|
القديس أوغسطين و تأثيره على الفكر السياسي الغربي
محمد قاسم علي
كاتب و رسام
(Syd A. Dilbat)
الحوار المتمدن-العدد: 7055 - 2021 / 10 / 23 - 19:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
اعترافات عن طول أناة الإله خالق الأرض و السماء معه "كم أود أن أستند عليك ، ليتك تدخل قلبي و تسكره لعلي أنسى أسقامي و أعانقك يا خيري الذي ليس لي سواه ، من أنت بالنسبة لي؟ علمني أن أخَبر برحمتك أو أنا بالنسبة لك حتى تطلب محبتي . واذا لم أقدمها هل ستغضب مني و تهددني بضربات موجعة ، هل ستتوعدني الويلات أن لم أحبك ، آه يا ربي و الهي من أجل رحمتك ، أخبرني من أنت بالنسبة لي ، قل لنفسي خلاصك أنا لذا تحدث الي لعلي أسمعك ، هو ذا قلبي أمامك يا ربي ، أفتح أذني و قل لنفسي خلاصك أنا و بعد هذا الصوت دعني أركض و أمسك بك ، لا تخفي وجهك عني ، دعني أموت فمن الخوف سأموت ، و لكن دعني أرى وجهك فحسب ، أعترف بك رباً على السماء و الأرض و أمجدك على نشأتي و طفولتي التي لا أذكر منها شيئاً ، ولكن شاءت إرادتك أن تمنح الإنسان أن يتكهن عن نفسه الكثير إستناداً على أقوال الآخرين و يصدق الكثير عن قوة النساء المستضعفات عند إذ كنت و حيأً كنت و حتى في نهاية طفولتي كنت أبحث عن علامات عسى أن يكتشف الآخرون حقيقة ما أشعر به من أين يمكن أن يأتي كائن مثلي ، إن لم يكن منك أنت يا ربي ، أيمكن لسواك أن يدعي حق تصميمي ، أيوجد مكان آخر يمكن أن يستمد منه حياة بل ويجري فيه روح و حياة إلا من لدنك أنت يا ربي الذي فيك تصير الحياة و الروح واحداً ، لأنك أنت الجوهر الأسمى للروح و الحياة ، وا حسرتاه يا الله على خطيئة الإنسان ، هكذا يقول الإنسان و أنت تشفق عليه لأنك أنت الذي خلقته و لم تخلق خطيئته ، من يا ترى يذكرني بخطايا طفولتي ، لأنه ليس من هو طاهر في عينيك حتى الذي لم يتجاوز عمره يوماً على هذه الأرض ، أنتقلت من مرحلة الطفولة الى مرحلة الصبا ، بل بالحري هي التي جائت الي لتحل محل الطفولة ، و لكنها لم ترحل بعيداً ف إلى أين ذهبت هذا ما حدث و ليس أكثر فلم أعد طفلاً عاجزاً عن الكلام بل صبياً يتحدث ، هذا ما أتذكره ، يا رب إسمع صلاتي و لا تدع نفسي مغشياً عليها تحت و طأ تأديبك ، لا تسمح بأن تخور قواي عند إعترافي لك يا كلي الرحمة ، فبرحمتك جذبتني بعيداً عن كل طرق الرديئة ، فصرت بهجتي التي تسمو فوق كل المفاتن و المغريات التي كنت أسعى اليها من قبل ، أعني لكي أحبك بجملتي ، و أمسك بيدك ، بكل ما أتيت من أحاسيس و مشاعر ، لعلي عندما أفعل ذلك تنقذني من كل تجربتي ، الويل لكي أيتها العادة الشبابية الجارفة ، من يقف أمامك حتى متى لا تجفين الى متى تجرين أبناء حواء الى ذلك اليم الهائل الخفي الذي لا يعبره سوى المتمسكين بالصليب ، سوف أسترجع الأن حماقتي الماضية و فساد نفسي الشهوانية ، لا حباً فيها بل حباً فيك أنت يا الهي ، فمن دافع الحب الذي أحبه لك سأفعل ذلك ، سأعود بنظري الى أكثر طرقِ شراً و أكثر ذكريات مرارتاً لعل حلاوتك التي لا تنتهي أبداً تدركني ، فحلاوتك النقية ، الراسخة تجمع شتاتي التي تمزقت إرباً من جراء الإنغماس في الملذات ، عندما بعدت عنك أيها الخير الأوحد فقدت نفسي بين العديد من الأشياء ، لقد تحرقت شوقاً في شبابي للشبع من المغريات العالمية و تجاسرت أن أبتعد عنك و إزداد توقي ثانيتاً الى تلك الملذات الوهمية الى أن تشوه جمالي و صرت فاسداً في عينيك أحاول أن أبهج نفسي و أسعى لإرضاء البشر." هكذا كتب الفيلسوف و القديس أوغسطين مستهلاً بالصلاة في مطلع كتابه "إعترافات" ، أستهله بصلاة متضرعاً الى الإله خالق السموات و الأرض سائلاً عن رحمته و عطفه المنقطعتين النظير ، بصلاة تعبر عن رقي الضمير الإنساني و سموه فوق المحسوسات الى عالم روحي مفعم بالنقاء. لنضع أوغسطين تحت بقعة من الضوء و نراقبه من عدسة ترى الفكر و تستلهم به و تنهل منه ، في البدء ، في شمال أفريقيا و تحديداً في الجزائر (حالياً) في مدينة طاغاست ، حينذاك كانت هذه المنطقة تعرف ب مملكة نوميديا التي بالتالي كانت مقاطعة رومانية ، ولد أوغسطين لأب وثني يدعى باتريسيوس و هو أفريقي-لاتيني يقال بأنه أعتنق الديانة المسيحية و هو على فراش الموت و أم تعتنق المسيحية تدعى القديسة مونيكا و هي أمازيغية الأصل ، نشأ أوغسطين على حسب رغبة أمه بأن يكون مسيحياً ، بالفعل تبلورت نشأته حول المسيحية ، لكن نقطة التحول كانت عند ما بلغ أشده و بدأ يقرأ و يطلع على بعض الكتب الكنسية المسيحية ، أصبح لديه تحول فكري لما رآه على حد تعبيره من بعض السذاجة و السطحية في نصوص و تعاليم هذه الديانة ، مما تقرر في نفسه ترك المسيحية ، ربما لم يكن يعلم في داخل سريرته بأن التاريخ سيكتب له لاحقاً ، بوصفه أحد أبرز آباء الكنيسة المسيحية و مبجلاً لدى كل من الكنيسة الكاثوليكية و الأرثوذوكسية و البروتستانتية. بإعتباره أسقف كبير في التاريخ المسيحي. ف عام 384 تم تعيين أوغسطين أستاذاً لعلم البان في جامعة ميلانو ، الى ذلك الحين كان أوغسطين يعتنق الفكر المانوي ، لكن في مدينة ميلانو بدأ فكر أوغسطين يتحول من خلال رحلته في البحث عن معنى الحياة فبذلك أبتعد شيئاً فشيئاً عن الفكر المانوي ، حيث كان أتباع هذا الفكر يٌتَهموا بالزندقة ، يركز الفكر المانوي على عقيدة وجود مصدرين منفصلين للخير و الشر ، وذلك بأن الخير و الشر لا ينبعان من سراج واحد. في عام 386 قرر أوغسطين إعتناق المسيحية متأثراً بما قرأءه من سيرة القديس أنطونيوس الكبير ، ترك بذلك أوغسطين علم البيان و منصبه في جامعة ميلانو و تفرغ بذلك للعمل الكهنوتي ، لاحقاً سيكتب سيرته الذاتية في كتابه الشهير الاعترافات. في عام 387 قام أمبروسيوس بتعميده في ميلانو ، و بعد عام من ذلك قرر أوغسطين العودة الى شمال أفريقيا مصطحباً أمه و أبنه اللذين توفيا في طريق العودة ، بذلك أصبح أوغسطين وحيداً بلا عائلة. تاثير أوغسطين على الفكر السياسي الغربي في سنة 410 ميلادية بدأت حالة من الضعف تكتنف الإمبراطورية الرومانية ، حيث كانت القبائل الجيرمانية الوثنية و غيرها من القبائل البربرية في وسط و شمال أوربا تشن هجمات على الإمبراطورية مما يؤدي الى نهب و سلب و فوضى في روما ، في نفس العام أي في عام 410 للميلاد قام القوطيون الوثنيون بقيادة الاريك بنهب و الإعتداء و تخريب روما ، مما جعل الكثير من الرومانيين يحتجوا قائلين بأنه لم يضعف روما و لم يجعلها تركع و تصل الى هذا الإنحدار من الضعف إلا عندما أصبح للمسيحيون سلطة و أصبحت المسيحية هي الدين الرسمي للدولة ، أي عندما كانت روما غير مسيحية كان لوضع الإمبراطورية أفضلية على ما هو عليه في ظل الدولة المسيحية التي هيمن الضعف على مفاصلها ، أي أن في ظل المسيحية تدهورت ألأحوال لما لهذا الدين من سماحة من مقولة (من ضربك على خدك الأيمن فأدر أليه خدك الأيسر) ، رأى بذلك سكان روما بأن قسطنطين الأكبرقد إرتكب خطأ عندما أقر بأن المسيحية هي الديانة الرسمةي للدولة ، مما جعل المسيحيون يحصلون على النفوذ و سلطة و تنفسوا بذلك الصعداء ، حيث آلت الأمور بأنت تصبح روما العظيمة الى ما عليه من ضعف ، حتى سقطت 476 ميلادية أوغسطين بوصفه رمزاً مسيحياً أراد أن يرد على هذه الأقوال و يواجه هذه الشبهات ، فكتب كتاباً بعنوان "مدينة الله " الذي دافع فيه عن الفكر المسيحي ، في كتابه هذا تطرق أوغسطين الى أن هنالك مدينتين هما مدينة الله و هي المدينة الفاضلة التي يسودها العدل و السلام الأبدي و النقاء في المقابل هنالك مدينة أسماها مدينة الشيطان ، مملكة الله مكانها ليست على الأرض بل في السماء ،أما مملكة الشيطان التي هي على الأرض ، فمن الطبيعي للدولة الرومانية أن تتعرض للضعف و الأنكسارات لأنها تقع في الأرض ، فأن روما في مدينة الشيطان ، فأراد بذلك جهد الامكان ان يدفع التهم عن المسيحية ، ففي رأي أوغسطين أن المسيحية و تعاليمها لا علاقة لهما في إنحدار الإمبراطورية الرومانية الغربية. أراد هنا أوغسطين فصل السلطة الدينية عن سلطة الإمبراطور ، أي أقر لبناء الدولة في مفهومنا الحديث (العلمانية) ترك أوغسطين الكثير من المؤلفات التي بمجملها كانت تدافع عن المسيحية ، والدته كانت شغوفة في إتباع المسيحية متمسكة بتعاليم و قيم المسيحية لما تراه في هذه الديانة من تعاليم حقة ، تألمت القديسة مونيكا كثيراً على ترك أوغسطين للديانة المسيحية في مقتبل عمره ، فكانت تصلي من أجله و تبكي حتى عرف عن أوغسطين ب إبن الدموع ، لكثرة الدموع التي ذرفتها والدته عليه ، كانت القديسة مونيكا دائماً تصلي لإجل أن يلتحق ولدها بركبها في إعتناق المسيحية ، إلتحقت مونيكا بأبنها في روما و شهدت فترة عودته و إعتناقه المسيحية في ميلانو بعدما عمل أستاذا لعلم البيان و أنجب ولداً من خليلته ، ترك علم البيان و التحق في العمل الكنسي ، لازالت آثار أوغسطين قائمة الى يومنا هذا و تظهر جلياً من خلال تأثيره على الفكر الكنسي الديني الروحي و الفكر السياسي الغربي ، لا تزال كتبه و أقواله مخطوطة و محفوظة الى يومنا هذا بالإضافة الى آثار الكنيسة التي تقع في شمال أفريقيا ، التي كان يمارس خدمته كأسقفي فيها. فكره لازال جلياً و متبلوراً حول التمايز بين الحيز الديني المعنوي الروحي و الحيز السياسي الدنيوي ، بذلك يعد أوغسطين أحد أباء الفكر الكنسي و الفكر السياسي الغربي بشكل عام ، أحد أعمدة الفكر التي تركت بصمة لايمكن أن تمحى من جبين التاريخ الذي يكتبه الشخصيات ذات التأثير العميق في الوعي الإنساني على مر الحقب و الأزمان.
#محمد_قاسم_علي (هاشتاغ)
Syd_A._Dilbat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور البلطجة في تحديد الكتلة الأكبر
-
الإرهاب
-
خطاب الكراهية
-
ثقافة التهجم و التحاسد
-
الإستخفاف و رفاهية الحزن
-
الأدب الصيني في عصره الذهبي
-
يا لها من وقاحة
-
شئء من شعر دو فو
-
دعوات لهدم تمثال المنصور بعدما هدّموا الدولة.
-
لماذا أتعلم اللغة الصينية وما تأثير الشعر في ذلك؟
-
جريمة مشتل الأعظمية، كلبُ عَرّى مجتمع و جُناة.
-
العراق تحت خِناق الميليشيات و سُراق المال العام
-
السياسة في العالم العربي
-
الإسلام يقف حاجزاً في وجه مجتمع مدني سعيد
-
دو فو الشاعر المؤرخ
-
جرف الصخر و عمليات التجريف الطائفية
-
عودة إبن فضلان
-
المقامة البغدادية
-
دو فو اعظم شعراء الصين
-
الْيَهُودْ
المزيد.....
-
بدء تصوير -ليالي روكسي-.. يجمع دريد لحام ومنى واصف بعد 42 عا
...
-
مسؤولان أمريكيان يفضحان سبب موافقة نتنياهو على عمليات تفجير
...
-
بنغلاديش: مظاهرات حاشدة لأنصار الحزب الوطني المعارض في دكا ت
...
-
15 مؤسسة إعلامية ألمانية تطالب بالسماح لها بدخول قطاع غزة
-
واشنطن توجه رسالة تهديد مبطن إلى إيران بعد تفجيرات أجهزة -بي
...
-
زيلينسكي يدفع المسؤولية عن نفسه بقضايا التحرش في الجيش الأوك
...
-
الدفاع المدني والصحة بغزة ينشران تحديثا للوضع الميداني وعدد
...
-
إعلام إٍسرائيلي: -حزب الله- سيرد على انفجار أجهزة -البيجر- و
...
-
الجيش العراقي يدمر معاقل لـ-داعش- شرق محافظة صلاح الدين
-
وزير الخارجية المصري ينقل رسالة من السيسي لرئيس وزراء لبنان
...
المزيد.....
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
المزيد.....
|