أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصعب قاسم عزاوي - مقدمة كتاب كينونة الذكاء الإنساني















المزيد.....

مقدمة كتاب كينونة الذكاء الإنساني


مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6943 - 2021 / 6 / 29 - 14:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


جوهر وصيرورة القدرات العقلية الفائقة لبني البشر

إعداد:
شيراز محمد خضر
د. مصعب قاسم عزاوي

تقديم:
د. مصعب قاسم عزاوي

تعريب:
فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن

الطبعة الأولى 2021

من منشورات دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن
و
شركة آمازون في المملكة المتحدة


يمثل ذكاء بني البشر أهم مميزاتهم التفاضلية كجنس طبيعي في مملكة الحيوانات، التي يتمتع أيضاً الكثير من أفرادها بنماذج فريدة من أنماط الذكاء الأخرى التي قد لا تتطابق مع أنساق وآليات عمل الذكاء البشري، دون أن ينزع ذلك عنها صفة الذكاء الحاذق، كما يتجلى في كثير من أنماط سلوك الحيوانات بمختلف رتبها التطورية.
وعلى الرغم من ذلك كله فقد يبدو من الصعب من الناحية العلمية إيجاد تعريف جامع مانع للذكاء البشري يمكن أن يلم بكل صفاته الفريدة وآليات عمله الإدراكية والإبداعية العقلية في دماغ الإنسان.
في عشرينيات القرن العشرين طرح تشارلز سبيرمان نظريته بخصوص الذكاء والتي مفادها وجود عدة تمظهرات للذكاء الإنساني، تنبع من عنصر أساسي واحد دعاه «الذكاء العام» أو باللغة الإنجليزية «General Intelligence» والذي أشار إليه اختصاراً حينئذ بالعامل «G».
ويفسر علماء فزيولوجيا الدماغ راهناً اتفاقهم مع أطروحة سبيرمان السالفة الذكر بأن الاختلاف في مستوى عامل الذكاء العام «G» بين البشر يعود إلى اختلاف في البنى التشريحية لأدمغتهم، بنفس الشكل الذي يختلف فيه لون قزحية إنسان عن إنسان آخر، وخاصة فيما يتعلق نمط وتركيب التلافيف الدماغية في نسيج دماغه، ومستوى كثافة الخلايا العصبية فيها وارتباطها ببعضها، وبنية كل منها ونمط توزعها في النسيج العصبي المركزي، بالإضافة إلى نسبتها إلى الخلايا الدبقية Glial Cells التي تحيط بالخلايا العصبية الدماغية كما لو أنها سقالة تستند على أوتادها ودعائمها الخلايا العصبية، بالتوازي مع نموذج التروية الدماغية لأجزاء الدماغ الذي قد يتبع نمطاً فريداً في كل دماغ شخص بعينه بنفس الشكل الفريد لبصمات راحات أنامل الشخص نفسه.
وينظر بعض العلماء إلى أن عامل الذكاء العام «G» يرتبط بطبيعة كفاءة الاتصال العصبي بين أجزاء الدماغ المختلفة، والتي قد تعزى إلى أسباب تشريحية وكيميائية عصبية تتعلق ببنية الدماغ الفريدة لكل شخص بعينه.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الكشوفات العلمية الحديثة تشير بشكل قاطع إلى انعدام أي علاقة طردية أو عكسية بين حجم الدماغ وكفاءته، وهو ما ينفي الفرضية المخفقة عن تفوق الذكور عن الإناث في مستوى القدرات العقلية على الرغم من أن أدمغة الذكور من الناحية الحجمية أكبر من أدمغة الإناث في غالب الأحيان، نظراً لتناسب حجم الدماغ أساساً مع حجم جسم الفرد، الذي هو من الناحية الوسطية أكبر لدى الذكور عنه لدى الإناث. وذلك التوصيف الأخير يعني بالإضافة إلى تفنيده لفكرة تفوق الذكور عن الإناث ذكائياً، بأن كفاءة الدماغ الوظيفية ليست متعلقة بحجمه وإنما بكفاءة استخدام مكوناته التشريحية.
الذكاءان التقاربي والتباعدي:
الغالبية المطلقة من اختبارات الذكاء بمختلف تصميماتها وتطبيقاتها تهدف لقياس الذكاء التقاربي، والذي يدعى باللغة الإنجليزية «Convergent Intelligence» وهو الذكاء الذي يفصح عن نفسه بالتفكير التبئيري عبر الاتكاء على المعارف والخبرات ومهارات التحليل المنطقي لأجل إيجاد الحل الأكثر صواباً لمعضلة معينة عبر التفكير بكل الحلول المتاحة لتلك المعضلة، واختيار واحد من تلك الحلول يمثل المقاربة الأكثر صوابية وأكثر كفاءة في حل تلك المعضلة. وهو نموذج الذكاء الذي يتم قياسه بالقدرة على حل المشكلات الرياضية، والأحاجي الفكرية واللغوية، ومهارات التركيب الميكانيكي، وتمييز الفروقات المخاتلة بين مجموعة شبه متطابقة من الصور، وغيرها من الاختبارات التي تهدف إلى قياس قدرات التفكير التقاربي لإيجاد الحل الأمثل لمشكلة ما.
وهناك نوع آخر من الذكاء يدعى الذكاء التباعدي، والذي يدعى باللغة الإنجليزية «Divergent Intelligence» والذي قد يمكن تسميته مجازياً بالذكاء الإبداعي، والذي يمكن الإنسان من استنباط حلول للمشكلات التي يواجهها بشكل غير تقليدي لا يستند على مهارات التحليل المنطقي، والمعارف والخبرات التراكمية، وإنما على قدرات العقل الإبداعية في تخليق حلول فريدة وأصيلة دون أن تكون تطبيقاً لمهارات ومعارف سابقة أو تقليداً أو قياساً على حلول أخرى لمشاكل مشابهة سبق للفرد مواجهتها في حياته سابقاً أو تعلم كيفية حلها تعليمياً أو تربوياً.
وكمثال على المعضلات التي يمكن للذكاء التباعدي مواجهتها سؤال من قبيل وضع قائمة بكل الاستخدامات لحصاة كبيرة بحجم اليد تم التقاطها من ضفة نهر جار، وكلما كان مستوى الذكاء التباعدي أعلى عند الفرد كلما كانت القائمة أطول. والحقيقة أن الذكاء التباعدي الإبداعي لا يتم قياسه في اختبارات الذكاء إلا ما ندر لصعوبة قوننة عملية قياسه بشكل عملي منظم، وهو ما يشي أساساً بعدم جدوى الغالبية المطلقة من اختبارات الذكاء، وانعدام المعنى من تلك القياسات التي يتباهى بها الكثيرون، أو يخجل منها آخرون، وهي في الواقع لا تمثل إلا نتائج اختبار محدود الأفق لجزء محدود من قدرات ذكاء الإنسان، والتي ارتفاع أرقامها أو انخفاضها لا يعني شيئاً من الناحية الموضوعية بالحد الأدنى، إذ أن الإنسان الواقعي بحاجة إلى ذكائيه التقاربي والتباعدي بنفس الدرجة لأجل تعزيز إمكانيات نجاحه في حياته المعاشة يومياً.
وكمثال علمي طبي مبسط عن الذكائين التقاربي والتباعدي يمكن الإشارة إلى أن المرضى الذين يحتاجون لاستئصال جزئي من النسيج الدماغي في منطقة الفص الصدغي وهو جزء الدماغ الذي يقع حول وفوق الأذنيين مباشرة، أو الفص الجداري وهو جزء الدماغ الذي يقع في قمة الرأس، يعانون من تردٍ شديد في القدرات العقلية التي تختبرها اختبارات الذكاء الاعتيادية، وينتج عنها انخفاض في النتائج التي يحققونها في اختبارات الذكاء تلك، بينما المرضى الذين يحتاجون لاستئصال جزئي أو كلي للفص الدماغي الجبهي وهو جزء الدماغ الذي يقع في جبهة الإنسان، يحافظون على مستوى أدائهم السابق قبل العملية الجراحية في اختبارات الذكاء، على الرغم من تردي قدراتهم على التفكير المنظم، و السلوك المتحضر، والتواصل الكلامي المكثف والمفهوم، والتخطيط للمستقبل، والتفكر بعقابيل السلوكات التي يقومون بها، والتي يصبح معظمها انفعالياً وارتكاسياً دون تفكر أو تعقل.
وتلك الملاحظات الطبية العملية الموثقة بأبحاث علمية موسعة تتسق مع المعرفة العلمية بأن الفصين الصدغي والجداري في الدماغ مسؤولان عن ملكات التحليل المنطقي والرياضي التحليلي واللغوي التي تقيسها اختبارات الذكاء، بينما الفص الجبهي مسؤول عن التعقل والرشاد والإبداع والتخيل والابتكار واستبصار العقابيل، وضبط الذات فكرياً وسلوكياً، وجميعها ملكات عقلية لا يتم اختبارها في الغالبية المطلقة من اختبارات الذكاء.
الذكاء البنيوي الوراثي والذكاء المكتسب:
من الناحية الوظيفية فإن هناك تصنيفات للذكاء، الأول منها يدعى الذكاء (A)، والذي يمثل نمط الذكاء البنيوي المستند إلى بنية الجهاز العصبي الموروثة من أسلاف الشخص، والثاني منها يدعى الذكاء (B) وهو نموذج الذكاء المكتسب بالخبرة والمتأثر بكل المؤثرات البيئية المحيطة بالشخص من قبيل الأمراض، والسموم البيئية، والأذيات الجسدية والدماغية وخاصة خلال مرحلة التخلق الجنيني والولادة وما حولها خلال فترة السنتين الأولتين من عمر الإنسان، والتي تمثل المرحلة الأكثر أهمية في النمو الدماغي للإنسان من الناحيتين الحجمية والوظيفية. والتفسير الفيزيولوجي العصبي للتوصيف الوظيفي للذكاء سالف الذكر يقوم أساساً على أن طبيعة وكثافة وكفاءة الاتصال بين الخلايا العصبية، والذي يعرف علمياً بالدارات العصبية الدماغية، محكوم أساساً بالبنية الوراثية للشخص التي ترسم النهج العام الذي تتبعه الخلايا العصبية في تشكيل ارتباطاتها فيما بينها، وهو ما قد ينتج اتصالاً أكثر كفاءة من الناحية الوظيفية، وهو ما يعني زيادة في معدلات الذكاء (A). ولكن نظراً لأن المورثات في كل خلايا بني البشر لا تعمل وفق قوانين ثابتة، وإنما وفق آليات ينظمها تآثر تلك المورثات مع ما تتعرض له من مؤثرات تتفاعل معها سواء كانت عوامل خارجية بيئية يتعرض لها البدن، أو حالة استقلابية فيزيولوجية في البدن جراء مكابدته لعلة ما، وهو المقدمة لما يعرف بالتغيرات ما فوق وراثية Epigenetic Changes وهي التغيرات التي تحدث في بنية وآلية عمل المورثات داخل خلايا البدن استجابة لما تتعرض له من مؤثرات خارجية من خارج البدن أو داخلية من داخله، وهي الآلية التي تستخدمها المورثات لتتكيف مع الظروف الاستقلابية والفيزيولوجية التي تتآثر بشكل لحظي معها، والشروط البيئية التي تؤثر على البدن الموجودة فيه، و تعيد نظم توازنه الحيوي ككل.
وتؤدي تلك التغيرات المافوق وراثية إلى ما يدعوه علماء فزيولوجيا الدماغ نمط الذكاء (B) المحكوم بنموذج الخبرات والتجارب والمؤثرات البيئية التي يعيش فيها الفرد.
والتفسير العلمي من الناحية الفيزيولوجية العصبية لذلك النموذج المزدوج من الذكاء، هو أن نمط الذكاء (A) يستند إلى كفاءة انتظام المشابك العصبية Synaptic Organisation بين الخلايا العصبية في الدماغ، وهو مستوى من الكفاءة محكوم أساساً بالبنية الوراثية التي تؤسس للبنية التشريحية الفريدة لكل جهاز عصبي مركزي في بدن أي إنسان بشكل لا يختلف عن الآلية الوراثية التي تحدد لون قزحية عينيه وطوله وبصمات راحات أنامله. ولكن تلك الكفاءة في انتظام المشابك العصبية يمكن تعديلها وتحويرها خلال صيرورة حياة الإنسان عبر ما تتعرض له من مؤثرات خارجية من المحيط الخارجي أو داخلية من داخل البدن، بحسب الآليات المافوق وراثية السالفة الذكر Epigenetic Changes، وهو ما يعني من الناحية العملية احتمالية بزوغ مستوى عالٍ من حاصل الذكاء الإجمالي الذي يمثل حاصل جمع الذكائين A و B معاً ، في حال تحلي الشخص بمستوى عال من كفاءة انتظام المشابك العصبية «ذكاء A» في دماغه، وتوافر حزمة من المؤثرات الخارجية والداخلية في بدنه تضمن وتعزز من فرص إفساح تلك الإمكانيات الفطرية عن نفسها «ذكاء B».
وبنفس القياس يمكن أن يكون هناك شخص بمستوى عال من الذكاء A مشخصاً ببنية وراثية تؤسس لمستوى رفيع من انتظام المشابك العصبية في دماغه، وعلى الرغم من ذلك فإن مستوى ذكائه الإجمالي قد يكون متواضعاً، نظراً لعدم تعرضه لمؤثرات خارجية تدفع بتلك القدرات الفطرية للإفصاح عن نفسها وتوطيدها، أو تعرضه لمثيرات خارجية سلبية كالشدة النفسية أو الجوع أو الإهمال الأسري أو التربوي أو الاجتماعي، أو التعرض لمؤثرات سمية خارجية كالسموم البيئية المعروفة للجهاز العصبي كالمعادن الثقيلة من قبيل الزئبق، والكروم، والرصاص، والزرنيخ، والكادميوم، ومشتقات الفسفور العضوي المستخدمة بشكل شائع في المبيدات الحشرية، وخاصة خلال مرحلة تخلق النسيج العصبي جنينياً أو خلال السنتين الأولتين من عمر الطفل. وهو الواقع البائس الذي يفسر تواضع مستويات الذكاء لدى شرائح عريضة من أبناء المجتمعات المفقرة المنهوبة في العالم الثالث، ليس لعلة في القدرات الفطرية لأبنائها، وإنما للظلم والعسف الذي يتعرضون له في صيرورة حياتهم جوعاً، وقهراً، وإفقار تغذوياً وتربوياً وتعليمياً، وتلوثاً بيئياً بمختلف السموم البيئية قد تكون أدمغتهم على رأس قائمة ضحاياه؛ والقياس على ذلك أيضاً صحيح باعتبار أن بنية وراثية ما تنتج مستوى متواضعاً من الذكاء (A) يمكن تصحيحها وتعديلها إلى درجة كبيرة عبر ضمان تعرض الإنسان المستبطن لها خلال صيرورة حياته إلى نموذج من الحياة العملية التي تضمن تعرضه لمؤثرات إيجابية من المحيط الخارجي، وحالة توازن تغذوي واستقلابي داخلي في البدن، وبالأخص مستوى صحياً وفاعلاً من التربية والتعليم ينتج في المآل الأخير مستوى أعلى من المتوسط للذكاء (B)، يمكن له أن يعدل النقص البنيوي في مستوى الذكاء البنيوي (A) لدى الفرد نفسه، الذي ذكاؤه الملموس المحسوس في حياته دائماً هو حاصل جمع الذكائين A و B.
وقد يستحيل في هذا السياق محاولة التفلت من التفجع والتحسر على الملايين من الأطفال العرب الذين حرمت أدمغتهم من فرصة التعبير عن إمكانياتها الإبداعية البنيوية وذكاءاتها الفطرية عبر إجهاضها جميعاً في نسق من التجويع والترهيب والحرب والتقتيل العدمي الذي ما فتئ يشرأب في الخارطة العربية بتلاوين كالحة بائسة، والذي لا بد أنه سوف ينتج أجيالاً محدودة القدرات الذكائية والإبداعية ليس لعلة فيها وإنما لعلة في نفوس وسلوك ظلامها وجلاديها ومستبديها وأمراء حربها ووكلاء استعمارها القديم الذي لم يرحل إلا شكلاً عن أرضها.
المميزات التشريحية الدقيقة في أدمغة الأذكياء:
تثبت الكشوفات العلمية الحديثة بأن المميزات التشريحية الحديثة التي تتمتع بها أدمغة الأذكياء تتوزع على مجموعتين، الأولى كمية تتمثل في زيادة كم المادة الرمادية في الدماغ والتي تعكس زيادة في عدد الخلايا العصبية في القشرة الدماغية، وهو معامل مرتبط بالبنية الوراثية للفرد التي تؤهب لتلك الزيادة في حال توافر العوامل البيئية الملائمة وخاصة فيما يتعلق بالتغذية الوافية وعدم التعرض للسموم البيئية بأشكالها المختلفة؛ والمجموعة الثانية تتمثل في الانتظام التشريحي الدقيق للخلايا العصبية في القشرة الدماغية وارتباطات تلك الخلايا العصبية فيما بينها، وعلاقتها بالخلايا الدبقية Glial Cells الداعمة لها.
وفي أدمغة الأكثر ذكاء تتمظهر المجموعة الثانية بنمط من القشرة الدماغية أكبر حجماً من الناحية الكتلية، ولكن مع تباعد أكثر بين الخلايا العصبية وزيادة في عدد الخلايا الدبقية الداعمة، والأهم من ذلك كله نقصاناً في التفرعات التغصنية Arborisation التي تربط الخلايا العصبية فيما بينها، وهو ما يتسق مع المعرفة الثابتة بأن النضج الدماغي خلال صيرورة حياة الإنسان منتقلاً من مرحلة الطفولة إلى البلوغ يقتضي تقليم Pruning الخلايا العصبية غير المستخدمة، بالإضافة إلى عملية تقليم بالتوازي أيضاً للاتصالات بين الخلايا العصبية عبر التفرعات التغصنية فيما بينها، وهو ما يبقي الخلايا العصبية الأكثر كفاءة في تلبية الاحتياجات العصبية والحياتية والفكرية لصاحبها بشكل أكثر حذاقة وسرعة. وهو ما يتسق مع المعرفة العلمية بأن عدم تحقق عمليتي التقليم السالفتين على المستوى الدماغي بالشكل الذي يحدث لدى مرضى متلازمة داون Syndrome Down والتي تنتج عن تثلث الصبغي 21 وتعرف شيوعاً بالمنغولية الولادية، والتي تنتج ذلك النمط من الذكاء المتواضع لدى المرضى المصابين بتلك المتلازمة.
وهو ما يتسق أيضاً مع المعرفة العلمية الثابتة بأن التدريب والمراس في استخدام الطاقات الدماغية الفطرية لدى الإنسان ينتج دائماً نموذجاً فائقاً من التقليم تبرز فيه الخلايا العصبية بتغصنات أقل عدداً وأكثر كفاءة، وبعدد أقل من الخلايا العصبية الأكثر مراساً وخبرة في القيام بواجبها في القشرة الدماغية ينتج كفاءة إجمالية أكثر في تلبية الاحتياجات العقلية والفكرية، وهو ما يعيدنا إلى أهمية اعتبار التعليم والتدريب الكافي والوافي حقاً طبيعياً من حقوق الإنسان وخاصة للأطفال في عموم أرجاء الأرضين، والذي يجب أن يكون مجانياً ومتاحاً للجميع بغض النظر عن مرجعيتهم الاقتصادية، بحيث يبعد شبح تواضع الأداء الذكائي عن أطفال المجتمعات والعوائل المفقرة المنهوبة، عبر حرمانها من حق التدريب والمراس والتمرن على استخدام الطاقات العقلية، لكي تستطيع أدمغتهم القيام بما هي مبرمجة وراثياً له، بالإضافة إلى تشذيب و صقل بنياتها تشريحياً عبر تقليم الخلايا العصبية واتصالاتها التغصنية لإنتاج أدمغة أكثر كفاءة من الناحية العقلية قادرة على الإبداع والإنتاج وحماية مستقبل بني البشر في قابل الأيام، وغير متروكة للتنكس ظلماً إلى حالة مرضية تقارب حالة المصابين بمتلازمة Down دون أن يكونوا مصابين بها لحرمانهم من حقهم في استنهاض واكتشاف طاقاتهم الدماغية وتشذيبها اللذين لا بد منهم لإبراز الذكاء الفطري والمكتسب في دماغ وعقل كل كائن بشري.
كتاب كينونة الذكاء البشري محاولة منهجية للإلمام بالمداخل العامة المتعارف عليها راهناً على المستوى الأكاديمي والتعليمي والبحثي في الجامعات العالمية، والتي لا بد من الاطلاع عليها لكل راغب في تشكيل معرفة أولية ضرورية ولا بد منها لأجل التمكن مع الاشتباك مع خبايا وتلافيف الذكاء البشري بشكل منهجي وعلمي معاصر.
والشكر موصول لإدارة دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع على تكرمها بتحمل نفقات تعريب النص الأصلي لمحتويات الكتاب من اللغة الإنجليزية إلى العربية، وتقديمه بشكل مجاني للقراء العرب الشغوفين بتطوير معارفهم واكتشاف أسرار الذكاء البشري.



#مصعب_قاسم_عزاوي (هاشتاغ)       Mousab_Kassem_Azzawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقابيل السموم الصامتة على أجساد وعقول أطفالنا
- اشتراكية للأغنياء فقط
- لماذا الأطفال أكثرعرضة لتأثيرات السموم البيئية؟
- سر التفوق الاقتصادي في اليابان
- لماذا لا نتعلم من أخطائنا السمية
- استدامة الحروب الكونية
- كم عدد السموم الموجودة في بيئتنا؟
- الطبقات العاملة الخلبية
- الوباء الصامت: التسمم بالرصاص وما كان على شاكلته
- دور البعد الروحي للأديان في المجتمع
- المعركة الوجودية لحماية الحياة والبيئة
- أعراض وأسباب سرطانات الغدة الدرقية
- قيمةُ المثقفِ الحَقِّ
- أسباب وأعراض سرطان الجلد (غير الميلانومي)
- صناعة وعي قابيل وهابيل
- المواد الكيميائية السمية التي لا رقيب عليها ومخاطرها المخاتل ...
- مراجعة لمفهوم النُّخَبِ
- نهوض الرأسمالية السمية وصيرورة الأمراض المهنية والبيئية
- أسباب وأعراض سرطان المعدة
- بصدد مفهوم الدولة-الأمة


المزيد.....




- ما علاقته بمرض الجذام؟ الكشف عن سر داخل منتزه وطني في هاواي ...
- الدفاع المدني في غزة: مقتل 7 فلسطينيين وإصابة العشرات بقصف إ ...
- بلينكن يبحث في السعودية اتفاق إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق ...
- مراسل بي بي سي في غزة يوثق أصعب لحظات تغطيته للحرب
- الجهود تتكثف من أجل هدنة في غزة وترقب لرد حماس على مقترح مصر ...
- باريس تعلن عن زيارة رسمية سيقوم بها الرئيس الصيني إلى فرنسا ...
- قبل تصويت حجب الثقة.. رئيس وزراء اسكتلندا يبحث استقالته
- اتساع رقعة الاحتجاجات المناصرة لغزة في الجامعات الأمريكية.. ...
- ماسك: مباحثات زيلينسكي وبايدن حول استمرار دعم كييف -ضرب من ا ...
- -شهداء الأقصى- تنشر مشاهد لقصف قاعدة -زيكيم- العسكرية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصعب قاسم عزاوي - مقدمة كتاب كينونة الذكاء الإنساني