أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي قاسم مهدي - قصة قصيرة / قدر جديد















المزيد.....

قصة قصيرة / قدر جديد


علي قاسم مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 7001 - 2021 / 8 / 27 - 02:41
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة /قدر جديد


(ما هو الموت لدى الإنسان ؟ أن يفقد عزيزا إلى قلبه؟ أن يفقده من العالم المادي ولا يستطيع أن يجده ؟ ما معنى ذلك .. ) الرجع البعيد /فؤاد التكرلي.


خبر وفاته أحزنني كثيرا، لم يفاجئني،لأنني تيقنت من موته ،عندما زرته ذات مساء غائم قبل حوالي ستة أشهر. كان هزيل الجسد ،فقد بريق عينيه ، أدركت بأنه يتوارى شيئا فشيء .. ترقق في وجدي دمع ووجع وفر لي فرصة للصراخ ، انصاعت دواخلي له لتطلقه عاليا ،صراخ مكتوم، استمر طويلا .اخبرني عند ذاك اللقاء، أن سكاكين الموت بدأت تنال منه. قال:
- لماذا يعجز المرء عن البوح بأسراره، إذا كان البوح راحة، لماذا نغادر قطار العمر وننزل محطات ليست باختيارنا، لماذا شكوى الفقر دون صدى لماذا الغياب عادة طويل والحضور قصير.قلت:
- لا يوجد جوابًا مقنعًا لهذا التساؤلات الملحة. أننا نعيش حياة مجرى احداثها محكوما بظروف مبهمة ،هكذا لا يمكن لها ان تكون دون نكد وفقر وتعاسة وحب وسعادة وغنى وووو.......... الى مالانهاية من التناقضات . سخرتْ المعرفة كل طاقاتها لفك أسرار الوجود، دون جدوى مجرد اوهام ما طرحت، وما توصلت اليه . يظن اصحابها بأنهم ادركوا الحقيقة . أي حقيقية ونحن نغرق في لج من افكار محيرة تضاف الى التيه الابدي الذي لازم البشرية منذ الخلق، من نحن والى أين ماضون؟ من يتحكم بمصير الانسان. الرغبات التي تدفعه للقتل والكره والتخلي عن قيم الانسانية ،لاغتنام الفرصة التي ترفعه وتحط من الاخرين ؟. أم أوهام ما صنع المتمكنين من زيف أجبرنا على الاعتراف به دون تفكير. هكذا نحن منذ ان قُتل هابيل. لا احد يدرك جوهر ما يدور ويحصل. لهذا عليك ان تسير بركابها وتنال من سعادتها بقدر ما تستطيع . ابحث عن منقذ داخلك يحررك من قيودك ،عش كما انت دون عقد. اؤمن بالوجود وتأكد بأنه لابد من وجود سبب لوجودك.
تأملني بعد ان نفث دخان سكارته في جو الغرفة الرطب . قال :
- وجودي بوجودها .
وابتسم ابتسامة ، اقدحت بمخيلتي صورة موحشة موحية بالفراق، لا اعرف كنهها. وقال:
- عليك أن تملأ بطني بعشاء فاخر يليق بخطبتك الرنانة .
ضحكنا معنا بصوت خجول، بعد أن تفقدت جيبي الذي كان خاويا إلا من بعض دنانير ورقية.
- هيا ارتدي ملابسك ويحلها الحلال .
تباطأ بالنزول للوهن الذي لازمه بسبب سوء تغذيته، بانَ على درجات السلم شبح دون ملامح - هذا الذي كان حديث طالبات القسم جميعهن - متكأ على محجر السلم ينزل بحذر، رفعت شالي حين اصبح قريب لأضعه حول رقبته ، تفاديا لتيارات الهواء الباردة التي ترهقه لضعف جسده . اخذت يده ما ان وصل بقربي.
- أتعبتك .
- لا عليك .
اسرفت بمشاعري كثيرا مع الجميع ،إلا معه ،شعرت بندم كبير، حينها حاصرتني دمعة حزن ،حاولت ان اتحاش النظر الى عينيه كي لا يراني ويشعر بأنه السبب ، توارت دمعتي وتماسكتُ، رَفَدته بطاقة أمل عندما ابتسمت بوجهه . ضغطتُ على يده ، اَحسَ بارتباكي ،على الرغم من تظاهري بالابتسام.
- ما بك.
- لا شيء.
- دعنا نرجع أذا شئت .
- ماذا تقول .
رفعت يدي ، توقفت سيارة أجرة ، فتحت باب المقدمة ، وأمسكته من تحت ابطيه بخفة ،استقر بمحاذاة السائق، وأغلقت الباب، وركبت بسرعة ، اخترق إذني صوت عبدالحليم يغني على نغم البيات موعود. قلت للسائق
- ممكن تغلق المذياع .
لطالما سمعته يردد كلماتها بألم أيام الجامعة ، إنها أغنيته المفضلة ، اذكر ذات يوم زارني في مكان عملي ، رأيت شكواه وسمعت انينها بسبب ما لحق به من شظف العيش، وما يشعر به من غربة بعد سنوات الحب التي مرة كنسمة ، تحطم قلبه حين هجرته من احبها .
التفت اليّ.
- دعني اسمعها لعل قلبي يهجع لحظة،
هذه الأغنية غناها عبدالحليم لي أنا لان قلبي لم ولن يرتاح ابدا.
ترجلنا عند وصولنا الى مكان المطعم القريب من ساحة كهرمان ، مطعم يمتلكه احد معارفي ،ازوره بين فترة وأخرى .اهتمام صاحبه بي ،مقابل ما انجزت له من معاملة معقدة لا تحل إلا بشق الأنفس، وأعتبره جميلا لا يمكن رده. كانت اضواء المطعم خافتة تشعرك بالدفء، استقبلنا بالترحيب. طلبنا عشاءا فاخرا يحوي ما لذ وطاب من مشاوي وتشاريب. اَكَلَ بنهم وشهية كبيرة . رأيت نظرات ود في عيني صاحبي .ادعيت الشبع وتمنيت من كل قلبي ان لا يبقي ولو فتات خبز على المائدة .وعند خروجنا. طلب مني أمنية ونحن نبحث عن مكان لاحتساء الشاي .
- أتذكر سناء مدحت
- قلت نعم وهل يخفى القمر .
- أريد منك أن تُخبرها بعد ان اموت .
- عمرك طويل .
- هذه أمنيتي لا تبخل عليّ بها
- ماذا اخبرها
- قل لها لن يتوقف قلبه عن حبكِ. شكرا لك لأنك تركتي جرحكِ في قلبي غائرا ..وحرمتني حلاوة لقاءك ولو لمرة واحدة. بعد كل الحب الذي عشناه ، اخبرها انني لم اترك يوم واحدا بعد التخرج لأكثر من سنة لم أحاول به أن أراها. وعندما لا أراها احنُ إليها أكثر . قلها لها. ما أصعب أن يعيش المرء بلا حبيب، إلا انا كنت انتِ نجمة ليلي وشمس نهاري وحبيبة قلبي، قل لها ،اعذريه لأنه حاول مرة ان ينساكِ لكنه ندم كثيرا . ولم يمت حبكِ في قلبه لحظة واحدة . مات لأنه يحبك.... قلت:
- لك هذا.وهمست في إذنه بعد وصولنا إلى الفندق((لا تعترف بالحريق الذي في داخلك ،ابتسم وقل انها حفلة شواء))*
ودعته بأمان، واعدا اياه ان نلتقي بأقرب وقت. فكرت بالذهاب الى بيت سناء مدحت لتحقيق أمنيته . اتصلت بأصدقاء الكلية ممن استمرت علاقتي بهم واخبرني اغلبهم بأنها تسكن منطقة السيدية قرب تقاطع درويش . وصلت باكرا عند الساعة التاسعة صباحا تلفحني سموم تموز . بحثت عن ظل لأحتمي به سرت بمحاذاة أسيجت البيوت تظللني أشجار الحمضيات، وعند ولوج احد الافرع حسب الوصف، تقدمتُ وكلي امل ان ابلغ رسالة صديقي الاخيرة لسناء، وبالفعل وصلت الى البيت المرجو ،بيت يخيم عليه خزن .ضغطت على زر الجرس، وبعد لحظات فتحت الباب امرأة كبيرة تجاوزت السبعين . بعد السلام والترحيب.
اجتزنا الممر الفاصل بين الباب الخارجي وطارمة البيت المملوءة بالغبار وأوراق الاشجار.
- أهلا وسهلا ابني ، لم يزرني احد منذ وقت طويل.تفضل امر خدمة .
- أني زميل سناء ايام الدراسة ،عندي امانة اريد اوصلها لها .
- امانة .
خجلت وقلت:
- اي امانة من زوجتي صديقتها ،كنا معنا في نفس الكلية .
- أهلا وسهلا .
- أين سناء .
- سناء – أنطتك عمرها صار اكثر من ستة اشهر، بالشتاء وليدي.
دهشت عندما عرفت تاريخ وفاتها بنفس اليوم الذي فارق به الحياة ، ما هذه المصادفة الغريبة .
- لا اله إلا الله، كانت مريضة؟
- إي وليدي مريضة، من ايام الكلية بسنتها الاخيرة، كانت تشكي من تعب ونحول وبعد الفحوصات اتضح عدها مرض خبيث ، ومن يوم التخرج الى يوم وفاتها اعتزلت العالم كله .
حمدت الله وأخرجت من جيبي مبلغ من المال لا على التعيين ووضعته بيد العجوز .
- هاي الأمان جيت اعيدها حتى تبرونا الذمة .
- إي والله وليدي هم زين جيت، هي هم تركت لي امانة اوصلها لطالب كان معها في الكلية .
- منو ، والله ما اعرف بس هي كاتبة رسالة له .
دَخَلتَ الى غرفة قريبة من مكان جلوسنا وجاءت بظرف
- الله يرحمها اوصتني ان يصل
وشارت بإصبعها الى الاسم المدون على الظرف .
قراءت اسم صديقي ، اخذت الظرف ووعدتها ان اوصله . وخرجت مودعا اياها .وصلت الى البيت جلست على سريري بلهفة فتحت الظرف كانت مجموعة من الرسائل والصور . لفت انتباهي ورقة مطوية عدت طيات بإحكام، فتحتها وبدأت أقراء .. لم أكن صاحبة جمال كجمالك، أحببتني بعمق لأنك عاشق حقيقي ، أحبتك ولم تكن موضع سخرية بالنسبة لي ،فقرك ليس سوى مرحلة ، أنتَ شهقتي ، صوت أنفاسي ، باردة أيامي دونك. مظلمة اضواء روحي بعدك..لكنه قدري ان ينخر جسدي مرض لعين، حينها ابتعدت عنك خفت ان ارهقك وان تتعذب بعد موتي،وأنا لا اريد لك ان تتألم. قدري ان اموت بعيدة عنك وحيدة. ارجوك لا تكرهني من اجلي اولا ومن اجلك ثانيا. آه لو تعرف مقدار عذابي ،صبري عليه بأنني قريبة من الموت. ختمت الرسالة باسمها وتحته كلمة، اُحبِك ... خفق قلبي فجأة فأسندت راسي إلى الحائط ، وسرت في ساقي رعشة خفيفة ، ساورتني رغبة أن أنهض وقفت بصعوبة ، دون وعي لبست من جديد، وانطلقت إلى مكان سكن المرحوم السابق. وعرفت بأنه دُفن في مقبرة الكرخ . وصلت إلى المقبرة ، واستعنت بمقيمها أرشدني مكان القبر. لامعنى للحياة دون حزن ،البكاء موسيقى الرب ،بكيت بحرقة . لطالما اعتقدت بان محاولة الانسان بالوصول الى ذاته لا تأتي او تتجسد إلا من معنى البقاء. لهذا ادركت معنى بقائي لهذه اللحظة، كنت خافق القلب مضطربا بعض الشيء، ضجت في راسي أصوات غريبة لم اميزها اول الأمر. قرأت له رسالتها. . احسست بصوته يخترق مسامعي
- لا تحزن ..
- يا الهي ما هذا ؟
ثم رنت إلى مسامعي ضحكتها، تنبعث حولي نغما سماويا. لا احد يستطيع سماعها أبدا سواي. اختلط وجيب قلبي مع صوته مع ضحكتها . حينها بلحظة تجلي تيقنت بان الوجود صنع لهم قدرا جديدا ، جعل لهم ارواح نادرة متحدة وحبا أبديا .فرحت من كل قلبي ،لوحت بيديّ نحو السماء ، لتأكدي بأنهم سعداء معا في مكان ما من هذا العالم .

انتهت
بغداد 17/8/2021
الثامن من محرم الحرام 1443هـ

* من أقوال دوستويفسكي



#علي_قاسم_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع الكتب/ سيرة ذاتية
- قصة قصيرة/ اتحاد
- قصة قصيرة/ الصوت المنقذ
- مع الرواية وكتابها / الحلقة الثانية /علي بدر
- الراقصات / سيرة ذاتية
- مع الرواية وكتابها
- مع الكتب
- قصة قصيرة/ كسر الحاجز
- قصة قصيرة / الرجل الغريب
- نص/ تداعيات عازف
- قصة قصيرة / منعم
- قصة قصيرة / شجرة التوت
- قصة قصيرة / شجرة الايادي
- قصة قصيرة/ منزل واريكة
- قصة قصيرة / التون كوبري
- الرحيل قصة قصيرة
- اوراق قصة قصيرة
- قفاز
- نجدت كوتاني
- قرض الفئران وقرض الانسان


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي قاسم مهدي - قصة قصيرة / قدر جديد