|
إنتصار الظلامية والإستبداد ؟
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 09:30
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الظلامية والإستبداد ؛ إنها ثنائية متواشجة ، غير منفصمة العرى ، تتجلى اليوم أكثر من أيّ وقت مضى ، وفي أكثر من مكان متفجر من منطقتنا ، كالعراق وفلسطين ولبنان . في هذه الإخيرة ، يبدو مثالنا المعنيّ أمضّ وضوحاً وأمرّ عِبْرة ً: فهاهنا بلدٌ هاديء ، آمنٌ ، مسالمٌ ، كان في مستهلّ صيفٍ رائع ، واعدٍ بموسم سياحيّ مزدهر ؛ هوَ الفردوس الساحر ، الذي تختصر وصفه أنشودة وديع الصافي ، المعروفة ، بقولها : " لبنان ، يا قطعة سماء على الأرض " . ثمّ وعلى حين فجأةٍ ، تكفهرّ السماءُ وترعد وتبرق قصفاً وحمماً وناراً جحيمية ، منهمرة على أرض الأرز فتصليها حرقاً وتدميراً وهلاكاً . يُدبر السائحون في كلّ وادٍ ، هرباً من الموت المخيّم ، ولا يلبث أهلُ البلد ، بدورهم ، ان يواجهوا المصير نفسه ، ليضحوا ثانية وثالثة وعاشرة ضحايا النزوح في بقاع اخرى من موطنهم ، أو محشورين أمام نقاط الحدود المؤدية إلى أمان جارتهم العربية الوحيدة ؛ سورية الأسد . هذه الجارة المستبدة ، التي حققتْ بعض أغراضها من تحريض صنيعتها على إشعال أتون الحرب : بتدمير لبنان على رؤوس ساكنيه ، كما وعدتْ زعمائه الإستقلاليين ؛ وتدفيعه ثمناً باهظاً للدمار وإعادة الإعمار ، مقتطعاً من ميزانيته ودخله الوطني ، الشحيحيْن أصلاً ؛ والمطالبة دونما حياء بلجنة تحقيق دولية للكشف عن ما أسمته " جرائم العدو الصهيوني في لبنان " ، تغطية ً منها على وجود لجنة تحقيق دولية بجرائمها هيَ بحق لبنان ، وخاصة ً إغتيال الرئيس الحريري .
حينما يدعي السيّد حسن نصر الله ، في آخر خطابٍ له على فضائيته ، أنّ حربه على الكيان الصهيوني إن هي إلا ردة فعل على فعل ذلك الكيان ؛ فهذا الإدعاء ، المبتذل في تهافته ، يحتاج في واقع الحال والأفعال ، إلى عكسه ليصير جملة سليمة ، أخلاقياً على الأقل . أما أن يعتبر سيّد المقاومة هذا ، أنّ الجماهير العربية هي مجرد قطيع من الغنم يسيّرها هوَ وأسياده في سلطتيْ الإستبداد السورية والإيرانية ، وبالتالي يسهل خداعها بمثل تلك الأكذوبة الفاقعة ؛ فهذا شأنه لوحده . إذ من منا لايدرك حقيقة كون " مبتدأ " المعمعة الجهادية ، قد تمثلتْ بخطف الجنديين الإسرائيليين ، لتنتهي بـ " خبرها " المتجسّد في ما شهدناه طوال الأسابيع الخمسة ، المنصرمة ، من الإجتياح الماحق لآلة حرب الدولة العبرية ، التي ردمتِ الحجرَ على البشر وكادت تجعل جنة الأرز أطلالاً ينعبُ على خرائبها بومٌ على شاكلة نصر الله وحماته ؟ وهل ثمة حقيقة أكثر عرياً ، من كون " حزب الله " دولة داخل الدولة اللبنانية ، بل وأقوى منها بما لايقاس عسكرياً ؛ فضلاً عن أنّ قرار الحرب والسلم بيد سيّد الحزب نفسه لا بيد رئيس الوزارة أو رئيس الدولة ؛ وهوَ نفسه ، وليسَ أياً منهما ، من يحقّ له الظهور بعمامته السوداء ولحيته الشمطاء ورايته الصفراء ، على شاشات الفضائيات العربية والعالمية ، مزبداً مرعداً ومهدداً متوعداً ؟؟ وهوَ نفسه ، كظلاميّ مذهبيّ ضيّق الرؤية والتفكير ، من يعتقد بأنّ طائفته ، المقاومة ، هي من بين جميع الطوائف اللبنانية ، المتعددة ، من تمتلك شيَم الحسّ الوطني والغيرة القومية بما يؤهلها للعب دور المحرر هنا وهناك ، في أرض العروبة والإسلام ؛ حتى أن الحمية أخذتْ بمشعوذي إعلامه درجة التبشير بقرب إنهيار " الكيان الصهيوني " بالكامل !
تضعُ اليومَ الحربُ أوزارها ، وكأنما شيئاً لم يحصلَ . يعودُ النازحون إلى قراهم في الجنوب أو إلى أحيائهم في الضاحية الجنوبية ، مرافقين بكاميرات الفضائيات العربية وأغنية زاعقة ، مرددة في آذانهم وآذاننا : " يا جنوب ، يا جنوب ! " . أمام ركام وأنقاض تلك المناطق المنكوبة ، نفسها ، ترتفع أيادي سكانها ، من نازحي الأمس ، بإشارات النصر وبأدعية النصر لحسن نصر الله . سيّد المقاومة هذا ، يعلن في خطابه الأخير ، المتلفز ، قبوله قرار مجلس الأمن " مع بعض التحفظات " . ولا يلبث وزيره في الحكومة أن يفضي ، وبلا مواربة ، بكنه تلك التحفظات : إنها بكلمة واحدة ، قاطعة ، رفض تسليم سلاح حزب الله للحكومة اللبنانية . لا بل إنّ الصفاقة وصلت بمسؤولي وإعلاميي ذلك الحزب ، حدّ " تذكير " الأطراف الاخرى ، الحكومية ، بوجود طاولة الحوار وضرورة العودة إليها . فيما أنّ معظم اللبنانيين لديهم تمام العلم ، بمن الذي قلب تلك الطاولة ولصالح من فعلَ ذلك . إن التذكيرَ بطاولة الحوار اللبناني ، المقلوبة رأساً على عقب ، لا يقل سفاهة ًعن إعادة الحديث ، الممجوج ، بصدد مزارع شبعا ؛ وهيَ التي كانت وما فتئتْ بمثابة " قميص عثمان " في حسابات حزب الله ، الداخلية ، وحسابات حماته الإيرانيين والسوريين ، الإقليمية . فأيّ هراء الآن ، هذا الحديث عن تلك المزارع اللبنانية ، المزعومة ، فيما أنّ جنود الإحتلال الإسرائيلي ما زالوا يسرحون ويمرحون في شمال الجنوب اللبنانيّ وجنوبه ؟! وهل على الحكومة اللبنانية ، وبقية مواطنيها ، أن يكون حالهم مع حزب آيات الله هذا ، كحال أهل ذلك الفتى الأرعن الذي يستدرج في كلّ مرة دباً برياً ، ضارياً ، إلى منزلهم ، ولا يلبث من ثم أن يستصرخهم طلباً للعون على طرده وكفّ شره ؟!
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة المقاومة ، ثقافة الموت
-
لبنان في فم الأسد ، مجدداً ؟
-
صلاح الدين عصرنا
-
قصف إعلامي ، عشوائي
-
محمد أوزون ؛ كاتبٌ كرديّ على أبواب العالم
-
من البونابرت العربيّ إلى الطاغوت الطائفيّ
-
الزرقاوي ، وسوداويّة الإسلام السياسي
-
الوجهُ الجميل لنظام ٍ قبيح
-
المثقفُ مستبداً
-
الدين والفن
-
بين إيكو وبركات 3 / 3
-
فلتسلُ أبداً أوغاريت
-
بين إيكو وبركات 2 / 3
-
بين إيكو وبركات 1 / 3
-
منتخبات شعرية
-
الماضي والحاضر
-
الوحدة والتعدد في اللوحة الدمشقية
-
مأثورات دمشقية في مآثر كردية
-
سرّ كافافيس 2 / 2
-
سرّ كافافيس 1 / 2
المزيد.....
-
تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد
...
-
وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي
...
-
-رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع
...
-
هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن
...
-
بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
-
صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
-
عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط
...
-
8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة
المزيد.....
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
-
حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2)
/ جوزيف ضاهر
-
بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول
/ محمد شيخ أحمد
المزيد.....
|