أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادية خلوف - التّطبع مع المكان














المزيد.....

التّطبع مع المكان


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 6994 - 2021 / 8 / 20 - 14:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما كنت شابة بين العشرين و الثلاثين من عمري كنت أعتقد أنني مركز الكون .لماذا؟ كنت أنظر باعتداد إلى نفسي لأنّني مناضلة ، و أعارض النّظام حيث انتميت للحزب الشيوعي ، و عملت مع النّساء في محو الأميّة، وفي حفلات يحييها أولادنا ، يغنون أغانينا المتعلقة بالإنسان. كنا نقوم بالرحلات إلى ريف عامودة، ويستقبلوننا في مضافة وجيه القرية لو نزل المطر. ألّفت الكثير من الأشعار، وكتبت في صوت المرأة وكل ما كتبته عن الفقراء و النساء . ذلك الفردوس الجميل الذي اسمه سورية لم أكن أشعر فيه بالمهانة بشكل مباشر، فلو كان من الصعب الحصول على البندورة مثلاً أستغني عنها ، وكذلك الزيت و التّفاح . أتأقلم مع الموجود ، وفي مرة قالت لي صديقتي وقد كانت تعيش في قبرص أن أنتقل للعيش في قبرص ، قلت لها: لا أستطيع. كيف أغادر أمكنتي، وبالتدريج بدأت الانقسامات في الحزب ، بدأنا نفقد أصدقاءنا الواحد تلو الآخر ، و اكتشفت أن أغلب فئات الشيوعيين مع الجبهة الوطنية، و الفئات الأخرى منهم إما مع صدام، أو على نمط قومي ، ولم يفرق النظام بينهم، فقد سجن من الجميع ، وكانوا يقولون لنا في الاجتماعات الحزبية عن السجين : أنه ربما عميل!
تركت الحزب الشيوعي ، فعزلت اجتماعياً ، وبالأساس عزل الشيوعيون بعضهم البعض عن طريق التّهم وربما مات بعضهم موتاً مدنياً ، وأتى يوم طارد النّظام رابطة العمل الشيوعي ، وكان من بين المقبوض عليهم أولاد صديقتي في عامودة وهي مديرة مدرسة، وبعثية، أخذوا أطفالها الاثنين ، أحدهما كان في عمر 15. من بين الملاحقين كان هيثم دباغ " ابن أخو زوجي " وكان عمره ثمانية عشر عاماً ، وقد أخبرنا أحد الأقارب أنه مطلوب فهرب إلى لبنان ، و اعتقلوه فيما بعد .
أتى أكثر من عشرين رجل أمن وحاصروا منزلنا ، و أجبروا والد هيثم أن ينزل من على حائط الحديقة، ونحن لا نقفل الأبواب من الداخل. سمعت صوتاً بعد منتصف الليل ينادي باسم زوجي. يقول: جميل! " خلي هيثم يسلم حالو" مافي مفر . كان زوجي نائماً بعمق. خرجت أنا ، وقلت هيثم ليس هنا، وكنت أعرف أنه هرب فقد مرّ على المكتب قبل أن يهرب. قالوا : خلي يطلع نحنا شفناه هون .
أيقظت زوجي ، رأى العدد الضخم على الجدران ، وفي الخارج، وكانوا قد أطلقوا النار خلال النهار على شاب في الحيّ فأصيب . بدأ يفكر: ماذا لو أمسكوا بهيثم قبل أن يصل لبنان؟ أخذوه معهم للتحقيق.
لا أتحدث عن الموضوع لأشتم النظام، فقد فات الأوان . لم يعد في سورية نظام، ولا معارضة ، فقط مليشيات، لكن لأقول أننا نعتبر أن الأمر عادي في ذلك الزمن فمن يسجن كمن يموت ، حتى السؤال عنه محرّم إلا إذا كنت تملك" واسطة تملك المال و السلطة."
المرة الثانية التي حوصرنا بها و التي كانت سبباً في هجرتنا هي محاصرتنا من قبل عملاء النظام ، حيث أن وقوفنا " كعائلة " مع الأكراد في أحداث 2004 حيث ذهب زوجي مع أصدقاءه الذين ذهبوا ليدفنوا أبناءهم، فسلطوا علينا عملاءهم من الأكراد ، أصبحنا نخاف، فتركنا البلد إلى الإمارات.
في تلك الليلة بكينا حتى الصباح أنا وزوجي ، ذهبت أنا وابنتي و أولادها في الدفعة الأولى ، وعندما سحبت حقيبتي لم ألتفت إلى بيتي كنت حزينة أبكي لأنني فارقت سورية ، وفارقت حديقتي .
بعد عدة أشهر أتى زوجي ، وكنت أعمل في مكتب محاماة ، تعرفت على المحامين و الموظفين من كافة الجنسيات ، وتعرفت على ملامح الدولة الصغيرة، و أعجبتني ، كنت أسأل نفسي : لماذا تمسكت بالمكان ، عاهدت نفسي أن لا أعود ، كتبت يومها رواية سرّ المغارة، و المغارة التي كتبت عنها هي سورية، ونشرتها على موقع نور الشرق الذي كنت أديره.
بالصدفة استطعنا الخروج من سورية، و بالصدفة استطعنا الخروج من الإمارات، وقد بعت بتنا في القامشلي من أجل الهجرة، لكن أغلب الناس، و" بالصدفة أيضاً " لن تتمكن من الخروج، أو لا تفكر به ، وهم مؤمنون بالمستقبل طبعاً، ولا ألومهم فأنا كنت مثلهم . المفارقة أن تلك الحديقة التي بكيتها لم تعد تعني لي شيئاً كبيراً سوى ذكرى. سألتني ابنتي: هل ترغبين أن نشتري بيتنا في القامشلي؟ قلت لها: بالطبع لا! لم يعد يمثل لي كما كان يمثل لأنني اقتنعت أن سورية ليست مكاناً صالحاً للعيش إن استطعنا الفرار. . .



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تغيرت طالبان؟
- رأي المجتمع بالنساء
- سقوط نظام أفغانستان
- ما بعد طالبان
- قصة موت في برج التجارة العالمي
- ثرثرة من أجل الثرثرة
- ثوري ، أم غير ثوري؟
- يوم الفخر - البرايد-
- زمن الرأي و الرأي الكاره
- مزيّفون دون أن ندري
- من حكايات أمل
- في النسوية ، وعقدة الزواج في سورية
- الجنس مقابل الترّقي في الوظيفة
- حقاً إن الفقر عار!
- صناديق الاقتراع
- ثورات الرّبيع، وحكام القطيع
- من الأسوأ
- عزيزتي الفتاة
- مرحلة الخراب الأدبي و الفني
- ميزان الصداقة


المزيد.....




- السيسي يعزي البرهان هاتفيا في وفاة نجله بعد تعرضه لحادث سير ...
- مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون يتحدثون عن أيام لإتمام صفقة الر ...
- مقتل 5 فلسطينيين في الضفة الغربية
- وسائل إعلام فلسطينية: -حماس- وافقت على المقترح المصري لوقف إ ...
- القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية تصدر بيانا بشأن وفاة ...
- قوات كييف تهاجم قرية موروم بطائرتين مسيرتين
- دراسة أمريكية: السجائر الإلكترونية تضر بنمو الدماغ
- مصر.. القبض على المتهم بالتعدي على قطة في محافظة بورسعيد
- الأسد: في ظل الظروف العالمية تصبح الأحزاب العقائدية أكثر أهم ...
- مصر.. الحبس 3 سنوات للمتهمين بقتل نيرة صلاح طالبة العريش


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادية خلوف - التّطبع مع المكان