أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمدى عبد العزيز - أنا لست رقماً تأمينياً ولاعلامة علي الشاشة ..















المزيد.....

أنا لست رقماً تأمينياً ولاعلامة علي الشاشة ..


حمدى عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 7055 - 2021 / 10 / 23 - 16:56
المحور: الادب والفن
    


(( ..انا لست بائعاً ، ولازبوناً
ولاعامل خدمة
أنا لست مجرماً ، ولامتهرباً
ولامتسولاً
، ولا لصاً ..
انا لست رقماً تأمينياً ، ولاعلامة علي الشاشة
أنا ادفع ضرائبي ، ولا أتأخر عنها
، وأنا فخور بهذا .
أنا اتحدث قبل أن اري
بل إنني أنظر في عيون جيراني
واساعدهم
إن استطعت
أنا لا ابحث عن الصدقة
ولا اقبلها
اسمي هو
دانيال بليك
أنا رجل
، ولست كلباً
، ولهذا فأنا أطالب بحقوقي
أطالب أن تعاملوني باحترام
أنا "دانيال بليك"
أنا مواطن
، لاشئ أكثر
ولاشئ أقل ..)
هذا المقطع الذي تتدفق عباراته المتدافعة في حزن إنساني عميق ونبيل ، وصدق ودونما أي افتعال أو أي مسحة من الخطابية علي لسان إمرأة شابة بسيطة لكنها غارقة في الحزن النبيل والدموع علي منصة قداس جنائزي .
، وهذا هو المشهد الذي أنهي به المخرج البريطاني الرائع (كين لوتش) فيلمه الجميل (أنا دانيال بليك I, Daniel Blake) الذي حصل به علي جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 2016
، وهذه الأسطر المتدفقة پإيقاعاتها الشعرية عباره عن نص كان مكتوباً في ورقة بواسطة الشخصية الرئيسية في الفيلم الذي جسدها الممثل البريطاني "ديف جونز" وهي شخصية "دانيال بليك" النجار البسيط المسن الذي توقف عن العمل نتيجة معاناته من إعتلال القلب وكبر السن ، ومايعانيه طوال الفيلم من انسحاق ومن خيبة أمل متكررة في مسعاه المضني مابين مكاتب الدولة للحصول علي حق الرعاية الصحية أو حق العيش ..
ونص هذا الكلام من المقطع المشار إليه كان في ورقة عثرت عليها صديقته التي تعاني من ظروف مشابهة تحت وطأة الإنسحاق الإجتماعي في جيبه حينما سقط ميتاً في دورة مياه إحدي مكاتب الضمان الإجتماعي علي أثر تكرر تعنت المسئولين في منحه أي من إعانة عجز صحي أو إعانة بطالة ..
وقبل أن تقرأ صديقته الغارقة في دموعها هذا النص علي جيران وأصدقاء النجار العجوز الطيب دانيال بليك الجالسين في مراسم القداس الصباحي المخصص للفقراء في الكنيسة قالت بصوت مهزوم تحت وطأة الحزن العميق ، وبعد أن مسحت دموعها لكي تتحدث :
- هذا هو الكلام الذي كتبه دانيال بليك الذي قتلته الدولة ..
(أنا دانيال بليك) فيلم كتب بشكل بديع ليصور حياة المنسحقين في بريطانيا إحدي المراكز الرأسمالية النيوليبرالية الكبري في العالم .
دانيال بليك النجار البسيط الذي لايجيد استخدام الحواسب الألكترونية ولايستطيع امتلاكها ، بل أنه لم يصل بعد إلي مستوي ميسور من الحياة يسمح له باستخدام الإنترنت أو امتلاك القدرة علي دفع فاتورة محادثة هيئة الضمان الإجتماعي التي تحمل الكثير من التوقفات وجداول الإنتظار الباهظة التكاليف ..
في حين تشترط الدولة ممثلة في هيئات الضمان الإجتماعي أن يسجل طلبه من خلال الإنترنت ، وأن يسجل مايثبت أنه يمضي خمس وثلاثين ساعة في الإسبوع كحد أدني في البحث عن عمل ، في حين أنه يعاني من اعتلال في القلب لايريدون إثباته كمبرر للحصول علي إعانة عحز صحي بحجة أن الحالة غير كافية للتقاعد عن العمل ، ويتم التعامل معه بصلافة واستعلاء مهين بحيث لايسمح أن تمتد إليه يد من أحد الموظفين بالمساعدة ، وهكذا كلما دخل مكتب حكومي تكون نهاية محاولته الحصول علي حقه هو الطرد المهين إلي خارج الأبواب علي أيدي الحراس ..
مشاهد هادئة وممتدة ومتدفقة تصنعها اللقطات الطويلة الرشيقة للكاميرا تسجل بها مشاهد السحق الإجتماعي ، وقسوة مؤسسات الدولة وتعاملها البارد الجاف مع دانيال والشابة العاطلة البائسة الأم لطفلين (كاتي) التي ينسي دانيال لبعض الوقت معاناته ، ويندمج في معاناتها ويحاول قدر الإمكان مساعدتها ..
ويواصل مخرجه البارع كين لوتش كاميراته كعدسات منظار جراحي يغوص في أحياء الفقراء المشردين في هذا المجتمع الرأسمالي الكبير ويظهر لنا عينات ومشاهد سردية لحياة المنسحقين في الهامش المنضغط لهذا المجتمع من خلال تركيز الضوء السردي علي حياة النجار دانيال بليك ، وجيرانه المنبوذين اجتماعياً بالإضافة إلي صديقته الشابة (كاتي) التي جسدتها الممثلة الإنجليزية الشابة (هايلي سكوايرز) ، والتي يتعرف عليها دانيال في أحد مراكز الضمان الإجتماعي ويصطحبها هي وطفليها الصغيرين (بحكم أقدميته في عالم الانسحاق والفقر) إلي أحد الطوابير المكتظة بالبشر المنتظرين لفتات الطعام المجانية في أحد مراكز إطعام المعدمين (بنك الطعام) وبالتالي يرتبطان بعلاقة إنسانية نبيلة وحنونة كعلاقة الأب بأبنته ، لتستمر مشاهد معاناتها من البطالة وتشكيات إبنتها من سخريات زملائها التلاميذ في المدرسة من ملبسها وحذائها المتمزق الذي تفشل محاولات كاتي المتكرر للصقه ..
، وتتراكم حلقات سلسلة معاناة كاتي تزامناً مع معاناة دانيال الذي لم يجد وسيلة للتعامل مع تجاهله واحتقاره داخل أروقة مكاتب الضمان الإجتماعي إلا أن يملأ جدران السور الرئيسي الملاصق لواجهة ومدخل مركز الضمان الإجتماعي المطل علي الشارع الرئيسي بعبارات أنا دانيال بليك .. أريد حقي في حياة كريمة.. وإلا فإنني لن اغادر ، وماشابه من تلك العبارات التي تبتدئ بعبارة "أنا دانيال بليك"
، ويتضامن معه بعض المارة وقبل أن يتحلقوا حوله تسارع عناصر الشرطة في الحضور للمكان ويتم القبض عليه ودفعه إلي داخل سيارة الشرطة تمهيداً لاقتياده لمركز الشرطة .
، ونظراً لأنه رجل مسن ولاتظهر في صحيفته أية سوابق جنائية أو سياسية سابقة يتم إخلاء سبيله مقابل التوقيع علي تعهد بعدم تكرار الأمر لينهزم ويضطر لبيع أثاث منزله لكي يعيش به علي أمل أن ينال يوماً ما إما إعانة العجز الصحي أو إعانة البطالة.
وتدور به دوائر المعاناة ، إلي أن يتوقف قلبه ويسقط منهكاً متعب الجسد مختنق الصدر فيموت في حمام لجنة تقرير إعانة العجز الصحي التي كانت ستقرر البحث في تظلمه وطلبه المتكرر إعادة فحص موقفه ، وفي لقطات ومشاهد بارعة ودالة وعميقة قدمها المخرج البريطاني الشهير كين لوتش بلغة سينمائية شعرية حتي انك تشعر أن الفيلم قصيدة بصرية جميلة تنعي بؤس الإنسان تحت وطأة أقدام التوحش الرأسمالي المتزامن مع ظلم وقهر الدولة .
_____________
18 أكتوبر 2021



#حمدى_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معارك السوفت وير ..
- مؤتمر (وعد الآخرة) كإهانة لنبل وشرف القضية الفلسطينية
- تعليق علي ماحدث في أربيل العراق
- إنهم يسحقون الأجراء
- عبد الغني لبدة الذي أعرفه ..
- مالاينبغي أن يكون غائباً
- افغانستان السؤال (2)
- افغانستان السؤال (1)
- سامح الصريطى وبرنامجه الجميل
- وما الفارق إذن؟
- فرع اخوان تونس تكتيك مختلف فى الصراع السياسي
- الإتحاد العالمي للمتاجرين بالدين
- مفارقات التاريخ ..
- أربع ملاحظات على هامش إدارة أزمة سد النهضة
- 30 يونيو للمرة الثامنة ..
- -يوتوبيا- الواقع الكولمبي ..
- في ضرورة إلغاء اتفاق 2015
- فظاعة ووضاعة الوجه الإستعماري العنصري للرأسمالية الأوربية ..
- أحاديث الهدنة
- عن صديقي الإنسان الجميل الأب صرابامون الشايب ..


المزيد.....




- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...
- في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل ...
- أوبرا زرقاء اليمامة.. -الأولى- سعوديا و-الأكبر- باللغة العرب ...
- ابنة رئيس جمهورية الشيشان توجه رسالة -بالليزر- إلى المجتمع ا ...
- موسيقى الراب في إيران: -قد تتحول إلى هدف في اللحظة التي تتجا ...
- فتاة بيلاروسية تتعرض للضرب في وارسو لتحدثها باللغة الروسية ( ...
- الموسم الخامس من المؤسس عثمان الحلقة 158 قصة عشق  وقناة الفج ...
- يونيفرسال ميوزيك تعيد محتواها الموسيقي إلى منصة تيك توك
- مسلسل قيامة عثمان 158 فيديو لاروزا باللغة العربية ومترجمة عل ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمدى عبد العزيز - أنا لست رقماً تأمينياً ولاعلامة علي الشاشة ..