أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي قاسم مهدي - قصة قصيرة/ منزل واريكة















المزيد.....

قصة قصيرة/ منزل واريكة


علي قاسم مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 6859 - 2021 / 4 / 4 - 12:56
المحور: الادب والفن
    


منزل وأريكة
(1) علي قاسم مهدي
استلم رزمة من رسائل جاء بها ساعي البريد، بعد أن وقع على استمارة الاستلام، نظر رجل البريد توقيعه، أيقن بأنه مجنون لا محال. شكر الساعي وأغلق الباب.رمى الرسائل على كومدينو قريب منه ، خلع بجامته ، فرك خصيته، شم أصابعه ،جاءته رائحة عطنة نتنة، دخل إلى الحمام، فتح صنبور المياه، اغرق رأسه بالماء والصابون، ظل تحت الدش، انتعشت مسامات جسده وهو يزيل عنها العرق المتجمد، تنفست كأنها غريق اطل برأسه فوق سطح الماء . أيامه رتيبة، ينفذ وقتها ببطء قاتل، لف المنشفة حول خصره، حمل الرسائل، جاءت عيناه على اسم المرسل ( س ن)، أثارت الحروف تساؤلات كثير، ترى من أين جاءت بعنواني . ولماذا أنا بالذات من بين كل معجبين .
أيعقل أن تكون هي . لا وألف لا ... ارتمى على السرير ،فتح إحدى الرسائل .
الرسالة الأولى:
كنت في طفولتي مرهفة الإحساس، مفرطة بالخجل، نحيلة جدا ، منطوية على نفسي ،شقية ،اشعر بإعياء مستمر، كبرت حتى غدوت عصبية المزاج، قلبي مليء بالفزع ، وابذل جهدي لكي أبدو سعيدة مرحة ،حين أكون مع الآخرين ، وكان هذا يزيد من تعاستي وشقائي ، فما لبث الأمر أن تحول إلى نمطا سائدا بحياتي .
إلى أن وقعت بيدي نهاية سنين المراهقة رواية أحداثها غريبة، لكاتب مصري مغمور. وأدركت حينها (إننا لا نتعلم إلا بعد فوات الأوان، وأن قيمة الحياة في أن نحيا كل يوم منها وكل ساعة.)
وقررت أن اصنع من شقائي المر شيئا حلوا لحياتي وللآخرين.فعكفت على القراءة بشغف كبير،
نزعت قلقي وعواطف الخوف، وغادر الإعياء جسدي واستعنت بالاسترخاء.
من قال أن القلب دأب العمل، الحقيقية غير ذلك فان ثمة استراحة بين كل نبضة وأخرى.أغمض عينيك واسترخي لمدة عشرون دقيقة، كفيلة بان يدب فيك الانتعاش ويسري النشاط في أوصالك. وهكذا مارست حياتي وبدأت الكتابة . بعد أكثر من سنة ولدت روايتي الأولى - منزل وأريكة – وأضنك قراءتها .عتبي عليك كان نقدك جارح، وأنا اعتقد بأن النقد الظالم ينطوي غالبا على إطراء متنكر. وأخيرا أرجو منك أن تقرأها مرة ثانية، وأوصيك بالاسترخاء. محبتي
س ن ك
رمى الرسالة وتذكر قولا لكونفشيوس- الرجل الغاضب ممتلئ سُما – ألا ينطبق هذا على النساء أيضا. وقرر في نفسه أن يكب إليها رداً على رسالتها. نهض من سريره ، ارتدى ملابسه بسرعة ،وخرج .

(2)
عاد في ساعة متأخرة ليلا إلى البيت، جالبا معه حزمة أوراق، وبعض الحاجيات الضرورية لاستمراره بالحياة. خلع ملابسه ودخل المطبخ اعد لنفسه كوب قهوة، تناول منها رشفة جاءه مذاقها المر اللاذع، انتشى وسرت في أوصاله رغبة بالاسترخاء، قهقه طويلا (بنت الكلب روضتني). وبدا بالكتابة .
الرسالة الثانية
سيدتي الفاضلة
الكون في الأسطورة السومرية أصله أنثوي، متجسدا في (نمو) التي أعطاها السومريون صفات المرأة كأم وكزوجة لتهب الحياة بصورة الأنوثة والذكورة .هذا ما أوحى لي عنوان روايتك منزل وأريكة .ليختزل الحياة بالإشارة إلى الرجل (المنزل ) والأريكة (المرأة ).لكننكِ ابتعدتي كثيرا عن الانعكاس المتبادل بين المتلقي وأبطال الرواية . لم استطع أن أُحب بطلها، رغم محاولاتك بان تجعلي منه شخصية مؤثرة وسيدا المواقف.وكذلك أبطالها الآخرون. الإبداع يفتح صدره لاستيعاب حتى الأساطير والخرافات والمتخيل، لجعل القارئ يطوف في سحره وإحداثه، خاصة في كتابة الروايات. سيدتي فقدت روايتك في أول لحظاتها الاستيعاب والإدراك الجمالي، كانت النظرة المتخيلة (مجازي) قاصرة بانعكاسها ولم تشكل في ذات المتلقي نزوعا نــحو(البطل ). وأخيرا ، الكتابة ليست مادة جامدة، بل واقع وفعل.. عملية يقوم بها الكاتب لخلق لحظة الإدراك للسيطرة على المتلقي وجعله جزاء مهما فيها.. هذا هو الانعكاس الذي اعني.
خالص مودتي
طوي الرسالة، كتب على الظرف، رسالتي الأخيرة ، سرح لبرهة .
- ترى هل تهتم بما اكتب، أكيد لأنني في داخلي بدأت أحبها، ورسائلي تحمل نبضات قلبي وروحي –
ارتبك عند كتابة العنوان وبدت عليه حيرة لم يهتم، لأنها حيرة يعرفها دوما،
- إي أحمق يصغي لهلوستي.
دون العنوان ،ومرر الظرف على طرف لسانه واحكم إغلاقه . وضعه بالقرب منه. سريره غير مرتب ،أوراق وأقلام وكتب مبعثرة في أرجاء الغرفة ،إلا الطاولة القريبة من الشباك ،عليها مزهرية وكتاب- أضنها الرواية - يتدلى فوقها مصباح بلون احمر ، قرب المزهرية إطار خشبي صغير يؤطر صورته وهو يحمل نفس الكتاب الموضوعة على الطاولة مع ابتسامة تملا شدقيه . كانت آخر ابتسامة له .
كان يعرف بان الضغط على نفسه للإعجاب بالآخرين صعب جدا، لم يعرف شخص يتفاعل مع سلوكه واتجاهاته، لانعدام إمكانيته قبول آراء الآخرين. انبهاره بنفسه كبير ،جعله منعزل بشدة .لكن التواصل مع كاتبة الرواية لا يعرف له أسباب.
(3)
وصل صندوق البريد القريب من بيته، وقف، نظر حوله، ودس الرسالة. عاد إلى البيت بسرعة ، عند خروجه نسى إغلاق نافذة شباك غرفته ، وجد الريح عابثة بكل أشياءها على الرغم من عبثيتها - أي الغرفة- وتبعثر كل شيء، أغلق النافذة وشتم الريح وأعاد ترتيب أشياءه من جديد، بدا بصورته والكتاب الوحيد ، جلس، على بلاط الغرفة ممددا ساقيه ، مرر أصابعه تناول الكتاب نظر إليه ،شمه واحتضنه.
- الهي من علمني أن أسرف بحزني. مؤمن أنا بان اللحظة، أي لحظة في حياة بشرية هي لحظة لا بديل منها، لحظة مطلقة وذات قيمة عظمى تعادل الكون كله. يا إلهي دعني اعش لحظاتي كما أنا.
هذا ما قراءه في إحدى صفحات الكتاب. نهض تنفس بعمق، خرج من الغرفة، لاح له شبح امرأة ممددة عارية على أريكته، فرك عيناه بذهول وهي غير مبالية به، عابثة بخصلات شعرها الذهبي، تشع حيوية. تذكر أحداث الرواية .
- ما الذي يحدث لي .
- أيمكن للخيال أن يتحقق، أي معجزة هذه.صعق، تفجرت مدامعه، وصرخ بقوة، المنزل أنا والأريكة أيضا. أنا الذي يكتب رسائل لنفسه، ليس هناك أحدا غيري، أنا بطل روايتي..تقدم نحو الأريكة وارتمى عليها لثما.

انتهت
بغداد 16/9/2020



#علي_قاسم_مهدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة / التون كوبري
- الرحيل قصة قصيرة
- اوراق قصة قصيرة
- قفاز
- نجدت كوتاني
- قرض الفئران وقرض الانسان
- قصة قصيرة
- قصيدة نبي الصمت
- ابدا ما راهنت عليك
- التعامل مع التراث ومتغيرات الواقع
- السينما والتعامل مع الحقيقة
- تيوس التطهير والخلاص
- هشيم مرايا
- سهر الليالي هل اعادة للسينما العربية عافيتها
- الواقع السياسي وحال العراق
- قصيدة خارج حدود المرايا
- كتبتها كي تقراني
- التحديات وتنظيم المجتمع المدني
- ست حالات
- ازمة السينما المصرية


المزيد.....




- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي قاسم مهدي - قصة قصيرة/ منزل واريكة