الشعر الصيني يفقد نغمه و اوزانه عندما يترجم الى لغة أخرى ، كما هو الحال في أغلب القصائد العربية. لان اللغة الصينية في نهاية المطاف هي لغة شاعرية ، و لغة موسيقية في المقام الأول. لكن وجدت في مرات عديدة حاجة مٌلحة تتمحور بترجمة القليل من أفضل أشعاره الى اللغة العربية و أن كان في ذلك شذوذاً عن قاعدة النغم ، ففي نهاية المطاف لابد لنا منم الإطلاع و التعرف على هذا الكنز الأدبي الهائل.
هنا في قصيدة له تتكون من 500 كلمة يكتب دو فو أروع الأبيات و الصور الشعرية بلغة بليغة موسيقية تكاد تكون منقطعة النظير ، لكي يخرج من هذه القصيدة شاعراً لم يعهده زمانه و لم تٌكتب قبل أبياته أبياتاً تناهزها في بلوغ الهدف و الغاية.
يصور الشاعر في قصيدته الطويلة معاناة الشعب ، بالمقابل رفاه البلاط الحاكم ، ينقل الشاعر بأمانة تامة دون أي تكلف أو تملق أحاسيسه النبيلة المتضامنة مع عامة الناس. لنطلع على مقتطفات مهمة من القصيدة.
كنت متنقلاً بمفردي في منتصف الليل،
أصابعي باردة جداً كي تعقد حزامي المهترء.
لابد من أن أمر خلال القصر الإمبراطوري،
هنا عند الينابيع الحارة يمتع الإمبراطور أعضاء ديوانه.
صدى الموسيقى يحيط بالتلال،
فقط الأغنياء و ذوي السلطة قد يستحموا هنا.
الحرير الذي يرتدوه نٌسِج بواسطة الفقراء،
النساء اللواتي عانى أزواجهن من الضرائب.
القاعات مليئة بالنساء على هيئة آلهة،
مع أجود أنواع العطور يتحركن بحركات متناسقة.
مع فرو السمور الدافئ،
مستمتعين بأجود الموسيقى.
مٌطعمين بحساء الجمل،
الناضج بلونه البرتقالي.
يٌكمل دو فو صورته الشعرية بوصف النقيض على حياة داخل القصر ، فيسترسل في و صف ما يحصل خارج القصر الإمبراطوري.
خارج البوابات تجثم على الأرض عظام المتجمدين الجائعين
لكن عندما وصل دو فو الى القرية ، أسوأ مخاوفه تحققت. مخاوفه التي كان جاهداً يحاول تجنبها لكن بلا جدوى ، هنا في المقاطع الشعرية أدناه يصور دو فو حادثة مأساوية ، بصورة بلاغية ، هذه الحادثة لابد لها من أن توثر في القارئ و المتلقي لما لها من وقع مأساوي ، سيقلب حياة الشاعر رأساً على عقب. هنا تبرز القيمة الشعرية للشاعر كما مر و تحدثت عنه في بداية المقال.
عندما وصلت الى البيت،
سمعت نحيباً في المنزل.
طفلي الصغير مات من شدة الجوع،
أنا خجل من أن أكون أباً فقيراً جداً.
لقد تسبب نقص الغذاء بموت إبني،
و أنا واحد من الذين يحضون بأمتيازات.
إذا كانت حياتي سقيمة جدا،ً
إذا كم هي سيئة حياة الناس العاديين.
عند ترجمة مقتطفات من القصيدة كان لابد لي من التضحية بالنغم على حساب المعنى ، كل هذا لكي إوصل المعنى الى القارى. لكن بالتأكيد سيكون الأمر أجدر بالقراءة في اللغة الأم (أي اللغة الصينية) عندها سيستوعب القارئ المعاني مع اللحن و يهضمها في الذاكرة كأنها أنشودة. هذا ما سيكون عليه الموقف طبعاً عندما يتعلق الأمر باللذين يستطيعون الصينية ولو بالشئ القليل ، سيرى القارئ كتابات بأشكال فنية غريبة غير معهودة تصدر أصواتاً غنائية غير معتادة ، تحمل في طياتها من بليغ المعنى و جزالة الصورة الشئ الكبير.
دائماً ما اشعر بالسعادة عند تعلم بيت أو بيتين من قصائد هؤلاء الشعراء الكبار ، فما بالك في تعلم قصيدة بأكملها؟ لابد أن يكون هذا الأمر ممتعاً للغاية.
عندما يكون الأنسان في أعلى و أسمى مراتب ألانسانية ، سامي مترفع في مقامه عن ذميم الأخلاق و عوج الطباع ، نبيلاً يحمل هموم الناس و ينقل مشاكلهم و يشعر بأسقامهم ، عندما تمتزج الصفات النبيلة بالقيم الحقة ، عندما يكون كل ما هو مادي محسوس يؤجج عاطفة جياشة و موهبة تتحول الى عمل فني يكاد أن يكون منقطع النظير ، متمايزاً بذلك عن أقرانه و معاصريه ، يكون هذا العمل الفني تجسيداً لواقع ما ، يكون حرياً به أن يكتسب شرفاً يجعله خالداً طوال الأزمنة الممتدة على طول تأريخ الحضارة الصينية ، "الشاعر المؤرخ" هو اللقب الذي توسمه دو فو بجدارة ، لما تناولت مواضيعه و غطت جميع جوانب الحياة السياسية و الأقتصادية و الثقافية التي كانت في عهد سلالة تانغ الحاكمة ، اي في العصر الذهبي للشعر الصيني ، مقتنصاً بذلك فرصة دخول التأريخ كأعظم شاعر انجبته الحضارة الصينية خلال تأريخها العريض الممتد.
عن طريق هكذا أعمال ادبية تدعم الدولة من مناعتها و قوتها أمام كل المحاولات العبثية التي ترمي الى طمس تراثها و أرثها الحضاري و قيمها الممتدة خلال آلاف السنين فيكون بذلك العامل الأدبي ذو ثقل و مكانة يصعب غض الطرف عنه و تجاوزه.



#محمد_قاسم_علي (هاشتاغ)       “syd_A._Dilbat”#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القديس أوغسطين و تأثيره على الفكر السياسي الغربي
- دور البلطجة في تحديد الكتلة الأكبر
- الإرهاب
- خطاب الكراهية
- ثقافة التهجم و التحاسد
- الإستخفاف و رفاهية الحزن
- الأدب الصيني في عصره الذهبي
- يا لها من وقاحة
- شئء من شعر دو فو
- دعوات لهدم تمثال المنصور بعدما هدّموا الدولة.
- لماذا أتعلم اللغة الصينية وما تأثير الشعر في ذلك؟
- جريمة مشتل الأعظمية، كلبُ عَرّى مجتمع و جُناة.
- العراق تحت خِناق الميليشيات و سُراق المال العام
- السياسة في العالم العربي
- الإسلام يقف حاجزاً في وجه مجتمع مدني سعيد
- دو فو الشاعر المؤرخ
- جرف الصخر و عمليات التجريف الطائفية
- عودة إبن فضلان
- المقامة البغدادية
- دو فو اعظم شعراء الصين


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد قاسم علي - ساهمة الأدباء في رسم سور الأمة و بناء جسدها و نقل تأريخها و تدوين إرثها