أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي قاسم مهدي - الرحيل قصة قصيرة















المزيد.....

الرحيل قصة قصيرة


علي قاسم مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 6838 - 2021 / 3 / 12 - 14:48
المحور: الادب والفن
    


رحيــــــــــــل
مهداة الى الاخ صلاح فرج مشكور
(1)
بين آخر اطفاءةً لمصباحِ غرفتِه الخافتِ وصرير بابِها المتلاشي بشقوق الجدران ، ترك سعدون الراشد روحِه تئن بخوف ، وخرج تاركاً خلفه كل أشيائه مستعدا للرحيل ،مجبرٌ بعد أن فقد امان العيش بهذا المكان بوفاة والدته.
سَرَت بِجسده النحيل هواجسُ الوداع ممزوجةً برعشةٍ جعلته ينكمش تلك اللحظة بقوة، متلوياً من الوجعِ،مُمسكا بجذعِ نخلتهم التي تتوسط باحة الدار،لم يتحمل ،سقط ،ضاغطا كبلتا يديّه على رأسه لتفادي صوتا بدأ يسمعه يخترق اُذنيه بعد اولى الخطوات التي خطاها خارج غرفته، صوت يسحبه بعمق إلى الداخل، ينذره من الرحيل صوت روحه الذي يشبه صوت امه .
لا ترحل .
تماسك ولملم عزيمته بالنهوض.
- ما الحياة إلا سلسلة احداث تمر علينا نرسم حلقاتها بأهوائنا-
انتصب واقفاً برغبة واثقة مُتجها نحو باب الدار، احكم إغلاقه بخفةٍ مسرعا خوفا من سماع الصوت من جديد.وسار باتجاه الشارع ، ماراً بالبيوتِ المتلاصقة،ينظرُ الى الابوابِ المتهالكةِ والنوافذُ المحكمة الإغلاق ، يتأملها متخمة بالأوجاع ،غادرها الهناء ونعق بسمائها غراب الوحشة .
حانت منه لتفاتةُ وداعٍ عندما تلاشت مجموعة البيوت التي مر بها ، ملوحاً بيديه . نزلت على خده دمعة يتيمة احمرت عيناه منها، سآلت بحرارة موجعة قلبه الخافق،سقطت بين الحد الفاصل لإسفلت الشارع والتراب، توقف رافعا حقيبته خلف ظهره، تهاوى بوركاً ورسم بإصبعه على دمعته دائرة وخط مستقيم باتجاه البيوت، متخيلاً في يوم ما بأن الدمعة ستصبح شجرة تتراقص اوراقها مع تناغم صوت البلابل وهديل الحمام تمتد جذورها لروحه الهائمة وحيدة في غرفته .


(2)
مرت أول سيارة، أمامه لم ينتبه ، وضع يده فوق حاجبيه مصداً لضوء الشمس الذي بدأ يتصاعد راسماً غطاء دفء يكسو البيوت، بينما سعفات نخلة دارهم تتماوج من بعيد كشرائط من ذهب تعزف اغنية للوداع.
اِستدار الى الخلف ماسحا خده ،شعر بحرارة تتغلغل بين اصابعه خلفتها الدمعة التي سقطت منذ لحظات وأيقن بأنها ستورق شجرة لا محال.
شخص ببصره نحو امتداد الشارع ،لاحت من بعيد شاحنة حمل تنوء بحملها، اقتربت منه بصوتها الهادر،اشار اليها بيد معروقة نصف مشلولة .توقفت بالقرب منه فتح الباب واحكم غلقه عند صعوده،احتضن حقيبته بعد ان استقر على المقعد المحاذي للسائق.
سأله السائق
-إلى أين ؟
-الى اول محطة تقف عندها .
خرجت كلماته كملدوغ ، زمجرت السيارة بعد التوقف وانطلقت ، تراءت امامه مساراتها الملتوية المتعرجة كأنها افعى تلتهم كل شيء . واستغرق متأملا شريط حياته، بينما السائق يلعن القدر الذي جعله من سكان هذا الكوكب، ويداه على المقود ، متحكما بشاحنته وهي تهتز كلما عبرت مطبات الطريق .وهيئ لسعدون الراشد اهتزازها مهدا وغط بنوم عميق بعد الليلة التي مرت دون نوم.
فتح عيناه متعطشاً لضوءِ الشمس التي علت الأفق، ولوفرة الحياة التي انتعشت من خلال حركة المارة وصوت العجلات.
سال السائق.
- أين نحن؟
- نحن في وسط المدينة.
- حسنا سأنزل هنا.
ترجل بعد ان توقفت الشاحنة على جنب ، وانطلقت تكمل رحلتها وهي تبتعد آخذتٌ معها بقايا رائحة مدينته .نظر حوله يائسا .واعتقد أن ليس بوسعه مواصلة ما هو عليه،هنا بدأت بالفعل رحلة الغربة،لوحيدٍ فارقه الامل باستقبال الحياة من جديد .
(3)
عزيزي الامل انك تسافر برفقة الأساطير، وليس لك مكان هنا، انك أمل بلا امل ،كيف يمكنك أن ترفدني بشحنة من طاقتك المفقودة .
أنا المعانق لكل الخيبات والمكابد ألم النكبات، لم اعرف الاستقرار .
احيانا يكون الامل سخيف حين ينط فينا لنجددت مساراتنا التي تبدو حتمية لنا، يقودها قدر تتحكم به طاقة الغيب . تستيقظ فينا الرغبة لتحريكه لكن دون جدوى ،انه سخيفا حقا حيث يجرجرنا إلى شواطئ الاستقرار، ونصل معه لكن لا نجد من الاستقرار شيئا غير بقايا أمل ،وهكذا مجرد خيبات متكررة فحسب.
لو كان بمقدورنا ان نكون كما يحلو لنا لتحقق لنا ما نريد، لكن من خلال ما نعيش لا تبدو لنا الامور واعدة.احيانا تشعر بأنك طائر محلقا في سموات الوجود.تغادرك اللحظة تلك لتهوي بك مسرعة ،تزرعك بوادي الانتظار لولادة يوم من رحم الامس مطوقا بالانكسار.
اِن المعركة مع الزمن لم تنته بعد، ربما بمحض صدفة سيأتي الوقت المناسب وينتهي كل شيء.
( 4 )
مرت السنوات التي قضاها في المدينة ،مزدهرة بالضياع والغربة ،لا يرسو له قرار ببحرها وموجها المتلاطم ،تحيط به صور الماضي ،أمه،غرفته،روحه، نخلة الدار ،ويكيل عليه الزمن لسعة سوط لأيامه التي بدأت بها ملامح تمرده على الواقع بالظهور.
اِنها النهاية الحتمية،التي ايقظت روحه المنزوية بركن من أركان غرفته المظلمة، بدأ يسمع صوتها الندي ،عابرا كل تلك المسافات يرنُ ايقاعها بشهوة حسية عذبه.وهو مأخوذا بالدهشة لوضوح الأشياء والأقدار على حقيقتها .
انحراف غير طبيعي في سير قوانين حياته المعتاد.
يجب ان يدوم هذا الاحساس بقدر ما تدوم الأبدية ، عندها قرر الوصول الى محطة القطار لقطع تذكرة الى حيث تسكن روحه.
شعر بالندم على تركها وحيدة تتعذب.
كم كنت أناني بحبسها في الغرفة، سارقا جسدي منها منسلاً كلص أحمق يمرح بجسده.
وصل قبل غروب الشمس بقليل، كأن ما مر به مجرد يوما واحدا بداء من هنا حيث الدمعة، التي تحولت لشجرة كبيرة دون روح يابسة، وانتهى يومه بالعودة مع غروب الشمس.
اجتاز البيوت المتلاصقة وصل إلى عتبة الباب ، أدار المفتاح وتوسط باحة الدار، احتضن النخلة المتهدلة السعفات، حضنت جسده بعمق، خطى خطواته نحو باب غرفته دفعه محدثا صرير يخرج من شقوق الجدران ليلتحم بالباب ،اضاء المصباح المتدلي الخافت ، أذهله ما رآه ،روحا هرمة منزوية وحيدة ،تقدم نحوها احتضنها بقوة شعر بإحساس منعش تغلغل الى جسده محدثا تناغم بينهما لا يوصف ، عندها تراخت يداه ببطء خارت قواه لم يستطع ان يحرك جسده . رأى روحه تنسحب من جسده الميت ملوحة له بالوداع بعد أن اطفاءت المصباح الخافت المضاء وأحدثت صريرا عند غلق الباب، وحلقت تجوب المكان لتستقر بجذور شجرة الدمعة .مورقة من جديد..
الخميس 9/4/2020
- انتهت-



#علي_قاسم_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اوراق قصة قصيرة
- قفاز
- نجدت كوتاني
- قرض الفئران وقرض الانسان
- قصة قصيرة
- قصيدة نبي الصمت
- ابدا ما راهنت عليك
- التعامل مع التراث ومتغيرات الواقع
- السينما والتعامل مع الحقيقة
- تيوس التطهير والخلاص
- هشيم مرايا
- سهر الليالي هل اعادة للسينما العربية عافيتها
- الواقع السياسي وحال العراق
- قصيدة خارج حدود المرايا
- كتبتها كي تقراني
- التحديات وتنظيم المجتمع المدني
- ست حالات
- ازمة السينما المصرية
- السينما والترحيب بالجديد
- السينما لغة انسانية راقية


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي قاسم مهدي - الرحيل قصة قصيرة