أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - شكرا لك..تلك الكلمة الساحرة















المزيد.....

شكرا لك..تلك الكلمة الساحرة


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6942 - 2021 / 6 / 28 - 08:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين تأملت كلمة الشكر لأي إنسان وجدت أن في باطنها سحرا طبيعيا عجزت عن وصفه، فهي الكلمة التي إذا قيلت وقت الغضب تهدأ النفوس، وإذا قيلت وقت المنفعة ترد الجميل، وإذا قيلت وقت الفخر تهبك التواضع وإذا قيلت وقت القوة تهبك السكون وإذا قيلت وقت الضعف تهبك القناعة..

لست معتادا على ذكر محاسن الكلمات لكني حين أبحرت في عالم تلك الكلمة وجدت مفتاحا جميلا لمعظم مشاكل العالم، ولأن الحقائق تُعرَف أحيانا بالضد وجدت اختفاء هذه الكلمة من قواميس الطغاة والمتجبرين والبلطجية والمعتدين، فهم غالبا حين يشعرون بقوتهم لا يشكرون وقتما تدفعهم أنانيتهم للظلم يرون الشكر ضعفا وعقبة عن تحقيق الآمال المجنونة والأطماع الدنيّة، وحين يذكروها ففي الغالب حين تحقق لهم مصلحة في الاعتداء والجور على حقوق الآخرين، فالمتعة الشخصية لهؤلاء في الاعتداء والتجني..حتى لا يجدون لذتهم سوى عند آلام وعذابات الآخرين..

من خلال كسر الصورة النمطية عن الشكر..فتحنا الأبواب المغلقة وجدنا أن سمة أساسية لتحضر ورقي الإنسان هو استعماله هذه الكلمة، وحين تطغى معايير القوة والاعتداء تختفي..فمن الذي سمع بلطجيا مرة يشكر آخر لسرقته الآخرين، ومن الذي سمع حاكما متجبرا يذكرها وقت البطش والظلم، فالحرية الوحيدة التي نملكها على وجه الحقيقة هي حرية الاختيار..والإنسان وقتما يشعر بقوته غالبا لا يختار سوى إشباع رغبته الفطرية في التملك وزيادة أرباحة ونفوذه في المجتمع، أو توبيخ غيره على فعل ما يرفضه بالذوق والقناعة، فمثلما يتذوق الإنسان بعض الألوان يتذوق آخر ألوانا مختلفا..هنا يوبخ المعتدي لون الآخرين المفضل وكأنه يحكم العالم برؤيته الشخصية على أنها الحقيقة المطلقة..

إن المعنى الضامر لكلمة الشكر هو قبول الاختلاف، فمعنى أن تشكر غيرك وتُكثِر من شكره يعني أن ثمة اختلاف هي مصدر تلك المنفعة غير المتوقعة التي دفعتك للشكر، كمن يشكر زميله على مساعدته في أمر ما..فلو كان يتوقع تلك المساعدة أو يراها أمرا عاديا ما شكره، لكن ولأن ثمة خلاف بينه وبين زميله لم تَعُق هذا الفاضل في مساعدته أصبح الشكر وقتها واجبا أخلاقيا وجزءا من رد الجَميل واعترافا بقبول الخلاف والتعايش معه، وهنا سر من أسرار المفاوضات السياسية..أنها تنجح دائما إذا اعترف الخصوم بحقوق بعضهما ، ومن ثم تبدأ مرحلة الشكر التي ستكون هي الفيصل في الانتقال لمرحلة أخرى من الخصومة إلى الصداقة أحيانا، وكم رأينا دولا تحارب بعضها ثم صاروا أصدقاءا من هذا المنطلق أنهم قدّموا الشكر والمساعدة في عز الحاجة إليهما وتقديمهما على كل أسباب الخلاف.

كذلك فالمعنىَ الآخر للشكر يكون في اكتشاف تلقائية هذا الشاكر وإعجاب المشكور، فمن يعش على طبيعته وسجيته هو أكثر الناس استعدادا لشكر غيره متى توجّب ذلك..والسبب أن هذه التلقائية الفريدة مبنية على صراحة وصدق مع النفس يجذبان حب التواصل الاجتماعي لدى الإنسان، وفي تقديري أن ذلك سببا في تمتع ذلك الشخص بالقبول الاجتماعي..وفي حياتنا العملية كثيرا ما نرى تلك النماذج التلقائية الصريحة التي تملأ الأرض بهجةً ومرحا وطمأنينة، بل نرى ذلك الشاكر دائما من الذين يخفضون سهم توقعاتهم لأنفسهم أو الإعجاب بذواتهم..فالتلقائي لديه مسحة تواضع هائلة هي سر جاذبيته المعهودة، ومن يجيد التواصل مع الناس لن يكون مغرورا كون الطمع والغرور والأنانية من مسببات العزلة والحقد وكراهية الناس، بينما التلقائي والشكور – أي دائم الشكر – في مقدمة الفئات التي تتضرر غالبا من الطماعين والأنانيين بالحقد عليهم وعلى قبولهم ومنزلتهم الرفيعة..

ومن المغلوط عن الشكر أنه علامة فقط للمنافقين والوصوليين، بل هو صفة أساسية عند من يرون أن متعتهم في الاهتمام وإشعار الآخرين بالسعادة، فكلمة الشكر لها مردود نفسي جيد في سمع المتلقي ولولا تلك النتيجة ما صارت وسيلة تواصل مشهورة لدوام تلك السعادة النفسية ورغبة الآخرين في الاهتمام والمشاركة ، فالمنافق والوصولي ليس اجتماعيا سوى مع دائرة محدودة هي من تحقق أهدافه ، ومعنى ذلك أنه ليس اجتماعيا مع أغلب الدوائر والفئات..وهذا سر من أسرار سهولة كشف المنافقين والوصوليين ، أما من يعتاد الشكر مع كل الفئات بل تمييز فلا يمكنه وصمه بالنفاق..هذا شخصا متمع بالشكر في الأساس ويرى أن نجاحه الحقيقي لن يكون على أكتاف ومصالح الغير، ومنهم فئة ترى أن إشعار الآخرين بالسعادة حق إنساني يجب عليه فعله وتلك الفئة هم من اكتسبوا خبرة التجارب والحكمة فوق صفاتهم الأصلية بالهدوء والعلم..

وقد أبدع الأديب الكبير "نجيب محفوظ" في تصوير الفئة الوصولية برائعته "القاهرة 30" في شخصية "محجوب عبدالدايم" الذي لم يشكر سوى الباشا ومساعده سالم الإخشيدي لتعلق مصالحه بهم فقط، إنما غاب شكره عن كل محيطه الاجتماعي الآخر حتى عن زوجته وعائلتها الذين كان يمقتهم في السر برغم كونهم عنصرا أساسيا في تلك المصلحة، لكن ولعلمه المسبق أن شكره للباشا سيضمن له علاقة جيدة مع زوجته المفترضة "سعاد حسني" ظن أنه سيحصل على قلبها وحبها الحقيقي لكن خاب ظنه وتألم لذلك جدا، مما يدفعنا لرؤية جانبا آخر من شخصية الوصولي وهي (الجهل) خصوصا الاجتماعي منه بفرز الناس وتوقع الأسوأ، ولولا أن عبدالدايم كان جاهلا لم يبصر ذلك المصير الأسود لديه فلم يعد يرى أبعد مما تحت قدميه.

مما يعني أنه ليس كل من ترقى وصعد السلم الاجتماعي هو وصوليا أو منافقا، فالجهل الاجتماعي الذي يعاني منه الوصولي يسقطه في أقرب فرصة، أما من يصعد فمنهم بشكل كبير من يتمتع بصفة الشكر كطابع أصيل في جسده وروحه، فهو شخص يثق في نفسه جيدا بلا تردد وتشعر معه بالوضوح دون كلام، وذلك سر من أسرار جاذبية الشاكر أنك ستشعر معه بالطمأنينة والأمان لفقدان شبكة تحيزاته وقيوده التي تمنعه من بناء علاقاته الاجتماعية بشكل سليم، فالشخص المنحاز قد يصبح ذلك الخيار منه مدخلا للتعصب والأنانية..لذا فالعرفاء والمصلحين أول ما يجدون من طرق الإصلاح والعلاج هو (الحياد) وخصوصا (الإيجابي منه) المتعلق بمعرفة الحقيقة من مصدرها ثم الحكم على يقين راسخ وليس على ظنونٍ متوهمة، وقد رأيت تلك الصفات في حكماء القرى والنجوع الذين يتمتعون بكمّ هائل من الحكمة رفعتهم على سلم الهرم الاجتماعي القروي في الرؤية والبصيرة والثقة في أحكامهم العُرفية واتفاقها مع روح العدالة والأديان.

ومن جانب آخر فالمعنى الحقيقي لكلمة الشكر قد يتعلق بثقافة القائل، فالمتدين حين يشكر فهو يقصد "حفظك الله" وغير المتدين حين يشكر فهو يقصد "حفظك وسلامتك" فإذا كان الإنسان لديه استعداد دائم للشكر فهو يعني (رغبة) كاملة منه بالخير للمجتمع والآخرين دون تمييز، فلو شكر مسلم مسيحيا والعكس مع إضافة "جزاك الله خيرا أو باركك الرب يسوع" فهو يدعو أن يحفظه الله ويجزيه مثوبة العمل الصالح الذي أسداه، وتلك القيمة النفسية مفقودة بشدة في المجتمع الطائفي والمبني على التمييز الديني، لذا فإشاعة كلمة الشكر والدعاء للآخرين بالخير في هذا المجتمع من إحدى وأهم وسائل العلاج، وكثيرا ما أردد أن نظرية الفراشة في ميكانيكا الكمّ هي التي تتحكم كيفية اندلاع الحروب، فأي عمل خيري ولو بسيط مهم جدا في إشاعة البر والتسامح، بينما كل عمل حاقد وشرير مهما كان صغيرا وبسيطا هو يسهم في إشاعة الكراهية والحروب.

لذا فمشروعي التنويري يبدأ ليس فقط من العلمانية بل من نقد التراث الديني بالتوازي معها، فالعلمانية تمنع (نفوذ) رجل الدين، بينما النقد يمنع (قبول) رجل الدين، وكم من المجتمعات التي منعت نفوذ رجل الدين بالعلمانية لكن لم تنتقد تراثه ولم تمنع التكفير فنشط رجال الدين في الخلفية ومن وراء الستار حتى عادوا لحكم هذه الدول أو المشاركة في حكمها بالعلن، ولدينا أوضح نموذجين لذلك هما "تونس وتركيا" الذين اهتموا فقط بالعلمانية دون نقد الفكر الديني أو منع التكفير في السابق، ولأن الشيوخ عملوا في الخلفية ونشطوا في المجتمع حصلوا على ثقته وقبوله مما ساعدهم في الحصول على الأغلبية البرلمانية وحكم الدولة في زمانٍ لاحق.

فالتكفير هو العمل الأوضح عداءا لكلمة الشكر، لأن التكفيري لا يشكر سوى من على ملّته، ويعتقد أن دعاءه بالخير لمن هم سواه ممنوعا ويمثل كفرا بواحا في الدين، ومن أمثلة ذلك تحريم التكفيريين الدعاء على موتى غير المسلمين كنموذج، فهم في مخيلتهم يعتقدون أن الدعاء في مضمونه قائم على الحُبّ وهو مأمور بكراهية غيره ، كذلك فكلمة الشكر منه لغير المسلمين ترفع الحواجز وتساويه بغير المسلم أو تعطيه الأفضلية أحيانا، فالشكر يمثل لديه أولى مراحل الرضا والقبول بوجود غير المسلم..وهو لا يرضى بذلك الوجود إلا من قبيل (العبودية والطاعة) فغير المسلم إما يكون عبدا وأسيرا في الحروب ، أو يدفع الجزية بالطاعة والامتثال لكل قوانين الشريعة الفقهية المنصوص عليها في كتبه.

أخيرا فكلمة الشكر مبنية على العطاء وحب الغير بالأساس، لذا فهي مفقودة عند قواميس التكفيريين والأنانيين والمستبدين، ولحيوية معناها مفقودة أيضا في قواميس الجامدين المتكلسين والرافضين للتجديد، ولخيرية معناها مفقودة في قواميس الأشرار المتسلطين، ولعطاء معناها فهي مفقودة في قواميس البخلاء، فلن يحصل المزيد منها لمجرد الإرادة بل بتدريب النفس على التواضع والسماحة وقبول الاختلاف أيا كان شكله، وفي علوم التربية تحتل كلمة "شكرا لك" مرتبة أولى لتدريب الأطفال على التحضر والتمدن والأخلاق الحميدة، وكم من أبّ خدمه أولاده فيشكرهم ليس فقط من باب القبول وتمني الخير بل لتدريبهم على شكر الآخرين دون تفكير، والحكيم هو من يعطي لأطفاله المبادرة بالشكر ليحصلوا على قدرة أكبر في التحكم بواقعهم، ومن لا يتحكم في واقعه يفقد السيطرة عليه ليفشل.



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورات المحمول الفنية..تيك توك نموذج
- الاغتصاب الزوجي..جريمة إنسانية
- صورة أخرى للشخصية الانطوائية
- أضواء على المسيحية الصهيونية
- المرأة في الفكر البشري القديم
- خطر الفكر الظاهري على قضية فلسطين
- خرافة قتال الملائكة بجانب المسلمين
- التراث الإسلامي وتخلف المسلمين
- عشرون سببا لفساد خبر الواحد في الحديث
- التفاضل واختلاف الأئمة
- جدلية تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية
- الثورة الثقافية الرابعة
- مركزية السلطان عبدالحميد الثاني في عقل الجماعات
- المجتمع وسلامة المنطق
- لماذا يكره رجل الدين حضارة مصر القديمة؟
- قانون الأحوال الشخصية ليس من اختصاص الفقهاء
- العظماء لا يموتون..نوال السعداوي نموذج
- قتل المرتد بين فرج فودة ورفيق تقي
- فرص الديمقراطية في اليمن
- شروط الاجتهاد المطلق


المزيد.....




- “من غير زن وصداع مع” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على نا ...
- فيديو خاص:كيف تسير رحلة أهالي الضفة إلى المسجد الأقصى؟
- الشريعة والحياة في رمضان- سمات المنافقين ودورهم الهدّام من ع ...
- أول مرة في التاريخ.. رفع الأذان في بيت هذا الوزير!
- أول مرة في تاريخ الـ-بوت هاوس-.. رفع الأذان في بيت الوزير ال ...
- قصة تعود إلى 2015.. علاقة -داعش- و-الإخوان- بهجوم موسكو
- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - شكرا لك..تلك الكلمة الساحرة