أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - عندما تفر الجند ببطونها ....!














المزيد.....

عندما تفر الجند ببطونها ....!


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 7024 - 2021 / 9 / 19 - 20:57
المحور: الادب والفن
    


عندما تفر الجند ببطونها ....!
د. مظهر محمد صالح
 
لم يترك الحرمان في بلادنا في عصره الداكن الذي كان يُكنى ( بالتسعيني ) الا رزايا بثت أذرعها الخاوية زحفاً عن مجهول أسمه الرغيف الحافي حتى وإن كان في بطون من قضم خبزه في أيام أمست من الماضي .
ففي غروب يوم صامت إحتشد الحزن فيه وحيداً في مأتم كان معزيه جلهم من أنصاف الجياع وبعض المتخمين ، أذ اصابتنا الحسرة حينها على فقدان طبيب أطفالنا الذي خطفته يد المنون بعد أن قضى الحزن على ما تبقى من حياته سراعاً لتفقد الأمة أحد رجالها في أعز أوقاتها . ومع تصاعد نبرات صوت قارىء الكتاب الكريم الذي أنتهى مردداً (( أنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءً ولا شكوراً )) بدأ الهمس يشتد مضطرباً بين صفوف المعزين ذلك كلما تصاعدت أصوات أرجل تتحسسها محبطة ومثقلة وهي تتقدم بلا تردد لتلامس جدران مجلس عزائنا ثم تختفي حالاً في ظلام تلك اللحظات لتتبعها موجة أخرى كانه شيٌ اخرس بلا تاريخ ولا مستقبل. وهكذا بين هذا وذاك وقبل أن نترك مجلس عزائنا ( نحن انصاف الجياع ومتخميه ) تلقينا فجاءةً خطاباً رقيقاً من ذوي الفقيد تأسى فيه أحدهم بحزن قائلاً : كان من الأولى أن تتناولوا أيها الرجال العشاء المقام في القاعة المجاورة إكراماً لموتانا ، ألا أن زحفاً مهولاً من الجند تدافعوا من دون استئذان على مائدة الطعام والتهموا في لحظات قصيرة كل حبات الرز و أرغفة الخبز و قطع اللحم التي اصطفت ساخنة ًعلى تلك المائدة . وعلى الرغم من ذلك أشاد الجميع بأحلال الجند الذين فروا ببطونهم الخاوية الى مجاهيل الطعام على مائدة فقيدنا بدلاً من أشباع بطون أنصاف الجياع والمتخمين من المعزين .قلت في سري ان مغادرتنا للعشاء هو اقرب للعبة الرغبة والنفور ، الا هي احدى تمارين الفناء قبل ان تتجدد الحياة ثانية .وربما هو ادراك مسبق لقبول الماساة القادمة بعظمة تتناسب والمجهول الذي طوى الجوع صيرورتنا في لمحات خاطفة من اللانهائية.
غادرت مكان المأتم والجميع غادره ايضاً رويدا رويدا دون إلتباس وأنا أتطلع اليه لأجده مكاناً فسيحا منزوياً قرب مرأب كبير تتقاطع فيه وسائط النقل بين مدن البلاد يسمى (( العلاوي )) ويشكل أحد مراكز النقل المهمة في مدينتنا الكبيرة التي يتبادل المجندون فيها اجازاتهم متقلبين بين وحداتهم العسكرية ومناطق سكناهم المتباعدة .
وانت تخترق الجموع تجد بين هذا وذاك مجنداً يشحذ وآخر جائع يبحث عن شيء يشبعه من شبح اسمه الخبز والكل يطلب بشي من التردد والخجل بعد أن تلبست وجوههم جوعاً وفقراً كأنما أنقلبت بطونهم خواءً على هاماتهم .وان اخدود الصدقات اخذ يكتظ بجثث الضحايا الاحياء واشباه الاموات بشكل يستحيل التميز بينهما. وفي غمرة من المشاعر المجهولة بات الكل يردد ان حياتي الامس هي خير من حياتي اليوم.
عندها تذكرت قول نابليون بونابرت حول الانتصار في الحرب حينما قال: (( الجيوش تزحف وتقاتل على بطونها )) وعرفت من يومها أن بلادنا قد خسرت كل شيء في وقت مبكر وهي تزحف نحو رغيف في بطون جنودها وهو الرغيف المغترب الذي حسم نتائج الحرب قبل أن يحسم الميدان نتائجه على وقع فرار البطون نحو المجهول وهي تعانق اللاشيء مخلفةً وراءها صمتا ًمريباً وراحة باهتة اللون مشبعة بالاسى.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خرائط اعالي الشرق السياسية
- الفرهود في الفلوجة سنة 1941
- الذكرى الخمسون في معتقل شرق المتوسط: قصر النهاية.
- اليَقَظَة والغفلة : مَرارات الاضداد وصراعاتها
- المسيرة الديمقراطية على مفترق طرق: العراق انموذجاً
- العقل الشرقي المعتقل : أكذوبة حرب الكويت
- الكراسي الموسيقية
- رئيسان صينيان في دفاتر ذاكرتي الشخصية.
- أشياء لا تموت!
- #الكلمة_شرف
- السيولة العامة ومشكلات الائتمان في العراق
- باتيل صانعة الجوارب: الحب الدامي
- قسمة ضيزى:
- الاشكالية والنقد في الفكر العراقي المعاصر
- الاهداف الذكية :بين النجاح والفشل.
- الذات: بين مرايا الفلسفة و الضمير...!
- الى السيد علي عباس الخفيف /المشرف الاداري على موقع ملتقى الم ...
- المفارقة في حاضنة الفكر العراقي
- لينين:همس عراقي في ذكرى وفاته
- مستجدات المالية العامة في العراق: من التقشف (الثنائي )الى ال ...


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - عندما تفر الجند ببطونها ....!