أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الرعايا في الدولة النيوبتريمونيالية ، النيوبتريركية ، النيورعوية / رعايا السلطان ..















المزيد.....


الرعايا في الدولة النيوبتريمونيالية ، النيوبتريركية ، النيورعوية / رعايا السلطان ..


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 6982 - 2021 / 8 / 8 - 15:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الدولة المخزنية في العرف السياسي ، هي دولة ليس لها من الدولة غير الاسم .. فحقيقتها التي يشهد به بناءها وهرمها ، انها دولة تعيد انتاج البتريركية ، والبتريومونيالية ، والرعوية ، في حلتها الجديدة / القديمة التي هي النيوبتريمونيالية ، والنيوبتريركية ، والنيورعوية .. فهي الدولة التي نظامها السياسي الغارق في التقاليد المرعية ، يتولى السلطة التقليدانية ، ويتولى الحكم في ظاهره العشائري ، الطوطمي ، القروسطوي ، الذي لا يمت بأية صلة للدولة في العصر الحديث ..
فمفهوم الدولة في القانون الدولي ، لا علاقة له بمفهوم الدولة النيوبتريمونيالية ، النيوبتريركية ، والنيورعوية ، الغارقة في الثقافة المخزنولوجية المحنطة بالتقاليد المرعية ...
فإذا كان مفهوم الدولة وتعريفها في القانون الدولي ، وكما يعرف ذلك القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، تتكون من ثلاثة شروط لكي تصبح بحق دولة ، وهي السيادة ، والشعب ، والأرض ، لأنه عند انتفاء احد هذه الشروط التي اجمع عليها الفقه الدستوري الدولي ، وأساتذة القانون الدولي ، فالكيان لا يعدو دولة بالمفهوم القانوني ، لكن يعدو كيان من نوع خاص ، لا مثيل له في تعريف الدولة ، كما هي متعارف عليها دوليا ..
لذا ومن خلال هذه الحقيقية نطرح السؤال . هل نظام المخزن بطقوسه الغريبة ، يرقى لان يكون دولة ، والحال وبخلاف الدول ، هو متخصص في إعادة انتاج الرعايا ، وليس المواطنين ، فأحرى انتاجه للشعب الذي يحتقره .. أي ان عنصر الشعب بمفهوم القانون الدولي عند تعريف الدول غير موجود . فالموجود هم مجرد رعايا والرعية لا يكون شعبا .. وعند انعدام الشعب كشرط من شروط تعريف الدولة ، هنا نطرح السؤال . ما نوع النظام السياسي في المغرب ؟ هل دولة كاملة الاوصاف والشروط ، ام انه دولة ناقصة في انتظار تحقيق شرط الشعب الغير موجود ، ام هي نظام داخل دولة من نوع فريد في العالم ، والدليل ان اسمها هو اسم مالكها او من يملكها .. الدولة العلوية .. هي الاسرة العلوية التي يسميها اخرون بالقبيلة العلوية . .
اذن ان القول بدولة المخزن نستعملها مجازا ، للتدليل على قبيلة اسمها العلوي ، أتت من الشرق حاملة معها ثقافة قرشية ، اعتبرتها شعوب المنطقة ، ثقافة دخيلة على الخصوصية الثقافية المحلية .. وهي ثقافة مفروضة بقوة السيف ، والجبر ، والترهيب .. لان مجرد رفضها يدل على رفض صاحبها القرشي ، الذي لا يتوانى في تسليط قمعه على الرافضين لها ، بدعوى الخروج عن طاعة ولي الامر ، الذي يجب تحمله وقبوله ، حتى ولو كان مستبدا ، طاغية ، ومتجبرا دكتاتوريا .. وخاصة وان ما يهمه ، ليس الانسان الذي يبقى مجرد رعية تابعة للراعي ، بل هو مهووس بثروة المنطقة التي يستولي عليها ، كيف شاء واراد ، مقابل تفقير الرعايا / السكان ( الشعب ) المغلوب على امره ..
اذن . ان مفهوم الدولة النيوبتريمونالية ، النيوبتريركية ، النيورعوية المخزنية ، يعني السيطرة على السلطة ، والحكم ، والجاه ، والمال ، والنفود . ولا تعني الحقوق والمساوات . . فهي لبّ الإدارة التقليدانية ، ولب الحكم المرعي الذي كان بيد السلطان ، ومجموع المكلفين بتسيير وممارسة حكم السلطنة / المملكة ، على امتداد مجال جغرافي معين يسمى المغرب ..
ان هذا الأخير . أي المغرب ، كمساحة وحدود متقلبة حسب المراحل والسلالات ، يتطابق مع صلاحيات وشرعية السلطان ، الذي كان ولا يزال كسلطان / ملك ، يمسك بقوة ضاربة وقمعية بهذه السلطة ، بحكم انتسابه المفترض الى النبي محمد .. رغم ان هذا لمّا مات لم يترك خلفا ذكرا له . بل ترك فاطمة التي تزوجها علي .. وقبل ان يتزوجها اشترطت عليه الاّ يتزوج عليها حتى مماتها .. وعندما ماتت تزوج عليها بتسعين امرأة وجارية ، وما ملكت ايمانه .. دون نسيان ابن النبي بالتبني زوج زينب زيد الذي ارغمه النبي على تطليق زوجته الفاتنة ، ليتزوجها هو بعد تطليقها ..
فالقول بالسلطان ، او بالملك ، سيان في السلطنة والمملكة .. فالذي تغير في سنة 1956 ، هو الاسم الذي اصبح الملك بدل السلطان ، والمملكة بدل السلطنة .. أي ان التغيير كان في الشكل . اما الموضوع والجوهر ، فظل ولا يزال الى الآن واحدا ، أكان المعني بالأمر ملكا ، ام كان سلطانا .. فعندما تكون حقيقة الدولة النيوبتريمونيالية ، والنيوبتريركية ، والنيورعوية المخزنية ، الغارقة في الثقافة المخزنولوجية العتيقة ، الغير مقبولة من قبل العالم المتحضر .. هي إعادة انتاج الرعايا الذين ليسوا بمواطنين ، فأحرى ان يكونوا شعبا . هنا نكون امام نظام سلطاني تقليداني غيّر الاسم ، ولم يغير اصل الحكم الذي هو. انا الدولة / الدولة انا ... وهذا يبدو جليا في مراسم البيعة عند ذكرى جلوس السلطان على كرسي السلطنة / المملكة .. ويظهر في افتتاح رئيس الدولة كسلطان وليس كملك ، دورة الخريف التشريعية ، حيث يلزم نوابه / برلمانييه باللباس السلطاني المخزني التقليدي ، وليس اللباس الملكي الذي هو اللباس الأوربي .. ويتلو عليهم خطابا كأمر يومي ، يرسم لهم خريطة طريق العمل ، لانزال برنامج السلطان مع موظفيه السامين ( الوزراء ) .. فرئيس الدولة يتصرف كسلطان عند افتتاحه دورة الخريف التشريعية ، وعند حفل البيعة الذي يحل بذكرى جلوسه على كرسي الحكم .. ويتصرف كملك عند تراسه مجلس الوزراء ، وعند استقباله للمسؤولين الدوليين الذين يزورون المملكة ، وليس السلطنة..
فرئيس الدولة يعتبر سلطانا عند تعامله مع الرعايا المفقرة . ويعتبر ملكا عند مخاطبته العالم الحر الديمقراطي الذي اخذ مسافة من نظام محمد السادس كسلطان حقيقي ، ملفوف بغطاء ملكي استهلاكي للخارج .. رغم ان الملكية السائدة ليست ديمقراطية اطلاقا .. والاوربيون يشهدون بهذا ، كالكنگريس الأمريكي الذي ناقش منذ يومين وضعية حقوق الانسان الفظيعة في السلطنة ..
ان الخطورة في هذا الاشكال الذي يظهر به النظام السياسي السلطاني مرة ، و النظام الملكي مرة ، عند تبدل وتغيير المخاطبين ، يشكل سندات ملكية من نوع خاص ، بحكم انها تُقدم وكأنها تابعة لقانون الهي رباني ، وبالتالي فهي فوق قانون البشر ..
ان هذه البدع السلطانية للسلطان الملك ، وسندات الملكية الخاصة هذه ، هي ما يشرعن الفلسفة التقليدانية السلطانية للدولة النيوبتريموميالية ، النيوبتريركية ، والنيورعوية ، الدينية في حلتها الناعمة الاثوقراطية والثيوقراطية . فكلمة سلطان / ملك ، تعني من يمارس السلطة في السلطنة ، ويمارس الحكم في المملكة . وفي كلتا الشخصين ، سلطان او ملك ، يعني الشخص الذي يتولى كل الدولة ، وبمفرده . أي المالك لها ضمن مجال جغرافي ، يمارس فيه طغيانه السلطاني .. أي انه يملك السلطة والحكم ، ويملك الحيز الجغرافي الذي تمارس فوقه هذه السلطة والحكم ..
ان في هكذا نظام سلطاني مرة ، اثناء مخاطبة رعايا الداخل ، ونظام ملكي مرة ، اثناء مخاطبة الدول الديمقراطية ، والأمم المتحدة ، والمنظمات الدولية .. والمظهر السلطاني وحكم السلطنة هو الغالب ، وبتعبير الرعايا ( سيدنا ) ، ( الله ينقص من عمرنا ويزيد في عمر سدنا ) ، يصبح كل ما يوجد في هذا المجال ، وبالدرجة أولى الرعايا ( البشر / السكان ) ، وليس الشعب غير الموجود ، هو ملك للسلطان ، وخاضع لسلطته ، ومشيئته .. فكلمة سلطان مشتقة من السلطة ، والسلطنة هي المجال الجغرافي لممارسة السلطة . فالسلطان اذن ، هو من يملك ويمارس السلطة على مجال جغرافي يسمى سلطنة او مملكة ...
ومرة أخرى فالذي تغير هو الاسم ، وليس الجوهر النظام السلطاني .. والقول بالسلطان و الملك ، والقول بالسلطنة وبالمملكة سيان .. فرئيس الدولة يتصرف داخل المجال الجغرافي للسلطنة كسلطان عندما يخاطب الرعايا ، ويتصرف كملك عند مخاطبته الدول الديمقراطية ، والأمم المتحدة ، الذين يُحقّون نوع النظام السياسي المطلق المتعارض مع الديمقراطية ..
ان العلاقة بين السلطان / الملك ، والجماعة البشرية التي تعيش فوق المجال الجغرافي المملوك للسلطان ، والتابع له ، ولحكمه ، هي علاقة خضوع وتبعية . ومن ثم فان للسلطان / الملك ، رعايا لا يمكنهم في هذه الشروط المذلة والمهينة التي تعيد انتاج مجتمع العبودية السلطاني ، ان يحلموا ، او يطمعوا في ان يصبحوا يوما مجرد مواطنين لهم حقوق ، فأحرى ان يصبحوا شعبا او جماهير . فعندما يتحول الرعايا الى شعب ، وهذا ما يخشاه السلطان ، اكيد سيتغير وجه التاريخ ، بما يجعل المنجزات في مستوى الشعب ، لان الشعوب هي من يحرك ، ويدون ، ويسجل ، ويكتب التاريخ ، وليس العبيد الاقنان الذين يتناغمون مع حياة الذل ، والمسكنة ، والدروشة .. ( مْساكنْ ) ..
ان الملك النسخة طبق الأصل للسلطان ، وحتى يكون كذلك ، فهو يمركز في شخصه السلطة الدينية ، والسلطة الدنيوية . فهو وحده مصدر وحامل كل الحقوق ، بدل الرعايا ، وبخاصة الحق العام . وبينما انّ المصدر الوحيد للقانون الإسلامي هو القرآن . فمن الواضح اذن انّ السلطان الملك ، يتسلط على القرآن ، ويستغله لإضفاء الشرعية اللاّهوتية السحرية ، على شخصه ، وحكمه ، وسلطنته ، وحقوقه هو وحده ، دون غيره من الرعايا الذين يعيشون في كنف السلطان / الملك ..
كل هذا يحصل على حساب الرعايا ، مِمّن لا يمكنهم التطلع الى وضعية أخرى ، غير وضعية الخضوع ، والتبعية ، والاذلال . وهي حياة وممارسات شاهدة على شيوع نظام انتاج العبيد النيورعوي ، والنيوبتريركي / ابوي ، باسم الإسلام ، وباسم الانتساب الى محمد النبي ..
ومن هذه الحقيقة الساطعة ، فانّ أي امتياز يخصص لفرد ، او ( مجموعة ) من الرعية ، او حتى لعشيرة منها ( قبيلة ) ، يكون من قبل المنح ، وذلك بهدف ربطهم بالسلطان عن طريق مصالح معينة ، او خدمة قضية معينة ، او تمرير مواقف وسياسات سلطانية ، على حساب ثوار الجبال الذين ثاروا على السلطنة بفاس .. وابْحثوا عن من زين الطريق لمحمد السادس السلطان الأكثر من ملك ، ليمرروا مؤامرة جبر الضرر ، ومؤامرة الانصاف والمصالحة التي تم تأديتها من ضرائب الرعايا ، الذين لا علاقة لهم بالجرائم المرتكبة ضد حقوق الانسان ... فبعد ان استنفدوا دورهم ، تم رميهم رمية البزق من الفم ..
هناك بعض المحللين لتاريخ الدولة في المغرب ، وبالضبط للدولة العلوية كنظام مخزني فريد من نوعه في العالم ، ذهب الى ان الدولة السلطانية الامتداد الطبيعي للدولة النيوبتريمونيالية ، والنيوبتريركية ، والنيورعوية الغارقة في الثقافة المخزنولوجية ، كانت من بدايتها دولة ضعيفة ، ووضيعة ، فكادت ان تسقطها الثورات البربرية بالأطلس المتوسط ، والاطلس الكبير ، وبالريف الذي أسس الجمهورية الريفية بين 1921 و 1926 . وان الدخول الفرنسي الذي حصل بطلب من الدولة العلوية ، هو سبب تقويتها ، وهو سبب بقاءها الى اليوم ، رغم العزلة الدولية الخطيرة التي يعيش فيها الملك محمد السادس ، ورغم انه نظام غير مرغوب فيه من قبل الدول الديمقراطية ...
لكن ما هي درجة صدقية وصحة هذا التفسير ، والحال ان الوضع الذي يوجد فيه وعليه النظام المغربي ، هو وضع صعب ، وجدّ حرج .. فحتى فرنسا التي قيل انها حاميته ، اصبح له معها مشاكل ، حتى قبل اكتشاف الفضيحة التجسسية للبوليس السياسي المغربي ، على ساسة فرنسيين ، ومواطنين ، وعلى الجزائر التي تهدد بالرد وبالانتقام ... نظام Pegasus ..
ان النظام السلطاني قبل دخول الحماية الفرنسية والى الان ، ظل نفسه نفس النظام . فدخول الحماية الفرنسية ، لم يغير شيئا من الوضعية المتميزة للسلطان العلوي ، الذي ظل غارقا في طقوسه البالية المرعية ، والقروسطوية الخارجة عن الزمن . وهنا لا بد ان نشير الى ان السلطان ، هو المتسبب في الغزو الاستعماري للمغرب ، حيث تم باسمه . وبالفعل فان مغرب الحماية العصرية ، ظل نظاما ثيوقراطيا ، اثوقراطيا ، بحيث ان المبدأ الفرنسي لفصل السلطات ، لم ينتقل الى الحق العام الشريف ..
والسؤال هنا .. الم يكن للجنرل Lyautey دور مركزي في الحفاظ على الطابع العام ، ونظام السلطنة ، والسلطان ، والحيلولة دون عصرنت السلطنة ، وعصرنة السلطان الذي ظل يرفل في نظام تقليداني متعارض مع الفلسفة الفرنسية للدولة الفرنسية . بحيث كان الرعايا يخضعون لحكم السلطان العتيق ، ويخضعون في نفس الوقت لحكم فرنسا العصري ..؟
وهكذا ، فان المغاربة الرعايا وجدوا نفسهم مستعمرين بنفس الصفة . وقد شكل هذا المزيج بين الوضعيتين القانونيتين ، كرعايا وكمستعمرين ، أرضية لسياسة القمع خلال الحماية ، والتي كان من نتائجها الطبيعية ، ليس اخضاع المغاربة طوال القرون الماضية فحسب ، أي منذ الغزو العروبي الاسلاموي الى المغرب ، بل أيضا وبالخصوص ، الاستغلال المنهجي الكلّي والوحشي لقوة عملهم ، بموازاة الاستغلال المنهجي لثروات البلاد ..
وقد قاد قانون الرعية السلطاني ، وقانون المستعمر ، الى اخضاع مزدوج ، او بالأحرى مضاعف ، هو جوهر العنف نفسه . والحال ان أي اخضاع ، الاّ ويعني الاستغلال ، والنهب ، والامتيازات التي لا يمكن ان تحفظ وتتجدد ، الاّ بالإكراه ، والجبر ، والعنف ، والقمع . وهذه كلها صفات مميزة ، وجدت مجال تطبيقها وتجريبها في كل المغرب ، خاصة في الجنوب معقل العبيد ، تحت وطأة الباشا لگلاوي . فالمقابل لخيانة هذا الأخير ، كان انْ تركت له حرية تحرك اقطاعية ، على منوال اقطاعية السلطان .. وهي اقطاعية مكنته شيئا فشيئا من مراكمة ثروة هائلة . فكل ما ينتج شيئا من المال والثروة ، كان يوجد بين يديه : السحرة ، العاهرات ، الرعاة ، الرحل ، الفلاحين ، تجار الشاي والسكر ، الجمالة ، التجارة ، الأسواق ... فكل نشاط بشري في الجنوب معقل العبيد ، الاّ ويقتطع منه الباشا الگلاوي ضريبته ..
ان محتوى السلطنة التي ستتحول شكلا في سنة 1956 الى مملكة ، أي تغيير مجرد الاسم ، مع الاحتفاظ بالدولة البتريمونيالية ، البتريركية ، والرعوية ما قبل الحماية وخلالها ، كان يتعلق بنوعين من الحكم ، لكل منهما اقتصاده الخاص للقمع ، مثل ما هو سائد اليوم في عهد محمد السادس كسلطان ، لم يسبق لتاريخ السلطنة في المغرب ان شاهد مثله .
فحكم السلطنة قبل الحماية الاستعمارية ، كان يقتضي على وجه العموم ، بالتصفية الجسدية للخصوم ، ونهب ممتلكاتهم . اما ابّان الحماية ، فانه استعمل نسقا متكاملا من الوسائل ، لتنظيم الاستغلال الكلي والمنهجي . ومن ضمن هذه الوسائل ، كانت هناك الاختفاءات التي شكلت اذن ، تجديدا في مجال القمع في المغرب .
ان مفهوم السلطنة الممتدة الى الان ، والمقرونة بالحكم ، والإدارة ، وبالدولة السلطانية .. مقرون أيضا بالقمع الذي هو احد أساليب الحرب ضد الشعب المغربي .. هكذا كان العنف والقمع يقدمان على المستوى الأيديولوجي ، على انهما نوع من الخلاص واللعنة الضرورية ، لإرجاع ( الضالين ) المعارضين والثوار ، الى الصراط المستقيم ، الذي هو العيش في حضن النظام من دون كرامة ، رعايا ، لا خارجه ، ثوارا . أي طريق العناية الإلهية الربانية ، المتماشي مع وضعية الرعايا الخاضعين .. لذلك لم يكن هناك أي حدّ لهذا العنف ، وهذا القمع ، لانهما يشرعان بقانون فوق ، وضد قانون الناس .
وحتى موت الرعايا ، كان يقدم على انه مظهر من مظاهر رحمة السلطان اللاّمتناهية ، يعود على المعذبين بالجنة ، والغفران ، والرضوان .. فلم تكن التصفية الجسدية للخصوم والحال هذه ، الاّ تجسيدا لتوسيع ، وتقديس العسف ، والظلم ..
واليوم في عهد محمد السادس ، رغم انّ بوليسه الفاشي مفبرك المحاضر البوليسية المزورة ، وجهازه السلطوي القروسطوي ، يجلد الناس في الشوارع ، والازقة ، والدروب .. ويهدم فوق رؤوسهم مساكن الصفيح التي يسكنون بها ، ويتركهم ، وابناءهم ، وشيوخهم ، ونساءهم ... عرضة للخلاء وفي فصل الشتاء ..فان الرعية ترفع عاليا صوتها عااااش سيدنا ... عاااش الملك ... فتصورا هلْ من مازوشية اكثر من هذه ... حين يعتبرون ( زرْواطة ) السلطان التي تنزل على رؤوسهم وظهورهم ، بركة من عند اهل البيت ..
ورغم الاستقلال الممنوح ، الخاوي من الدولة المستقلة الحقيقية ، ظلت السلطنة كما كانت قبل عهد الحماية ، واثناءها ، عبارة عن اقطاعية تقليدانية من الحق الإلهي ، بكل صلاحياتها المبنية على قداسة السلطان الملك ، سليل النبي محمد . فجميع الدساتير التي منحها السلطان للرعايا تنص ، على ان السلطان هو ( امير المؤمنين ) ، مثلما كان الامر في القرون الماضية ..
بل حتى التعديل الذي ادخله الملك محمد السادس على دستوره الممنوح سنة 2011 ، سنجد انه دَسْتَر من جديد لملكية مطلقة ، متسترة وراء تمثيلية وطنية زائفة .. بل ان دستور الملك يكون بهذا التعديل اللاّتعديل ، قد حافظ على عنصر غارق في القدم ، الا وهو الثيوقراطية والاثوقراطية .
ان هذه الخرجة التي أسدل عليها ستار المؤسسات المزيفة ، لا تضلل أحدا . فأعضاء البرلمان ، هم برلمانيو السلطان الذي يتولى رسم المشروعات السلطانية ، التي سينكبون على انجازها طيلة مدة ولاية برلمان السلطان ، الذي يتولى اصدار الامر اليومي عند افتتاحه دورة الخريف التشريعية ، من خلال الخطاب التوجيهي الصادر لهم . والحكومة التي قد تتشكل من وزراء الأحزاب التي حظيت برضى القصر ، ليصبحوا موظفين سامين بإدارة الملك العصري ، وليس بإدارة السلطان التقليدي ، يتولون تنزيل برنامج الملك الساقط من فوق ، رغم انه لم يشارك كبرنامج في الحملة الانتخابوية ، ولم يصوت عليه ..
وبعد رمي برامج الأحزاب التي شاركت في الانتخابات في القمامة ، بمجرد الإعلان عن نتائجها ، حتى يتحول الجميع الى أدوات لتنفيذ برنامج الملك ، لا البرنامج الذي صوتت عليه الكتلة الناخبة ، لأنه من المفروض ان يصبح برنامج من صوت عليه ، والأحزاب تصبح تلعب دور الوكالة ، لتنفيذ ما صوت عليه ( الشعب ) الرعايا ..
ان السلطان محمد السادس ، اصبح بهذا السيناريو الملعوب ، هو حجر الزاوية في الدولة الثيوقراطية ، والاثوقراطية المجسدة في الدولة النيوبتريمونيالية ، والنيوبتريركية ، والنيورعوية . أي الدولة الغارقة في الثقافة المخزنولوجية البالية ، والتي لا توجد الاّ من خلاله ، ولأجله ، واجل عائلته ، واصدقاءه ، واقرباءه ، والمحيطين به ، وزبنائه ، وخدامه من الرعايا والأجانب .. أي اصبح طاغية مستبد ، ومفترس ، بأحاسيس حيوانية بوليمية Boulimique من العصور القديمة ، وهذه الحالة الشادة في الديمقراطية ، تجعل منه اكبر ضال في الديمقراطية ، منذ العشرية الثانية من الالفية الثالثة ، أي بعد تفجيرات الدارالبيضاء في 16 مايو 2003 ..
وبما ان كل ثيوقراطية لا يهمها غير البقاء ، والاستمرار للافتراس ، والنهب ، والنهم ، والقمع ، وليِّ الأقلام ، ولجم لسان المثقفين والكتاب ، ودعاة الديمقراطية والتنوير.. فان السلطان المغربي الحالي محمد السادس بسبب المرض الحرج الذي يعاني منه ، فقد شرع يهيئ ابنه الحسن ولي العهد ليكون على صورته .. أي استمرار نظام السلطنة كما كان الحال قبل الحماية ، واثناءها ، وما هو جاري به العمل مع محمد السادس ..
ان السلطنة ونظام السلطان ، لا يزالان كما كانا قبل الحماية ، واثناءها ، وبعدها اليوم . فإقطاعية الحق الإلهي لا تتعامل مع السكان / الرعايا ( الشعب ) الاّ كرعايا فقط . فرئيس الدولة عندما يخاطب الرعايا فهو يخاطبهم كسلطان ، ودائما يفتتح خطابه بتعبير طقوسي ( رعايانا الاوفياء ) وبتلاوة القران ، وانتهاءً بحديث او آية ، لتركيز طابع السلطنة ، وطابع الرعية التي يخاطبها السلطان ..
ورغم ان الدساتير التي منحها السلطان للرعايا ، نجدها تتحدث عن مواطنين . غير ان الحياة اليومية للشعب ، وليس الرعايا ، تثبت ان جهاز المؤسسات التي أقيمت منذ الستينات ، والى اليوم ، ليست سوى فزاعة وواجهة مخصصة للخارج ، تسمح لزبناء القصر الملكي / هنا يصبح رئيس الدولة ملكا وليس سلطانا / ، والبرجوازية المغربية ، امام ابتهاج الغرب الذي لم يعد يطيق الملك محمد السادس كملك ، وليس فقط كسلطان ، بلعب لعبة الكوميديا الديمقراطية الممنوحة من طرف السلطان امير المؤمنين ..
ان السلطات التي شرعها الملك لنفسه في دستوره الممنوح للرعايا ، والتي تجعل منه الحاكم الأول والأخير ، والباقي من حكومة وبرلمان مثل الرعايا ، يدخلون في ملكيته الخاصة ، ويجعل منه هو الدولة والدولة هي الملك ..
وان عقد البيعة المجسد لدولة الرعايا السلطنة ، الذي يعطي السلطان سلطات استثنائية كسلطان ، امير للمؤمنين ، وإمام كبير ، وراعي اول للرعايا .. وهي سلطات واختصاصات غير مكتوبة ، تفوق قوة دستور الملك الذي شرّع فيه لنفسه سلطاته الخاصة به ..
تجعل المغاربة ( الشعب ) الرعايا في وضعية خطيرة ، هي وضعية منعدمي الحقوق ، الذين يشبهون وضعية ( البدون ) Les sans droits في الكويت ، باستثناء الجنسية .
والحال ان هذه الوضعية الخطيرة الدالة على العبودية ( منذ يومين ناقش الكونغريس الأمريكي وضعية حقوق الانسان المنعدمة في السلطنة ) ، ليست ظرفية ، ولا هي وليدة الصدفة . انها التجسيد الفعلي للدولة السلطانية التي لا تزال تمارس بنفس الآليات ، وبنفس الطقوس ( مراسم البيعة ، وافتتاح الدورة التشريعية الخريفية من قبل السلطان وليس الملك ) ، التي حكمت بها الرعايا قبل الحماية الفرنسية ، واثناءها .. تجسدت اليوم اكثر مع محمد السادس .
فالمسيطر هو الثقافة السلطانية المخزنولوجية ، التي رغم مرور خمسة وستين سنة عن استقلال " Aix Leben " ، لا تزال ( النخبة ) تجهل كونها ، لا تزال تعيش في النظام السلطاني قبل دخول الحماية الفرنسية بطلب من السلطان ، لحمايته من ثورات القبائل البربرية الجمهورية ..
ان الجري والركود للمشاركة في الانتخابوية ( انتخابات ) ، ضمن دستور يركز الحكم في يد السلطان الملفوف بجلابة ملك ، يجعل منه هو الحاكم لوحده دون غيره ..
وان المشاركة في الانتخابوية ( انتخابات ) ضمن عقد البيعة ، وامارة المؤمنين ، والإمامة العظمى ، والراعي الأول للرعايا ، الذي يجعل من رئيس الدولة المخزنية ، سلطانا على الرعية في السلطنة ..
وان في غياب الدستور الديمقراطي الذي يؤسس للدولة الديمقراطية ، فان تسعين في المائة من ساكنة المغرب ، هم مجرد رعايا لم يرقوا الى درجة مواطن ، لان المواطنة حقوق غير موجودة ، فأحرى الوصول الى درجة شعب / جماهير التي يتغنى بهم الجميع .. لكنهم من خلال ارتماءهم في طقوس السلطنة ، يهينون نفسهم شر إهانة ، قبل ان يهينوا الرعايا المهانة ..
إذن المغرب يعيش نظاما سياسيا ذا وجهين . فهو نظام سلطنة ، وهو الغالب والاعم ، حين يخاطب رئيس الدولة كسلطان الرعايا ، وحين يوجه الامر اليومي للسلطان الى برلمانيه ، وعند الاحتفال بالبيعة بطرق مخزنة خالصة ..
وهو مملكة ، ورئيس الدولة يعتبر ملكا لا سلطانا ، حين يخاطب الدول الديمقراطية ، والأمم المتحدة ، والمنظمات الدولية المختلفة ..
وفي نظام السلطنة الذي هو الوجه الحقيقي للنظام المغربي ، فان الرعايا رعايا السلطان ، لا يمكنهم الحلم ، او التطلع الى وضعية أخرى غير وضعية الخضوع والتبعية ..
وقد ابان عن هذه الحقيقية ، أوامر وتصرفات السلطنة ، من خلال ادواتها ، البوليس السياسي ، والجهاز السلطوي القروسطوي في التعامل مع الرعايا بمناسبة الوحش كورونا ..
فالعلاقة بين الرعايا وبين السلطنة ، اثبتت اثناء تصريف جيْحة ( كورونا ) ، انّ من يسكن المغرب ، هم مجرد رعايا يؤتمرون بأوامر السلطنة التي تغلب الجانب القمعي والتخويفي ، لإرهاب الرعايا المرعوبة أصلا ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( معارضة الخارج ) ( معارضة الداخل )
- تحليل خطاب الملك بعد مرور اثنتا وعشرين سنة عن توليه الحكم
- هل تجري مفاوضات سرية بين النظام المغربي ، وبين الدولة الاسبا ...
- هل هو انقلاب في تونس ؟
- إسرائيل عضو مراقب بالاتحاد الافريقي .
- هل لعنة نزلت على النظام المغربي ؟
- هل البوليس السياسي المغربي يتجسس على الملك محمد السادس ؟
- هل من علاقة بين ( الماك ) جمهورية القبائل الجزائرية ، وقضية ...
- حين يحاضر سجان المملكة الاول في حقوق الانسان
- رسالة الراحل خالد الجامعي الى محمد الساسي ، عضو المكتب السيا ...
- ( القضاء ) في دولة أمير المؤمنين
- التعديل الوزاري الاسباني
- الحزب الاشتراكي الموحد
- فدرالية اليسار الديمقراطي
- قصيدة شعرية .. دولة البوليس ، دولة مرعوبة ، تخشى ظلها .. لان ...
- الجمهورية الصحراوية الوهمية ، وجبهة البوليساريو الارهابية
- العلاقة الجدلية بين العزلة الداخلية ، والعزلة الخارجية للنظا ...
- صفعة لمحمد السادس ، ومزيدا في إمعان عزلة النظام
- البوليس السياسي وتزوير المحاضر البوليسية
- ( رئيس الوزراء ) الوزير الاول القادم


المزيد.....




- مهرجان الصورة عمّان..حكايا عن اللجوء والحروب والبحث عن الذكر ...
- المجلس الرئاسي الليبي يتسلم دعوة رسمية لحضور القمة العربية ف ...
- الخارجية الروسية تحذر من شبح النازية وتقدم تقييما لوضع العال ...
- إصابة 29 شخصا بزلزال شمال شرقي إيران
- وزير الداخلية الإسرائيلي: المشاهد القادمة من سوريا تشير إلى ...
- والتز يؤكد استمرار المباحثات بين موسكو وواشنطن
- -حماس- تعلق على قرار سويسرا حظر الحركة
- مادورو: رفع -راية النصر- على مبنى الرايخستاغ عام 1945 تحول إ ...
- بريطانيا تبحث استخدام أموال ليبيا المجمدة لتعويض ضحايا -إرها ...
- بريطانيا ترحب بتوقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف


المزيد.....

- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الرعايا في الدولة النيوبتريمونيالية ، النيوبتريركية ، النيورعوية / رعايا السلطان ..