أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - البُعد الطبقي في الاغتصاب الجنسي















المزيد.....

البُعد الطبقي في الاغتصاب الجنسي


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6953 - 2021 / 7 / 9 - 08:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


السؤال الأساسي الذي يحكم قضايا الجنس بالعموم هو عن كيفية توافر سبل الترفيه وأدوات المتعة غير الجنسية، وهذا يقودنا لعلاقة الجنس بالطبقات، ونرى ذلك واضحا في سلوكيات الطبقة العليا والمتوسطة الأكثر انفتاحا وتحررا دون معاناة من الكبت الجنسي ..ومظاهر ذلك في قبلات اليد والأحضان في المناسبات الاجتماعية كالزفاف والعزاء وغيرها، وفي الأفلام الكلاسيكية القديمة كنا نرى تجليات هذه الظاهرة في الرقص مع الغرباء في الملاهي واعتبار ذلك علامة تمدن واطمئنان للشريك الراقص، ومن ثم اعتبار أن قبول الرقصة في ذاته هو نوع من المجاملة الرقيقة والإعجاب اللطيف الخالي من التحرش..

بينما في الطبقة الدنيا أو الكادحة نرى الأمر مختلفا ، فقبلات اليد محصورة كليا للأبوين وأولياء الأمور، لكنها بالنسبة للنساء إهانة للذكر، فالسيكولوجيا الشعبية تميل لاعتبار أن خضوع الذكر للأنثى غير مقبول..وبالتالي ما يرونه من قبلات يد لطيفة في الأفلام والمناسبات هو خضوع مهين للذكر، فيكون الاستنتاج الفوري أن ثقافة البروليتاريا لا تتناول النساء بنفس الصورة التي تتناولها الطبقات الأعلى، وهذا يعيدنا للحديث عن أزمات الطبقة الكادحة مع الزواج والجنس، فالأزمة لديهم تبدأ من (السكن ) وعدم توافر أي مساكن آدمية لائقة..ثم نراها في الراتب وعدم كفاية المرتبات لحاجات المعيشة الأساسية وبالتالي فلا يوجد ترفيه للعامل سوى الجنس، وهنا تبقى المعضلة الأساسية التي تواجه الفقراء وهي الحرمان من كل وسائل الترفيه المختلفة وعدم الحصول عليها سوى من الجنس..الذي قد يكون سببا مباشرا لكثرة الإنجاب وهذه قضية أخرى يرتبط فيها الفقر مع كثرة الإنجاب..

ونظرا لأن وسائل الترفيه متعددة للطبقة العليا فيكون الجنس فيها أمر ثانوي وليس عليه نزاع، برغم أنه غريزة أساسية في التكوين العضوي، لكن لإشباع حاجة الجسد من اللذة غير الجنسية يصبح الجنس نفسه أداه للاستمتاع من أدوات متعددة يسهل الاستعاضة عنها أو تعويضها، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للفقير الذي يكون الجنس بالنسبة له مسألة حياة بقدر حاجته لرؤية العالم جميلا أو التنفيس عن الكبت والغضب الكامن في نفسه على أوضاعه ونقمته الداخلية على الظلم والتفاوت الطبقي ، وبالتالي صار الجنس عند الفقراء موضع نزاع حاد لأهميته وعدم وجود بدائل له كسلعة.

أذكر أن جماعة ألمانية في القرن العشرين سمت نفسها "سكسبول" sexpol وكانت مهمتها تثوير الطبقة العمالية على الإقطاع من باب الجنس، وهذا كان أمرا غريبا غير مألوف لكن الأيدلوجيا العامة للجماعة كانت تقوم على تثوير البروليتاريا ضد السلطة التي تمنعهم من اللذة بحرمان الفقراء من كل وسائل الترفيه، فيكون الجنس هو مدخل الجماعة لتثوير العمال لعدم كفايته لإشباع اللذة دائما من غير الجنس..إضافة للتوعية بخطر الإنجاب الزائد عن الحد وبالتالي اعتماد وسائل منع الحمل بما يلزمه من ثقافة وقوانين نسوية ومقيدة للذكور بشكل كبير، ثم تطورت الجماعة لاحقا لمراكز تدريب وتربية جنسية وعلاج نفسي بعد سحق الفاشية الألمانية واعتماد النظام الديمقراطي بعد الحرب العالمية الثانية، ومعنى ذلك أن الجماعة كانت تستفيد من النازية لإثبات وجودها المجتمعي والسياسي..وبعد رحيل النازيين أصبح ذلك الوجود مهددا فتحولوا للعلاج والتربية.

هذه الجماعة الألمانية تثبت أن الجنس عند الفقراء مختلف في تناوله عن الأغنياء، وهذا يدفعنا للسؤال: بما أن وسائل الترفيه واللذة متعددة لدى الأغنياء والجنس لديهم أمر ثانوي فهل يدفع ذكورهم لاغتصاب الشركاء والأزواج أم أن ظاهرة الاغتصاب هي حكر على الفقراء في نفس السياق؟

الجواب على ذلك من ثلاثة جوانب:

الأول: أن توافر اللذة كما قلنا لا يعطي الرغبة الجنسية الملحة والعنيفة للذكر في إثبات نفسه أو إشباع حاجته، وهي الدافع الأساسي للاغتصاب، فيكون من توافرت لديه عناصر اللذة أقل في ممارسة هذا السلوك ..

الثاني: مستوى التعليم الجيد الذي تتمتع به الطبقات العليا والذي يكسبهم وعيا بمشاكل الأسرة والمجتمع الحقيقية وعلاجاتها بعيدا عن العنف، وهذه مسألة مترسخة في وعي الطبقات الشعبية الأكثر ميلا للعنف في تحصيل مطالبها..وباعتبارها التي تشكل وقود الثورات والأقل تخطيطا وحرصا على مصالحها على المدى الطويل ، بينما لتوافر العلم الجيد عند الأغنياء نراهم يكتسبون ثقافة التخطيط وعدم التسرع ، ومن يجادل في ذلك أقول: أن الأغنياء لو كانوا ممن يتسرعون ويتهورون ما أصبحوا أغنياء ولفقدوا ثروتهم بفعل الغباء..

الثالث: هو المحيط الاجتماعي ، فاللذة المتوفرة مع مستوى التعليم الجيد وانعكاس ذلك على المحيط الاجتماعي يؤثر في الفرد مباشرة، وهذا تفسير لترقي البعض أخلاقيا وعقليا من البروليتاريا المخالطين للطبقة العليا، فالسلطة الاجتماعية نفذت بسهما في قلوب وعقول هؤلاء الفقراء ما داموا بعيدين عن مجتمعاتهم الأصلية..

نكتشف من ذلك أن المحيط الاجتماعي للبروليتاريا وثقافة العنف التي شربها بفعل وسائل متعددة (كالجهل والإعلام والتطرف الديني) لن ترى الاغتصاب الزوجي أمرا معيبا، بل سيرونه حقا من حقوق الذكر من ناحية وأداه من أدوات فرض النفوذ والهيمنة من ناحية أخرى، مما يعني أن القضية قد تكون بعيدة عن الاستدلال الديني أو محاولة توظيف بعض الأحاديث والنصوص الدينية لتبرير هذا الفعل العنيف، لكنها ثقافة مترسخة في ضمير البروليتاريا للأسباب المذكورة عاليه والتي تتعلق بمحدودية وسائل اللذة وعدم تصريف طاقة العنف الكامنة في العمل، مما يعني أن فئة كبيرة ممن يبررون الاغتصاب الزوجي هم من العاطلين أو الذين لديهم طاقات عضوية ونفسية أكبر من نوعية العمل المتوافر..

وسيقودنا ذلك بالطبع لدراسة البيئة الاجتماعية للنص الديني المبرر للاغتصاب، وهو بالطبع ليس قرآنيا ولكنه حديثا منسوبا للرسول الأكرم وهو منه براء، وهو حديث متفق عليه في الصحيحين " إذا دعا الرجل امرأته للفراش وأبت تلعنها الملائكة حتى الصباح" فالبيئة التي أفرزت هذا الحديث لا يمكن أن تكون الطبقة العليا من المجتمع بل من الكادحين والفقراء للأسباب المذكورة، فإذا كان الرسول من الطبقة العليا لنسبه الهاشمي الشريف من قريش ورئاسته لدولة المدينة فلا يمكن أن يفكر الرسول بهذا الشكل، والدليل أن الأحاديث نفسها لم تذكر أن النبي قد فعل ذلك أو زوجاته اعترفن بحدوثه، أو حتى ادعاء واحد من الصحابة الكبار على أنهم فعلوه، وبالتالي نكتشف خيطا مهما في بيئة تكوين هذا الحديث أنه ظهر في زمان متأخر عن الرسول بقرون من بيئة ومجتمع فقير يرى أن مجرد اعتراض الأنثى على الذكر في طلبه للجنس هو جريمة ..لكن العكس غير صحيح، أي أن اعتراض الذكر على طلب الأنثى للجنس هو أمر طبيعي..!

وتلك الازدواجية مليئة بكتب الفقه والفتاوى، فهذا الحديث المنسوب للنبي لم يعد مجرد نصا دينيا يتلوه السلفيون آناء الليل وأطراف النهار، بل ثقافة تشبعت بها كتب التراث والفقه حتى صار عقد النكاح هو (عقد استعمال جسد) ليس إلا، فالمهور والصداقات المدفوعة للعروس هي ثمن الجنس، وبالتالي فإذا غاب الجنس تحرم المرأة من حقها المالي ولا يتحمل الذكر فلسا واحدا ما دامت الأنثى ممتنعة، وللأسف فهذا التصور هو الذي يحكم بيوت العاهرات والهوى بالضبط، فقد غاب عن الفقهاء معنى الزواج الحقيقي بالمودة والرحمة..واستبدلوه بعلاقة جسد وتسليع كاملة تكون فيها الأنثى مجرد وعاء جنسي لا يحق لها الاعتراض أو الامتناع وإلا تلعنها الملائكة..



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحب والمرأة عند الفلاسفة القدماء
- رحلة في الفكر الإسلامي وخطايا التاريخ
- بذاءة المثقفين..أشرف الخمايسي نموذج
- شكرا لك..تلك الكلمة الساحرة
- ثورات المحمول الفنية..تيك توك نموذج
- الاغتصاب الزوجي..جريمة إنسانية
- صورة أخرى للشخصية الانطوائية
- أضواء على المسيحية الصهيونية
- المرأة في الفكر البشري القديم
- خطر الفكر الظاهري على قضية فلسطين
- خرافة قتال الملائكة بجانب المسلمين
- التراث الإسلامي وتخلف المسلمين
- عشرون سببا لفساد خبر الواحد في الحديث
- التفاضل واختلاف الأئمة
- جدلية تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية
- الثورة الثقافية الرابعة
- مركزية السلطان عبدالحميد الثاني في عقل الجماعات
- المجتمع وسلامة المنطق
- لماذا يكره رجل الدين حضارة مصر القديمة؟
- قانون الأحوال الشخصية ليس من اختصاص الفقهاء


المزيد.....




- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - البُعد الطبقي في الاغتصاب الجنسي