أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بلال عوض سلامة - من اضراب الكرامة إلى محاولة هدرها: نزار بنات الايقونة















المزيد.....


من اضراب الكرامة إلى محاولة هدرها: نزار بنات الايقونة


بلال عوض سلامة
محاضر وباحث اجتماعي

(Bilal Awad Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 6939 - 2021 / 6 / 25 - 22:34
المحور: القضية الفلسطينية
    


لقد شعرت بالقهر البارحة(24 حزيران 2021) كما هو حال الكثيرين من الشرفاء بفلسطين بخبر الاعتقال الوحشي ومن ثم التصفية الجسدية لأحد رموز المعارضة السياسية الفلسطينية في عقدنا الحالي، الذي شكل منذ وقت طويل صوت من لا صوت له، ليتحول نشاطه الافتراضي والانتقادات الحادة للمنظومة الأمنية في الضفة الغربية إلى حالة سياسية في جميع الأمكنة، لتعبر عن الكثيرين من الذين هدرت كرامتهم على مدار عقدين من الزمن، فكان نزار بنات الناطق الرسمي باسم المهمشين والمعذبين والأحرار ولسان حال الشرفاء الذين ضاقوا ذرعاً بالأداء السياسي والاجتماعي والاقتصادي والصحي السيء للسلطة الفلسطينية، ولطالما كان شعاره الذي يردده "أنا ما بحكي إلا عشان ولادي بكرة يعيشوا بكرامة" فدفع حياته ثمناً بالقول والفعل فيما ذهب اليه ومارسه بقناعة.
كان بمقدوره أن يبقى في دفء عائلته ويمارس حياته "الطبيعية" أو ليتواطئ على أنها كذلك كحال العديد من الشعب الفلسطيني، وأن يهتم بنفسه وذويه دون المخاطرة والمغامرة والنضال، ولو فعل ذلك لما كان نزار بنات الصادق في الفعل كما الشعار، هكذا دشن بحضوره وحرصه ودمه المدرسة الفعلية التي قام بنضاله بتشييدها كما قام بافتتاحها باغتياله الجبان والرخيص، كرديف ليس متاخم وإنما كبديل للأحزاب السياسية التقليدية والبني التعليمية والمؤسساتية الحقوقية التي أضحت جزء من بنية ومنظومة النظام السياسي الأمني المتشكل بعد اتفاقية اوسلو، بل اعذروني بالقول؛ هي امتداد سافل لها بمعنى الكلمة، طالما رضيت على نفسها أن تكون محايدة في معركة الحرية والتحرر والدفاع عن الكرامة الوطنية الفلسطينية.
لقد أراد الشهيد نزار من ابنائه كما حال أبناء فلسطين أن يعيشوا معتدين بذواتهم وبأنفسهم من أجل مستقبل مزهر يخلو من القمع والقهر والخوف وامتهان كرامتهم وتحويل الفتية والشبان إلى فائض قوة منتجة للنظام السياسي الردئ أو كقوى يمكن تدجينها أو التخلص منها لو تعارضت مع المهيمنين على المشهد الاقتصادي والسياسي في مناطق الضفة الغربية والمستفيدين من سياسة الأمر الواقع المفروضة عليه استعماريا وفلسطينياً؛ من الطغمة المالية والسياسية المتربحة من هكذا منظومة واستمرارها.
دفع في حياته أثمان عدة من الاعتقال السياسي والاستدعاءات والاعتداءات والتشويه والمحاصرة والتهديد والوعيد على مدار فترة زمنية ليس بالقصيرة، وتم تركه معزولاً وحيداً لأنه الجسور والعنيد والشجاع الذي لا يكل أو ترمش له جفن لخشارم وخفففة الضباع والمرتزقة أو كما تسميهم مدرسة بنات "بالسحيجة والمناديب"، إلى اطلاق النار على منزله والتهديات الواضحة والصريحة والعلنية منذ أكثر من شهرين على حياته، مع سكوت واضح بل ومتواطئ من قبل المستوى السياسي والقضائي والحقوقي، الذي نكل بهم وقام بتعريتهم من الرئيس ورئيس الحكومة إلى النيابة العامة والمحافظ، وأخيرا المرتزقة لهذه المنظومة الطفيلية، وكأن بمعاناته هو واسرته قد قام بتطهير آثامنا أو أخطائنا لتركه وحيدا في معركة يفترض أن تكون معركتنا وليس معركته وحيداً.
هنالك الكثير من الأسباب التي تقف سبباً وراء اسكات صوته وتصفيته جسدياً فملفات الفساد التي استطاع كجراح ماهر في تشريحها في الكشف عن المستور والمغمور والممنوع الحديث عنها، التي تتنافى مع كل ما ذهب اليه الفلسطينيون في سبيل التحرير والتحرر من الاستعمار واستعادة الكرامة الانسانية للفلسطيني، ولكنني أزعم بالقول أنه عوقب وسحل وضرب "بالعتلات" وكعب البنادق والمسدسات لأنها أصبح يمثل الضمير واليقظة والرمز والكرامة بوضوح وجرأة لمرحلة ما بعد حرب الأمكنة في القدس ومعركة سيف القدس اللتا استعادتا الفلسطيني الجديد بالشكل المعنوي والمادي الفاعل كما يفترض أن يكون، الأمر الذي يشكل خطراً على استمرار هكذا منظومة التي بدأت بفقدان هيبتها وحضورها بعد سلسلة هائلة من الاخفاقات.

اضراب الكرامة:
لم يكن من المستغرب أن يطلق على الاضراب الذي عمّ فلسطين من البحر إلى النهر بإضراب الكرامة بتاريخ (18 أيار 2021) من قبل الناشطين والمناضلين والشبان في المناطق المستعمرة عام 1948، الذي سرعان ما تم تبنيه والاستجابة له في كل الأمكنة الفلسطينية، بل وتلبية للنداء الفلسطيني الفلسطيني كتتويج للتحديات وتهديد الهوية والانتماء للمعركة التي بدأت على باب العامود ومن ثم محاولة اجتثاث حي الشيخ جراح إلى الدفاع عن باحات وساحات المسجد الأقصى، ودخول المقاومة الغزية بقوة السيف وحدته للدفاع عن الفلسطيني.
أطلق عليه "الكرامة" من أجل استعادتها وانتزاعها من المنظومة الاستعمارية على كافة الأمكنة الفلسطينية، والالتزام الحديدي الذي سرعان ما انتشر في البلاد، عبر عن احترام وتقدير لهذه الكرامة الانسانية الفلسطينية التي افتقدها الفلسطيني لخضوعه للمنظومة الاستعمارية والتمفصلات السياسية المنبثقة عنها والتي تتساوق معها في نظام المواطنة "والأسرلة" لفلسطينيي 48 أو منظومة التطبيع المجتمعي لمناطق السلطة الفلسطينية، هذا السلوك "العقلاني والوطني" نابع من كون أهمية استعادة كرامة وهيبة وحقوق الفلسطيني والعمل على حمايتها والدفاع عنها، كبينة بديلة للإذعان والارتهان والعبودية والقبول بالاستبداد، لتصبح كرامة ومصير الفلسطيني ممتدة حيثما يتواجد الفلسطيني.
لم يكن العلم الذي يوحد في شكل الحضور والتدفق الى الشوارع وجميع الأمكنة، التي كنا نتوقع بعضها وأخرى لم نتوقعها، انما أيضا بالتعبئة الشعبية والوطنية والحراكات الشبابية والفعاليات الوطنية والاسلامية التي انتظمت تحت شعار الوحدة الوطنية ووحدة الدم والحدود والكرامة الفلسطينية، لتعلن عن ولادة حقيقية فلسطينية افتقدنا لها على مدار أكثر من ربع قرن على الأقل، فقطاع غزة يستجيب للقدس، وغزة تستجيب للرملة ويافا، والخليل تنهض لتدافع عن حضورها في القدس والشيخ جراح، ونابلس تلبي استغاثة حي الشيخ جراح في تكامل وظيفي وطني متكامل في الأدوات النضالية وتنوعها في الأمكنة.
إضراب الكرامة ومن بعده الانتصار لحرب الأمكنة في القدس وسيفها أسس لبداية الاعلان عن عودة جديدة للفلسطيني الفاعل والناهض من تحت ركام ومنظومة الاكراهات للبنية الاستعمارية وتمفصلاتها السياسية في مناطق 48 و67، لتعلن عن أن التاريخ والمصير والمستقبل المشترك الفلسطيني هو مفتاح الاستعادة وانتزاع الكرامة من هذه المنظومة التي تعمل بكل جهدها وسياساتها لتوطين الذل والامتهان والرضوخ للفلسطيني بكافة صورها؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية وحتى الوجودية، لينهض الفلسطيني بقوة وشجاعة لمقاومة عنيدة استطاعت هز الكيان الاستعماري، وضع امكانية سيناريوهات التحرر والمعركة الحاسمة موضع التجريب.
هذه الجرأة والمغامرة في ادارة المعركة وحالة الاجماع كما اظهرها التمثُل في الالتزام بالاضراب وانتصار المقاومة أعطى بواعث أمل وواقعية وحقيقية عن تفكيك منظومة الارهاصات والتبشير بمستقبل واعد يضمن للفلسطيني الكرامة والحياة والحرية والتحرر والحيوية الثقافية التي تمثل في تنوعاتها: من ذلك الشيخ في خطبته حول "شبابنا ملاح" إلى خطاب القائد السنوار للبنات والرجال "الفري- free" ودورهم في المعركة، إلى الصلوات والدبكة والرقص في نفس الحيز المكاني على باب العامود او في الرملة وعكا ودير الاسد وام الفحم، الذي أعلن عن حضوره وبنفس الوقت قبوله لأنه تعبير عن الفلسطيني الواحد في المصير والمتعدد للخيارات في الحياة.

لم يكن نزار بنات كما غيره من الناشطين والمناضلين بعيداً عن هذه المعركة والاستعادة الحقيقية للفلسطيني، الذي كان يبشر به وبعودته من جديد الشهيد بنات، فتصريحات وتوصياته وبث الوعي والتحريض الوطني والنصح الوطني لكافة الأماكن آخرها، الفيديو الذي سجله الشهيد حول المعركة التي سطرها حراس جبل صبيح بقرية بيتا (1)، وهي نفس الليلة التي تمت فيه تصفيته، ومشددا فيه على أنه من الممنوع أن خسر معركتنا في جبيل صبيح، فصمودنا وانتصارنا فيه مدخل جديد لنصر آخر قادم في أمكنة أخرى.
إن اضراب الكرامة والمعنى الرمزي والمعنوي له لم يكن بعيداً عن شعار الشهيد نزار بنات ""أنا ما بحكي إلا عشان ولادي بكرة يعيشوا بكرامة" فاستطاع الشهيد بنات الربط والوصل بين التحرر الوطني والحرية والكرامة في الحياة الانسانية في معركة الفلسطيني الذي طمح ودفع حياته ثمناً في سبيلها.

منظومة الاخفاقات والهدر للكرامة:
في مكان آخر ليس ببعيد، ومنذ مدة طويلة اصبحت السلطة الفلسطينية وأداؤها في كافة المواقع والمناشط والخدمات تراكم خيباتها وأخفاقاتها، بل أصبحت جزء وعقبة تحول دون انتزاع الفلسطيني لحريته من الاستعمار الاحلالي الصهيوني حسب رأيي ورأي الكثيرين، فعطب في السياسة وحالة من التكلس والتخدر في المشهد المكاني الفلسطيني افضى إلى عزل وتفكيك كل البنى الجمعية الفلسطينية السياسية منها والوطنية، إلى البنى الاجتماعية وهيمنة ثقافة التكسب والاكتساب والفردانية المفرطة والانتهازية لحياة الفلسطيني واستبدالها وتعويمها على حساب البني القيمية والاخلاقية التي تعزز المنعة والجلد والصمود الوطني لمواجهة هكذا تحديات وهكذا تفرد وتوغل في الحقوق، إلى الترهل والفساد الاداري والمالي وحتى السياسي وسيطرة طغمة مالية وسياسية على موارد ومصادر الفلسطيني واستغلالها في مزيد من الإغناء الفاحش والمتوحش على حساب دماء وحقوق الفلسطيني، الذي أخذ الفقر والاذلال طريقاً إلى وعيه في مواجهة هكذا اكراهات لوحده في غياب وتغييب للبني الجمعية السياسية والاجتماعية.
لم تعد المنظومة السياسية والأمنية في مناطق السلطة الفلسطينية بعيدة عن حالة التنكيل بكرامة ووجود ومفهوم الفلسطيني لذاته، والذي تم العمل فيها على خلق انسان يقيس حياته وخياراته على أرضية "المصالح" "والمكسب والخسارة" وانسان ذو بعد واحد بمفهوم ماركيوزة، خلقته المنظومة السياسية على شاكلتها أو على أقل تقدير غير قادر على تحديها ومعارضتها إن نفذ من سياسات وممارسات التطبيع المجتعي في هكذا بنية؛ التي يغيب فيها الانصاف والعدل والنزاهة واستقلالية القضاء، وصولاً إلى الغاء حرية الاختيار في الحياة السياسية من قبل الجماعة السياسية المهيمنة على السلطة الفلسطينية وذلك بالغاء الانتخابات التي كان من المفترض اجراؤها في آخر شهر أيار الماضي، والتي لم تعد حركة فتح لديها القدرة على التأثير فيها أو التماهي بها بنفس الدرجة والاقتناع كما كانت في السابق، وهذا ما تحسسناه من بعض الشبان المنخرطين في حرب الأمكنة مؤخراً فهم حاضرين كأفراد ولكن ليس كتنظيم.
لم يكن صمت القيادة الرسمية في السلطة هو المعيب في المواجهة الحالية في حرب الأمكنة وهو رأي الفتحاوي الأصيل قبل اي شخص آخر منتمي أو غير منتمي لفصيل سياسي، وإنما سلسلة من التوغل في الحقوق والفساد القانوني والقضائي والمالي واحكام السيطرة عليها بيد واحدة في السلطة متمثل بشخص الرئيس محمود عباس وبعض من المحيطين به، وحالة التشظي تلك، كان من الممكن حدوثها في حركة فتح في حال اجراء الانتخابات كتعبير عن عدم الرضا عن الاداء السياسي والوطني العام من القيادة المهيمنة على المشهد المكاني الفلسطيني، في المقابل استطاعت حركة حماس وفصائل المقاومة الاخرى ترميم التصدعات والتناقضات لديها عبر الانخراط في المقاومة التي شكلت/ تشكل حالة من الاجماع الوطني الفلسطيني.
إن هدر الكرامة للفلسطيني هو السبب وراء تغول السلطة وهيمنتها وتفردها على المشهد والمناخ السياسي في ظل غياب التعددية المفترضة في الحالة الفلسطينية، فالهدر للكرامة الشخصية والوطنية هنا تعني اسقاطها، أو اذلالها كما اذلال الوطن بالمعنى الاصطلاحي، ولكن من الناحية الوظيفية هدر الكرامة يوقف الشعور بالالم والقهر والاستخفاف به او باهانته تحت تهديد القمع وقطع الارزاق أو الآن التصفية الجسدية كما الشهيد نزار بنات، إن هدر الكرامة للفلسطيني يخدر العقل والوعي والمروءة والاصالة يخدرك لدرجة أن الذي كان يؤلمك من قبل ليس كذلك بعده، وغير قادر على مواجهة المذلة ومنظومتها في ظل غياب بنى وطنية وسياسية تشكل مدافعا وحامياً ورافعاً لها، فيتحول النشر على الفيس بوك عبر شعار أو فلم تنتقد فيه أو الاعجاب لآخر مدعاة للسحل والتنكيل والحبس والتعذيب، بل بالقتل "بالعتلة" كما تم إدخالها في خدمة آلة القتل والقمع .
يساعدنا وفي وصف الهدر كتاب حجازي(2)، حينما يهرب الانسان المهدور -وهو في هذه الحالة الفلسطيني- من هكذا الم ومعاناة وامتهان خوفاً من مواجهة المشاعر والافكار التي تولدها بنية السلطة وممارستاتها وذيولها ومناديبها وبطشها حتى "لا يعيش بذعر متواصل نتيجة الخواء" فإما ان ينفجر ويعبر عن غضبه أو يقدم على الانتحار كفعل يعكس ذعره وتوتره الوجودي غير القادر على التحمل.
نستطيع فهم سلوك ومواقف الشهيد بنات في هذا السياق، الذي لم يكن امامه خيار إلا الانفجار في وجه الاستبداد والتسلط والقمع والتوغل والتغول لحماية كرامته وكرامة ابنائه بل وكرامتنا ولابنائنا، فحتى الالم والخوف الذي قد يكون قد اختبره، قد حوله إلى غضب وتعرية للسلطة وتحريض وتوعية للفلسطيني المهدور الدم والوجود، لقد شكل بتضحيته الفدائي والفادي وحيداً ولم يتنظرنا حتى في أكثر حاجته لنا، فلقد كانت كرامتنا مهدورة ازال الغشاء عنها بنات باستشهاده، ونعتذر منك ولاسرتك على خذلاننا لك ولترك وحيدا في تحدي هذه المنظومة الحقيرة، فدماؤنا واجسادنا ليست أغلى من دماؤك وجسدك، فلتحضر هذه المنظومة "عتلة" لكل واحد منا، لأننا وصلنا من الوعي مرحلة لن نعود إلى المكان المهدور الذي كنا فيه، لأن هدر الكرامة كما يقول حجازي "في احدى معانيها" أن تهادن الاخفاقات والفساد والقمع والاذلال خوفاً من تزايد الاهانات التي لم نعد بمقدورنا تحملها، فإما الانفجار او الإنهيار والاندثار.
إن حضور الشهيد ابو كفاح "نزار بنات" شكل بديلاً عن حزب سياسي لوحده في مجابهة وتعرية الفساد والمفسدين في السلطة والطغمة المالية الفاسدة، وقاتل على كل الجبهات والمعارك وحيداً لحماية كرامة الفلسطيني من الفساد الديني والوزارات الاجتماعية والعمال ..الخ، إلى التنسيق الأمني، واهمية النضال والمقاومة واستمرارها، والاعتراض على الغاء الانتخابات، وخطورة الفساد القانوني والقضائي، إلى الدفاع عن المقاومة، إلى فضح وتعرية كل من كان وراء صفقة استبدال اللقاحات الفاسدة مع الاستعمار الاحلالي الصهيوني (3)، والذي يعتقد البعض انه سبباً وراء أخذ القرار باعتقاله إن لم يكن باغتياله؟.
باعتقادي أن قضية اللقاحات الفاسدة واستبدالها ليست السبب الوحيد وراء سلوك السلطة الفلسطينية، فبعد الموت المطبق والاحراج في تنصل القيادة عن دورها في حرب الأمكنة في القدس وسيفها، وحتى المواقع التي اختبرت مقاومة شعبية تتلاءم مع خطاب السلطة إلا انها لم تكن حاضرة، إلى حضور وانتشار تأييد المقاومة الغزية في الضفة تمثل برفع رايات حركة المقاومة الاسلامية حماس في رام الله في يوم انتصار ووقف اطلاق النار المتزامن (بـ 21 ايار 2021)، إلى الاخفاق الدبلوماسي والسفراء في بعض الدول الأوروبية والاسلامية في التعبير عن القضية الفلسطينية في الصورة والصوت أمام ومرأى الجميع الذي اتفق فيه على ان محمد ومنى الكرد استطاعوا تمثيل قضيتنا أكثر من السفراء، إلى الغاء الانتخابات وضع السلطة في موقف لم يعد بالمقدور الدفاع عنها حتى من اقرب المقربين لها، نزار كان مهاجماً شرساً وكان رأس حربة في تعرية السلطة وافقادها هيبتها امام كرامة وحقوق ومطالب الفلسطيني التي لم تستطيع السلطة الاستجابة إلا بمزيد من القمع، بدأت بسلسلة من الاعتقالات بمسيرة الاحتفاء بالمقاومة وانتهاءا بسلسلة من التحريض الممنهج المفضي الى هدر دم الشهيد نزار بنات.
إن نزار بنات شكل ايقونة صاعدة لم تكن محسوبة على حزب/حركة سياسية فلسطينية وإن كان قد عزم أمره على الترشح للانتخابات التي تم الغاؤها تحت اسم قائمة "الحرية والكرامة" التي عبرت عن المواقف والخط السياسي الذي يتبناه الشهيد من الحرية إلى استعادة الكرامة للفلسطيني.

قائمة الشهيد "الحرية والكرامة":
ليس مستغرباً من هذا الرجل أن يشكل قائمة انتخابية بنفس الشعار الذي يؤمن به هو وزملاء له تحت مسمى "الحرية والكرامة"، والتي حاولت الوصول لبرنامجها السياسي، ولكن لم احصل عليه بسبب عدم اجراء الانتخابات والاعلان عن الغائها من قبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ولكن كان من السهل التعرف على البرنامج السياسي والاجتماعي والقانوني عبر المواقف التي عبر عنها الشهيد ورئيس القائمة من خلال الصفحة الالكترونية للقائمة (4) وتصريحات الشهيد.
لم يكن الشعار الذي اطلقه الشهيد أنا ما بحكي إلا عشان ولادي بكرة يعيشوا بكرامة" الا تجسيدا وامتداداً لبرنامج العمل السياسي الذي يؤمن به ويمارسه، وقرر مع زملاء له خوض الانتخابات على ان تكون اسم القائمة الحرية والكرامة، هذه الحرية التي تعني حسب تصريحات الشهيد والقائمة دليلاً على برنامج يفضي الى التحرر من الاستعمار والمقاومة الوطنية بكافة اشكالها، وحرية الفلسطيني وكرامته في التعليم والصحة والاقتصاد والقانون والامن وشروط تعيين المحافظين والقضاة كجزء من برنامج انتخابي ينظم مواقفهم في الحياة السياسية التي تم تكبيلها وايقافها.
كان نزار بنات على وجه الخصوص يؤمن باحترام كرامة الفلسطيني من حيث الايمان باعطائه هيبة واحترام وتقدير في هكذا منظومة والقائمة على القهر للكرامة والحرية في خضم سلبي ثناثي في منظومة استعمارية، وكان الشهيد يؤمن بانسانية وحقوق الفلسطيني من خلال اعادة صفة الانسانية التي عمل على نزعها منه استعماريا وفلسطينيا، ولعله أدرك خطورة الهدر وبنيته من خلال تركه وحيداً في مواجهة بنية أصبحت تؤثر على المنظومة القيمية والمسلكية للفلسطيني، ولعله افترض أن الكمون الذي نعاينه ليس هدراً، ولهذا آمن بامكانية النهوض واستعادة الفلسطيني الجديد خلال حرب الأمكنة في القدس وسيفها، وامكانية اجراء الانتخابات كنافذة للتغير في المصير والمستقبل الفلسطيني، فالقمع أقل وطاة وأخف من الهدر، فالفلسطيني لم يعلن عن هدره بالكامل وإنما يعيش في بنية تقهره، فالإنسان المقهور بمفهوم حجازي(5) "يحتفظ بذاته الداخلية وهنالك امكانية لأن يثور" ويتنفض على الانظمة المستبدة، في حين أن الهدر "يأخذ طابع الظلم وعدم الانصاف ليتحول الانسان إلى أداة" طيعة في أيدي تلك الأنظمة.
وهذا ما سطره الفلسطيني في المواجهة الحالية على أنه مقهور بشكل اجتصاسي، بحيث أنه في معركة حرب الأمكنة افصح عن قدرته على الانتفاض والعودة من جديد واستعادة وجوده وحضوره وكرامته والتعبر عن رفضة ونضاله بكافة الوسائل الممكنة والمتاحة حسب الاماكن، شكل نزار في خضمها بوصلة مهمة في هكذا مرحلة حتى لو تم هدر دمه ودفع حياته ثمن للرسالة التي اراد ايصالها، ولكنه تحول لأيقونة.

باستشهاده شكل ايقونة:
في خصم المعارك التي كان يفتحها ويخوضها الشهيد نزار وتعريته لمنظومة اوسلو، تحول يوماً بعد يوم إلى مؤثر ومحرج ومفقد لهيبة هكذا منظومة لا تجيد لغة الحوار كما تجيد السحل والقمع والتنكيل بالمعارضين سياسياً، ولم يكن بمقدور هذه المنظومة اسكاته عبر الاعتقالات العديدة التي اختبرها، والاضرابات عن الطعام التي خاضها كشكل من أشكال الاحتجاج على عدم قانوية الاعتقالات والاستداعات تلك، فهو حسب قوله أن سيفشلون قضائياً وقانونياً، ولهذا لا يستغرب قرار اعتقاله من منطقة تقع خارج "صلاحية السلطة الامنية" بالاعتقال وبالتنسيق مع الاستعمار، مما يجعلهم شركاء في السحل والاعتقال والتصفية نتيجة الممارسات العنيفة والهمجية التي استخدم فيها عدة ادوات في التنكيل به بما فيها "عتلة " قطعة من الحديد تستخدم لخلع المسامير أو الاقتحام".
تواجد في تلك المنطقة منذ شهرين حينما تم اطلاق النار على منزله حينما لم يكن موجود فيه، مما دب الرعب والخوف لدى عائلته وزوجته وابنائه، ونتيجة لشعوره بتهديد مطبق على حياته قرر الانتقال إلى تلك المنطقة وليس لكونه مطلوب كما يشاع، ولحماية عائلته، في سلسلة منشورات يتوقع فيها تصفيته، نشر على موقعه بتاريخ (4 حزيران 2021) الخطوات التي تتبعها السلطة في حال قامت بالاغتيال من خلال خمسة نقاط، وهي:
1. التعميم على التنظيم ومنتسبي الأجهزة بعدم الكلام في الموضوع نهائياً، 2. محاصرة حالة التعاطف مع الضحية، بفرض الصمت المطبق، حتى لا يكون استنكار الهجوم موقفاً اجتماعياً عاماً، 3. بعد يومين أو ثلاثة، يبدأوون ببث الاشاعات أن الموضوع ليس سياسي، بل اجتماعي، او غيره، ويبحثون عن قصص تضع الضحية موضع شك بدل الاجماع، 4. محاولة انكار وقوع الجريمة ذاتها، والتشكيك بالرواية من أساسها، 5. استخدام دوائر الضغط الاجتماعي المتحالفة مع السلطة من أجل طمر القضية.
يعبر في مشاعره ووعيه المدرك جيداً لاسلوب ولطريقة السلطة في كيفية التعاطي مع المعارضين لها، خصوصاً حالة الحسار والحصار والهجوم وحملة من التشويه شارك فيها متنسبي الأجهزة الأمنية ومنهم أيضا برتبة محافظ من محافظة أخرى في محاولة لتشويهه، واستخدام تسجيل فيديو للشهيد في مناسبة يهاجم فيها النظام السعودي وتجتز جزء منه ولتقدمه في إطار الكفر، والتكفير الديني بالفيديو الذي نشر وتصدى له الشهيد كما للاتهامات والتهجمات عليه.
إن الهجوم استهدف/العزل هدفه نزع السمة الانسانية عن الشهيد ومحاوله تشويهه وتكفيره من أجل النيل من سمعته وافقاده التأييد المجتمعي والالتفاف الجماهيري حوله، فكانت مقدمة لهدر دمه ولطمس الدعم الاجتماعي والوطني والمحترمية التي حظي بها كان قد توقعها الشهيد في حال قررت السلطة اغتياله، هذا النزع يعطي سهولة لقتله وسحله وإباحة دمه دون أدنى شعور بالذنب أو الخجل من قبل القوة الأمنية التي شاركت بالتصفية الجسدية عبر هجموم وحشي ودموي عبرت عنه مؤسسة الحق والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في تقريرها الأولى عن الحادثة التي قالت فيه أن الموت لم يكن"طبيعياً".
لقد حاولوا تحطيم معنويات الشهيد بنات، ولكن لم يستيطعوا ذلك، فمنعوياته وصلابته اقسى من عتلاتهم، لقد حطموا عظامه لمدة 8 دقائق من الضرب والتنكيل، ولكنه بقي واقفاً شامخاً على قدميه حتى لحظة إدخاله بعنوة للسيارة وبطريقة عنيفة، لقد قاموا بتعريته وسحله إلى الشارع، ولكنه هو الذي كان يعريهم ويعري منظومتهم القمعية، لقد قتلوه وقاموا بتصفيته جسدياً، ولكنه تحول لأيقونة ولمدرسة ولاشارة في الاستمرار والنضال من أجل الحرية والكرامة، نزار بنات حي فينا في مقابلاته وفيديوهاته وتصريحاته: قوموا بنشرها فالفكرة لا تموت كالشهداء.





(1). موقع الشهيد نزار بنات على الفيس بوك على الرابط الالكتروني:
https://www.facebook.com/nizar.banat.alajouri/videos/982406142577192
(2). حجازي، مصطفى (2007). الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية. بيروت : المركز الثقافي العربي.
(3). موقع الشهيد نزار بنات على الفيس بوك على الرابط الالكتروني:
https://www.facebook.com/104858951247903/videos/488524622440666
وعلى الرابط:
https://www.facebook.com/104858951247903/videos/980478442719822
(4). على موقع الفيس بوك لتجمع الحرية والاستقلال
https://www.facebook.com/groups/2560655657561469
(5). حجازي، مصطفى (2007). الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية. بيروت : المركز الثقافي العربي.



#بلال_عوض_سلامة (هاشتاغ)       Bilal_Awad_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلعة بيتا: فهم الجنون في السياق الاستعماري
- قرية بيتا: نموذج نضالي -لتنظيف المكان-
- درس (15) الإضراب؛ استعادة الحيوية الثقافية
- درس (14) تجذير الوعي بالإمكانية التاريخية
- درس (13) حينما يتحول البيت -كمكان- إلى ساحة للقهر:
- درس (12). في معنى حد -سيف القدس- لحرب الأمكنةf
- درس (11) ثرثرة نوستالجيا الانتفاضة الشعبية للطبقة الوسيطة؟
- درس (10) وبيان غير رسمي رقم(98) بتاريخ 10/5/2021: المطلوب اس ...
- درس (9) فهم هوية الحضور في باب العامود، لنتعلم الدرس في حي ا ...
- درس (8) ما بعد -التطبيع المجتمعي-: خيار التدفق إلى الشوارع ب ...
- درس (7) واقعة باب العامود؛ استعادة المكان رمزياً،،، فن الحضو ...
- درس (5). في خلفية المشهد والسياق والفعل الفردي/الجمعي في الق ...
- درس (6) ميلشيات المستوطنين؛ استباحة الجسد وطمس الهوية الفلسط ...
- درس (4) في تأطير مكان باب العامود بالقدس: رئة الحياة وشبكة ا ...
- درس (3) اللامكان المقدسي؛ في استلاب المكان ومعناه في البلدة ...
- درس (2) في معنى المكان: القدس كبلدة -الله والفلسطيني- العتيق ...
- درس (1) من دروس شباب باب العامود؛ من الدندرة إلى الجكارة؛ با ...
- محاولة أولية لتفهم الأرقام الكورونية -بين أزمة وتأزيم-‏
- تسعة وستون عامًا على النكبة: الثقافة السياسية والتمثيل للاجئ ...
- الشباب الفلسطيني اللاجئ؛ بين مأزق الوعي/ والمشروع الوطني وان ...


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بلال عوض سلامة - من اضراب الكرامة إلى محاولة هدرها: نزار بنات الايقونة