هل حقا تم وضع ملف الريف الانفصالي في مجلس الامن ؟

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)

الحوار المتمدن-العدد: 7013 - 2021 / 9 / 8 - 00:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

منذ حوالي يومين ، وبالصدفة ، وقعت اعيني على شخص موجود بالولايات المتحدة الامريكية ، ومن خلال قناته ، يخبر بوضع ملف الريف الانفصالي في مجلس الامن .. ومن خلال تلك القناة ، رفع مطلب انفصال " الريف " ، ودعا الى الاعتراف بالجمهورية الريفية الانفصالية بقراءة بيان انشائها ، التي أسسها محمد بن عبدالكريم الخطابي في بداية عشرينات القرن الماضي ، واستمرت من سنة 1921 الى سنة 1926 ، عندما تمت الإطاحة بها من طرف التحاف الثلاثي المتكون من اسبانيا ، وفرنسا ، والنظام السلطاني ..
ان خبر وضع ملف الريف الانفصالي في مجلس الامن ، خاصة وان الخبر جاء على لسان هذا الشخص ، تذكرني بما سبق وردده عبر قناته ، من ان سلمى بناني تم قتلها ، وتم دفنها في القصر الملكي ، ونظرا للخوف من تبعات الحدث دوليا ، فان القصر اخرج عظامها ، ودفنها في غابة دار السلام المحاذية لسكن الملك ... الى غير ذلك من الترهات التي تفضح الشخص كحْلايقي متخصص في الترويج للإشاعة ، لخلق البلبلة ، وصناعة ( فرجة ) القيل والقال الزنقاوية ، كما يعكس ذلك Radio médina ، او Radio trottoir ...
أولا ولتكذيب هرطقته ، ولإظهار جفاف مُخّه نسخة مخ الحلزون ، وهل للحلزون مخ أصلا ، وكمن يكذب الكذبة ويثق بها ، فان مجلس الامن لا يستقبل ملف انشاء الدول ، من طرف الأشخاص العاديين الريفيين اللاجئين بالدول الاوربية . ان مجلس الامن يتعامل مع شكاوى الدول فقط الدول ، ولا حتى مع الجماعات او الجمعيات .. لان ملاذ شكاوى الأشخاص ، والجمعيات ، تبقى المحاكم المختلفة كمحاكم المحل التي تأخذ بالقضاء ، وبالاختصاص الكوني ...
ان الهيئة المخولة قانونا تسليم ملفات تأسيس الدول ، تبقى الأمانة العامة للأمم المتحدة ، التي يتولى رئيسها الأمين العام ، عرض الملف على انظار الجمعية العامة ، ومن بعد على انظار مجلس الامن ، بعد ان تكون الجمعية العامة قد حسمت فيه بطريق من الطرق .. فمجلس الامن لا يتعامل مع الأشخاص ، ولا يتعامل مع الجمعيات والمنظمات ، اللهم اذا كانت تخوض حربا مسلحة ، هنا المجلس يتدخل باسم الحفاظ على الامن والسلم الدوليين ، ولا يقرر في سبب النزاع بين دولة ، وبين منظمة مسلحة ، الاّ اذا لجأ له معا اطراف النزاع .. فمن اين لهذا الشحرور بخبر وضع ملف انفصال الريف عن المغرب بمجلس الامن .. واني اتحداه ان يثبت ذلك بالأذلة الملموسة ... مجرد هراء في هراء الذي يعكس الاضطراب النفسي الذي يعاني منه الشخص ..
ثانيا . ان القول بعرض ملف انفصال الريف عن المغرب ، كما كان الامر في عشرينات القرن الماضي ، في مجلس الامن ، يقتضي موافقة الدولة صاحبة الأرض التي هي الدولة المغربية .. وهذا لم يحصل ، ولن يحصل اطلاقا . لان قضية الريف لم يسبق ان تم تسجيلها ضمن المناطق المتنازع عليها ، او المناطق المشمولة بتصفية الاستعمار .. بل ان ملف الصحراء الغربية غير معني بالمناطق التي تنتظر الاستفتاء ، الذي يطالب به النظام الجزائري . لان ملف الصحراء كان مطروحا منذ سنة 1960 ، السنة التي كانت الجزائر حينها لا تزال تخضع للاستعمار الفرنسي .. فالمشكل الذي تم طرحه على انظار الجمعية العامة ، كان فقط ثنائيا بين المغرب وبين اسبانيا ، ولم يكن ثلاثيا كما حصل بعد سنة 1974 ، حين أصبحت الجزائر طرفا ثالثا في النزاع .. لذا فبعد الخروج الاسباني الارادي من الصحراء كدولة استعمارية ، عادت الصحراء الى موطنها الأصلي ، من دون اللجوء الى الاستفتاء الذي اصبح متجاوزا . لان الطرف المعني بالاستفتاء الطرف الاسباني ، انسحب عن طيب خاطر، وعادت الصحراء الى المغرب ..
ثالثا . ان الشخص الذي يدعو الى انفصال الريف عن المغرب ، ويدعو الى الإشادة والاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، وينتظر بزوغ انفصال اخر بالأطلس المتوسط ، وبالجنوب المغربي .. ويدعي ويروج انتماءه الى ( حركة الجمهوريين ) المغاربة ، وهي حركة عبارة عن اسم من دون مسمى . لان ما يسمى بالجمهوريين ، واقصد الموجودين خارج المغرب ، هم جمهوريون بالكلام وبالادعاء . لكن في صلب الموضوع ، فهم لا علاقة لهم بالنظام الجمهوري الذي يبقى اكبر منهم .. فعندما تجد اكثر من جمهورية لجمهوريين كثر ، عبارة عن مجموعات متناثرة هنا وهناك ، وكل لمجموعة لا يتعدى عدد المنتسبين اليها أربعة اشخاص .. فعن اية جمهورية يتحدث هؤلاء ، خاصة وانهم جميعا ، كما صاحب خرجة استقلال الريف ، متخصصون في الكلام النابي من تحت السرة ، ومتخصصون في السب والشتم لا غير .. فعندما تسب الام ، وتسب الزوجة ، والابناء ، والاخوات ، وتستعمل مفردة الحمار على أمواج الفضائية الرقمية ، وتستعمل الكلمات المنحطة ومن دون خجل ولا حشمة ك ( الزام.... ) و ( القح.... ) . بل وتتماد في انحطاطك الذي يجسد معدنك كوصف الأمير الحسن ب ( لقْلشْ ) .. فهنا تتجلى بالواضح ، نوع العقلية الاسترزاقية التي تدغدغ عقول ومشاعر بعض المُصطّلين والاغبياء ، من الذباب الذي يتابع هرطقات هذا المعتوه ، الذي يحقق أرباحا على حسابهم من اليوتوب ، والفيسبوك ، وكل وسائل التواصل الاجتماعي التي يلجها . لان الامر بالنسبة له تجارة وليست مبادئ . فالشخص متطفل يستعمل دعوة الجمهورية ، حتى يستمر ينفت سمومه ضد وحدة المغرب .. مع العلم ان البعض يعتقد انه يخدم اجندات خارجية كالجزائرية .. لكن هذه التي تحق الخونة وخياناتهم لوطنهم ، وتعرف انهم مثلما خانوا بلدهم ، سيخونونها بمجرد وقف التمويل ، وعند تغيير الصورة والمشهد .. تعرف كيف تستقطبهم ، لتستعملهم إعلاميا لنصرة اطروحتها حول الصحراء ، وفي مقارعة غريمها بالمنطقة النظام السلطاني المغربي .. فالنظام الجزائري ومن خلال أجهزة مخابراته الإعلامية ، يفتح قنواته لهم ، لتوريطهم كخونة ، ومن بعد يبدئ في التلاعب بهم ، حيث يصبح الجميع ينتظر وباحر من الجمر ، مناسبة ليجود عليهم النظام الجزائري بفرصة جديدة للنيل من وحدة المغرب ، ومن وحدة الشعب ، عبر فضائياته ، وقنواته المخابراتية ...
والملفت للنظر هنا ، و أنا لا اقصد الشخص صاحب القناة الذي دعا الى انفصال الريف باسم الاستقلال ، ودعا الى نصرة الجمهورية الريفية . بل اقصد ( الجمهوريين ) الاخرين ، الذين وضعوا كل بيضهم في سلة النظام الجزائري .. انهم حين يدْعون الى معارضة واسقاط النظام المغربي ، بدعوى تسلطه ، واستبداده ، وطغيانه ، ودكتاتوريته ، فهم لا يترددون في نصرة ، ومساندة نظام جزائري شبيه للنظام المغربي . أي انهم يعارضون دكتاتورية ، ويناصرون أخرى اقبح منها .. وهذا ليس له من فهم ، غير ان الناس دكتاتوريون ، ولا علاقة لهم بالديمقراطية اطلاقا .. ومنذ متى كان العميل الخائن ديمقراطيا أصلا ..
وانّ الغيْر مقبول .. وحتى يبرروا مساندتهم لنظام دكتاتوري ، على حساب نظام دكتاتوري آخر ، هو حين يشرعون في التبرير لمساندة عسكر الجزائر ، من خلال المقارنة بين النظام المغربي ، والنظام الجزائري ، ويخرجون بخلاصتهم ورْطتهم ، وفضيحتهم ، انّ سبب مساندتهم للنظام الجزائري ، كونه احسن من النظام المغربي .. ولعمري منذ متى كان نظام دكتاتوري ، احسن من نظام دكتاتوري ، وكانت دكتاتورية ، احسن من دكتاتورية أخرى .. وكان عليهم لو كانوا حقا ينشدون الديمقراطية ، ان يقارنوا النظامين المغربي والجزائري ، بالأنظمة الديمقراطية التي تختلف عن النظام المغربي والنظام الجزائري معا ..
وعندما يساندون دكتاتورية النظام الجزائري البشعة ، التي يقاومها الشعب الجزائري بحراكه المتواصل .. فان هؤلاء الخونة ضد وحدة المغرب ، يكونون قد تخندقوا ضد الشعب الجزائري ، لصالح النظام الدكتاتوري العسكري . وتخندقهم هذا ، يفضح جريرتهم ، انهم عملاء مرتزقة وخونة ، ضد الشعب المغربي ، حين يطعنون في وحدته كشعب ، وارض ، وتراب ، محرفين تاريخه الذي لم يكن غير تاريخ المغرب المسجل منذ آلاف السنين ..
وهذه المواقف المدانة لعمالتها ، ليس لها من تفسير غير سقوط هؤلاء الطفيليين الخونة ، في شرك الحرب الدائرة بين النظام المغربي والنظام الجزائري على حساب المغرب . وهم حين يفعلون ، فليس مرد فعلهم نوازع أيديولوجية ، او سياسية ، او تنظيمية .. لان فقرهم الفكري ، وخواء مخهم العاقر ، يجعل منهم عبارة عن حْلايْقية بفناء جامع الفناء بمراكش ، او في الأسواق الأسبوعية المغربية ..
فحين تلوك للجمهورية ، وللنظام الجمهوري ، وانت مجرد بيدق / جماعة لا يتعدى عدد أفرادها الخمسة في اكبر تقدير . وحين تلوك للجمهورية وانت فقير الثقافة ، والأيديولوجية ، والتنظيم . لان التنظيم يجب ان يتعدى المئة شخص على الأقل في مرحلة التأسيس ، في انتظار مضاعفة الرقم مستقبلا .. فما هي طرق ووسائل الوصول الى النظام الجمهوري لدا جمهوريو آخر الزمان .. وكل خطابات هذه الزمر ، مجرد كلام نابي من تحت السرة ، وسب ، وشتم بأقدح الالفاظ ..
وحين كنت اتابع الشخص وهو يناصر انفصال الريف ، ويناصر ويدعو الى الجمهورية الريفية ، ويناصر انفصال الصحراء ، ويدعو الى انفصال كل المغرب .. و هو يتناول كؤوس الخمرة المعتقة على المباشر، ويدخن سيجارة وراء سيجارة .. ومن دون انقطاع ، وقام بصباغة لحيته باللون الاشهب .. حتى يظهر كمثقف وفيلسوف لا يشق له غبار .. كنت اراقب حركاته من خلال تحريك يديه يمينا وشمالا ، ومن خلال تشطيب لحيته وشاربه المصبوغ .. ومن خلال طريقة قراءته للتعليقات ، عند تلاوة خرجاته .. فكانت النتيجة التي توصلت اليها وهي اكيدة ، ان الشخص فوق أمي جاهل ، يجهل تاريخ الريف ، ويجهل تاريخ الصحراء ، ويجهل تاريخ المغرب .. وحين تكون جاهلا وتحشر انفك في مواضيع اكبر منك ، تكون تلك الطامة الكبرى المؤدية الى الورطة الأكبر ..
ان من ينفت سمومه المريضة على وحدة المغرب شعبا وارضا ، ومن دون حجج ، هو شخص سطحي مصاب بمرض نفسي ، لا يجد شفاءه الاّ من خلال السب ، والشتم ، والكلام النابي الغير مقبول .. ولعمري ان الشخص هذا ، هو شخص غير طبيعي ، وغير متزن النفسية ، وانه يعاني من بعض العوارض التي يكون سببها الاسرة ، أو الحي الذي نما فيه ، ونوع البشر الذي خالطه ، ونوع البشر الذين كان معه بالمدرسة .. فالاضطراب النفسي من خلال التناقض في الكلام ، ومن خلال الأسلوب المستعمل في الخطاب ، ومن خلال نوع الأشخاص الذين يستضيفهم في قناته .. ظاهر وجلي للعيان ..
فهل الريف ليس مغربيا . وهل الصحراء ليست مغربية .. هنا سوف لن اركز على الصحراء ، لأنني عالجتها بما فيه الكفاية بحوالي 160 دراسة .. لكني سأركز على الريف ، وعلى الجمهورية الريفية .. التي يجهل هذا الشخص كما يجهل غيره التاريخ الحقيقي للريف وللصحراء ..
فجمهورية الريف التي تأسست كدولة اتحادية لقبائل الريف في 18 شتنبر 1921 ، جاءت ضمن الثورات التي قامت بها القبائل البربرية بالريف ، وبالأطلس المتوسط ، والاطلس الكبير قبل بداية القرن ، وقبل دخول فرنسا الى المغرب ، ضد النظام السلطاني بفاس ، كنظام تقليداني ، وكنظام عندما أسس لدولته ، وسماها بالدولة المخزنية ، بعد القضاء على الدولة العصبية ، القبائلية ، والمشاعة . وبنى كل قوتها على الانتساب الى النبي ، وعلى فرض الضرائب العديدة ، واستعمال الغارات ، والاغارات على القبائل التي رفضت دفع الضريبة للسلطان . واستعمال مختلف أنواع البطش ، والتقتيل في تحصيل الضرائب ، لمليء صندوق مال السلطان ... الخ ، دفع بثورات القبائل البربرية الى تبني نظام الجمهورية الأثنية والعرقية ، التي بنت قاعدتها على رفض الغزو العربي لشمال افريقيا ، وما نتج عنه من مآسي كالسلب ، والاستفراد بنساء البربر، وتصديرهم الى الحاكم العربي في دمشق ..
لكن ما يلاحظ على هذه التجارب الثورية الجمهورية ، انها وباستثناء الجمهورية الريفية التي كانت انفصالية ، فهي كانت وحدوية ، هادفة الى جمع شمل الشعب المغربي ، في نظام جمهوري ، بعض الإطاحة بالنظام السلطاني الذي كان يحكم من فاس ..
عندما أسس الريفيون جمهورية الريف الانفصالية ، حيث كانت لها حكومة . وكان رئيس الجمهورية محمد بن عبدالكريم الخطابي .. ورغم الرسائل العديدة التي وجهها الى أمريكا ، والى اوربة شارحا وموضحا ، طبيعة جمهوريته الانفصالية .. فلا دولة اعترفت بها ، باستثناء دولتين فرنسا وانجلترا دولتي " سايْكسْ بيكو " ، التي كان بهما سفيرين للجمهورية الريفية هما . حدو بن حمو بباريس ، وعبدالكريم بلحاج بلندن .
والسؤال هنا : كيف ان يكون هناك سفيرين للجمهورية الريفية بباريس وبلندن ، وهاتين الدولتين لا تعترفان طبقا للمعاهدات الدبلوماسية ، بالجمهورية الريفية ؟
اعتقد ان الفعل غير الواضح هذا ، مرده الى انتهازية دولتي " سايكس وبيكو " ، اللتين كانتا تنتظران ما سيسفر عنه ميلاد جمهورية بشمال المغرب ، من خلال توجهها السياسي والايديولوجي ....
لكن ما ان بدا لهما انّ التوجه إسلاموي ، وان مستقبل الجمهورية سيكون ضد التحالف المسيحي ، الكاثوليكي ، البروتستاني ، واليهودي .. حتى ناصبت الدولتين الاستعماريتين العداء للجمهورية الريفية ، التي دخلت في حرب تحرير ، مع اسبانيا الاوربية ، الكاثوليكية ، الاستعمارية ...
لقد عاشت الجمهورية الريفية الانفصالية ستة سنوات ، من 1921 الى 1926 ، وتعرضت لحرب قاسية من قبل ثلاثة دول ، هي اسبانيا التي ضربت الريف بالغازات السامة ، وفرنسا ، والنظام السلطاني الذي حج الى قصر فرساي يقدم الشكر لفرنسا ، على انتصارها في حرب الريف ، التي انهت عمر الجمهورية الريفية ..
لقد كانت الثورات القبائلية البربرية ، الرافضة للنظام السلطاني بفاس ، والهادفة لا قامت جمهوريات بربرية . والكل يتذكر ما تعرض له الثائر الجيلالي الروگي المكنى ب ( بوحمارة ) من قبل المخزن بفاس ، وكيف تم التنكيل بقبيلته ، وبكل القبائل التي انخرطت في مشروع ثورته على السلطان عبد الحفيظ ، وهو تنكيل يشبه ما تعرض له البرامكة عندما اسودت غيومهم ، واكفهرت وجوهم ، ويشبه التنكيل الذي مارسته الخلافة التي لم تكن راشدة ، على القبائل التي ثارت بعد وفاة النبي بدعوى الردة ..
فما قمام به خالد بن الوليد ، وعمر بن الخطاب .. على القبائل التي ادخلوها بالجبر وبحد السف الى الإسلام ، كان إبادة جماعية ، وتفنن في ابتكار ابشع ، واقبح وسائل القتل والتقتيل ، والعذاب والتعذيب ، بدعوى حرب الردة ..
باقتراب نهاية العشرينات ، وبداية الثلاثينات من القرن الماضي . وبسبب التدخل العسكري الفرنسي ، باسم الحماية الموقعة مع السلطان عبدالحفيظ ، وبسبب التدخل الاسباني .. تكون الثورات القبائلية قد انهزمت ، وتكون الجمهورية الريفية قد تم القضاء عليها ، ويكون بذلك عهد جديد قد بدأ ، سيعرف ب ( الحركة الوطنية ) ، التي ناصبت العداء لجيش التحرير ، الذي تكوّن من القبائل البربرية ، الساخطة والرافضة للنظام السلطاني ..
واذا كانت القبائل البربرية غير الريفية ، قد قطعت مع المشاريع الجمهورية ، وتقوقعت كل اثنية في قبيلتها ، وفي محيطها .. فان القبائل الريفية ، ظلت تحمل في طياتها حلم الجمهورية الريفية ذات الاتجاه الإسلاموي . وهذا سيبدو على الأرض مباشرة بعد الاستقلال الشكلي ، حيث سينتفض كل الريف ضد النظام العروبي العلوي في سنة 1957 و 1958 ، وتعرض الى إبادة جماعية عبّر عنها الملك الراحل الحسن الثاني في يناير 1984 ، عندما وصف الريفيين بالأوباش ، وعندما قال " ان من مصلحة الريفيين ان يعرفوني كلمك ، وليس كوليّ للعهد " . كما تعرض الشمال الى مجزرة رهيبة ، في انتفاضة يناير 1984 ، التي كانت ثور شعبية شيعية ، رفع فيها المتظاهرون صور آيات الله الخميني ..
ومنذ ها ظل الريفيون يحنون الى جمهورية الريف ، كدولة انفصالية عن المغرب . وهذا ما سيبدو اثناء حراك الريف بزعامة ناصر الزفزافي ، ودخول حركة 18 شتنبر الجمهورية على الخط ، وتبني الحراك لشعاراتها الانفصالية . وسيكون اكبر مشهد عكس نزعة الانفصال ، ترديد شعارات الانفصال ( عاش الريف ) ، وحمل راية وعلم الجمهورية الريفية بالملايين ، والدوس بالأقدام ، وحرق العلم المغربي بأوربة ...
ان المتتبع لكل التطورات التي مر بها الصراع السياسي والقبائلي بالمغرب ، ( عدي اوبيهي ) ، ( الريف ) ، ( الصحراء ) ، سيلاحظ ان الصراع لم يكن محتدا فقط وسط الشعب ، والقبائل ، والاقاليم ، والجهات .... بل انّ الصراع كان محتدما بين أبناء القبائل العاملين بمؤسسات الدولة ...
فاذا كانت كل انتفاضات الريف الشعبية ، تهدف الى الوصول الى الجمهورية الريفية الانفصالية ، فان أبناء الريف ، وأبناء الاطلس المتوسط ، العاملين بالدولة ، خاصة بالجيش ، رغم انهم كانوا يكرهون ويرفضون النظام الملكي ، الاّ ان معارضتهم للدولة ، لم تكن ذات طابع انفصالي ، يهدف الى انشاء دولة خارج ارض المغرب ، لكنهم كانوا جمهوريين وحدويين ضمن كل المغرب .
ان تحرك ضباط الجيش في انقلاب 1971 ، وفي انقلاب 1972 ، كان يهدف الى إقامة جمهورية بربرية في كل المغرب ، بعد النجاح في اسقاط الدولة العلوية ... وكانت تلك الوحدة يمثلها الانتساب القبائلي الذي ينتسب اليه الضباط الانقلابيون . فكانوا يمثلون كل الاثنيات والاعراق ، من الريف ( الجنرال المدبوح والكلونيل عبابو ... ) ، الاطلس المتوسط ( الجنرال بوگرين ، الكلونيل العربي الشلواطي ... ) ، سوس ( احمد رامي ) ، والعرب ( الجنرال حبيبي ، الكلونيل الفنيري .. ) ..
وبينما خبت كل اشكال الانقلابات العسكرية ، بتغيير النظام لكل السياسات الأمنية السابقة عن الانقلابين العسكريين ، ودمج كل الضباط الكبار في النسيج الاقتصادي المنفعي للدولة .. استمر الريف يحلم بتجربة الجمهورية الريفية ، معتقدا ان حل المعضلات السوسيو/اجتماعية المستفحلة ، تكمن في نظام الجمهورية الريفية ، التي تحتضن فقط الريف ، ولا تحتضن كل المغرب . أي دعوة الى الانفصال ...
فبعد مرور حوالي المائة سنة على إقامة جمهورية الريف ، التي لم تعترف بها اية دولة في العالم ، ولم يكن لها ممثلون بالمنظمات الدولية ، ولا بعصبة الأمم ... لا يزال هذا الحلم يراود الريف ، مع العلم انه خارج اجماع الشعب المغربي ، ووحدة ارضه ، يبقى حلما انتحاريا ، وحلما مغلوطا ... سيجعل أي دولة انفصالية مرتقبة ، مسخرة بيد القوى الامبريالية والصهيونية .
ان الوحدة التي عكسها موقف الشعب المغربي في كل بلاد المغرب ، عندما انزلت فرنسا ظهيرها المشؤوم ، المسمى ب ( الظهير البربري ) ، وهو ظهير فرنسي لا علاقة للبرابرة به ، قاومه الريف الذي كان قد خرج من حرب الريف ، بنفس القوة والصلابة التي قاوم بها الشعب المغربي الظهير المسموم التقسيمي الفرنسي . ولم يسبق في تاريخ وحدة الشعب المغربي المثالية ، ان تضافرت الوحدة الشعبية في مجابهة الظهير الفرنسي ( البربري) ، مثلما حصل عندما طرحت فرنسا ظهيرها المشؤوم هذا ..
وبما ان التاريخ يعيد نفسه بشكل مهزلة ، سنجد ان تكملة الظهير الفرنسي ( البربري ) الذي افشله الشعب المغربي ، بمختلف طوائفه العرقية ، هي ما عكسه المشروع الامبريالي الصهيوني الذي تم تنزيله على الأرض / أي مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال افريقيا ..
لقد فشل الظهير الفرنسي ( البربري ) بتوحيد الشعب ، لكن للأسف ، فان تكملته مشروع الشرق الأوسط وشمال افريقيا يتم بأدوات محلية .. لقد تم تدمير سورية والعراق وليبيا واليمن ... لخ بعمالة ايدي ابناءها .. وبتمويل خليجي عربي ... والشق الثاني من مشروع سايكس بيكو يتم تنفيذه بايدي محلية عميلة وخائنة تدعو الى فصل الصحراء عن المغرب ، وفصل الريف ، والاطلس المتوسط ، وجنوب المغرب ... ليتحول المغرب من دولة واحدية ، لتصبح دويلات وكانتونات قزمية لا محيد لها ان تعيش في كنف الاستعمار والامبريالية والصهيونية ..
ان الارتماء كأبواق عميلة في حضن النظام الجزائري كنظام دكتاتوري ، بحجة محاربة النظام المغربي بسبب دكتاتوريته ..
وان نصرة نظام دكتاتوري على حساب نظام دكتاتوري آخر .. هو تخندق الى جانب النظام العسكري الجزائري على حساب المطالب الديمقراطية للشعب الجزائري ، الذي لا يزال يواصل حراكه لبناء الدولة المدنية الديمقراطية .. وهو تكالب ، وغدر ، وخيانة للمغرب ، وللشعب المغربي بنصرة دعوة انفصال الصحراء عن المغرب ، ودعوة انفصال الريف عنه ..
فعندما تصفق وتطبل وتزمر للنظام الدكتاتوري الجزائري ، وتشيد بالدولة الجزائرية ، وبالرئيس عبدالمجيد تبون ، وبالجيش الجزائري الذين يشتغلون على برنامج ومشروع تقسيم المغرب وتفتيته .. فلن تكون مجرد خائن لبلده وشعبه ، لحساب نظام آخر يوظفك ، ويستعملك لخدمة اجنداته ومخططاته الجيو/استراتيجية ، والجيو/بوليتيكية .. وغدا سيرمي بك في المزبلة بمجرد استنفاذ دورك اللعين .. لان النظام الجزائري يعرف ، ويحق حق المعرفة ان من خان بلده ، أكيد سيخونه في اول منعرج يفرق المصالح ، ويعمق الفروق ...
ومرة أخرى . منذ متى كانت معارضة النظام ، تتم بخيانة المغرب ارضا وشعبا .. وبالسقوط في شرك النظام الجزائري كنظام دكتاتوري ، لا يختلف عن النظام المغربي ... نظامان ينهبان ويفترسان .. وشعبان مفقرين .. نظامان يتحاربان .. وشعبان يموتان من اجله ان يحيى النظامان ...
إذا ذهب نظام ،سيأتي على انقاضه نظام آخر .. وهكذا ما دام الصراع متواصلا .. لكن إذا ذهبت الأرض فلن ترجع ابدا ... فعارضوا كيف ما طاب لكم .. وتمسكوا بوحدة الأرض وبوحدة الشعب ، لانهما خط احمر .. ومن أراد تجاوزهما فهو عميل خائن ..

#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات