|
مجذوب القرية
ماجد صفوت استمالك
الحوار المتمدن-العدد: 7049 - 2021 / 10 / 16 - 15:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تمشينا معا بجوار النهر علي مشارف القرية وفي فخر حكي لي الاتي:
"أحيا في قرية بالصعيد الجواني ... أحب قريتي وأحب أرضها ونهرها و ناسها و بيوتها و مجذوبها ... شوارع قريتي ترابية دافئة اعرفها جميعا بمبانيها الطينية باهتة اللون صغيرة الحجم المتراصة بجوار بعضها علي جانبي الطريق إلى فكأنها حجرات لمنزل واحد كبير تسكنه اسرة واحدة ؛ ونحن كذلك بالفعل فكل واحد من قريتي - كبير او صغير - يعرف كل فرد فيها ، يعرف اسمه و نسبه و انتسابه و انسباءه ... يعرف ماضيه و ما حدث فيه ... و يعرف حاضره واحداث يومه ... يعرف تشابك الانساب بين العائلات و ارتباطات المصالح بين الافراد ، قد تري ان هذا قدر كبير علي العقل ان يدركه وهو بالفعل كذلك ، خاصة عندما تعرف ان عدد الافراد لدينا ليس بقليل ، ولكن بسبب جلسات سمار الليالي - التي تعقد يوميا و تدور فيها الأحاديث و تدار فيها الاحداث عن كل شيء و عن كل فرد - نتذكر كل شيء فلا خبر منسي ولا سيرة مفقودة
هذا عن بيوت قريتي و ساكنيها أما عن نهرها و ارضها فالنهر جاف ، يفيض بالماء مرة واحدة في السنة و يغادرنا طوال العام ، و الارض شحيحة نزرعها مرة واحدة في السنة مع الفيضان و نجمع قطافها لنقتات به حتي الموسم التالي ، و عند انتهاء الحصاد لنا عادة ان نجتمع و نحتفل و يتم توزيع الثمار بالتساوي بين الجميع ... قريتي لا تعرف الظلم فنجمع كل المحصول من كل الارض و نتقاسمه فيستلم كل فرد حصته من الحصاد و يتغذي منها ويكون مسئول عنها حتي الموسم التالي ، اذا لم يقتصد فيها و نفذت أو اذا لم يحافظ عليها و ضاعت او فسدت بقي جائعا لا يعرف الشبع طوال العام وهناك من عاشوا عمرهم كله بمعدة خاوية ، نعرفهم و نسمع سيرتهم من وقت لأخر في جلسات السمار
تلك هي قريتي بأرضها و نهرها و هؤلاء هم ناسها بقي فقط أن أحكي لك عن مجذوب قريتي ، فلكل قرية مجذوبها ولكن مجذوبنا كان أولهم و قريتنا هي اساس المجاذيب ، هو في الاصل شخص عادي مثلنا وجدناه ذات يوم وقد انفرط عقله و انجذب للنور و الحق وبقي مجذوب ... ترك عمله في الحقل و سكن في كشك خشبي بجوار النهر ، وصار يظهر قليلا بين الحقول يتجول بلا هدف واضح يعطي الاقوال و الامثال و يقضي بقية يومه عند النهر ولا يشترك في جلسات السمار الا مرة واحدة كل عام عند الحصاد يحضر توزيع الحصص و يشجع أصحاب الهمم ، يشجعهم علي الاستمرار في العادة التي أسسها هو منذ سنوات عند بدء انجذابه ، حينها كان كل فرد يحتفظ بحصته لنفسه يقتات عليها فيقتصد فيها حتي لا تنفذ و يستنفذها حتي لا تتبقي عندما يحل موسم الحصاد التالي و يحين موعد التجديد ، علمنا المجذوب انه من الواجب نقتسم جزء من الحصاد و نلقي به للنهر فلا يليق بنا أن نبخل علي مصدر الحياة في قريتنا بعد أن فاض علينا بالخير منذ أن وعينا علي الدنيا ، و اختلفت الاراء و تباينت و استقر الرأي علي ان نتقاسم الحصص كالمعتاد و من أراد أن يلقي للنهر فيقتطع من حصته و يلقيها بنفسه ، وقد كان ... و بدء أهل العزة بتنفيذ وصية المجذوب الذي قال ان في ذلك خير أكثر في المستقبل ، حيث سَيَرُد إلينا النهر هذا الكرم أضعافا ، ولاقي فعلهم هذا استحسان في جلسات السمار حيث سيفيض الخير علي الكل لا علي المشاركين فقط ، و شيئا فشيئا اقبل الناس علي المشاركه واقتطع كل منهم جزء من قوته و القاه للنهر في تفاخر و انتظر جلسات السمار ليقص لهم مقدار كرمه
تحولت جلسات السمار الي بالتدريج من التفاخر الي استهجان البخلاء شحيحي العطاء الذي فضلوا امتلاء بطونهم علي خير قريتهم ... قريتي تسودها العدالة ، إن كان الخير القادم سيكون للجميع ف علي الجميع أن يشترك في العطاء وينبغي للكل أن يضحي ، فكان لزاما علي كل شخص ان يلقي من حصته جزءا للنهر و أصبحنا نتباحث في الجلسات يوميا عن كل فرد كم اقتطع و بماذا ألقي ، وننبذ الغير مشترك ولا نتركه لطمعه في حصته و نحميه من الجشع حتي و ان كان غصب عنه ، و أصبحت قريتي هي القرية الاكثر عطاءا و السبب في الخير القادم لكل القري الممتدة بطول النهر ، ربما كنا جميعا جوعي و لكن لنا من العزة ما يكفي طول العمر"
#عصر_ما_قبل_الحضارة
#ماجد_صفوت_استمالك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جريمة في أرض السلام
-
مرزوق كامل مرزوق
-
قطرة مياه
-
استثمار عقاري
-
سجن بدون أسوار
-
حدث فى إحدي كنائس الجوار
-
حجاب ملكة انجلترا
-
معاداة المجتمع للغير صائم
-
وظلا يتهامسان ...
-
ع المعاش
-
حالة
-
ماذا نحتاج لهدم دولة ؟
-
ماذا نحتاج لبناء دولة ؟
-
صخور علي الطريق
-
الشهداء لهم الجنة ... و الارض !
-
في هذا أخطأ الاقباط
-
مسرحية من فصل واحد
-
قصة فتوي
-
عودة الوعي
-
-تمرد- علي السفينة باونتي
المزيد.....
-
أول مرة في التاريخ.. رفع الأذان في بيت هذا الوزير!
-
أول مرة في تاريخ الـ-بوت هاوس-.. رفع الأذان في بيت الوزير ال
...
-
قصة تعود إلى 2015.. علاقة -داعش- و-الإخوان- بهجوم موسكو
-
صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط
...
-
السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال
...
-
صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة
...
-
الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه
...
-
كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع
...
-
دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
-
فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس
...
المزيد.....
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
-
فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب.
/ يوسف هشام محمد
المزيد.....
|